* تأملات في كتاب استير: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
الأَصْحَاحُ الرَّابِعُ
أضيف إلى هذا الأصحاح في نهايته ثلاثين آية وهي عبارة عن صلاة مردخاي (4: 18-28) وهي مأخوذة تتمة سفر أستير في الأسفار القانونية الثانية الأصحاح (تتمة أستير 13: 8-18). وكذلك صلاة أستير (أس 4: 29-47) وهي مأخوذة من تتمة سفر أستير في الأسفار القانونية الثانية (تتمة أستير 14: 1-19) وبهذا يعود الأصحاح الرابع إلى وضعه الأول كما كتبه مردخاي قبل حذف صلاة مردخاي وصلاة أستير منه.
(1) حزن مردخاي واليهود (ع1-3)
(2) معرفة أستير بخبر إبادة اليهود (ع4-9)
(3) إقناع أستير بالدخول إلى الملك (ع10-14)
(4) صوم اليهود ثلاثة أيام (ع15-17)
(5) صلاة مردخاي (ع18-28) (تتمة أستير 13: 8-18)
(6) صلاة أستير (ع29-47) (تتمة أستير 14: 1-19)
1 وَلَمَّا عَلِمَ مُرْدَخَايُ كُلَّ مَا عُمِلَ، شَقَّ مُرْدَخَايُ ثِيَابَهُ وَلَبِسَ مِسْحًا بِرَمَادٍ وَخَرَجَ إِلَى وَسَطِ الْمَدِينَةِ وَصَرَخَ صَرْخَةً عَظِيمَةً مُرَّةً، 2 وَجَاءَ إِلَى قُدَّامِ بَابِ الْمَلِكِ، لأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ بَابَ الْمَلِكِ وَهُوَ لاَبِسٌ مِسْحًا. 3 وَفِي كُلِّ كُورَةٍ حَيْثُمَا وَصَلَ إِلَيْهَا أَمْرُ الْمَلِكِ وَسُنَّتُهُ، كَانَتْ مَنَاحَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ الْيَهُودِ، وَصَوْمٌ وَبُكَاءٌ وَنَحِيبٌ. وَانْفَرَشَ مِسْحٌ وَرَمَادٌ لِكَثِيرِينَ.
وصل أمر الملك بإبادة اليهود إلى مردخاي فحزن جدًا وذلك لما يلي:
لأن شعبه كله سَيُبَاد وهو شعب الله المختار، المؤمن باسمه.
شعور مردخاي أنه السبب في هذا الأمر الملكى بإبادة شعبه؛ لأن تمسكه بالحق أثار هامان، الذي بدوره أثار الملك واستصدر منه هذا الأمر.
وعبر مردخاي عن حزنه بعدة أمور هي :
مزق ثيابه، وهذا دليل على الحزن الشديد ومازالت حتى الآن هذه العادة الشرقية تحدث في صعيد مصر.
لبس المسوح -وهي ثياب خشنة مثل الخيش- على لحم جسده كنوع من التقشف والتذلل أمام الله؛ ليرحمه هو وشعبه.
وضع الرماد على رأسه تعبيرًا عن تذللـه أمام الله، فالرماد الملقى على الأرض وضعه على رأسه، ليعلن أن رأسه في التراب والرماد أمام الله في خضوع وتذلل لينال رحمة الله.
خرج إلى وسط المدينة؛ ليعلن حزنه أمام كل المدينة. فيدعو اليهود للتذلل والصلاة وينال تعاطف باقي سكان المدينة ضد هذا الأمر الظالم. وهذا التصرف يظهر شجاعته وحكمته. وبهذا يكون قدوة لليهود في الشجاعة، فيعلنون حزنهم ويرفعون صلواتهم؛ لينجيهم الله من هذا الظلم. فمردخاي لم يكن خائفًا من الموت؛ لأنه على حق.
صرخ صرخة عظيمة في وسط المدينة، معلنًا شدة حزنه. وهذا أيضًا يؤكد شجاعته، وتوجع قلبه الشديد.
ثم اقترب مردخاي من وسط المدينة ووقف أمام باب الملك بهذا المنظر، الذي يؤكد حزنه وشجاعته ولم يدخل القصر؛ لأنه ممنوع على أي موظف أن يظهر عليه الحزن أثناء عمله بالقصر؛ حتى يحتفظ الملك الفارسى بفرحه وبشاشته. وهذه كانت عادة عند الملوك القدماء، وهذا يبين مدى انفصال الملك عن مشاعر وضيقات شعبه.
ع3: وصلت رسائل الملك إلى بلاد مملكته، فحدث حزن عظيم فيها بين اليهود وكل أحبائهم، وظهرت مظاهر تذلل اليهود أمام الله والالتجاء إليه في شكل:
بكاء ومناحة عظيمة.
صوم عام بين اليهود.
تذللوا بنومهم ليس على أسرتهم،بل على الرماد والتراب، أو ناموا على المسوح الخشنة.
كل هذا يبين اضطراب بلاد مملكة فارس وحزن اليهود في كل مكان في العالم.
† إذا شعرت بضيقة تمر بك فأسرع إلى الله بتذلل وتقشف واثقًا من محبته لك وقدم وعودًا؛ لتحيا معه واعلم أنه قريب منك ويهتم بكل كلمة تخرج من فمك.
