* تأملات في كتاب استير: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
الأَصْحَاحُ الثَّامِنُ
يخبرنا هذا الأصحاح في (ع1-18) في النسخة البيروتية التي بين أيدينا بأمر الملك أحشويروش لمردخاي وأستير بإصدار أمر ملكى لإنقاذ اليهود وإلغاء أمر هامان الشرير الذي كان يريد إبادة اليهود.
وبهذا فإن الآيات من 1-13 في الأصحاح الثامن في النسخة البيروتية تظل كما هي. وبعدها وضعنا الآيات من (ع14-37) المأخوذة من الأصحاح (تتمة أستير 16: 1-24) من تتمة سفر أستير بالأسفار القانونية الثانية، وهي تحوي أمر الملك أحشويروش الذي كتبه مردخاي وأستير لإنقاذ اليهود. ثم أكملنا الأصحاح الثامن بالآيات (ع14-17) الموجودة بالنسخة البيروتية، وهي تحوي انطلاق رسائل الملك إلى كل البلدان وعظمة مردخاي وفرح اليهود. وتم إعادة ترقيم الآيات (ع14-17) فصارت (ع38-41).
(1) تكريم أستير ومردخاي (ع1، 2)
(2) طلبة أستير لإنقاذ شعبها (ع3-8)
(3) إبطال مؤامرة هامان (ع9-38)
(4) فرح ومجد اليهود [ع39(15) - 41(17)]
1 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَعْطَى الْمَلِكُ أَحَشْوِيرُوشُ لأَسْتِيرَ الْمَلِكَةِ بَيْتَ هَامَانَ عَدُوِّ الْيَهُودِ. وَأَتَى مُرْدَخَايُ إِلَى أَمَامِ الْمَلِكِ لأَنَّ أَسْتِيرَ أَخْبَرَتْهُ بِمَا هُوَ لَهَا. 2 وَنَزَعَ الْمَلِكُ خَاتَمَهُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ هَامَانَ وَأَعْطَاهُ لِمُرْدَخَايَ. وَأَقَامَتْ أَسْتِيرُ مُرْدَخَايَ عَلَى بَيْتِ هَامَانَ.
ع1:
بعد أن تخلص الملك من هامان وقتله، أراد أن يكرم أستير التي نبهته لمؤامرة هامان عدو اليهود والمتآمر ضد الملك، فوهبها بيت هامان، وهو غالبًا قصر كبير ليكون تحت سلطانها. وهذا يظهر أن أستير قد نالت ثقته ومحبته.وعندما شعرت أستير بمحبة الملك لها، أرسلت إلى مردخاي ليحضر إلى القصر الملكى، ثم أخبرت الملك بأن مردخاي الذي أنقذ حياته، بفضح مؤامرة الخصيان لإهلاكه، هو قريبها، فهو ابن عمها، بل هو الذي تولى تربيتها، فهو في مكانة والدها. وبهذا شعر الملك بإخلاص مردخاي وإخلاص أستير له وإنه أصبح في جو من الاستقرار، بدلًا من الخداع والمؤامرات التي كانت أيام هامان.
إن منح الملك أستير بيت هامان يرمز إلى تملك أولاد الله في الملكوت مكان الشياطين الذين سقطوا؛ لأن أستير ترمز للكنيسة وهامان يرمز للشيطان والملك يرمز إلى الله، وهذا يبين محبة الله لأولاده المؤمنين به وحافظى وصاياه، فهو يريد أن يكرمهم ويعطيهم مكانًا عظيمًا في ملكوته مع ملائكته القديسين.
تظهر هنا أيضًا حكمة أستير التي اختارت الوقت المناسب؛ لتخبر الملك بقرابتها إلى مردخاي والذي بالطبع استأذنته قبل أن تخبر الملك. فوافق هذا الشيخ الحكيم على إخبار الملك، الذي ابتهج بزوجته المخلصة وبمردخاي الذي أنقذ حياته. وعبر عن ثقته في مردخاي بتكريمه وتعظيمه كما سيظهر في الآية التالية.
تظهر هنا نتيجة وليمة أستير التي تم فيها فضح مؤامرة هامان وصلبه. وهذه الوليمة ترمز إلى الصليب الذي به قيد المسيح إلهنا الشيطان، فهنا تظهر نتيجة الصليب وهي قيامة المسيح وصعوده؛ ليعطينا مكانًا في السماء بدلًا من الشياطين الساقطة؛ لنملك معه إلى الأبد. فكما نجت أستير من الموت، ثم استولت على بيت هامان، هكذا نجت الكنيسة من الموت الأبدي، بتقييد الشيطان والغفران الممنوح لها في الصليب، وأيضًا أعد لها المكان في الملكوت لتملك إلى الأبد.
ع2: كرم الملك مردخاي بأن نزع خاتمه من يده والذي كان قد أعطاه لهامان واسترده منه قبل صلبه، الآن يهبه لمردخاي، وهذا معناه ثقته الكاملة في مردخاي؛ لأن أي شيء يختم بخاتم الملك يصير نافذًا في كل المملكة.
بعد ذلك أقامت أستير مردخاي على بيت هامان، أي قصره وكل ممتلكاته من حقول، أو كروم وخلافه. وقد يكون قد حوله إلى قصر لإقامته وإدارة بعض شئون المملكة فيه. وقد أصبح الرجل الثاني بعد الملك، بل هو المتصرف في كل شئ؛ لأن الملك أعطاه هذا السلطان، فصار هو الملك الحقيقي.
إن الملك يرمز للآب الذي أعطى كل السلطان للابن، الذي يرمز إليه مردخاي. والكنيسة، التي يُرمز إليها بأستير، أقامت المسيح على كل الممتلكات التي كان يمتلكها الشيطان، أي نفوس البشر. فأصبح للمسيح - الذي يرمز إليه مردخاي - سلطانًا على قلوب المؤمنين بخاتم الملك، الذي يرمز إلى الروح القدس، فيثبتهم في الحياة مع الله، ثم يأخذهم إلى ملكوت السموات.
إن مردخاي اسمه "الإنسان المتواضع" وكذلك سلوكه، فقد ظل منزويًا في باب الملك، ولم ينل كرامة فترة طويلة. وبعد ذلك بدأ تكريمه. كما عاش يوسف المحب لله ثلاثة عشر عامًا في الآلام، في بيت فوطيفار والسجن، وبعد ذلك تم تكريمه وإقامته على عرش مصر. وكذلك داود الذي لم ينل عظمة الملك بعد مسحه ملكًا، وظل فترة طويلة مطاردًا من شاول، وبعد موته صار ملكًا.
