محتويات |
القديس مارمرقس
ناظر الإله الإنجيلي
تلميذ المسيح
الرسول الطاهر والشهيد
كاروز مصر ومدبرها الأول
الكارز الذي بلغت أقواله إلى أقطار المسكونة وتباركت به كل أقطار الأرض.
هذا الرسول العظيم الذي أرسله رب المجد يسوع المسيح لكي ينير العالم ببشارة الملكوت، ويخرج البشر من الظلمة إلى النور..
هذا الرسول العظيم الذي ننتمي إليه، ونرتبط به، لأننا ولدنا في المسيح يسوع بواسطته، وإليه يعدو إيماننا الأقدس، مقول القديس بولس الرسول "أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" (1كو4: 15) (1).
العظيم مارمرقس الرسول، كانت له شخصيته المتميزة، وثقافته العالية، وفكره الصائب، ورؤيته الثاقبة، انعكست على كرازته وخدمته في كل مكان ذهب إليه ليبشر بكلمة الخلاص.
ولد أبانا القديس مارمرقس في القيروان، وهي إحدى الخمس المدن الغربية ليبيا والتي تسمى بنتابوليس (2).. وقد أجرت أسرته إلى فلسطين، واستقرت هناك، وهو نفس الوقت الذي كان فيه السيد المسيح.
كانت مريم أم القديس مارمرقس، هي إحدى المريمات اللائي تبعن رب المجد يسوع المسيح، وهي أيضًا إحدى اللائي ذهبن إلى القبر بعد موت الرب ودفنه..
أما أبوه فهو أرسطوبولس وكان ابن عم أو ابن عمه زوجة القديس بطرس الرسول. وكان القديس برنابا الرسول هو خال أو إبن عم القديس مرقس.
ارتبط القديس مارمرقس بالسيد المسيح له المجد، وانضم إليه. وتبعه مثل التلاميذ الأطهار القديسين، وقد أرسله رب المجد ضمن السبعين رسولًا، الذين عينهم وأرسلهم أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع.. (لو 10: 1-12)، وقد ذكر هذه الحقيقة كل المؤرخين منذ أقدم العصور من الأقباط والكنائس الأخرى والمسلمين أيضًا. وكنيستنا تؤكد وتثبت لقب القديس مارمرقس كرسول في كل طقوسها وألحانها الكنسية. وهذا عكس ما ينكره الكاثوليك عليه، فتجرد من كرامته الرسولية. بل ينسبون كل تعبه في الكرازة إلى القديس بطرس الرسول!! (3).
وأيضا ارتبط بيت القديس مارمرقس الرسول بالسيد المسيح له المجد. ففي هذا البيت كانت مريم والدة مرقس تستضيف الرب وتلاميذه. وفيه كانت أحداث ليلة القبض على مخلصنا الصالح حيث:
- أكل الفصح مع تلاميذه الأطهار (مت 26: 17-20، مر 14: 3- 15، لو 22: 10-12).
- غسل أرجل التلاميذ (يو 13: 4-11).
- أسس سر الافخارستيا. عندما أخذ الرب إلهنا خبزًا وبارك وكسر وأعطى التلاميذ قائلًا خذوا كلوا هذا هو جسدي. وكذلك الكأس قائلًا خذوا اشربوا منه كلكم لأن هذا هو دمى الذي للعهد الجديد..
(مت 26: 26-29، مرقس 14: 22-25، لو 22: 16-20).
ولأن بيت القديس مارمرقس كان مركزًا للرب وجميع التلاميذ، وكان معروفًا لديهم نجد في هذا البيت:
- يختفي التلاميذ بعد صلب وموت السيد المسيح وقبيل قيامته المقدسة. ولحين جاءت إليهم مريم المجدلية لتخبرهم أنها وجدت القبر فارغًا وأنهم أخذوا السيد (يو20: 1-10) ومرة أخرى بقيامة السيد المسيح وأنها رأته (مت 28: 6- 10، مر 16: 6و 7، لو 24: 9-12).
