يختلف فَهْم البشر عن بعضهم في ماهية "الكنز" بالنسبة لهم.
* فالبعض يفهمه بمفهومه العالمي وهو "الكنوز الأرضية" من: أموال - ملابس - مجوهرات - عقارات.. إلخ. ويتصارَع البعض من أجل اقتنائها وزيادتها، وتشغَل كل فِكره وحواسه، ويقضي وقتًا طويلًا مفكرًا في كيفية زيادتها واستثمارها.. وحتى لو كانت من مقتنيات منزلية أو مُستلزَمات شخصية، فقد يحتفِظ البعض ببعض الملابس الغالية حتى لو أنه ليس في حاجة لها، أو أنها لا تصلح لاستخدامه مرة أخرى.. ولكن يعتبرها كنزًا غاليًا له، قد تحمل بعض الذكريات أو تكون غالية الثمن، فيرى أن التفريط فيها أو إعطائها لِمَنْ هو مُحتاجٌ لها نوعًا من الخسارة أو الفقدان لها..
* والبعض يتلهَّف على اقتناء الأموال، ويرى فيها ضمان المُستقبل المجهول. وأصبح اليوم المال أهم شيء الذي قيل عنه: "لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 6: 10)، وكأن تحذير معلمنا بولس الرسول لنا في الإنجيل المقدس لا يُمَثِّل أي شيء، فما زال البعض يتشاجَر ويتخاصَم ويتقاضى أمام المحاكِم بسبب الأموال الزائِلة.
* وهنا يأتي تحذير السيد المسيح له كل المجد من هذه الكنوز الزائلة التي سُرعان ما تتحوَّل إلى دخان في لحظة، في طرفة عين: "وَلكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا" (رسالة بطرس الرسول الثانية 3: 10)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويقول لنا: "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا" (إنجيل متى 6: 19-21).
فالإنسان المُرْتَبِط بمقتنيات أرضية تجده لا يميل إلى أي أعمال رحمة، لأنها سوف تنقص من أمواله ومقتنياته. وتجده يفكر فيها باستمرار؛ عندما يقف ليصلي يفكر في مشروعاته، ونسبة الأرباح، وهل قام بِصَرف مبلغ كبير اليوم وأمس أم نجح في زيادة رصيده.. عندما يدخل الكنيسة لحضور القداس تجد ذِهنهُ مشغول بهذه الأمور.. عندما يجلس مع أسرته تجده شارِد الذِّهن في تلك الأمور بعينها.. وبذلك يفقِد كل ما هو مُفْرِح، وتتحوَّل حياته إلى جحيم بسبب الكنوز الزائلة التي يسعى لاكتنازها. ولذلك حَذَّرنا السيد المسيح من الكنوز الوهمية التي تبعِد الإنسان عن الله وتحوِّل قلبه إلى القسوة، وذلك عندما قال: "لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا" (إنجيل متى 6: 21؛ إنجيل لوقا 12: 34).
وعن ذلك يقول القديس أغسطينوس مُعَلِّقًا على قول السيد المسيح "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ":
"لو أخبركم مهندس معماري أن منزلكم يسقط حالًا، أفلا تَتَحَرَّكون سريعًا قبل أن تنشغلوا بالنحيب عليه؟! هوذا مؤسّس العالم يخبركم باقتراب دمار العالم، أفلا تصدّقوه..؟! الله الذي أعطاكم المشورة لن يخدعكم، فإنكم لن تخسروا ما تتركونه، بل تجدوا ما قدَّمتموه أمامكم... أعطوا الفقراء فيكون لكم كنزٌ في السماء! لا تبقوا بلا كنز، بل امتلكوا في السماء بلا هّم ما تقتنونه على الأرض بقلق. أرسلوا أمتعتكم إلى السماء.. ينبغي علينا أن نضع في السماء ما نخسره الآن على الأرض. فالعدو يستطيع أن ينقب منازلنا، لكنّه هل يقدر أن يكسر باب السماء؟ إنه يقتل الحارس هنا، لكن هل يستطيع أن يقتل الله حافظها..؟ فالفقراء ليسوا إلا حمّالين ينقلون أمتعتنا من الأرض إلى السماء. إذن فلتعطوهم ما لديكم فإنهم يحملونها إلى السماء.."
إذًا، فلنسعَى أيها الأحِباء لأن يكون كنزنا في السماء، لكي يكون قلبنا مع الله دائِمًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/treasure.html
تقصير الرابط:
tak.la/hs3z7bh