لقد تم تكريم مردخاي على مراحل هي:
عندما ركب فرس الملك وطاف أمامه هامان في شوارع المدينة شوشن القصر (أس 6: 11).
عندما اعترفت به أستير الملكة أنه ابن عمها، والذي اعتنى بتربيتها ورعايتها، فارتفع جدًا في نظر الملك (ع1).
عندما أعطاه الملك خاتمه، وبالتالي جعله الرجل الثاني في المملكة وله كل السلطان (ع2).
عندما أقامته أستير على بيت هامان (ع2).
عندما لبس اللباس الملكى والتاج (ع39(15)).
من الجدير بالملاحظة أن مردخاي لم يكرم إكرامًا كافيًا عند إنقاذه حياة الملك بفضح مؤامرة الخصيان، حتى أن الملك نفسه تعجب عندما قرأ ذلك في سفر أخبار الملوك. وهذا غالبًا كان بإيعاز من هامان بطريقة غير مباشرة، قد تكون عن طريق أحد أعوانه من مشيرى الملك والله سمح بهذا ليظهر اتضاع مردخاي واحتماله ولكن في النهاية الله سيكرمه إكرامًا يفوق كل توقع.
†
لا تتعلق بماديات العالم ومراكزه فكلها ستتركها قهرًا عندما تموت، كما ترك هامان كل ممتلكاته وسلطانه. بل كن متضعًا مثل مردخاي، وأعمل الخير مثله لكل من حولك، كما فعل الخير لشعبه، فتنال تكريمًا عظيمًا عند الله. احتمل ما يمر بك من آلام، فهذا غالى جدًا عند الله ولابد أن يكافئك بأمجادٍ عظيمة.
3 ثُمَّ عَادَتْ أَسْتِيرُ وَتَكَلَّمَتْ أَمَامَ الْمَلِكِ وَسَقَطَتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَكَتْ وَتَضَرَّعَتْ إِلَيْهِ أَنْ يُزِيلَ شَرَّ هَامَانَ الأَجَاجِيِّ وَتَدْبِيرَهُ الَّذِي دَبَّرَهُ عَلَى الْيَهُودِ. 4 فَمَدَّ الْمَلِكُ لأَسْتِيرَ قَضِيبَ الذَّهَبِ، فَقَامَتْ أَسْتِيرُ وَوَقَفَتْ أَمَامَ الْمَلِكِ 5 وَقَالَتْ: «إِذَا حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً أَمَامَهُ وَاسْتَقَامَ الأَمْرُ أَمَامَ الْمَلِكِ وَحَسُنْتُ أَنَا لَدَيْهِ، فَلْيُكْتَبْ لِكَيْ تُرَدَّ كِتَابَاتُ تَدْبِيرِ هَامَانَ بْنِ هَمَدَاثَا الأَجَاجِيِّ الَّتِي كَتَبَهَا لإِبَادَةِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي كُلِّ بِلاَدِ الْمَلِكِ. 6 لأَنَّنِي كَيْفَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرَى الشَّرَّ الَّذِي يُصِيبُ شَعْبِي؟ وَكَيْفَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرَى هَلاَكَ جِنْسِي؟». 7 فَقَالَ الْمَلِكُ أَحَشْوِيرُوشُ لأَسْتِيرَ الْمَلِكَةِ وَمُرْدَخَايَ الْيَهُودِيِّ: «هُوَذَا قَدْ أَعْطَيْتُ بَيْتَ هَامَانَ لأَسْتِيرَ، أَمَّا هُوَ فَقَدْ صَلَبُوهُ عَلَى الْخَشَبَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَدَّ يَدَهُ إِلَى الْيَهُودِ. 8 فَاكْتُبَا أَنْتُمَا إِلَى الْيَهُودِ مَا يَحْسُنُ فِي أَعْيُنِكُمَا بِاسْمِ الْمَلِكِ، وَاخْتُمَاهُ بِخَاتِمِ الْمَلِكِ، لأَنَّ الْكِتَابَةَ الَّتِي تُكْتَبُ بِاسْمِ الْمَلِكِ وَتُخْتَمُ بِخَاتِمِهِ لاَ تُرَدُّ».
ع3، 4: لم تكتف أستير بنجاتها هي ومردخاي من الموت وبالتخلص من هامان عدوها لكن كان قلبها منشغلًا بإنقاذ شعبها؛ لأن الأمر الملكى الذي أصدره هامان بإبادة اليهود كان قائمًا وسينفذ بعد تسعة أشهر من هذا الوقت؛ لذا أرادت إزالة هذا الأمر، وهو شيء في غاية الصعوبة؛ لأن ملوك فارس لا يتراجعون عن أوامرهم. ولكنها رفعت صلوات إلى الله كما نتخيل وتقدمت لتدخل إلى الملك دون أن يستدعيها معرضة حياتها للموت للمرة الثانية؛ لتطلب من الملك إلغاء الأمر بإبادة اليهود. وهذا يبين أمرين:
إيمان أستير القوى بالله، الذي لن يتركها، بل سيستخدمها لإنقاذ شعبه.
استعدادها لبذل حياتها من أجل الله وإنقاذ شعبها.
تقدمت أستير باتضاع شديد وتأثر قلبى، إذ سجدت أمام الملك وكانت تبكى؛ لأجل إنقاذ شعبها المحكوم عليه بالموت. وهي ترمز للكنيسة التي تلتجئ إلى الله في ضيقاتها بالسجود والدموع والتضرع إلى الله لينقذها. بالإضافة إلى اتضاع أستير، ظهر أيضًا تأثر قلبها ومحبتها لشعبها.
وكذلك أيضًا ظهرت حكمتها؛ عندما قالت للملك أن يزيل شر هامان في الأمر الذي أصدره بإبادة اليهود ولم تقل له أن يزيل الأمر الذي أصدره هو - أي الملك - فنسبت الشر إلى هامان، ولذا قبل الملك طلبتها، بل ونسب الخطأ لنفسه باستغلال هامان لثقة الملك فيه. وقدم اعتذارًا في الخطاب الذي أرسله لإلغاء الأمر الأول (ع14-37).
نرى أن أستير لم تبكِ عندما دخلت في المرة الأولى لمقابلة الملك وذلك لفضح مؤامرة هامان وإنقاذ نفسها. أما الآن ففى دخولها للمرة الثانية إلى الملك، نجد أنها بكت وسقطت عند رجليه وتضرعت، فهي ترمز للكنيسة التي تبكى وتتضرع بلجاجة أمام الله في اتضاع شديد لإنقاذ أولادها من حروب الشياطين، وذلك في صلواتها المختلفة. وأستير هنا أظهرت اتضاعها في سقوطها على الأرض وتضرعها رغم أنها كانت في أمان وغير معرضة للهلاك.
