أكمل السيد المسيح تعليمه لتلاميذه قائلًا: "ومتى صليت فلا تكن كالمرائين. فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صليت، فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك، وصلِ إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية". (مت6: 5، 6).
كما قدّم السيد المسيح تعليمًا عميقًا عن الصدقة المقبولة، هكذا تكلم عن الصلاة المقبولة أمام الله.
أول شرط قدمه السيد المسيح للصلاة المقبولة، أنها هي الصلاة التي لا تبحث عن مديح الناس ولا حب الظهور، ولا تستجدي إطراءهم.. الصلاة المقترنة بمشاعر الانسحاق والتواضع لأن "الذبيحة لله روح منسحق، القلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله" (مز 51: 17).
على الإنسان المُصلي أن يختار بين أمرين: إما أن يوجه اهتمامه وصلاته إلى الرب، أو أن يوجه هذه الأمور نحو الناس.. ولا يقدر إنسان أن يخدم سيدين..
لهذا قال معلمنا يعقوب الرسول: "رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه. وليفتخر الأخ المتضع بارتفاعه" (يع1: 8، 9).
وينطبق على الإنسان المنقسم في قلبه قول يعقوب الرسول أيضًا: "فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب" (يع1: 7).
الإنسان الذي يصلي ليظهر أمام الناس أنه رجل صلاة وعبادة، يأخذ أجره مديحًا من الناس ويفقد أجره السماوي.. إلى جوار أن صلاته لا تكون مستجابة لأنها لم تقدّم بقلب خالص أمام الله. يضاف إلى ذلك أن يكون قد خسر فضيلة الاتضاع وبدأ قلبه يرتفع.. وهذا منتهى الخطورة على حياته الروحية ومحاربته للشياطين. أما المنكسر القلب فقيل عنه: "وليفتخر الأخ المتضع بارتفاعه" (يع1: 9).
ينبغي أن يُذكِّر الإنسان نفسه بهذه الأمور كلما راودته أفكار السبح الباطل.. لأن شيطان الكبرياء وحب الظهور لا يكُف عن محاربة الإنسان بقصد تدمير برج الفضائل التي تعب في بنائها بالتعب والسهر والجهاد الروحي.
الصلاة هي وسيلة النمو في المحبة والعلاقة مع الله.. المخدع الحقيقي في الصلاة هو مخدع القلب. وإغلاق الباب هو إغلاق أبواب الفكر والحواس الخارجية والانحصار في الحديث مع الله.
الدخول إلى المخدع في المنزل يساعد على الدخول إلى مخدع القلب الداخلي، وإغلاق باب حجرة الصلاة يساعد على إغلاق أبواب الفكر والحواس عن المشاغل الخارجية.
فإلى جوار أن الصلاة السرية بعيدًا عن أنظار الآخرين تبرهن على عدم الرياء والتظاهر بالتقوى، فإنها أيضًا تساعد على التركيز في الصلاة.
أما في الصلوات العامة في القداسات وسائر الصلوات الطقسية فالمطلوب فيها هو الانحصار داخل القلب وعدم الانشغال بما يفعله الآخرون.
المهم في كل الأحوال أن يدخل الإنسان إلى العمق في صلاته ويصلي بفكره وبمشاعره ويشعر أن الملك قد أدخله إلى حجاله كقول عروس النشيد (انظر نش1: 4).
الدخول إلى المخدع هو الدخول إلى حجال الملك والتمتع بالعشرة معه وتذوق حلاوة عربون ملكوت السماوات.
الصلاة هي السلم الروحاني الذي يرفع الإنسان من الأرض إلى السماء وهي شركة مع الملائكة السمائيين في حياة التسبيح، وهي الطريق الواضح للامتلاء من الروح القدس وتقديس الحواس.
الروح القدس يرافق المُصلي في صلاته "الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها" (رو8: 26).. الروح القدس ينير قلب الإنسان وفكره وحواسه ويفتح أذنيه ليسمع صوت الله من خلال الصلاة.
ليست الصلاة حديثًا من طرف واحد ولكنها حديث من طرفين..
فالإنسان يقف أمام الله ويتكلم معه وفي نفس الوقت يقول مع المرنم: "إني أسمع ما يتكلم به الرب الإله، فإنه يتكلم بالسلام لشعبه ولقديسيه وللذين رجعوا إليه بكل قلوبهم" (مز 85: 8).
الصلاة بالمزامير تعطينا فكرة عن هذا النوع من الحوار؛ يقول المُصلي للرب: "أنت هو ناصري وملجأي. إلهي فأتكِل عليه"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويقول الرب للمُصلي في نفس المزمور: "لأنه عليَّ اتكل فأنجيه. أستره لأنه عرف اسمي. يدعوني فاستجيب له. معه أنا في الشدة، فأنقذه وأمجده. وطول الأيام أشبعه وأريه خلاصي" (مز 91: 14، 15).
الصلاة في المسيحية هي علاقة حب بين ابن وأبيه السماوي. فيها الدالة وفيها المهابة والاحترام اللائق من الابن نحو أبيه. وقد أوصى السيد المسيح تلاميذه حينما علّمهم الصلاة أن يدعوا الله أبًا ويقولوا: "أبانا الذي في السموات" (مت6: 9).
الإنسان الذي يقدم العبادة لله في الخفاء سوف ينمو في العلاقة مع الله ويستحق الجزاء الأخروي لأنه لم يأخذ أجره على الأرض.
الذي يصلي في الخفاء بعيدًا عن الرياء وحب الظهور، يجازيه الآب علانية في الحياة الأبدية لأنه قد انتفع من صلاته ومن عبادته ومن عشرته مع الله، وامتلأ من الروح القدس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/prayer.html
تقصير الرابط:
tak.la/dkdtbh9