السيد المسيح أراد أن يكون الدين روحًا وحياة.
ولذلك قال "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو6: 63). نفهم روح الكلمة. ونحولها إلى حياة فينا. وهكذا يصير الدين طريقًا لتنقية القلب، ومرشدًا إلى الالتصاق بالله، ولكي تكون للإنسان حياة أبدية. ولعل هذا ما أراده الرب بقوله "أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل" (يو10: 10).
ولكن الشيطان يريد أن يحول الدين إلى جدل ومناقشات...
يريد أن العقل يحل محل الروح، والجدل يحل محل الممارسة. وتصبح الحياة الدينية هي مجرد عقلانية. وكأن المسيحية هي فلسفة تدرس وتحلل، وتصبح مجرد منهج للتعليم، وليس حياة نحياها. والعقل لا يضر الشيطان في شيء إن بقي مجرد عقل لا تحركه الروح. وهذا ما يريده الشيطان...
بودي أن أترجم لكم كتاب (ضد الأكاديميين) للقديس أوغسطينوس.
اسم كتابه Contra Acadimos ليتني أستطيع أن أترجم لكم بعض فقرات منه كمثال. والمعروف عن القديس أوغسطينوس أن له منهجًا روحيًا عميقًا.
والمنهج العقلي الذي يريده الشيطان، حاربه القديس بولس الرسول.
وهذا واضح جدًا في الأصحاحين الأولين من رسالته الأولي إلى أهل كورنثوس، فهو يقول "أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة"، "وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة (الإنسانية) المقنع، بل ببرهان الروح والقوة" (1كو2: 1، 4)، "لا بحكمة كلام، لئلا يتعطل صليب المسيح" (1كو1: 17). فالتركيز على صليب المسيح عمل روحي، يعطله الانشغال بالفكر والجدل.
إن الهرطقات كانت لعبة شيطانية عقلية لتعطيل العمل الروحي.
العمق الروحي الذي عاشته الكنيسة في عصر الاستشهاد، طوال القرون الثلاثة الأولي، وفي أوائل القرن الرابع، والعمق الروحي إلى كان قد بدأ بالرهبنة منذ أواخر القرن الثالث، وازدهر في القرنين الرابع والخامس، بكل ذلك ما فيه من حب لله، وبكل ما فيه من الإرشاد الروحي من أقوال الآباء.. كل ذلك أثار حسد الشيطان، فأراد أن يشغل العالم بالجدل والنقاش على مدي قرنين طويلين... وهكذا ظهرت هرطقات أريوس، وأبوليناريوس، وسابيليوس، ومقدونيوس، ونسطور، وأطاخي، وغيرهم.. كل ذلك في فترة مركزة جدًا دوخت العالم فكريًا، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وأصبح النقاش حول لاهوت الابن وطبيعته يدور في الشوارع حتى بين العامة. وألهم الشيطان مفاهيم للهراطقة وتفاسير لآيات الكتاب. وانشغل آباء الكنيسة فترة طويلة بالرد على البدع والهرطقات.
والشيطان يتمني أن يشغلنا طول العمر بالحوار الفكري والردود...
ومازالت هذه هي خطته، يرسل لنا في كل جيل من يحاول أن يحول الدين إلى نقاش وجدل وفكر وحوار وآراء وردود... مريدًا بهذا أن نعطل العمل الروحي من جهة، ويثير الانقسام والخصومات من جهة أخري، ولو باسم الدين، وباسم الدفاع عن العقيدة، وتصبح الكنيسة مذاهب وشيعًا، ويفرح الشيطان بهذا. من يسقطون في الهرطقات مكسب له، وم يتعبون من الشكوك مكسب آخر. ومن ينشغلون عن العمل الروحي بهذه السلبيات وإضاعة جهودهم في الردود، كل ذلك مكسب أيضًا.
ونشكر الله أن الآباء الذين ردوا على الهرطقات كانوا روحيين.
تقرأ مثلًا كتاب (تجسد الكلمة) للقديس أثناسيوس فتجده كتاب روح كما هو كتاب لاهوت وعقيدة... ولكن كثيرين انشغلوا بالفكر.. ونحن نشكر الله أيضًا أن حركة الهرطقات والرد عليها في القرنين الرابع والخامس، سارت معها جنبًا إلى جنب حركة الرهبنة وإرشادها الروحي. فأقامت توازنًا مع الدومات الفكرية.
كان الرد على الهراطقة لازمًا جدًا لحفظ الإيمان، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. ولكن كان الانشغال بذلك تعطيلًا للكنيسة. ولكن الله حوله إلى ير بتعميق الإيمان في القلوب وبإزالة الشكوك.
وحتى في الروحيات البحتة، يحاول الشيطان تحويلها إلى فلسفة.
يمكن أن يجعل حتى الصلاة مثلًا منهجًا له قواعده العقلية. وكذلك يمكن أن يفعل ذلك بالرهبنة ويحولها إلى مدارس تتصارع فكريًا بين الوحدة والعمل، والتأمل والخدمة. ويتحول الأمر إلى نقاش وإلى صراع، يسر به الشيطان ويفرح!
حتى صلاة "أبانا الذي" يحولها إلى صراع حول الترجمات.
وإذا بالناس وهم يصلون يقول أحدهم "خبزنا كفافنا"ويصيح آخر بصوت عال "الذي للغد". وتتصارع الترجمات وتتبلبل الأفكار، وبدلًا من التأمل في الصلاة يدور الجدل والنقاش أية الترجمات أصح!!
ونفس الوضع قد يدور في القداس الإلهي أيضًا: يريد الشيطان أن يقضي على التأمل والروحيات، فيثير حربًا من الترجمات.
وفي داخل الكنيسة ما أسهل أن يثير أفكارًا جديدة...
يجعل البعض يشغف بالجديد، فيقدم تفسيرًا جديدًا، أو معتقدًا مغايرًا للمفاهيم العامة. ويقول صاحبه وناشره إن كل من سبقوه قد أخطأوا. وبدلًا من استخدام الفكر الديني للحب ولنقاوة القلب، يحوله الشيطان إلى صراع وإلى حرب بين المتدينين بسبب الفكر والفهم الخاص، وادعاء كل فريق أنه يدافع ع العقيدة! وأنه الوحيد الصادق في إيمانه...
أو على الأقل يعطل الروحيين عن عملهم بالانشغال بالسلبيات والرد عليها. وإن لم يفعلوا ذلك، يملأ الجو شكوكًا وبلبلة.
حرب أخري من حروب الشيطان وهي:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fjd66bh