نلاحظ هنا استجابة الملك السريعة لأستير، فمد لها قضيب الذهب. وهذا يثبت محبته وثقته فيها، فيستثنيها عن كل مملكته ويستقبلها في أى وقت. والملك هنا يرمز لله الذي يرحب بكنيسته في أي وقت، وقضيب الذهب يرمز للصليب، فبصليب المسيح تجد الكنيسة لها مكانًا وقدومًا أمام الآب، فتصلى وتستجاب طلبتها وتنال خلاصها.
ع5: تكلمت أستير بلطف وحكمة فقدمت طلباتها مشفوعة بثلاثة وسائل جميلة هي:
إذا حسن عند الملك
وجدت نعمة أمامك
استقام الأمر أمام الملك
نرى أن أستير قد نسبت الكتابة إلى هامان وليس للملك، فهامان الشرير أراد إهلاك اليهود، ولم تشر إلى أن هذا أمر الملك كحسن مجاملة وعدم تقديم لوم له. فهي لبقة وحكيمة، وتعلمنا كيف لا نلوم الآخرين عندما نطلب منهم شيئًا.
إن أستير أيضًا ترمز للمسيح في تعريض حياتها للخطر والموت في مقابلتها للملك بدون أن يستدعيها - كل هذا - لتنقذ شعبها من الهلاك، كما مات المسيح على الصليب ليوفى الدين عن كنيسته وينقذها من الهلاك.
†
إن هامان قد مات ولكن آثار شروره ما زالت باقية وتحتاج أن تزال، وهي كتاباته لإهلاك اليهود، فاحرص ألا تكون لك تصرفات تؤذى الآخرين بسبب أعمال سابقة لك، أو بعدما تموت تترك آثارًا مؤذية تتعب الباقين بعدك.
ع6:
أضافت أستير أمرًا هامًا وهو إثارة عاطفة الملك نحو طلبها، وأظهرت له كيف ترى شعبها يهلك وتصمت ! لتجتذب الملك ويضع نفسه مكانها ويشعر بخطورة هلاك شعبها، فينقذ الشعب لأجلها. وهذا يؤكد حكمتها، بالإضافة لمحبتها لشعبها.كانت أستير متضعة، فلم تشعر أنه من العار، أو إنقاص لها أن تنتسب لهذا الشعب الفقير المعرض للهلاك. وهي هنا أيضًا ترمز للمسيح الذي تنازل بتجسده؛ ليصير إنسانًا مثلنا حتى يرفعنا إليه ويخلصنا من خطايانا.
إن أستير مثال لنا في إحساسها بشعبها حتى نشعر بمن حولنا وبمشاكلهم ونسعى إلى رفعها عنهم.
ع7: برر الملك نفسه في عينى زوجته أستير ووزيره مردخاي من جهة محبته ورعايته لليهود؛ بقوله أنه عندما علم بمؤامرة هامان أمر بصلبه وأعطى بيته لأستير، فهو جاد في استبعاد من يهدد حياة اليهود.
لكن المشكلة ما زالت قائمة؛ لأن الأمر الملكى قد صدر ووصل إلى كل الأقاليم بإهلاك اليهود، فالملك في حيرة، كيف يخلص اليهود، الذين منهم زوجته ووزيره مردخاي؟!
أعطى الملك السلطان لمردخاي وأستير أن يكتبا ما يشاءا؛ لإنقاذ اليهود، ويختمانه بخاتم الملك ويرسلا هذا الأمر إلى كل الأقاليم. وطمأنهما بأن أوامر ملوك فارس لا ترد؛ أي أن إنقاذ اليهود أمر حتمى ومؤكد. وهذا يبين ثقة الملك ومحبته لمردخاي وأستير.
إن فكرة أوامر ملوك فارس لا تُرد تحمل معنى الكبرياء؛ لأنه ليس هناك إنسان معصوم من الخطأ، فلماذا لا ترد أوامر هؤلاء الملوك؟ ومن أجل هذا الكبرياء حدثت هذه المشكلة، ولكن الله تدخل وأعطى حكمة لمردخاي وأستير، فكتب أمرًا لا يسئ إلى الملك، وفى نفس الوقت ينقذ شعب الله، كما سنرى في الآيات التالية.
†
إن شعرت أن كلامك غير سليم لا تتكبر وتعاند، بل اعتذر عنه وتنازل عن قرارك الخاطئ، بهذا تكون إنسانًا قويًا، وخاضعًا لله، فيحترمك الناس وتحيا في سلام.← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
9 فَدُعِيَ كُتَّابُ الْمَلِكِ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ، أَيْ شَهْرِ سِيوَانَ، فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، وَكُتِبَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ مُرْدَخَايُ إِلَى الْيَهُودِ وَإِلَى الْمَرَازِبَةِ وَالْوُلاَةِ وَرُؤَسَاءِ الْبُلْدَانِ الَّتِي مِنَ الْهِنْدِ إِلَى كُوشَ، مِئَةٍ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ كُورَةً، إِلَى كُلِّ كُورَةٍ بِكِتَابَتِهَا وَكُلِّ شَعْبٍ بِلِسَانِهِ، وَإِلَى الْيَهُودِ بِكِتَابَتِهِمْ وَلِسَانِهِمْ. 10 فَكَتَبَ بِاسْمِ الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ وَخَتَمَ بِخَاتِمِ الْمَلِكِ، وَأَرْسَلَ رَسَائِلَ بِأَيْدِي بَرِيدِ الْخَيْلِ رُكَّابِ الْجِيَادِ وَالْبِغَالِ بَنِي الرَّمَكِ، 11 الَّتِي بِهَا أَعْطَى الْمَلِكُ الْيَهُودَ فِي مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ أَنْ يَجْتَمِعُوا وَيَقِفُوا لأَجْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَيُهْلِكُوا وَيَقْتُلُوا وَيُبِيدُوا قُوَّةَ كُلِّ شَعْبٍ وَكُورَةٍ تُضَادُّهُمْ حَتَّى الأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ، وَأَنْ يَسْلُبُوا غَنِيمَتَهُمْ، 12 فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ كُوَرِ الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ، فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ، أَيْ شَهْرِ أَذَارَ. 