St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   christ
 
St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   christ

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي (مع حياة وخدمة يسوع) - الأنبا بيشوي

153- القبض على يسوع

 

" من تطلبون؟" (يو18: 4)

 بعد جهاد الصلاة في بستان جثسيماني، وبعد وصول جنود الهيكل وخدام رئيس الكهنة "خرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال لهم: من تطلبون؟" (يو18: 4).

لم يكن سبب السؤال أنه لم يكن يعلم، بل كان عالمًا بكل ما يأتي عليه. ولكنه في اتضاع ينزل في بساطة إلى مستوى بني البشر لكي يخاطبهم، ويبدأ الحوار وكأنه لا يعلم، مع أنه عالِم بكل شيء.

وقد أجابوه قائلين: "يسوع الناصري" فقال لهم يسوع: "أنا هو" (يو18: 5).

ونظرًا لأن عبارة "أنا هو =I am he " تعني "يهوه" (ἐγώ εἰμί إيجو إيمي) باللغة اليونانية، فقد ظهرت قوتها وتأثيرها حينما خرجت من فم الله الكلمة. تمامًا مثلما خاطب موسى في صورة لهيب النار في العليقة، وقال له: "أهيه الذي أهيه" (خر3: 14). وقال الله لموسى: "هكذا تقول لبني إسرائيل أهيه أرسلني إليكم" (خر3: 14). في ذلك الوقت "غطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله" (خر3: 6).

"فلما قال لهم: إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض" (يو18: 6). لم يحتملوا مجد لاهوته، حينما أعلن بكلامه شيئًا عن هذا المجد، حتى ولو لم يفهموا لقساوة قلوبهم.

عجيب هو سرّك أيها الكلمة الأزلي، يا من ظهرت في الجسد لأجل خلاصنا..!!

عجيب أنت في اتضاعك.. إذ وأنت الإله السرمدي، سلّمت للموت نفسك بإرادتك وسلطانك وحدك..!!

من يقدر أن يصف سر تجسدك الفائق للوصف والإدراك؟.. ومن يقدر أن يفهم اتضاعك وإخلائك لذاتك، وأنت تسير في طريق الموت بحسب الجسد، حاملًا صليب العار، بل صليب المجد مُظهرًا مقدار محبتك للبشر.

St-Takla.org Image: Jesus Christ praying at the Gethsemane garden, and we can see an angel that came to console Him, and the cup - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع في بستان جثسيماني وهو يصلي، ونرى ملاك واقف يعزيه، والكأس - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

St-Takla.org Image: Jesus Christ praying at the Gethsemane garden, and we can see an angel that came to console Him, and the cup - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يسوع في بستان جثسيماني وهو يصلي، ونرى ملاك واقف يعزيه، والكأس - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

كنت يا سيدي تنظر في عطف ورثاء إلى أولئك الذين جاءوا في جهل وغباوة للقبض عليك، مدفوعين في شقاوتهم بإيحاء من إبليس اللعين الذي لم يحتمل ظهورك في الجسد.. لم يحتمل تواضعك وإخلاءك لذاتك، فاندفع في حماقته يكيل ضدك ضربات الكراهية والحقد والحسد.. وأنت مثل حمل وديع، احتملت ظلم الأشرار، مظهرًا مجد طاعتك الكاملة لأبيك السماوي.

هكذا استطاعت المحبة الفائقة أن تحتمل.. أن تحتمل كل شيء.. حتى تهزم الكراهية، وتحرر البشرية من سلطان إبليس.. وتوبخ قساوة البشر حتى يخجلوا من كل ما عملوه.