4 فَدَخَلَتْ جَوَارِي أَسْتِيرَ وَخُصْيَانُهَا وَأَخْبَرُوهَا، فَاغْتَمَّتِ الْمَلِكَةُ جِدًّا وَأَرْسَلَتْ ثِيَابًا لإِلْبَاسِ مُرْدَخَايَ، وَلأَجْلِ نَزْعِ مِسْحِهِ عَنْهُ، فَلَمْ يَقْبَلْ. 5 فَدَعَتْ أَسْتِيرُ هَتَاخَ، وَاحِدًا مِنْ خِصْيَانِ الْمَلِكِ الَّذِي أَوْقَفَهُ بَيْنَ يَدَيْهَا، وَأَعْطَتْهُ وَصِيَّةً إِلَى مُرْدَخَايَ لِتَعْلَمَ مَاذَا وَلِمَاذَا. 6 فَخَرَجَ هَتَاخُ إِلَى مُرْدَخَايَ إِلَى سَاحَةِ الْمَدِينَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَلِكِ. 7 فَأَخْبَرَهُ مُرْدَخَايُ بِكُلِّ مَا أَصَابَهُ، وَعَنْ مَبْلَغِ الْفِضَّةِ الَّذِي وَعَدَ هَامَانُ بِوَزْنِهِ لِخَزَائِنِ الْمَلِكِ عَنِ الْيَهُودِ لإِبَادَتِهِمْ، 8 وَأَعْطَاهُ صُورَةَ كِتَابَةِ الأَمْرِ الَّذِي أُعْطِيَ فِي شُوشَنَ لإِهْلاَكِهِمْ، لِكَيْ يُرِيَهَا لأَسْتِيرَ، وَيُخْبِرَهَا وَيُوصِيَهَا أَنْ تَدْخُلَ إِلَى الْمَلِكِ وَتَتَضَرَّعَ إِلَيْهِ وَتَطْلُبَ مِنْهُ لأَجْلِ شَعْبِهَا. 9 فَأَتَى هَتَاخُ وَأَخْبَرَ أَسْتِيرَ بِكَلاَمِ مُرْدَخَايَ.(1)
ع4: وصل إلى الملكة أستير ما عمله مردخاي في وسط المدينة وأمام القصر الملكى من مظاهر الحزن المختلفة، وذلك عن طريق جواريها وخصيانها، فهي بالطبع لمركزها الكبير لا تخرج في الساحات والشوارع، فلما سمعت حزنت جدًا لما يلي:
لانها تقدر وتكرم مردخاي مربيها وراعيها.
لما سيحدث مع شعبها، فَيُبادوا جميعًا.
خافت من وجود مردخاي بمظاهر حزنه أمام القصر الملكى، الذي قد يعرضه للمساءلة، أو الانتقام الملكى، إذ لا يجوز وجود أي مظاهر حزن؛ حتى لا يتضايق الملك.
وأسرعت أستير وأرسلت ملابسًا لمردخاي، بدلًا من ثيابه المشقوقة والمسح التي يلبسها. وهذا يبين مدى محبتها وإكرامها له. ومن ناحية أخرى عدم انشغالها بعظمة الملك ورفاهيته.
ولكن مردخاي رفض أن يلبس الملابس المرسلة له، وأصر أن يظهر بمظاهر الحزن والتذلل أمام الله وكل شعب المدينة. ففهمت أستير أن حزن مردخاي شديد جدًا وأسبابه قوية.
ع5، 6: إذ رفض مردخاي تغيير ملابسه، فهمت أستير أن هناك أسبابًا قوية تدعو مردخاي إلى هذا الحزن. فأرسلت إليه أحد خصيانها الذين يخدمونها ويدعى هتاخ، ليقابل مردخاي، ويستفسر منه عن سبب حزنه الشديد؛ ماذا حدث حتى أنه مزق ثيابه وظهر بهذا الحزن الشديد؟!
يفهم من هذا أن أستير كملكة لم يكن مسموحًا لها أن تخرج من قصرها وتقابل الناس، فأرسلت رسولًا هو أحد خصيانها. وواضح أنها تثق فيه ثقة كبيرة جدًا؛ حتى إئتمنته على تصرفاتها وخصوصياتها وأسرارها.
ع7-9: أعلم مردخاي هتاخ بكل ما أصابه من هامان، أي ضيقه منه؛ لعدم سجوده، وكذلك غضبه السابق بسبب كشفه لمؤامرة الخصيان، وأن هامان أضمر له الشر وأراد إهلاكه؛ ليس هو فقط، بل كل شعبه وأعلن ذلك لمعاونيه في القصر.
كما أخبر مردخاي هتاخ بكل ما عمله هامان مع الملك؛ حتى أنه أصدر أمرًا بإبادة اليهود في كل المملكة، ووعد هامان أن يقدم فضة كثيرة لخزانة الملك إذا ما تمت إبادة اليهود. ثم أعطى مردخاي هتاخ صورة من الأمر الملكى ليطلع أستير عليها.
بعد هذا طلب من هتاخ إخبار أستير بضرورة دخولها إلى الملك؛ لتطلب منه العفو عن اليهود. فرجع هتاخ وأخبر أستير بكل ما علمه من مردخاي وأعطاها صورة الأمر الملكى.
يحكى التقليد اليهودي أن مردخاي عندما علم بأمر الملك إبادة اليهود، كان حزينًا، وإذ صادف في طريقه ثلاثة أطفال يهود عائدين من مدرستهم، سألهم ماذا اخذوا في هذا اليوم؟ فقال الأول درسنا الأصحاح الثالث من سفر الأمثال والآية التي تقول "لا تخش من خوف باغت" (أم3: 25). أما الطفل الثاني فقال قد درسنا الأصحاح الثامن من سفر أشعياء وعرفنا فيه الآية التي تقول "تشاوروا مشورة فتبطل" (اش8: 10). والطفل الثالث قال درسنا الأصحاح السادس والأربعين من نبوة أشعياء وفيها الآية "أنا أحمل. قد فعلت، وأنا أرفع وأنا أحمل وأنجى" (اش46: 4). فتعزى قلب مردخاي وشعر أن هذه الآيات رسالة من الله له واطمأن قلبه. وهذا جزء مما أصاب مردخاي وأبلغ به أستير كما ذكر في (ع7).
†
كن شجاعًا في حوارك مع الآخرين ومحدد أيضًا، فتطلب منهم ما تحتاجه؛ حتى يفهموا قصدك ولا يلتبس عليهم الأمر. ولا تخش أن يرفضوا كلامك، بل اعتمد على الله، وقل ما عندك بجرأة.