13 صُورَةُ الْكِتَابَةِ الْمُعْطَاةِ سُنَّةً فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ، أُشْهِرَتْ عَلَى جَمِيعِ الشُّعُوبِ أَنْ يَكُونَ الْيَهُودُ مُسْتَعِدِّينَ لِهذَا الْيَوْمِ لِيَنْتَقِمُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ. 14 (1) «مِنْ أَرْتَحْشَشْتَا الْعَظِيمِ الْمَالِكِ مِنَ الْهِنْدِ إِلَى الْحَبَشَةِ إِلَى الْقُوَّادِ وَالرُّؤَسَاءِ فِي الْمِئَةِ وَالسَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ إِقْلِيمًا الَّتِي فِي طَاعَتِنَا، سَلاَمٌ. 15 (2) إِنَّ كَثِيرِينَ يُسِيئُونَ اتِّخَاذَ الْمَجْدِ الْمَمْنُوحِ لَهُمْ فَيَتَكَبَّرُونَ، 16 (3) وَيَجْتَهِدُونَ لاَ أَنْ يَظْلِمُوا رَعِيَّةَ الْمُلُوكِ فَقَطْ وَلكِنْ إِذْ لاَ يُحْسِنُونَ تَحَمُّلَ الْمَجْدِ الْمَمْنُوحِ لَهُمْ، يَتَآمَرُونَ عَلَى الَّذِينَ مَنَحُوهُ لَهُمْ. 17 (4) وَلاَ يَكْتَفُونَ بِأَنْ لاَ يَشْكُرُوا عَلَى الإِنْعَامِ وَأَنْ يُنَابِذُوا الْحُقُوقَ الإِنْسَانِيَّةَ، بَلْ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ قَضَاءِ اللهِ الْمُطَّلِعِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، 18 (5) وَقَدْ بَلَغَ مِنْ حَمَاقَتِهِمْ أَنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ بِمَكَايِدِ أَكَاذِيبِهِمْ أَنْ يُسْقِطُوا الَّذِينَ سُلِّمَتْ إِلَيْهِمِ الْمَنَاصِبُ، وَهُمْ يُجْرُونَهَا بِالتَّحَرِّي وَيَفْعَلُونَ كُلَّ مَا يَسْتَأْهِلُونَ بِهِ شُكْرَ الْجَمِيعِ. 19 (6) وَيَخَدَعُوا بِاحْتِيَالِ مَكْرِهِمْ مَسَامِعَ الرُّؤَسَاءِ السَّلِيمَةَ الَّذِينَ يَقِيسُونَ طِبَاعَ غَيْرِهِمْ عَلَى طِبَاعِهِمْ. 20 (7) وَهذَا أَمَرٌ مُخْتَبَرٌ مِنَ التَّوَارِيخِ الْقَدِيمَةِ، وَمِمَّا يَحْدُثُ كُلَّ يَوْمٍ أَنَّ دَسَائِسَ الْبَعْضِ تُفْسِدُ خَوَاطِرَ الْمُلُوكِ الصَّالِحَةَ. 21 (8) فَلِذلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي سِلْمِ جَمِيعِ الأَقَالِيمِ. 22 (9) فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ أَنَّنَا نَأْمُرُ بِأَشْيَاءَ مُتَبَايِنَةٍ عَنْ خِفَّةِ عَقْلٍ بَلْ ذلِكَ نَاشِئٌ عَنِ اخْتِلاَفِ الأَزْمِنَةِ وَضَرُورَاتِهَا الَّتِي حَمَلَتْنَا عَلَى إِبْرَازِ الْحُكْمِ بِحَسَبِ مُقْتَضَى نَفَعِ الْجَمِيعِ. 23 (10) وَلِكَيْ تَفْهَمُوا كَلاَمَنَا بِأَوْضَحَ بَيَانًا فَإِنَّ هَامَانَ بْنَ هَمْدَاثَا الَّذِي هُوَ مَكْدُونِيٌّ جِنْسًا وَمَشْرَبًا وَهُوَ غَرِيبٌ عَنْ دَمِ الْفُرْسِ وَقَدْ فَضَحَ رَحْمَتَنَا بِقَسَاوَتِهِ بَعْدَ أَنْ آوَيْنَاهُ غَرِيبًا، 24 (11) وَبَعْدَمَا أَحْسَنَّا إِلَيْهِ حَتَّى كَانَ يُدْعَى أَبًا لَنَا وَكَانَ الْجَمِيعُ يَسْجُدُونَ لَهُ سُجُودَهُمْ لِثُنْيَانِ الْمَلِكِ، 25 (12) قَدْ بَلَغَ مِنْ شِدَّةِ عُتُوِّهِ أَنَّهُ اجْتَهَدَ أَنْ يَسْلُبَنَا الْمُلْكَ وَالْحَيَاةَ. 26 (13) لأَنَّهُ سَعَى بِدَسَائِسَ جَدِيدَةٍ لَمْ تُسْمَعْ بِإِهْلاَكِ مَرْدَخَايَ الَّذِي إِنَّمَا نَحْنُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ أَمَانَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَبِإِهْلاَكِ قَرِينَةِ مُلْكِنَا أَسْتِيرَ وَسَائِرِ شَعْبِهَا. 27 (14) وَكَانَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ بَعْدَ قَتْلِهِمْ يَتَرَصَّدُ لَنَا فِي خَلْوَتِنَا وَيُحَوِّلُ مَمْلَكَةَ الْفُرْسِ إِلَى الْمَكْدُونِيِّينَ. 28 (15) وَنَحْنُ لَمْ نَجِدْ قَطُّ ذَنْبًا فِي الْيَهُودِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ بِقَضَاءِ أَخْبَثِ الْبَشَرِ، بَلْ بِعَكْسِ ذلِكَ، وَجَدْنَا أَنَّ لَهُمْ سُنَنًا عَادِلَةً. 29 (16) وَهُمْ بَنُو اللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ الْحَيِّ إِلَى الأَبَدِ الَّذِي بِإِحْسَانِهِ سُلِّمَ الْمُلْكُ إِلَى آبَائِنَا وَإِلَيْنَا وَمَا بَرِحَ مَحْفُوظًا إِلَى الْيَوْمِ. 30 (17) وَحَيْثُ ذلِكَ فَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّسَائِلَ الَّتِي وَجَّهَهَا بِاسْمِنَا هِيَ بَاطِلَةٌ. 