- مكث التلاميذ بعد صعود رب المجد إلى السماء، وكانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته، وذلك في علية صهيون التي هي إحدى قاعات البيت.. (أع 1: 12- 14).
- اختيار الروح القدس القديس متياس الرسول بدلًا من يهوذا الإسخريوطي. عندما ألقى التلاميذ قرعة بين يوسف ومتياس (أع1: 15-26).
- في يوم الخمسين المقدس حل الروح القدس على التلاميذ الأطهار وتكلموا بألسنة لتبدأ الكرازة والخدمة في الكنيسة منذ هذا اليوم العظيم (أع2: 1-4).
- جاء القديس بطرس الرسول بعد أن خرج من السجن بواسطة ملاك الرب، حيث كان التلاميذ والمؤمنون يجتمعون للصلاة من أجله".. ثم جاء وهو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كثيرون مجتمعين وهم يصلون.." (أع 12: 12- 16).
صار بيت القديس مارمرقس أول كنيسة في العالم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وصار مركز كنيسة أورشليم، ومركز أسقفها القديس يعقوب البار، الذي صلى القداس الإلهي الأول فيه، وذلك في يوم الأربعاء التالي ليوم أحد العنصرة. (4).
عاش القديس مارمرقس الرسول مع رب المجد يسوع المسيح، سار معه في كل مكان، وإلى كل موضع، وعاين خدمة الرب، ونظر أعماله ومعجزاته، وكان شاهدًا لآلام السيد المسيح. ويذكر أنه.
- كان من التلاميذ الذين استقوا من الماء المتحول خمرًا في الرس بقانا الجليل. (5).
- وإنه الرجل الذي كان يحمل جرة الماء وتبعه تلميذا الرب إلى بيته لإعداد الفصح (مر 14: 13).
- كان الشاب الذي تبع الرب في بستان جثسيماني، وهرب عريانًا تاركًا ملابسه عندما قبضوا على رب المجد.."وتبعه شاب لابسًا إزارًا على عريه فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عاريًا". (مر 14: 50-52).
ومن ثم كتب القديس مارمرقس إنجيله بوحي من الروح القدس. وبكل ما لديه من أخبار وأحداث عن حياة السيد المسيح، لأنه لمسها وشاهدها وعاينها بنفسه، لأنه كان معاشًا لها ويتتبعها بكل تدقيق وتفاصيل.. ويذكر أن إنجيل القديس مارمرقس هو أول وأقدم الأناجيل. وقد كتب ما بين سنتيّ 43م و67م باللغة اليونانية التي كانت سائدة وقتذاك. وهو يعتبر بذلك أول وثيقة تاريخية للتقليد المسيحي لحياة السيد المسيح على الأرض..
ولذلك من الغريب والظلم أن ينسب إنجيل مارمرقس إلى القديس بطرس الرسول باعتباره "مذكرات بطرس" واعتبار إن القديس مارمرقس كان سكرتيرًا ومترجمًا الذي أملاه ما يكتب!(6).
يعتبر أول قداس في حياة الكنيسة هو الذي أقامه رب المجد في علية صهيون ببيت مارمرقس الرسول في مساء الخميس الكبير، وهو يعتبر أساس جميع القداسات أو الليتورجيات التي كتبت بعد ذلك.
لذلك كتب القديس مارمرقس الرسول القداس الإلهي منذ الوقت المبكر للكرازة والخدمة بعد حلول الروح القدس في يوم الخمسين. وهو نفس التوقيت الذي كتب فيه القديس يعقوب الرسول أسقف أورشليم الليتورجية التي صلى بها لأول مرة (7) وقداس القديس مارمرقس يعتبر أساس القداسات التي تصلى بها كنيستنا القبطية حتى اليوم. ومن المعروف أن القديس البابا كيرلس الكبير 24 (412-444) قد أضاف عليه بعض الصلوات ثم نسب إليه ويعرف باسم "القداس الكيرلسي" وقد اكتشفت في عام 1928 قصاصات بردية في إستراسبورج ترجع إلى القرنين 4و5 مكتوب عليها قداس القديس مارمرقس. كما توجد مخطوطات في الفاتيكان لهذا القداس (8).