10 فَكَلَّمَتْ أَسْتِيرُ هَتَاخَ وَأَعْطَتْهُ وَصِيَّةً إِلَى مُرْدَخَايَ: 11 «إِنَّ كُلَّ عَبِيدِ الْمَلِكِ وَشُعُوبِ بِلاَدِ الْمَلِكِ يَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ رَجُل دَخَلَ أَوِ امْرَأَةٍ إِلَى الْمَلِكِ، إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ وَلَمْ يُدْعَ، فَشَرِيعَتُهُ وَاحِدَةٌ أَنْ يُقْتَلَ، إِلاَّ الَّذِي يَمُدُّ لَهُ الْمَلِكُ قَضِيبَ الذَّهَبِ فَإِنَّهُ يَحْيَا. وَأَنَا لَمْ أُدْعَ لأَدْخُلَ إِلَى الْمَلِكِ هذِهِ الثَّلاَثِينَ يَوْمًا». 12 فَأَخْبَرُوا مُرْدَخَايَ بِكَلاَمِ أَسْتِيرَ. 13 فَقَالَ مُرْدَخَايُ أَنْ تُجَاوَبَ أَسْتِيرُ: «لاَ تَفْتَكِرِي فِي نَفْسِكِ أَنَّكِ تَنْجِينَ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ دُونَ جَمِيعِ الْيَهُودِ. 14 لأَنَّكِ إِنْ سَكَتِّ سُكُوتًا فِي هذَا الْوَقْتِ يَكُونُ الْفَرَجُ وَالنَّجَاةُ لِلْيَهُودِ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ، وَأَمَّا أَنْتِ وَبَيْتُ أَبِيكِ فَتَبِيدُونَ. وَمَنْ يَعْلَمُ إِنْ كُنْتِ لِوَقْتٍ مِثْلِ هذَا وَصَلْتِ إِلَى الْمُلْكِ؟»
ع10، 11: تأثرت أستير بخبر إبادة شعبها كما سمعت وعلمت من هتاخ. وتعاطفت مع كل ما قاله مرخاى. ولكن بقيت مشكلة وهي كيف ستدخل إلى الملك وهو لم يدعوها للدخول؟! فأرسلت إلى مردخاي تعلمه أن الملك لم يدعها للدخول إليه مدة الشهر الماضى كله، أي ثلاثين يومًا. وأنه يعلم وكل سكان فارس أن أي إنسان، مهما كان مركزه إن دخل إلى الملك دون دعوى يقتل في الحال لهذا التجاسر، إلا إذا رضى الملك عنه ومد صولجان الملك له، فيحيا. فمعنى دخولها على الملك دون دعوى أنها تعرض حياتها للموت، أي أنها اعتذرت لمردخاي عن هذا الطلب. وهذا يبين محبة وتعاطف أستير مع شعبها، ولكن في نفس الوقت ضعفها وخوفها من الموت إذا دخلت إلى الملك دون دعوى.
من هذا نفهم أن ملوك فارس والملوك القدماء عمومًا قد سقطوا في كبرياء شديد، وذلك بمنعهم مقابلة أي إنسان دون إذن؛ حتى زوجاتهم، وأرادوا إرضاء أنفسهم بهذا التعالى وأن يظلوا في فرح ونشوة في كل ساعة، إذ ظنوا أنه بعدم إدخالهم زوجاتهم إلا بإذن يبيح لهم الانغماس في الشهوات مع السرارى الكثيرات دون تدخل الزوجة، أي الملكة. ولكنهم للأسف سقطوا في مشاكل كثيرة أهمها :
عزلوا أنفسهم عن شعبهم، ففقدوا إحساسهم وتعاطفهم وانغمسوا في الشهوات المادية، التي لا يمكن أن تعطى سعادة، بل هي لذات مؤقتة، تترك وراءها إحساس بالحرمان والاحتياج.
جعل الشعب لا يحب الملوك، إذ أصبحوا قساة، أنانيين، يأمرون بما لا يفهمون، مما يعرض الشعب لنكبات من حين لآخر، بحسب مزاج الملك.
أصبح للبلاط الملكى دور كبير في التأثير على الملك، إذ قد عزل نفسه عن الشعب وليس له مصدر، إلا هؤلاء المشيرين، الذين يخدعون الملوك، بل يستطيعون التخلص منه، كما حاول هامان عن طريق مؤامرة الخصيان (أس 1: 12-17).
لقد سمح الله أن لا يدعو أحشويروش أستير مدة ثلاثين يومًا؛ حتى تعرف أنه ليس لها تأثير على الملك، فعندما يأتي الخلاص على يدها تتأكد تمامًا أن هذا من الله، الذي أعطاها نعمة في عينى الملك فأحبها وتحرك قلبه نحوها وقتذاك، واستجاب لكلامها، كما سيظهر من الأصحاحات التالية.
ع12-14: ذهب هتاخ إلى مردخاي وأخبره بكلام أستير، فأرسل معه كلامًا قويًا إلى أستير يحوى ما يلي:
إذا تم الأمر الملكى بإبادة اليهود، فستقتلين أنتِ أيضًا وكل أهل بيتك وأقاربك المقربين. ولن ينفعك مركزك كملكة؛ لأن الأمر صريح وهو ضد جميع اليهود. لأنه إن دخلت إلى الملك قد تتعرضين للموت، أما إذا سكتِ فمن المؤكد أنك ستموتين مع باقي اليهود.
الله قادر على إنقاذ شعبه من الهلاك عن طريق آخر سواكِ، فالله ليس محتاجًا إليك ولكنك تنالين بركة خدمة الله وشعبه. فمردخاي يطمئنها أن الله لن يترك شعبه وسينقذهم، فهو بهذا يطمئنها عند دخولها عند الملك أن الله سيسندها.