31 (18) وَبِسَبَبِ تِلْكَ الْجَرِيمَةِ، قَدْ عُلِّقَ أَمَامَ أَبْوَابِ هذِهِ الْمَدِينَةِ شُوشَنَ، هُوَ صَاحِبُ تِلْكَ الْمُؤَامَرَةِ وَجَمِيعُ أَنْسِبَائِهِ عَلَى خَشَبَاتٍ، فَنَالَ بِذلِكَ جَزَاءَ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ قِبَلِ اللهِ لاَ مِنْ قِبَلِنَا. 32 (19) فَلْيُعْلَنْ هذَا الأَمْرُ الَّذِي نَحْنُ مُنَفِذُوهُ الآنَ فِي جَمِيعِ الْمُدُنِ لِيُبَاحَ لِلْيَهُودِ أَنْ يَعْمَلُوا بِسُنَنِهِمْ. 33 (20) وَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَعْضُدُوهُمْ حَتَّى يَسْتَمْكِنُوا مِنْ قَتْلِ الَّذِينَ كَانُوا مُتَأَهِّبِينَ لِقَتْلِهِمْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ الَّذِي يُدْعَى آذَارَ، 34 (21) فَإِن ذلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ يَوْمَ حُزْنٍ وَنَحِيبٍ قَدْ حَوَّلَهُ لَهُمُ اللهُ الْقَدِيرُ إِلَى فَرَحٍ. 35 (22) وَأَنْتُمْ أَيْضًا فَانْظِمُوا هذَا الْيَوْمَ بَيْنَ سَائِرِ أَيَّامِ الأَعْيَادِ الأُخْرَى وَعَيِّدُوهُ بِكُلِّ فَرَحٍ حَتَّى يُعْلَمَ فِيمَا بَعْدُ. 36 (23) أَنَّ كُلَّ مَنْ يُطِيعُ الْفُرْسَ بِأَمَانَةٍ يُثَابُ عَلَى أَمَانَتِهِ ثَوَابًا وَافِيًا، وَمَنْ يَرْصُدُ لِمَلِكِهِمْ يَهْلِكُ بِجِنَايَتِهِ. 37 (24) وَكُلُّ إِقْلِيمٍ أَوْ مَدِينَةٍ يَأْبَى أَنْ يَشْتَرِكَ فِي هذَا الْعِيدِ فَلْيَهْلِكْ بِالسَّيْفِ وَالنَّارِ، لاَ النَّاسُ فَقَطْ بَلِ الْبَهَائِمُ أَيْضًا، لِيَكُونَ إِلَى الأَبَدِ عِبْرَةً لِلاِسْتِخْفَافِ وَالْعِصْيَانِ». 38 (14) فَخَرَجَ البَرِيدُ رُكَّابُ الْجِيَادِ وَالْبِغَالِ وَأَمْرُ الْمَلِكِ يَحُثُّهُمْ وَيُعَجِّلُهُمْ، وَأُعْطِيَ الأَمْرُ فِي شُوشَنَ الْقَصْرِ.
ع9، 10: سيوان: هو الشهر الثالث في السنة العبرية الدينية ويقابل النصف الثاني من شهر مايو والنصف الأول من شهر يونيو.
المرازبة: جمع مرزبان وهو أمير أو حاكم كبير على مقاطعة أيام الفرس.
الرمَك: الخيل الأصيلة الجيدة.
بعدما أعد مردخاي صيغة الأمر الملكى لإنقاذ اليهود وختمه بخاتم الملك، دعا الكتبة العاملين عند الملك وهم متميزين ليس فقط بحسن الكتابة، بل بالقدرة أيضًا على الترجمة باللغات المختلفة فكتبوا هذا الأمر الملكى الجديد، ثم أرسل هذا الأمر إلى اليهود وإلى جميع المسئولين في الإمبراطورية الفارسية، سواء المرازبة، أو الولاة، أو رؤساء البلدان. وكان ذلك في اليوم الثالث والعشرين من الشهر الثالث وهو شهر سيوان، أي أن الأمر الملكى الجديد صدر بعد شهرين ونصف تقريبًا من الأمر الملكى الذي كتبه هامان. وصدر الأمر الجديد قبل ثمانية أشهر ونصف من ميعاد إهلاك اليهود، الذي تحول - كما سنرى - إلى يوم لإكرام وتمجيد اليهود. بهذا أرسلت الأوامر إلى جميع بلدان الإمبراطورية الفارسية وعددها مئة وسبعة وعشرين بلدًا، تمتد من الهند شرقًا إلى كوش، أي الحبشة غربًا. وحمل هذه الرسائل موظفو البريد التابعون للملك، الذين يركبون على الخيل والبغال التي تسرع في جريها لتصل إلى أقصى البلاد التابعة للمملكة.
ع11، 12: آذار: الشهر الثاني عشر من السنة العبرية الدينية وهو يقابل النصف الثاني من شهر فبراير والنصف الأول من شهر مارس.
احتوى الأمر الملكى الجديد خلاصًا لليهود وإنقاذًا لحياتهم، بل أعطاهم قوة أكبر وبركات، فهو يشمل:
اجتماع اليهود في كل مدينة واستعدادهم للدفاع عن أنفسهم ضد أعدائهم وذلك بمساندة الدولة لهم.
أعطى اليهود الحق في إهلاك وإبادة أعدائهم في كل أرجاء المملكة هم ونسائهم وأطفالهم.
سمح لليهود أيضًا بالاستيلاء على غنائم وممتلكات هؤلاء الأعداء بعد إبادتهم.
نلاحظ أن نص الأمر الملكى الجديد يساند اليهود ضد أعدائهم، وجاء عكس الأمر الأول وبنفس صيغته، الذي كان ينص على إبادة اليهود هم ونسائهم وأطفالهم وسلب غنائمهم، أي أن الأمر كان قاسيًا مثل الأمر الأول ولكن لصالح اليهود ضد أعدائهم، وإن كان اليهود تصرفوا برحمة، فلم يبيدوا النساء والأطفال الذين لأعدائهم، ولم ينهبوا بيوتهم، بل تركوها للنساء والأطفال (أس 9: 10، 15، 16).
ونص الأمر الملكى أن يتم تنفيذ هذا الأمر في اليوم الثالث عشر من شهر آذار وكان ما زال باقيًا على هذا الميعاد أكثر من ثمانية أشهر، أي أنها فرصة كافية ليستعد اليهود لذلك، بالإضافة إلى فرصة الأعداء أن يتراجعوا عن موقفهم ويتصالحوا معهم؛ حتى لا يهلكوا. وكذلك كانت فرصة كافية لاستعداد حكام كل بلاد المملكة لهذا اليوم العظيم لإكرام اليهود، بدلًا من إهلاكهم، فالأمر كان يحتاج إلى ضبط الأمن بشدة، وإلا تعرضت المملكة لحرب داخلية يكون لها آثار مدمرة للمملكة. وبالطبع تدخل الله لصالح شعبه، فأفنوا أعداءهم الذين أصروا على عداوتهم لليهود، وخلص شعبه واستقر الأمن في بلاد الإمبراطورية كلها.
