بعد أن تحدث السيد المسيح عن حبة الحنطة وموتها لكي تثمر، خيَّر التلاميذ بين أحد طريقين:
الأول: هو طريق الشهرة، والارتباط بمجد العالم والاستناد إلى سلطانه.
الثاني: هو طريق الصليب والموت عن العالم..
لهذا خاطبهم قائلًا: "من يحب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه في هذا العالم، يحفظها إلى حياة أبدية. إن كان أحد يخدمني فليتبعني، وحيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي" (يو12: 25، 26).
أراد السيد المسيح لخدامه أن يسلكوا نفس الدرب الذي سلكه هو، أي طريق الصليب، مرتفعين بقلوبهم نحو الجلجثة.
لا يمكن أن تنجح الخدمة بعيدًا عن الصليب: فالصبر صليب، والاحتمال صليب، والشهادة بكلمة الحق صليب، والسلوك في طريق البر والفضيلة صليب، والطاعة والخضوع صليب، وإنكار الذات صليب، وممارسة المحبة الباذلة الحقة صليب، والسهر على الرعاية صليب..
الصليب هو العلامة، وهو الختم، وهو الجسر، وهو الملتقى، وهو سلاح الغلبة، وهو قوة الله للخلاص..
المسيحية ليس لها وجود بدون الصليب، بل هي بدون الصليب كالعُرس بلا عريس، وكالوليمة بلا ذبيح..
الصليب في حياة خادم المسيح، هو التحرر من الأنا التي تستعبد الإنسان وتذله وتمنعه من أن يحب غيره..
الصليب هو الانفتاح على الآخرين بدافع الحب المقدس، والخروج من سجن الذات البغيض إلى حرية المحبة، التي تعرف كيف تقود غيرها نحو حياة القداسة..
الصليب هو الطريق إلى المجد الحقيقي.. وهذا يقودنا إلى تكملة حديث السيد المسيح: "إن كان أحد يخدمني يكرمه الآب" (يو12: 26).
الخادم الذي يتبع السيد المسيح في طريق الصليب، يمنحه الآب السماوي الكرامة الحقيقية.
وهذه الكرامة هي نعمة الروح القدس الذي يمسح كلام الخادم، حتى يصير لكلامه سلطان أن يغيّر قلوب سامعيه..
الروح القدس يشفع بأنات لا ينطق بها في صلوات الخادم، حتى تأتي صلاته إلى حضرة رب الجنود. فتكون صلاته مستجابة في كل زمان ومكان حتى بعد تركه لهذا العالم، يستطيع أن يقدم الشفاعة التوسلية أمام الله عن كثيرين.
الروح القدس الذي يرافق كلام الخادم، ويتكلم في قلبه، لينطق بحسب مشيئة الله، فتتحقق جميع كلماته، مثلما قيل عن صموئيل النبي "كان الرب معه ولم يدع شيئًا من جميع كلامه يسقط إلى الأرض" (1صم3: 19).
ما أجمل أن ينال الخادم الكرامة الحقيقية من الآب السماوي، مثلما فعل السيد المسيح الذي رفض مجد الناس، واحتمل الآلام بسرور في طاعة كاملة لله أبيه.
اختار تلاميذ السيد المسيح الأوفياء أن يتبعوا السيد المسيح كما أوصاهم، وحملوا الصليب من خلفه، وبذلوا حياتهم بفرح لأجل اسمه، فاستحقوا أكاليل المجد السماوي في عملهم الرسولي العجيب.
ومن الجانب الآخر يحدثنا الإنجيل عن كثير من رؤساء اليهود الذين آمنوا بالسيد المسيح "غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به، لئلا يصيروا خارج المجمع، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله" (يو12: 42، 43).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/serve.html
تقصير الرابط:
tak.la/g5c43s5