قد يكون هذا هو قصد الله من وصولك إلى مركز الملكة؛ حتى تتحركى في هذه الساعة لإنقاذ شعبك، فلا تنسى نعمة الله الذي جعلك ملكة لهذا الغرض. فكيف تتكاسلين وتخافين من إرضاء الله وإنقاذ شعبه من محنته؟ فالله أوصلك إلى هذا المركز بشكل معجزى، إذ عُزلت الملكة القوية وشتي، وأتيت أنت بمعونة الله إلى مركز الملكة، فهذا يطمئنك أن الله معك ويدعوك للأمانة في واجبك والدفاع عن شعبك؛ لأجل الله الذي لن يتركك أبدًا.
إن تكاسلت أستير وخافت من الدخول للملك فالله قادر أن ينقذ شعبه ولكن هي وبيت أبيها سيموتون بأية طريقة أخرى؛ لأن الله سيغضب عليها لعدم إتمام واجبها. فالذى يحاول أن يحتفظ بمركزه وراحته ويظن أن فيه سعادته ولا يتكل على الله ويكون أمينًا له، فهو يخسر حماية الله ورعايته، فيتعرض للهلاك.
من هذا تظهر شخصية مردخاي العظيمة، التي نرى فيها ما يلي:
إيمانه القوي بالله الذي يحمى شعبه ولا يتركهم أبدًا.
قوته في إعلان الحق ولا يخشى إنسان.
إرشاداته المحددة لحل المشاكل التي لا يمكن أن يحدث فيها أي التباس في الفهم.
توبيخه الشديد لمن لا يخضع لله ويؤمن به مهما كان مركزه، حتى لو كانت الملكة نفسها.
إصراره على موقفه بالحزن والتذلل أمام الله حتى يتدخل وينقذ شعبه.
أبوته ورعايته وإحساسه بالمسئولية عن كل شعبه، فهو رجل عجوز قد قارب الموت؛ إذ قد يكون عمره قد جاوز المئة عامًا وقت هذه الأحداث، لكنه يهتم بشعبه الرجال والنساء والأطفال.
قدرته الفائقة في إقناع الضعفاء والمتشككين، مثل أستير، ومساندتها بنعمة الله؛ حتى يطمئن قلبها وتدخل بشجاعة إلى الملك. فهو قادر أن يبث روح الرجاء والإيمان في قلب الضعفاء.
قدرة مردخاي كخادم أمين لله في فحص واكتشاف النفوس، فيعرف نقاط ضعف أستير ونقاط قوتها، فساعدها بتقوية إيمانها. وفى نفس الوقت أغلق أبواب الخوف والتشكك، فأصبح الطريق مفتوحًا في إتمام إرادة الله في شكل الدخول للملك.
قدرة مردخاي على تنظيم الأفكار وترتيب الأمور للوصول إلى الهدف، وهو إنقاذ الشعب، فقدم توبة وتذلل وقاد اليهود في شوشن القصر للتوبة، وأرسل رسالة محددة لأستير، حتى تدخل إلى الملك، فهو منظم التفكير ويعرف هدفه، كل هذا بنعمة الله.
†
ليتك تشعر بمن حولك، فأنت مسئول عنهم، مهما كان عمرك. اطلب الله فيرشدك لفهم ما يحدث حولك، وتطلب باتضاع من كل إنسان أن يفعل كل ما يمكن أن يؤديه من خدمة، لتكون قائدًا روحيًا ناجحًا، فتصل أنت ومن حولك إلى الهدف وهو الله.← وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.
15 فَقَالَتْ أَسْتِيرُ أَنْ يُجَاوَبَ مُرْدَخَايُ: 16 «اذْهَبِ اجْمَعْ جَمِيعَ الْيَهُودِ الْمَوْجُودِينَ فِي شُوشَنَ وَصُومُوا مِنْ جِهَتِي وَلاَ تَأْكُلُوا وَلاَ تَشْرَبُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لَيْلًا وَنَهَارًا. وَأَنَا أَيْضًا وَجَوَارِيَّ نَصُومُ كَذلِكَ. وَهكَذَا أَدْخُلُ إِلَى الْمَلِكِ خِلاَفَ السُّنَّةِ. فَإِذَا هَلَكْتُ، هَلَكْتُ». 17 فَانْصَرَفَ مُرْدَخَايُ وَعَمِلَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَتْهُ بِهِ أَسْتِيرُ.
عندما وصلت تفاصيل المشكلة لأستير عن طريق هتاخ الخصى، أرسلت معه رسالة إلى مردخاي، تطلب فيها أن يجمع مردخاي كل اليهود الذين في العاصمة شوشن القصر، وذلك في مجامع اليهود المنتشرة في المدينة. وهناك يصومون ثلاثة أيام متواصلة عن الطعام والشراب، ويتضرعوا إلى الله من أجلها. لأن الصوم والصلاة مرتبطان معًا وهو أمر معروف عند جميع المؤمنين، أن الإنسان يتذلل ويتقشف أمام الله ويصلى إليه. وهذا الصوم المرتبط بالصلاة هو سند أستير؛ حتى تدخل إلى الملك دون أن يستدعيها معرضة حياتها للهلاك، ولكن من أجل صوم الشعب يرحمها الله، بل يسمع الملك لطلبتها وينجى شعبه.
ونلاحظ في الصوم الذي طلبته أستير ما يلي:
إيمانها بأن الصوم والصلاة قادران أن ينجياها من الموت.
إيمانها بالعبادة الجماعية، كما قال المسيح في العهد الجديد " لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة بإسمى فهناك أكون في وسطهم " (مت18: 20).
مشاركة أستير في هذا الصوم بنفسها، فهي لا تفصل نفسها عن شعبها، فهي قائدة لهذا الصوم المرتبط بالصلاة. فمن يحيا في أية عبادة يستطيع أن يشجع غيره عليها.
كان صومًا شديدًا في التقشف، إذ كان انقطاعيًا ثلاثة أيام متواصلة، مثل صوم أهل نينوى.
أشركت معها جواريها في هذا الصوم، سواء كن يهوديات، أو غير يهوديات، فهي تريد أن تعمل كل ما تستطيع في طلب مراحم الله.
هذا الصوم الجماعى يبين أيضًا اتضاع أستير واحتياجها لصلوات وأصوام كل الشعب والجوارى لأجلها؛ حتى يرحمها الله.