ع13: يعطينا الكتاب المقدس هنا صورة من الأمر الملكى الجديد الذي كتبه مردخاي وختمه بختم الملك. ومحتوى هذا الأمر المذكور في الآيات التالية موجود في تتمة أستير في الأسفار القانونية الثانية إصحاح "16" وهو يحمل معانى كثيرة هامة، سنراها في الآيات التالية.
ع14: في بداية الرسالة يكتب مرسل هذه الرسالة وهو الملك أرتحشستا، أي أحشويروش، والمرسل إليهم وهم القادة والرؤساء المتولون على شعوب الإمبراطورية الفارسية، ثم فاتحة الرسالة وهي إهداؤهم السلام، الذي هو أفضل عطية تعطى للبشر.
ع15، 16: يصف الأمر الملكى هامان الشرير بأنه متكبر وهذا الكبرياء أسقطه في خطأين هما:
ظلم رعية الملوك، أي اليهود التابعين للملك أحشويروش، دون أي خطأ من اليهود. فاليهود هنا يرمزون للمسيح الذي ظلمه اليهود دون خطأ منه وصلبوه، ولكنه قام بقوة لاهوته من الأموات، كما استعاد اليهود حياتهم بالأمر الملكى الجديد.
تمادى هامان في الشر لدرجة أنه تآمر على الملك أحشويروش الذي منحه السلطان. إذ أن هامان بمؤامرته ضد اليهود شمل قتل الملكة زوجة أحشويروش، ومردخاي الذي أنقذ حياة الملك. بالإضافة إلى أن أصابع الاتهام تتجه نحو هامان، الذي كان غالبًا وراء مؤامرة الخصيان التي دبرت لاغتيال الملك أحشويروش وكشفها مردخاي.
ع17: ينابذوا: يرفضوا بشدة ويعادوا.
وجه الأمر الملكى أخطاء أخرى إلى هامان هي:
عدم شكر الملك أحشويروش على عطاياه وسلطانه الذي منحه له، حتى أنه جعله أبًا له وأعطاه خاتمه وجعله الرجل الثاني بعد الملك.
معارضة الحقوق الإنسانية الممنوحة للبشر بظلمه لليهود الأبرياء.
إهمال العدل الإلهي وتوهم إمكانية الهروب من عقاب الله للأشرار.
ع18، 19: أضاف الأمر الملكى إلى الخمسة أخطاء السابقة لهامان ثلاثة أخطاء جديدة هي:
غباء هامان الذي حاول قتل مردخاي بصلبه على خشبة، مع أن مردخاي هذا كان بمثابة وزير عند الملك أحشويروش وأمينًا في عمله، بالإضافة إلى جهده الزائد في التحرى والبحث عن الأشرار الذين يحاولون قتل الملك. وقد نجح في هذا وأبلغ الملك وأنقذ حياته، فقتل الخصيين، وهو على كل هذا يستحق الشكر وليس الموت.
استخدام الخداع والمكر والكذب لإقناع الملك بأن اليهود أشرار ومردخاي يستحق الموت. وهذا يخالف الحقيقة.
سلوك هامان بالشر جعله يظن أن كل الناس طبيعتهم شريرة مثله، فأساء الحكم على مردخاي المخلص للملك وظنه حسودًا ومتكبرًا ومتآمرًا ضد هامان.
ع20-22: بعد أن شرح الأمر الملكى شرور هامان بطريقة مستترة، أي لم يذكر إسمه، ويظهر هنا معنى هام وهو حكمة الملك وعدم خطأه. وكانت هذه حكمة من مردخاي وأستير، اللذان لم ينسبا خطأ للملك في أمره الأول بيد هامان لإبادة اليهود، بل على العكس قدما له أعذارًا كافية وتبريرات تظهر فيما يلى:
أنه من المعروف تاريخيًا وجود أشرار يفسدون أفكار الملوك ويخدعونهم.
أن الملك أحشويروش يهتم بسلام المملكة، ولذا ظن صدق هامان الذي خدعه بأن اليهود يقلقون المملكة.
حكمة الملك أحشويروش، فعندما يصدر أمرًا ملكيًا جديدًا عكس الأمر الأول، فهذا لإظهار خداع هامان الذي كان الوزير الأول وبمثابة أب للملك واستغل مركزه لخداع الملك، ولكن بعد أن تبين الملك الحقيقة وهي براءة اليهود أصدر أمره بعدم إهلاكهم، بل بتكريمهم وقتل أعدائهم.
ع23، 24: مشربًا: ميولًا وطباعًا.
في هذا الجزء من الأمر الملكى أوضح كلامه السابق أنه عن هامان بن همداثا، فتكلم عنه باحتقار، إذ وصفه بأنه مكدونى؛ لأن المكدونيين الساكنين نواحى اليونان كانوا يتميزون بالصراعات الدائمة بعضهم مع بعض ومع من حولهم، مما جعلهم ضعفاء ومحتقرين من الفرس. فرغم أن هامان من نسل أجاج العماليقى الذين كانوا يسكنون في برية سيناء ونواحى شبه جزيرة العرب، إلا أن الأمر الملكى يتكلم عنه باحتقار، فيصفه بأنه مثل المكدونيين، ويقول عنه أنه مكدونى الجنس والطباع، أي غريب عن طباع الفرس المتميزة. وقد أكرمه الملك إذ قبله في مملكته، بل وكرمه في قصره وجعله في سلطان عظيم تحت يد الملك مباشرة، حتى أن كل المملكة كانت تسجد له وتكرمه باعتباره الرجل الثاني بعد الملك.
رغم كل هذا الإكرام من الملك ظهر شر هامان، الذي سبق ذكره وسيؤكده في الآيات التالية.
أضاف الملك أن هامان من شدة جبروته أراد أن يخلع الملك عن عرشه، بل ويقتله أيضًا؛ لأنه فهم أنه كان وراء مؤامرة الخصيان التي كان هدفها اغتيال الملك.
كذلك دبر هامان مؤامرات شنيعة لم يسمع بمثلها، إذ أنه حاول إهلاك مردخاي الذي أنقذ حياة الملك، أي أن الملك مدين بحياته لمردخاي. ويتطاول هامان أيضًا فأراد أن يقتل استير الملكة شريكة الملك وزوجته، بالإضافة إلى إبادة كل شعبها.
ثم أظهر الملك في النهاية مدى شر هامان، الذي نوى التخلص من أستير ومردخاي المخلصين للملك، وذلك بأنه كان ينتهز فرصة يكون فيها الملك وحده ويقتله ويتملك بدلًا منه، فيحول مملكة الفرس إلى اليونانيين، أي المكدونيين.