في بادرة رائدة تدل على شخصيته المتميزة قام العظيم القديس مارمرقس الرسول -والوحيد عن جميع التلاميذ والرسل الآخرين- بتأسيس مدرسة الإسكندرية اللاهوتية (الكلية الإكليريكية) لتكون أول معهد لاهوتي في تاريخ المسيحية وذلك من أجل شرح الإيمان المسيحي وتثبيته وتعميقه، وأيضا لتواجه الفكر الوثني والفلسفات المختلفة ومشكلات العصر..
ومن ثم نرى أن الدور الذي قامت به مدرسة الإسكندرية كان له الأثر المباشر في تكوين وصياغة الفكر اللاهوتي السليم، وفي تأكيد وتأصيل التعليم الكنسي بكل مفرداته الكتابية والآبائية والطقسية والتاريخية وأيضًا في تحديد معالم الثقافة القبطية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. لهذا أكد المؤرخون والعلماء أن مدرسة الإسكندرية صارت "عقل المسيحية"، واعتبروها أقدم مركز للعلوم القدسية في تاريخ الكنيسة. ومن يتتبع مسيرة مدرسة الإسكندرية يجد:
- أن التعليم صار سمة كنسية الإسكندرية عبر كل العصور. وغدت مرجعية لكنائس العالم شرقًا وغربًا. حتى أن بابا الإسكندرية لقب بـ"معلم المسكونة".
- أن كنيسة الإسكندرية هي التي واجهت الهرطقات والتعاليم المنحرفة، وخاصة التي نادى بها كل من أريوس ومقدنيوس ونسطور وأوطاخي.. وذلك بسبب قوة الإيمان والتعليم للآباء البطاركة الذين جلسوا على كرسي القديس مارمرقس. فهم من مديري وأساتذة وتلاميذ هذه المدرسة اللاهوتية.
- أن آباء وأساتذة وعلماء هذه المدرسة قد أسهموا وأثروا الكنيسة بأعمالهم وإنجازاتهم مثل: بنتينوس، أكلمنضس الإسكندري، أثيناغوراس، العلامة أوريجانوس. ديديموس الضرير، وغيرهم..
- أن هناك الكثيرين من آباء الكنيسة في العالم قد جاءوا للتلمذة والتعلم في هذه المدرسة، أو منهم من تتلمذ على كتابات وفكر معلميها مثل باسيليوس الكبير، غريغوريوس الناطق بالإلهيات، يوحنا ذهبي الفم، وغيرهم..
واليوم ونحن نرى قداسة البابا شنودة الثالث خليفة القديس مارمرقس الرسول عندما يؤسس الكليات الإكليريكية والمعاهد الدينية في مصر، في أمريكا. في أوروبا، في استراليا. وإنما هو امتداد لعمل العظيم مارمرقس الرائد. وهو أيضًا صوت هذا الرسول والكارز المسكوني الذي بلغت أقواله إلى أقطار المسكونة كلها.
_____
(1) راجع كتابنا: القديسون في حياتنا الكنسية.
(2) راجع كتابنا: مارمرقس وكنيسة الإسكندرية الذي سنضعه هنا لاحقًا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
(3) البابا شنودة الثالث: ناظر الإله الإنجيلي مرقس الرسول - ص15 وص 26-28.
(4) القمص منقريوس عوض الله: منارة الأقداس ج1 ص 143.
(5) ابن كبر: مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة ج1 ص 88.
(6) قام قداسة البابا شنودة الثالث بالرد على كل هذه الإدعاءات في كتابه "ناظر الإله الإنجيلي مرقس الرسول " في الفصلين 3 و15.
(7) القمص منقريوس عوض الله: المرجع السابق ص 141.
(8) البابا شنودة الثالث: المرجع السابق ص 92.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/amir-nasr/alex-rome/mark.html
تقصير الرابط:
tak.la/2kwjjrk