استعداد أستير لبذل حياتها من أجل شعبها، وهي ترمز للكنيسة التي تبذل حياتها في شكل الشهداء من أجل المسيح.
إن طاعة أستير لمردخاي في الدخول إلى الملك ترمز لطاعة الكنيسة لمسيحها في تنفيذ وصاياه، مهما كان الثمن؛ حتى لو كان بذلًا للحياة.
إطمأن قلب مردخاي من أجل هذا التفكير الروحي في قلب أستير ومن أجل طاعتها له، وأسرع يساندها بجمع اليهود؛ ليصوموا من أجلها.
† ليتك تهتم بالصلاة الجماعية وتستند على صلوات القديسين وكل من حولك لأجلك، فالله يفرح باجتماع شعبه بقلب واحد في الصوم والصلاة، فيتحنن عليك وينقذك من كل شر.
18 (8) فَأَمَّا مَرْدَخَايُ فَتَضَرَّعَ إِلَى الرَّبِّ، مُتَذَكِّرًا جَمِيعَ أَعْمَالِهِ 19 (9) وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَيُّهَا الرَّبُّ الْمَلِكُ الْقَادِرُ عَلَى الْكُلِّ، إِذْ كُلُّ شَيْءٍ فِي طَاعَتِكَ وَلَيْسَ مَنْ يُقَاوِمُ مَشِيئَتَكَ إِذَا هَمَمْتَ بِنَجَاةِ إِسْرَائِيلَ. 20 (10) أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَكُلَّ مَا تَحْتَ السَّمَوَاتِ، 21 (11) أَنْتَ رَبُّ الْجَمِيعِ وَلَيْسَ مَنْ يُقَاوِمُ عِزَّتَكَ. 22 (12) إِنَّكَ تَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَعْلَمُ أَنِّي لاَ تَكَبُّرًا وَلاَ احْتِقَارًا وَلاَ رَغْبَةً فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَرَامَةِ فَعَلْتُ هذَا: أَنِّي لَمْ أَسْجُدْ لِهَامَانَ الْعَاتِي، 23 (13) فَإِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أُقَبِّلَ حَتَّى آثَارَ قَدَمَيْهِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ لأَجْلِ نَجَاةِ إِسْرَائِيلَ، 24 (14) وَلكِنْ خِفْتُ أَنْ أُحَوِّلَ كَرَامَةَ إِلهِي إِلَى إِنْسَانٍ، وَأَعْبُدَ أَحَدًا سِوَى إِلهِي. 25 (15) فَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ الْمَلِكُ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ، ارْحَمْ شَعْبَكَ، لأَنَّ أَعْدَاءَنَا يَطْلُبُونَ أَنْ يُهْلِكُونَا، وَيَسْتَأْصِلُوا مِيرَاثَكَ، 26 (16) لاَ تُهْمِلْ نَصِيبَكَ الَّذِي افْتَدَيْتَهُ لَكَ مِنْ مِصْرَ. 27 (17) وَاسْتَجِبْ لِتَضَرُّعِي وَاعْطِفْ عَلَى نَصِيبِكَ وَمِيرَاثِكَ وَحَوِّلْ حُزْنَنَا فَرَحًا لِنَحْيَا وَنُسَبِّحَ اسْمَكَ أَيُّهَا الرَّبُّ، وَلاَ تَسْدُدْ أَفْوَاهَ الْمُرَنِّمِينَ لَكَ». 28 (18) وَكَذلِكَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِرُوحٍ وَاحِدٍ وَتَضَرُّعٍ وَاحِدٍ صَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمَوْتَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ يَقِينًا.
ع18:
أمام هذه الضيقة العظيمة أسرع مردخاي إلى الله، فهو ملجأه في كل ضيقاته. وهو يثق في قدرة الله على إنقاذه هو وشعبه من الهلاك.والذى ساعد مردخاي على الثبات في الإيمان بالله، تذكره لأعمال الله السابقة مع شعبه وعنايته بهم وأبوته الكاملة لهم، وبالتالي فهو لن يترك شعبه الآن ليهلك بيد هامان.
ع19: خاطب مردخاي الله ووصفه بما يلي:
الملك
القادر على كل شيء
كل شيء في طاعتك وليس من قاوم مشيئتك
إذا هممت بنجاة إسرائيل
ع20، 21: فى كلام مردخاي مع الله يذكره بأنه خالق السماء والأرض وكل ما تحت السماء، أي ما يدب على الأرض من إنسان وحيوان وكل ما يطير في الهواء، أو يسلك في البحار.
ويؤكد مردخاي في صلاته لله أنه رب جميع البشر ولا يستطيع أحد أن يقاوم عظمته وهذا بالطبع يثبت إيمانه ويطمئنه.
: الجبار والمتكبر.
واصل مردخاي صلاته وقال لله أنت تعلم كل شيء وخفايا القلوب، فتعرف أنى رفضت السجود لهامان، ليس بسبب كبرياء منى، أو احتقارًا له وكراهية. ولا أيضًا طلبت كرامة لنفسى باعتبارى وزير متقدم في القصر. ولكن رفضت السجود؛ لأن سجود العبادة لا يقدم إلا لك وحدك يا الله. وفى نفس الوقت أنا مستعد أن أكرم هامان، ليس فقط بالسجود، بل أكثر من هذا فلا أقبل قدميه فقط، بل آثار قدميه على الأرض، أي التراب الذي يمشى عليه، فأنا مستعد أن أتذلل تمامًا إن كان هذا يفيد في إنقاذ شعبى.
ع25: بعد هذا ذكَّر مردخاي الله بأنه إله الآباء إبراهيم وكل نسله، وبالتالي فإن كان الله في محبته ينسب نفسه لإبراهيم، فهو ينسب نفسه أيضًا لشعبه. وبهذه الدالة أي دالة البنوة يطلب من أبوة الله أن يرحم شعبه وينقذه من أيدي الأشرار، الذين يريدون إبادة الشعب واستئصاله تمامًا من الوجود. لأن شعب الله هم ميراثه، أي المؤمنين به الذين يعلنون اسمه وسط العالم وبالطبع لن يرضى بفنائهم، بل يحميهم وينقذهم.