بهذا أظهر الملك شرور هامان وخداعه الذي أدى إلى صدور الأمر الملكى بإبادة اليهود، وبالتالي تطلب الأمر إصدار أمر ملكى جديد لإزالة شرور هامان؛ لينجى اليهود من الموت، ويحفظ للمملكة قوتها، ويبيد أعداء اليهود، فيستقر الأمن في المملكة. أي أن استعراض شرور هامان كان مقدمة لصدور قرارات جديدة.
الملك هنا يرمز لله في كونه اعتبر إساءات هامان لأستير ومردخاي ولليهود إساءة له شخصيًا، وكذلك الله يعتبر إساءات الشيطان نحونا إساءة له، فيتحرك ويدافع عنا إذا التجأنا إليه.
أعلن الملك أنه قد فحص في أمر اليهود، فلم يجدهم أشرارًا وخبثاء كما أدعى هامان، بل على العكس وجد لهم شرائع دينية عادلة، وأن إلههم هو الله العظيم الحي إلى الأبد.
ثم نسب الملك الفضل في تملكه هو وآبائه على مملكة الفرس إلى الله إله اليهود، وما زال يحفظ له الملك ويكشف مؤامرات أعدائه مثل هامان. وهذا الاعتراف ساعد في أن كثيرين من الأمم تهودوا بعدما رأوا قوة الله وحمايته لشعبه المظلوم (ع41).
ع30، 31: أعلن الملك أن الأمر الملكى الذي كتبه هامان باطل، وهو الذي يقضى بهلاك اليهود. وأكد بطلان هذا الأمر بأن هامان الذي كتبه قد تم صلبه على خشبة، بل وأيضًا لانتشار شره وتأثيره على عائلته قد تم صلب أنسبائه؛ للتخلص من كل ما له علاقة بالشر، إذ أن قلوبهم كانت غالبًا قد امتلأت بالشر على اليهود، مثل هامان. ويذكر لنا (أس 9: 14) أن أبناءه العشرة قد تم صلبهم أيضًا.
يوضح الملك أن صلبه لهامان وأسرته هو قضاء الله عليه وليس فقط عقاب الملك له؛ لأنه قد أخطأ في حق البشر الأبرياء، أي اليهود الذين حاول إهلاكهم بلا ذنب منهم.
ع32: شمل هذا الأمر الملكى إعلان القرار في كل بلدان المملكة ببطلان الأمر الملكى الأول، الذي كتبه هامان لإهلاك اليهود.
وشمل هذا القرار أيضًا السماح لليهود بممارسة شريعتهم بحرية كما يريدون.
وهكذا نرى التسلسل المنطقي داخل الأمر الملكى فشمل ما يلي:
إظهار شر هامان واستخدامه السئ لثقة الملك فيه، فأراد إبادة شعب برئ هم اليهود (ع15-19).
توضيح براءة اليهود مما نُسب إليهم من تهم وإخلاصهم وبيان أنهم أهل للثقة، بل وأصحاب فضل على الملك؛ إذ أنقذوا حياته وذلك عن طريق مردخاي (ع28، 29).
نوال هامان عقابه بصلبه هو وكل عائلته التي شاركته هذا الشر (ع31).
إبطال أمر إبادة اليهود والسماح لهم بالحياة الكريمة داخل المملكة الفارسية (ع30).
السماح لليهود بممارسة شعائرهم الدينية (ع32).
ع33: شمل الأمر الملكى أيضًا توصية الولاة والمسئولين في كل بلدان المملكة أن يساندوا اليهود للقضاء على كل من كان يريد الإساءة إليهم في هذا اليوم، أي تعضيدهم في إبادة أعدائهم.
وهكذا بمعونة الله وبالصلاة والصوم انقلبت الأوضاع تمامًا، فبدلًا من إبادة اليهود وتسلط الأعداء عليهم، يهلك الأعداء، ويعيش اليهود حياة كريمة.
هذا الانقلاب في الأوضاع يرمز لما حدث بالصليب، فتم تقييد الشيطان وتحرير أولاد الله من عبوديته عكس ما كان قبلًا، إذ كان الشيطان يتسلط على أولاد الله ويأخذهم للجحيم.
إن الولاة والمسئولين في بلدان المملكة يرمزون للقديسين الذين يعضدون المؤمنين في حربهم ضد الشيطان بصلواتهم أمام الله، فيتسلطوا على الشياطين، بدلًا من تسلط الشياطين عليهم.
ع34-36: قرر الملك أن يكون اليوم الذي صدر فيه الأمر السابق المكتوب بيد هامان لإهلاك اليهود - وتحول بعد الأمر الملكى الجديد - هو يوم لإكرام اليهود، أي تحول من يوم حزن لليهود إلى يوم فرح. وأمر الملك الولاة التابعين له في المملكة باعتبار هذا اليوم عيدًا ضمن الأعياد الرسمية المعروفة في المملكة.
وإعلان هذا العيد يعنى ليس فقط فرح لليهود، بل أيضًا إعلان أن كل من يطيع الفرس يكافأ من أجل أمانته مكافأة عظيمة.
من العجيب أن ينسب الملك هذا الخلاص لله القدير إله اليهود الذي خلصهم من الموت. ولكن يبطل التعجب إذا عرفنا أن كاتب صيغة الأمر هو مردخاي ولكن أيضًا من العجيب أن يوافق الملك على هذه الصياغة.
في النهاية صار عيد خلاص اليهود عيدًا رسميًا في المملكة يعيد به اليهود والأمم. وهذا يرمز للخلاص الذي تم في أورشليم بالمسيح الفادى والقائم من الأموات؛ ليعطى خلاصًا وفرحًا للمؤمنين به من اليهود والأمم.
ع37: شمل الأمر الملكى أيضًا أن كل بلد أو إقليم لا يخضع لهذا الأمر الملكى يعرض نفسه للهلاك، ويشمل هذا الهلاك الناس والبهائم، أي إبادة كاملة. وبالطبع من يقاوم الأمر هم الأمم الذين يعادون اليهود، فيعرضون أنفسهم للهلاك.
نلاحظ أن الإبادة تشمل البهائم أيضًا، أي إبادة للناس وممتلكاتهم، فتصير أرضهم قفرًا لشرهم. كما أن الملك يعتبرونه متسلطًا على الناس والبهائم، لأنه بمثابة إله عندهم.
هذا الهلاك الذي يحل بأعداء اليهود يرمز للهلاك الذي سيلحق بالشياطين الذين هم أعداء المؤمنين، وذلك بإلقائهم في العذاب الأبدي.