بعد ذلك أعاد السيد المسيح نفس السؤال: "من تطلبون" (يو18: 7). وكرروا نفس الإجابة: "يسوع الناصري. أجاب يسوع: قد قلت لكم إني أنا هو" (يو18: 7، 8). وقول السيد المسيح في هذه المرة " أنا هو"قاله بالمعنى البسيط؛ أي أنا الذي تبحثون عنه وتطلبونه لتقبضوا عليه كأنه مذنب. لم يقلها بحسب إعلانه هو شخصيًا عن طبيعته الإلهية، بل حسب مقصدهم هم الخالي من المعرفة "لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كو2: 8).

لهذا لم يقعوا على الأرض في المرة الثانية، بل تجاسروا وتقدموا للقبض عليه.. وقد سمح هو بذلك وسلم نفسه لهم مخفيًا مجد لاهوته ليتم الفداء.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

"دعوا هؤلاء يذهبون" (يو18: 8)

 جاء السيد المسيح لكي يبذل نفسه فدية عن كثيرين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقد تحقق هذا أيضًا في لحظة القبض عليه لأن الفداء في حياته كان منهجًا، وليس حدثًا عارضًا. فكما افتدى البشرية بموته على الصليب، هكذا افتدى تلاميذه في لحظة القبض عليه. وقال لأجناد اليهود: "فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون" (يو18: 8).

اعتاد الجنود في الحروب أن يقدموا أنفسهم فدية عن ملوكهم. فالملك يحاط بعناية خاصته. وقد حدث فعلًا أن طلب المحيطون بالملك داود أن لا يطفئ سراج إسرائيل (انظر 2صم21: 17). وأن لا ينزل بنفسه إلى معارك الحروب، فيترك الجيش ليحارب، ويبقى هو في القصر في أمان.

وقد قبِل الملك داود منهم هذه النصيحة، بعد أن خاض حروب كثيرة. وابتدأ يمتنع عن النزول إلى الحرب وبقى في القصر.. وأدى ذلك إلى متاعب كثيرة في حياته فيما بعد.

أما الملك يسوع، فلم يقبل أن يُقبض على أحد سواه في ليلة آلامه، واختار أن يساق وحيدًا إلى الموت بعد انصراف التلاميذ ليتم القول الذي قاله: "إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدًا" (يو18: 9).

كان قلبه منشغلًا بالآخرين وبسلامتهم ونجاتهم.. فتقدم كقائد شجاع، ليدفع الثمن وحده.. ليخلص المسبيين، ويحرر المأسورين، ويدك حصون الشياطين.

أليس هو الذي قال بفم حزقيال النبي: "أنا أرعى غنمي وأربضها.. وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح، وأبيد السمين والقوي وأرعاها بعدل" (حز34: 15، 16).

الملك الحقيقي هو من يحقق لرعيته حياة الكرامة والحرية.. وهذا ما فعله السيد المسيح.

والملك الحقيقي هو من يمنح الحياة الأفضل.. وهذا ما منحه السيد المسيح.

والملك الحقيقي هو من يحرر رعيته من الخوف، ويصد هجمات الأعداء في بأس وقوة.

والملك الحقيقي هو من يملك على قلوب رعيته بالمحبة.

فليس المُلك هو أن يملك الملك على الشعب ليذلهم وليخدموه، بل المُلك هو أن يملك على القلوب ويمجدهم فيحبوه حتى أنه لا يملك في وسطهم، بل يملك في داخلهم.

هكذا ملك السيد المسيح على خشبة الصليب. وبدلًا من أن يملك الموت على البشر، ملكت الحياة التي في السيد المسيح.

لهذا نادى معلمنا بولس "لي الحياة هي المسيح" (فى1: 21) وقال: "متى أظهر المسيح حياتنا" (كو3: 4). وقيل في إنجيل يوحنا "فيه كانت الحياة" (يو1: 4). وقال السيد المسيح عن نفسه: "أنا هو خبز الحياة" (يو6: 35). "أنا هو.. الحياة" (يو11: 25). وكراعٍ صالح يبذل نفسه عن الخراف قال: "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو10: 10).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/capture.html

تقصير الرابط:
tak.la/xf3dq8a