ع26: ذكَّر مردخاي الله أيضًا بأن شعب الله هو نصيبه الذي أنقذه بقوة عظيمة من خلال الضربات العشر، ثم أخرجه وشق البحر الأحمر أمامه وأدخله برية سيناء ليعبده فيها.
فأبوة الله تظهر في رعايته لإبراهيم والآباء وكذلك في إنقاذ شعبه في مصر ورعايته في البرية. فإبراهيم هو الأب الأكبر لكل شعب الله الذي اختاره الله من وسط العالم، أما موسى فقد أخذ الشريعة والناموس اللذين ينظمان ويقودان حياة الشعب مع الله.
ع27: يستعطف مردخاي الله أن يرحم بنى شعبه ويرفع الهلاك عنهم، فيسبحوه ويمجدوه، ولا يَسُد أفواه شعبه الذين يسبحونه، بل يعضدهم بإنقاذهم لهم، فينطلقوا بتسابيح وشكر أكبر.
ع28: كما صلى مردخاي، هكذا أيضًا صلى كل شعب الله بحرارة وتضرع إلى الله لينقذهم من الهلاك المؤكد الآتي عليهم بواسطة هامان.
†
ليتك تلتجئ إلى الله في كل ضيقة واثقًا من أبوته لك وقدرته على إنقاذك. ذكره بوعوده وألح عليه فتنال بركات لا تحصى.
29 (1) وَإِنَّ أَسْتِيرَ الْمَلِكَةَ أَيْضًا الْتَجَأَتْ إِلَى الرَّبِّ خَوْفًا مِنَ الْخَطِرِ الْمُشْرِفِ. 30 (2) فَخَلَعَتْ ثِيَابَ الْمُلْكِ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا لِلْحُزَنِ وَالْبُكَاءِ، وَعِوَضَ الأَطْيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ أَلْقَتْ عَلَى رَأْسِهَا رَمَادًا وَزِبْلًا وَذَلَّلَتْ جَسَدَهَا بِالصَّوْمِ وَجَمِيعَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي كَانَتْ تَفْرَحُ فِيهَا مِنْ قَبْلُ مَلأَتْهَا مِنْ نُتَافِ شَعْرِ رَأْسِهَا. 31 (3) وَكَانَتْ تَتَضَرَّعُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ قَائِلَةً: «أَيُّهَا الرَّبُّ، الَّذِي هُوَ وَحْدَهُ مَلِكُنَا، أَعِنِّي أَنَا الْمُنْقَطِعَةَ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مُعِينٌ سِوَاكَ. 32 (4) فَإِنَّ خَطَرِي بَيْنَ يَدَيَّ. 33 (5) لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ أَبِي أَنَّكَ أَيُّهَا الرَّبُّ اتَّخَذْتَ إِسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ وَآبَاءَنَا مِنْ جَمِيعِ أَسْلاَفِهِمِ الأَقْدَمِينَ لِتَحُوزَهُمْ مِيرَاثًا أَبَدِيًّا، وَصَنَعْتَ مَعَهُمْ كَمَا قُلْتَ، 34 (6) إِنَّا قَدْ خَطِئْنَا أَمَامَكَ وَلِذلِكَ أَسْلَمْتَنَا إِلَى أَيْدِي أَعْدَائِنَا. 35 (7) لأَنَّا عَبَدْنَا آلِهَتَهُمْ، وَأَنْتَ عَادِلٌ أَيُّهَا الرَّبُّ. 36 (8) وَالآنَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّهُمُ اسْتَعْبَدُونَا عُبُودِيَّةً شَاقَّةً جِدًّا، بَلْ بِمَا أَنَّهُمْ يَعْزُونَ قُوَّةَ أيْدِيهِمْ إِلَى أَوْثَانِهِمْ. 37 (9) يُحَاوِلُونَ أَنْ يَنْقُضُوا مَوَاعِيدَكَ وَيَمْحُوا مِيرَاثَكَ، وَيَسُدُّوا أَفْوَاهَ الْمُسَبِّحِينَ لَكَ، وَيُطْفِئُوا مَجْدَ هَيْكَلِكَ وَمَذْبَحِكَ. 38 (10) لِيَفْتَحُوا أَفْوَاهَ الأُمَمِ فَيُسَبِّحُوا لِقُوَّةِ الأَوْثَانِ وَيُمَجِّدُوا مَلِكًا بَشَرِيًّا إِلَى الأَبَدِ. 39 (11) لاَ تُسَلِّمْ أَيُّهَا الرَّبُّ صَوْلَجَانَكَ إِلَى مَنْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ، لِئَلاَّ يَضْحَكُوا مِنْ هَلاَكِنَا، وَلكِنِ ارْدُدْ مَشُورَتَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَهْلِكِ الَّذِي ابْتَدَأَ يُشَدِّدُ عَلَيْنَا. 40 (12) اُذْكُرْنَا يَا رَبِّ. وَاسْتَعْلِنْ لَنَا فِي وَقْتِ ضَنْكِنَا، وَهَبْنِي ثِقَةً، أَيُّهَا الرَّبُّ مَلِكُ الآلِهَةِ، وَمَلِكُ كُلِّ قُدْرَةٍ، 41 (13) أَلْقِ فِي فَمِي كَلاَمًا مُرَصَّفًا بِحَضْرَةِ ذَاكَ الأَسَدِ وَحَوِّلْ قَلْبَهُ إِلَى بُغْضِ عَدُوِّنَا لِكَيْ يَهْلِكَ هُوَ وَسَائِرُ الْمُتَوَاطِئِينَ مَعَهُ. 42 (14) وَإِيَّانَا فَأَنْقِذْنَا بِيَدِكَ وَأَعِنِّي أَنَا الَّتِي لاَ مَعُونَةَ لَهَا سِوَاكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ. 43 (15) إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أُبْغِضُ مَجْدَ الظَّالِمِينَ وَأَكْرَهُ مَضْجَعَ الْقُلْفِ وَجَمِيعِ الْغُرَبَاءِ. 44 (16) وَأَنْتَ عَالِمٌ بِضَرُورَتِي، وَأَنِّي أَكْرَهُ سِمَةَ أُبَّهَتِي وَمَجْدِي الَّتِي أَحْمِلُهَا عَلَى رَأْسِي أَيَّامَ بُرُوزِي، وَأَمْقُتُهَا كَفِرْصَةِ الطَّامِثِ وَلاَ أَحْمِلُهَا فِي أَيَّامِ قَرَارِي، 45 (17) وَأَنِّي لَمْ آكُلْ عَلَى مَائِدَةِ هَامَانَ وَلاَ لَذِذْتُ بِوَلِيمَةِ الْمَلِكِ وَلَمْ أَشْرَبْ خَمْرَ السُّكُبِ، 46 (18) وَلَمْ أَفْرَحْ أَنَا أَمَتَكَ، مُنْذُ نُقِلْتُ إِلَى ههُنَا إِلَى الْيَوْمِ إِلاَّ بِكَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ. 47 (19) الإِلهُ الْقَدِيرُ عَلَى الْجَمِيعِ. فَاسْتَجِبْ لأَصْوَاتِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ رَجَاءٌ غَيْرَكَ، وَنَجِّنَا مِنْ أَيْدِي الأُثَمَاءِ، وَأَنْقِذْنِي مِنْ مَخَافَتِي».
