قبل التجلي بستة أيام أنبأ السيد المسيح تلاميذه عن آلامه وموته وقيامته، وقد سجل القديس متى الإنجيلي ذلك بقوله: "من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم" (مت16: 21).
أراد السيد المسيح بذلك أن يجعلهم يفهمون أنه سوف يبذل للموت نفسه بإرادته، وأنه سوف يقوم بسلطانه الإلهي.
كان ينبغي لكي يخبرهم بقيامته أن يخبرهم بموته، لأنه لا توجد قيامة إلا من الموت. ولولا الموت لما كانت القيامة.
كانت القيامة هي أقوى برهان على لاهوته، وعلى خلوه من الخطية الأصلية التي لآدم. وكذلك برهان على بره الكامل، ونقاوته المطلقة في حياته الإنسانية، وعلى قبول ذبيحته أمام الله الآب لغفران خطايا العالم.
إن قيامة السيد المسيح من الأموات، هي عماد الديانة المسيحية، وموضوع شهادة الآباء الرسل للعالم، بحسب وصية الرب لهم "تكونون لي شهودًا" (أع1: 8). وحينما أرادوا أن يختاروا من يحل محل يهوذا الإسخريوطى ويأخذ وظيفته الرسولية قالوا: "فينبغي أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج، منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنّا يصير واحد منهم شاهدًا معنا بقيامته" (أع1: 21، 22).
وقد أزعجت شهادة الرسل لقيامة السيد المسيح رؤساء كهنة اليهود والفريسيين والصدوقيين، وحاولوا أن يمنعوها بكل الوسائل. سواء بالتهديد والوعيد أو بالتنكيل والتعذيب. ولكن كانت إجابة الآباء الرسل الثابتة هي "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع4: 20).
وحينما شفى بطرس ويوحنا الرسولان الرجل الأعرج عند باب الهيكل الذي يقال له الجميل "بينما هما يخاطبان الشعب أقبل عليهما الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون، متضجرين من تعليمهما الشعب وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات. فألقوا عليهما الأيادي ووضعوهما في حبس إلى الغد.. وحدث في الغد أن رؤساءهم وشيوخهم وكتبتهم اجتمعوا إلى أورشليم مع حنان رئيس الكهنة وقيافا ويوحنا والإسكندر وجميع الذين كانوا من عشيرة رؤساء الكهنة" (أع4: 1-3، 5، 6). فقال لهم الآباء الرسل: "فليكن معلومًا عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأموات. بذاك وقف هذا أمامكم صحيحًا" (أع4: 10).
في كل عظة للرسل كانوا ينادون بقيامة الرب يسوع المسيح من الأموات:
· ففي عظة يوم الخمسين قالوا: "الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه" (أع2: 24).
· وقالوا أيضًا: "يسوغ أن يُقال لكم جهارًا عن رئيس الآباء داود أنه مات ودُفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبيًا وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه، سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه لم تُترَك نفسه في الهاوية، ولا رأى جسده فسادًا. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك" (أع2: 29-32).
· وفي عظة باب الهيكل الجميل قالوا: "إله آبائنا مجَّد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (أع3: 13-15).
· وإلى جوار ما سبق أن ذكرناه في حوار بطرس ويوحنا مع رؤساء اليهود بعد شفاء الأعرج عن قيامة السيد المسيح فإن حوارًا آخر قد دار بعد القبض على كل الآباء الرسل ووضعهم في حبس العامة، وإخراج ملاك الرب لهم في الليل من السجن، وإحضارهم في اليوم التالي "فلما أحضروهم أوقفوهم في المجمع. فسألهم رئيس الكهنة قائلًا: أما أوصيناكم وصية أن لا تعلِّموا بهذا الاسم، وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان. فأجاب بطرس والرسل وقالوا: ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس. إله آبائنا أقام يسوع الذي أنتم قتلتموه معلّقين إياه على خشبة" (أع5: 27-30).
· وفي خطاب استفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء أمام مجمع اليهود قال: "ها أنا أنظر السماوات مفتوحة وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع7: 56).
· وعندما أرسل الرب بطرس ليكرز بالكلمة في بيت كرنيليوس الذي كان من الكتيبة التي تُدعى الإيطالية قال عن السيد المسيح: "ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم. الذي أيضًا قتلوه معلقين إياه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث. وأعطى أن يصير ظاهرًا، ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فانتخبهم لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات" (أع10: 39-41).
· وفي أنطاكية بيسيدية قال بولس الرسول في مجمع اليهود عن السيد المسيح: "ولما تمموا كل ما كُتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر. ولكن الله أقامه من الأموات. وظهر أيامًا كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب. ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا؛ إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضًا في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك. إنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضًا إلى فساد" (أع13: 29-34).
في هذا الخطاب ربط القديس بولس بين بنوة المسيح لله في قول المزمور: "أنت ابني" (مز2: 7) وبين القيامة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأن القيامة كانت نتيجة حتمية لاتحاد اللاهوت بالناسوت.. إذ أن الذي مات بحسب الجسد هو هو نفسه القدوس الحي الذي لا يموت بحسب لاهوته. وقام بسلطانه الإلهي منتصرًا على الموت، لأنه قَبِل الموت بإرادته وليس انهزامًا أمامه.
وقد ربط القديس بولس مرة أخرى الأمرين معًا في رسالته إلى أهل رومية بقوله عن إنجيل الله: "الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة، عن ابنه. الذي صار من نسل داود من جهة الجسد. وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات. يسوع المسيح ربنا" (رو1: 2-4). أي أن القيامة كانت برهانًا قويًا على بنوة السيد المسيح للآب.
· وحينما تكلم القديس بولس الرسول في أثينا في أريوس باغوس شهد لقيامة المسيح فقال: "فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيًا عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يومًا هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيّنه مقدمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات" (أع17: 30، 31).
· وفي خطابه أمام أغريباس الملك قال: "إن يُؤلَّم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات مزمعًا أن ينادي بنور للشعب وللأمم" (أع26: 23).
وهكذا نرى كيف اهتم الآباء الرسل القديسون بالشهادة لقيامة السيد المسيح في كرازتهم بالإنجيل، وتعليمهم للشعب، ومجاهرتهم بالإيمان.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/testimony.html
تقصير الرابط:
tak.la/fqat8va