* ونود أن نطرق هذه النقطة من ناحيتين هما:
تعليم الإنسان لغيره، وقبول الإنسان للتعليم من غيره.
فالمتكبر يحب أن يأخذ صفة المعلم، ويرى في نفسه الكفاءة أن يعلّم غيره. أما المتواضع فإنه يفضل باستمرار أن يتعلم، لكي ينال معرفة، أو لكي يزداد في المعرفة. وهو مستعد أن يتلقى العلم ويقبله، حتى لو أتاه في صورة توبيخ، أو إن أتاه ممن هو أصغر منه. بل هو بنفسه يطلب العلم.
وأمامنا قصص من سير القديسين في قبول التعليم وفي طلبة:
* القديس الأنبا أنطونيوس في بدء رهبنته، كان يجلس على حافة القرية يتعلم الفضيلة من النساك هناك. وفي أحد الأيام أتت امرأة لكي تستحم في النهر، وبدأت تخلع ملابسها أمامه. فقال لها "يا امرأة، أما تستحين أن تتعري أمامي وأنا راهب؟!" فقالت له في استهزاء "من قال إنك راهب؟! لو كنت راهبًا، لدخلت إلى البرية الجوانية. لأن هذا المكان لا يصلح لسكنى الرهبان". فاستمع الأنبا أنطونيوس إلى إجابتها في اتضاع شديد، واعتبر أنها رسالة من الله إليه على فمها. وفعلًا ترك المكان ودخل إلى البرية الجوانية
والقديس أنبا مقار الكبير، أخذ نصيحة من صبي راعي بقر.
والقديس الأنبا موسى الأسود، سأل زكريا الصبي كلمة منفعة. فلما قال له الصبي "أأنت عمود البرية ومنارتها وتطلب مني؟!" أجابه القديس "أنا واثق يا ابني، بالروح الذي فيك، أن عندك كلامًا ينقصني معرفته".
والبابا ثاوفيلس، الثالث والعشرون في عداد البطاركة، كان يذهب أحيانًا إلى البرية ليطلب كلمة منفعة من أحد المتوحدين مثل الأنبا أرسانيوس والأنبا بفنوتيوس. حتى حينما كان يعتذر البعض منهم عن لقائه، كان يمضي منتفعًا!
* والمتكبر "حكيم في عينيّ نفسه" يتباهى بمعرفته. لذلك لا يطلب المعرفة من غيره!
وفي كبريائه، لا يجد أحدًا أكثر منه معرفة حتى يطلب منه مزيدًا من العلم. بعكس المتواضع الذي لا مانع عنده من أن يسأل. ولا مانع من أن يقول عن أحد الأمور "لا أعرف". وهو يستمع إلى كلام غيره ليستفيد. أما المتكبر فإنه يقاطع غيره إذا تكلم، لكي يثبت رأيه هو وكلمته. وهو كثير الجدل والنقاش.
* المتواضع يضع أمامه قول الرسول: لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم، لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا" (يع3: 1، 2).
لذلك فهو يحترس جدًا في مسائل التعليم لئلا يخطئ. ولا مانع لديه من أن يستشير ليتأكد، أو يرجع إلى المصادر الرئيسية ليرى أن تعليمه موافق لعقيدة الكنيسة وأقوال الآباء، وبخاصة لو كان بصدد فكر جديد.
أما المتكبر فبكل جرأة يقدم تعليمًا جديدًا. وقد يقع بذلك في بدعة.
إنه يفرح بأن يطرق أمورًا عويصة قد تكون فوق مستواه "ويرتئي فوق ما ينبغي" (رو12: 13)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ويبدى الرأي كأنه عقيدة جديدة محاولًا إثباتها! وإن عارضته الكنيسة يتشبث بفكره، وتمنعه كبرياؤه من التنازل عما علّم به. وهكذا يقع في الهرطقة. وقد حدث ذلك مع ترتليانوس، وأوريجانوس، وآريوس، ونسطور". وفي هذا المجال أتذكر أنني كتبت بضع مقالات بعنوان:
"البدعة كالكبرياء. كل قتلاها أقوياء".
لذلك ما أجمل قول السيد الرب "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (مت11: 25).
نعم، إن المتواضعين هم الذين ينالون حكمة من فوق، لأنهم يطلبونها. أما المتكبرون فتخفي عنهم الحكمة الإلهية، لأنهم مكتفون بحكمتهم البشرية. وهكذا رفض الله حكمة هذا العالم المغرور بحكمته (1كو1: 20). وأصبحت كثير من فلسفات العالم تقود إلى الشك والبلبلة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/56bcx92