ع29:
لم يسرع مردخاي فقط إلى الله، بل أيضًا أستير؛ لأنها شعرت بالخطر الآتي إليها، أي الهلاك، سواء بقتلها إن دخلت إلى الملك، أو إهلاكها مع باقي شعبها بيد هامان، ولم يعد لها منقذ من الهلاك إلا الله.
ع30: زبلًا
: فضلات الطيور مثل الحمام.عندما صامت أستير وصلت، تذللت أمام الله بتقشف شديد وظهرت بمظاهر الحزن والتوبة والتذلل التي كانت مألوفة في ذلك الزمان وهي:
خلعت الثياب الملكية الثمينة ولبست بدلًا منها ثيابًا بسيطة حقيرة تعبيرًا عن تذللها أمام الله.
امتنعت عن وضع الأطياب على جسدها وهذا هو المعتاد عند الملكات.
وضعت على رأسها وشعرها الجميل رمادًا وزبلًا، إظهارًا لتنازلها عن جمالها وتذللها أمام الله، أي صارت رأسها في الأرض، متضرعة في سجود أمام الله ليرحمها.
تذللت أيضًا بالصوم ثلاثة أيام متواصلة، تاركة عنها الطعام والشراب.
نتفت شعر رأسها الجميل، معلنة حزنها وتذللها أمام الله. وكان هذا في كل الأماكن التي كانت تجلس فيها، أو تتمتع بالطعام والشراب والمناظر الجميلة، فصارت هذه المواضع كلها أماكن لتذللها.
إن أستير بهذا ترمز للكنيسة التي تصلب الجسد مع الأهواء والشهوات من أجل المسيح المصلوب لأجلها، وبالتالي ستنال قوة القيامة كنعمة من الله من أجل جهادها وحملها الصليب.
مع كل مظاهر الحزن قدمت أستير صلاة طويلة مملوءة بمشاعر الإيمان والاتضاع أمام الله. وبدأتها بإعلانها أن الله إله إسرائيل هو وحده ملكها هي وشعبها، فهي لا تعبد الآلهة الوثنية، أو الملك نفسه، بل الله وحده.
وفى نفس الوقت أعلنت ضعفها واحتياجها أمام الله، إذ قالت عن نفسها أنها منقطعة، أي ليس لها سند إلا الله معينها والقادر على إنقاذها من خطر الهلاك الآتي عليها.
ع33: أعلنت إيمانها بقولها أنها تعلمت منذ صغرها من أبيها أن الله اختار شعبه المؤمن به، أي إسرائيل؛ ليكون شعبًا له. واختار آباءها إبراهيم واسحق ويعقوب، دون آبائهم، ليحيوا معه ويعطيهم أرض الموعد وميراث الحياة السمائية؛ لأنهم آمنوا به وحفظوا وصاياه. فهم شعب الله وميراثه بين الأمم؛ لأجل إيمانهم.
باتضاع أعلنت أستير، نيابة عن شعبها وآبائها وجدودها أنهم أخطأوا في حق الله وتركوا وصاياه وعبدوا الأوثان وفعلوا الشرور المختلفة، فاستحقوا التأديب الإلهي؛ لأن الله عادل، فسمح للأمم أن تسبيهم في عبودية قاسية؛ حتى يتوبوا. فهي هنا تعلن باتضاع خطيتها وتنسب لله العدل، وتعلن أيضًا الذل الذي صار فيه شعب الله بعبوديته لممالك آشور، ثم بابل وبعد ذلك لمملكة مادي وفارس، التي كانت أيام أستير.
ع36-38: عبرت أستير في صلاتها عن ظلم الأمم لشعب الله فيما يلي:
استعبدوا شعب الله في عبودية قاسية مرة.
ظنت الأمم والممالك التي تستعبد شعب الله أن قوتهم راجعة لقوة آلهتهم الوثنية واتهموا إله إسرائيل بالضعف، أي أنهم أهانوا الله في استبعادهم لشعبه.
محاولة إبادة الشعب اليهودي، وذلك في أيام أستير بيد هامان، وبهذه الإبادة يحاولون نقض وعودك لشعبك أنك تحيا في وسطهم وتحميهم وتملك عليهم إلى الأبد، ووعد الله لإبراهيم بأن نسله تتبارك به جميع الأمم، ووعده لداود أن نسله يملك إلى الأبد. وبمحاولة إهلاك اليهود يسكتون أفواه المؤمنين بك والمسبحين إياك وسط العالم الشرير. وبهذا الإهلاك أيضًا لا يعود هناك احتياج لهيكل الله ومذبحه المقدس، إذ لم يعد هناك شعب ليعبده.
