عجبت على أناس يقضون كل حياتهم في التعاطُف اللحظي مع الآخرين، أو مع الأحداث الجارية، دون أن تؤثِّر فيهم تلك الأحداث الدامية التي يعلِّقون عليها، وتشغل كل كيانهم..
* نرى الحِمية والحماس تأخذ هؤلاء في كل حَدَث مروِّع؛ كان يمسَّهم من بعيد أو من قريب.. ينفعلون، ويعلقون ويبعثون الصور والتعليقات التي تُلهب القلوب.. نرى ذلك في الجنازات؛ فكثيرًا من الأشخاص تلتهب قلوبهم وتأخذهم الحِمية والنشاط الروحي الوقتي الذي يتماثَل مع عمر الإنسان، الذي قال عنه يعقوب الرسول متسائلًا: "مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ" (رسالة يعقوب 4: 14). وفي أثناء توديعهم لِمَنْ كان غاليًا عليهم يتعهَّدون أمام الله أنهم سوق يقدمون توبة، ويسيروا حسب وصايا الإنجيل... وكل ذلك نراه في أعيُن البعض أثناء إلقاء العِظة، ولكن سرعان ما ينتهي هذا المشهد المأسوي (لحظة الفُراق الصعبة)، ويرجع الإنسان إلى ما كان عليه بمجرَّد رجوعهُ من دَفْن مَنْ وَدَّعهُ ومَنْ كان عزيزًا عليه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. فهو تعاطف وقتي مع الحَدَث دون أن يشكِّل الحدث وجودًا داخل الإنسان..
* لقد توجَّعنا وتألَّمنا كثيرًا في الفترات الزمنية الماضية القصيرة، ورأينا الدموع تنهمر من أعيُن الأقرِباء والأصدقاء.. رأينا الحزن يسود على كل الأجواء عقب أحداث (ماسبيرو، إمبابة، المقطم، أطفيح)، وأخيرًا ما حدث لأولادنا في ليبيا.. وما زال جنب السيد المسيح ينزف دمًا، وجبينهُ يقطر عرقًا مُدَمَّمًا من إكليل الشوك الذي وضعه فخرًا فوق رأسه، وهو يقول: "لهذا جئت". جاء ليحمل ألمًا وشوكًا وإهانة واضطهاد وازدراء.. جاء ليحمل صليبًا كان رمزًا للعار والمذلة والإهانة.. لم يُكَلَّل ملكاً محفوفًا بالمهابة والوقار والاحترام.. كان ينظر إلى الجلجثة وكأنها موقِع مملكته، أو القصر الذي سَيُتَوَّج فيه ملكًا.. كان يتوق إلى وضع إكليل الشوك وكأنه بكل الفرح يأخذ بيده متلهِّفًا إكليل المُلك الذي يوضَع على رأسه، ليُعْلَن أمام الجميع مَلِكًا عظيمًا.. كان متشوِّقًا لِحَمْل الصليب وكأنه يمسك بيده صولجان الحُكم، آمرًا، ناهِيًا للجميع كملك عظيم الشأن.. ويأتي معلمنا يوحنا ليقول لنا: "...يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضًا" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 6)، لكي يعطينا مثلًا حيًّا "لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ" (رسالة بطرس الرسول الأولى 2: 21).
* هكذا سلك أحباءنا وأخوتنا الذين أقبلوا على الاستشهاد بكل الفرح والسلام الداخلي، رأينا صمودًا وقوة وإيمان راسخ يخرج من أعماقهم وهم مُساقون إلى الذبح، وفي اللحظة الحاسِمة يعلنون إيمانهم أمام الجميع بقولهم "يا ربي يسوع". فنالوا الأكاليل النورانية؟..
* فبدلًا من أن نرسل الصور والتعليقات، هل تأمَّلنا في وجوههم التي تَشِع سلام وفرح.. بدلًا من أن نلعن القاتلين، هل وقفنا أو ركعنا ورفعنا أيدينا للصلاة من أجل المُضْطَهِدين؟ فشاول بسبب صلاة استفانوس تحوَّل إلى بولس الرسول الذي غَزَى المسكونة وأصبح أكبر مُبَشِّر بالمسيحية.
* وبدلًا من أن نتعاطَف مع المواقف لحظات معدودات، يجب علينا أن نحيا حياة الاستعداد والتوبة المستمرة التي تُؤَهِّلنا لأن نتمتَّع بالمعيَّة الكامِلة مع السيد المسيح في ملكوت السموات.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/temporary-sympathy.html
تقصير الرابط:
tak.la/35zm3ff