ع38(14): تمت كتابة الأمر الملكى الجديد باللغات المختلفة التي تتكلم بها البلدان التابعة للمملكة الفارسية، وخرج موظفوا البريد راكبوا الخيل والبغال مسرعين لتوصيل الأوامر إلى كل الولاة والمسئولين في المملكة.
وكان الأمر الملكى يدفع هؤلاء الموظفين للإسراع؛ حتى يستطيع الولاة أن يوقفوا العداء ضد اليهود، بل ويستميلوا الناس لإكرام اليهود؛ حتى لا تحدث مشاحنات وشغب داخل بعض البلاد بين اليهود وأعدائهم، أو تتصاعد الأمور، فتحدث حرب داخلية في المملكة. أي كانت الشهور المقبلة فرصة لسيطرة الولاة على بلادهم واستعدادهم لليوم الثالث عشر من آذار؛ لإكرام اليهود وإهلاك أعدائهم إن بقى منهم عدد قليل لم يخف أمر الملك.
†
عجيب هو الله القادر أن يحول الشر إلى خير، فلا تقلق من أي أمور معاكسة، فالله قادر أن يحميك من هذه الأحداث، بل يحولها إلى خيرك. تفرغ أنت للصلاة وللأمانة في عملك واطمئن؛ لأن الله يحميك.
39 (15) وَخَرَجَ مُرْدَخَايُ مِنْ أَمَامِ الْمَلِكِ بِلِبَاسٍ مَلِكِيٍّ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأَبْيَضَ، وَتَاجٌ عَظِيمٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَحُلَّةٌ مِنْ بَزّ وَأُرْجُوَانٍ. وَكَانَتْ مَدِينَةُ شُوشَنَ مُتَهَلِّلَةً وَفَرِحَةً. 40 (16) وَكَانَ لِلْيَهُودِ نُورٌ وَفَرَحٌ وَبَهْجَةٌ وَكَرَامَةٌ. 41 (17) وَفِي كُلِّ بِلاَدٍ وَمَدِينَةٍ، كُلِّ مَكَانٍ وَصَلَ إِلَيْهِ كَلاَمُ الْمَلِكِ وَأَمْرُهُ، كَانَ فَرَحٌ وَبَهْجَةٌ عِنْدَ الْيَهُودِ وَوَلاَئِمُ وَيَوْمٌ طَيِّبٌ. وَكَثِيرُونَ مِنْ شُعُوبِ الأَرْضِ تَهَوَّدُوا لأَنَّ رُعْبَ الْيَهُودِ وَقَعَ عَلَيْهِمْ.
ع39(15): بعد إصدار الأمر الملكى بإكرام اليهود، وبعد التخلص من هامان الشرير، أعلن الملك قراره بتولى مردخاي السلطة في المملكة، أي يكون الرجل الثاني بعد الملك، وذلك في عدة مظاهر تظهر سلطانه وهي:
خرج مردخاي بلبس ملكى أسمانجونى وهو اللون الأزرق الذي يرمز للسماء، فهو عظيم من قبل الله السماوى.
كان أيضًا لباس مردخاي أبيضًا رمزًا للبهاء والنقاوة.
كان على رأسه تاج عظيم من الذهب يرمز لكرامة أولاد الله وتملكهم على أنفسهم، بل يعطيهم الله نعمة ومهابة في أعين من حولهم.
وأيضًا كان مردخاي يلبس ملابس من البز وهو نوع من الثياب الفاخرة تظهر عظمته ومجده.
كانت ملابسه أيضًا من الأرجوان وهو اللون الأحمر وهي ملابس الملوك. ويرمز اللون الأحمر إلى دم المسيح الفادى.
كل هذه المظاهر التي ظهر بها مردخاي تؤكد محبة الملك له وتعظيمه في كل المملكة وهذا يرمز لرضا الله الآب عن الابن المتجسد، الذي يرمز إليه مردخاي.
كان مظهر مردخاي كله يرمز للمسيح القائم من الأموات في مجد عظيم منتصرًا على الشيطان وشوكة الموت.
تهللت العاصمة الفارسية مدينة شوشن، عندما خرج إليها مردخاي بمجده، وعلموا بالأمر الملكى الذي يقضى بإكرام اليهود. وهكذا نرى فرح وتهليل المدينة بسبب مجد مردخاي، كما أن المسيح المنتصر على الشيطان هو سبب تهليل وبهجة المؤمنين به. والكنيسة تتمجد مع المسيح الممجد، فبقيامته وصعوده أعد مكانًا للكنيسة في الملكوت لتتمجد معه.
ع40(16): انتشر الخبر بصدور الأمر الملكى الجديد، المنقذ لليهود من الموت، بل وتسلطهم على أعدائهم وتعضيد الولاة لهم، بالإضافة إلى نوال مردخاي عظمة وسلطان لا يصل إليها أحد في المملكة، إذ صار الرجل الثاني بعد الملك. كل هذا كان تأثيره قويًا في اليهود فيما يلي:
نور
فرح وبهجة
كرامة
ع41(17): بوصول الأمر الملكى إلى بلدان المملكة الفارسية حدثت عدة أمور:
تأثير قوي داخل نفوس اليهود بالفرح والبهجة.
أقام اليهود ولائم للفرح؛ دعوا إليها أهل جنسهم، وأيضًا الأمم المحيطين بهم. وهذه الولائم ترمز لوليمة التناول من جسد الرب ودمه، التي فيها كمال الفرح لكل من يؤمن به.
إذ رأت الأمم مجد اليهود وقوة إلههم المساندة لهم، التي أنقذتهم، ثم أكرمتهم، بل صار لهم سلطان لإبادة كل من يعاديهم، خافوا جدًا وعظموا اليهود.
رأى الكثير من الأمميين أن في الالتصاق باليهود مجد ونعمة كبيرة، والتعبد لإلههم يعطى قوة، فتقدموا وانضموا لليهود، أي اختتنوا وصاروا يهودًا. وهذا يرمز لمجد الكنيسة في نهاية الأيام، عندما ينتشر الإيمان، ويشعر أهل العالم أنه مجد عظيم لهم إذا انضموا للكنيسة.
†
إن كل ما تصبر عليه من الألم يتحول إلى بركة وفرح في حياتك. وهذا الفرح يظهر عليك ويؤثر فيمن حولك، فيشتاقوا أن يحيوا مثلك ويحبوا إلهك.
← تفاسير أصحاحات أستير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أستير 9 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير أستير 7 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/esther/chapter-08.html
تقصير الرابط:
tak.la/52xn362