بظلمهم وإبادتهم لليهود يرجعون هذه لقوة آلهتهم الوثنية، فيسبحوا هذه الآلهة والملك الأرضى أحشويروش الذي يعبدوه. فينقلوا التسبيح من الله إلى البشر والشياطين العاملة في الآلهة الوثنية.
ع39: الصولجان
: قضيب ذهبى يمسك به الملك، يعلن به سلطانه.طلبت أستير من الله صاحب السلطان على كل ممالك الأرض أن لا يعطى سلطانه للبشر الأشرار الذين يريدون إهلاك شعبه، فهم لا شيء وعدم بالقياس لله، يستهزئون بشعبه، ويسيئون إليه.
ثم طلبت من الله أن يرد شرهم على رؤوسهم، أي كما حاولوا إهلاك شعبه يأتي عليهم هلاكهم بأمر الله، وخاصة المتزعم الشر، لإهلاك اليهود وهو هامان. وهي هنا لا تتكلم بكراهية نحو هامان، ولكنها تطلب قوة الله التي تعلو فوق كل قوة بشرية وفوق كل شر، خاصة وأن هامان لا يريد التوبة؛ لذا يمكن أن يستخدم الله شره بأن يأتي على رأسه، فيكون عبرة لكل من يحاول إهلاك أولاد الله.
ع40: الضنك
: الضيقة الشديدة.ثم طلبت أستير من الله أن يذكر شعبه اليهود بالرحمة ويظهر وجهه ويعلن مجده في إنقاذ شعبه من الضيقة الشديدة الذين هم فيها. وبعد هذا طلبت من الله أن يثبت إيمانها، فتثق بقوته التي فيها عندما تقابل الملك، ويرشدها ويعطيها حكمة لإنقاذ شعبها. فهو ملك الملوك وفى يده كل قدرة وسلطان.
: مرصوصًا بحكمة ودقة، أي كلامًا بليغًا قويًا مؤثرًا.
المتواطئين: المساعدين والمعاونين في المؤامرة.
سألت أستير من الله أن يعطيها كلامًا جيدًا، مرتبًا بحكمة عندما تقف أمام الملك، حتى تستطيع أن تكسب رضاه، وأن يحول قلبه ضد هامان عدو اليهود ويهلكه هو وكل معاونيه.
وأن ينقذ الله شعبه، ويعين أستير التي ليس لها عون سواه، فهو العالم بكل شيء.
ع43: القلف
: أي غير المختونين وتقصد الأمم، أي غير اليهود الذين لا يؤمنون بالله.أعلنت هنا أستير كراهيتها للظلم فهي لا تحب مضاجعة الظالمين غير المؤمنين، أي الملك، وقبلت هذا فقط من أجل إرشاد أبيها الروحي مردخاي، لأجل خلاص شعبها.
ع44: ضرورتى
: احتياجى.سمة أبهتى: مظاهر ملكى وهي التاج.
أيام بروزى: أيام ظهورى ومقابلتى للملك.
فرصة الطامث: الأقمشة الملوثة بالدم التي تستخدمها المرأة كل شهر.
أيام قرارى: أيام استقرارى في بيت الملكة، بعيدًا عن الملك.
استكملت أستير صلاتها وقالت لله؛ أنت تعلم ضيقتى واحتياجى الشديد لك، وأنى لا أحب مظاهر العظمة وهي تاج الملكة، الذي ألبسه عند مقابلتى للملك، ولا ألبسه في أي وقت آخر أيام سكنى في قصرى، بل أكره هذه العظمة مثل رفض المرأة للفرصة التي تستخدمها أيام طمثها.
ع45-47: أضافت أيضًا في صلاتها ابتعادها عن التنعم والتلذذ بأطايب الملك وخمره، في الموائد التي يصنعها هامان للملك. ومعنى هذا انها تعيش في نسك وتأكل فقط الاطعمة المحللة، التي توصى بها شريعة الله. ولا تتلذذ إلا بالله إله أبيها إبراهيم وتسبيحه. فهو حبيب نفسها وشبعها وهو المستحق وحده التسبيح؛ لأنه القادر على كل شيء ويملك على الكل. وسألت من الله معونة لها ولشعبها، الذين ليس لهم رجاء إلا الله، فينجيهم من أيدي الأشرار وينزع عنها خوفها لمساندته.
كل هذا يبين مدى تدين أستير وتعلق قلبها بشريعة الله.
† الله إلهك يحب المتضعين الملتجئين إليه، فاطلبه في كل ضيقة، واثقًا من قدرته القادرة أن تنقذك من كل شر.
_____
(1) توضيح من الموقع: الآيات الأخيرة هنا نفس معنى الآيات التي وردت في (تتمة أستير 15: 1-3)، ولم تذكر في التفسير حسب مقدمة شرح أصحاح 5، ونصها للعلم هو: "1 وَأَمَرَهَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَى الْمَلِكِ وَتَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ لأَجْلِ شَعْبِهَا وَأَرْضِهَا، 2 وَقَالَ: «اذْكُرِي أَيَّامَ مَذَلَّتِكِ حَيْثُ نَشَأْتِ عَلَى يَدِي. فَإِنَّ هَامَانَ ثُنْيَانَ الْمَلِكِ قَدْ تَكَلَّمَ فِي إِهْلاَكِنَا، 3 فَادْعِي الرَّبَّ، وَكَلِّمِي الْمَلِكَ فِي أَمْرِنَا. وَخَلِّصِينَا مِنَ الْمَوْتِ»."
← تفاسير أصحاحات أستير: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أستير 5 |
قسم
تفاسير العهد القديم الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة |
تفسير أستير 3 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/esther/chapter-04.html
تقصير الرابط:
tak.la/h2csk8h