† لقد تكلمنا في الأسبوع الماضي عن طول بال الرب له المجد، وأود أن أكمل هذا الموضوع معكم اليوم بطول البال عندنا نحن البشر.
† وفضيلة طول البال تسمى طول البال أو طول الروح أو سعة الروح أو طول الأناة أو سعة الصدر أو الصبر أو الحلم.
† قيل عن موسى النبي "وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ" (سفر العدد 12: 3). موسى النبي كان قائدًا للشعب فكان لا بد أن يكون طويل البال.
فالقائد يكون لديه سلطان فإذا كان لديه سلطان وليس لديه طول البال فمن الممكن أن يضر الكنيسة. فلابد أن يكون لكلٍ من الكاهن أو الأسقف أو المطران أو البطريرك طول البال حتى لا يتضايق أو يغضب سريعًا وحتى لا يعاقب سريعًا، بل يكون طويل البال.
† ليس فقط القائد هو المحتاج لفضيلة طول البال، بل كل مسيحي المفروض أن يكون طويل البال. طويل البال في معاملة الناس، لأن طباع الناس تختلف من شخص إلى آخر. فهناك مَنْ يستطيع التفاهم معه بسرعة، وهناك من يحتاج لمدة طويلة حتى يتفاهم معه. فلابد أن يكون المسيحي طويل البال. وخصوصًا مع الضعفاء.
† طول البال لازم في اتخاذ القرار. فلا يجب أن يُتخذ قرارًا بسرعة أو باندفاع أو في ساعة غضب. لا بُد أن ينتظر الإنسان ويأخذ فرصة للتفكير قبل اتخاذ أي قرار. لأنه لو اتخذ قرار بغير تفكير يتعرض للخطر ويضر نفسه ويضر غيره.
† فالطفل يكون لم يصل إلى مرحلة النضوج ولم تتكون عنده بعد القيم والمبادئ والحقوق والواجبات لأنه ما زال صغيرًا. فلابد أن نتصف بطول البال في معاملاتنا مع الأطفال ونأخذ في اعتبارنا مراحل النضج.
لا بد أن تكون طويل البال أيضًا في التعامل مع الشاب إلى أن ينتقل من مرحلة اللهو إلى مرحلة النضج.
أيضًا لا بد أن تكون طويل البال مع صغار العقول وقليلي الفهم، الشخص الذكي عندما تقول له كلمة يفهمها مباشرة ولا يحتاج إلى ترديدها عليه، ولكن هناك بعض الأشخاص لا يفهموا ما يقال لهم سريعًا، ويحتاجون أن تكرر لهم الأمر مرة أو مرتين أو ثلاثة وتشرح التفاصيل، وتطيل بالك عليهم.
وهكذا يكون طول البال من المدرس على التلميذ حتى يتعلم ويحفظ ولا ينسى تحتاج وقت ليس كل واحد مثل الآخر، فلا بد أن يطيل المدرس باله على قليل الفهم وعلى قليلي الذكاء. المدرس لا بد أن يطيل باله على التلميذ، حتى في نظام الدولة عمومًا التلميذ ممكن يفشل في الدور الأول فيعطوه فرصة أخرى في الدور الثاني.
لذلك عندما يوبخ المدرس التلميذ الذي لا يفهم يقولون على هذا المدرس إنسان عصبي لأنه لا بد أن يكون طويل البال.
† أيضًا في التعليم ليس المطلوب فقط طول البال حتى يستوعب التلاميذ ما يجب أن يتعلموه، بل يجب على الأساتذة تبسيط العلوم لهم وتحويل كل ما هو صعب إلى سهل. أنا أؤمن بهذا المبدأ باستمرار في في التعليم. لابد للأساتذة أن يتعلموا كيفية تبسيط العلوم حتى اللاهوتيات يجب أن تبسط حتى يفهمها الناس. فلا بد للمعلم أن يكون هادئ الأعصاب وطويل البال.
† نفس الوضع في المجال الروحي لا بد أن أب الاعتراف يكون طويل البال، ومن الممكن أن ينصح نصيحة ولا ينفذها الشخص الذي أمامه وجائز الشخص الذي أمامه عنده عادة خاطئة فلكي يكف عنها يحتاج وقت وقد لا يستطيع التخلص من أخطائه سريعًا أو بمجرد أن يأمره مرشده الروحي بذلك.
فالكثير من المدخنين نشرح لهم مضار التدخين ومع ذلك لا يستطيعون التخلص من التدخين بسهولة لأن العادة مسيطرة عليهم ولكي يتخلص من هذه العادة يحتاج لوقت فلا بد أن يكون أب الاعتراف والمرشد الروحي طويل البال عليه.
† في تاريخ الرهبنة قيل عن القديس الأنبا إيسوزوروس أنه كان يحتضن كل راهب يرفضه الآباء ويطيل باله عليه إلى أن يصل للمستوى الروحي المطلوب.. وقد عرضنا لهذا في سياق سيرة القديس هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت.. وموسى الأسود في بداية رهبنته تردد على الأنبا إيسيزيروس عشر مرات في يوم واحد فقال له: يا ابني اذهب إلى قلايتك واجلس فيها. فقال له لا أستطيع يا معلم (غير قادر) فأطال باله عليه إلى أن أصبح القديس العظيم الأنبا موسى الأسود. الموضوع محتاج إلى طول بال.
فكل إنسان قد يكون له الكثير من الأخطاء، ولكي يتخلص من أخطائه هذه يحتاج إلى وقت وطول بال لأنه لا يستطيع التخلص منها دفعة واحدة. فمثلًا لو إنسان متسرع في الكلام وأمرته أن يكف عن ذلك، فلن يكف عن التسرع في الكلام فورًا بل يحتاج إلى طول بال ووقت حتى يعتاد على عدم التسرع في الكلام.
لذلك أقول لآباء الاعتراف والكهنة لابد أن تقتنوا فضيلة طول البال في سماع الاعترافات وفي إعطاء النصائح للمعترفين لأنه حتى يتغلب المخطئين على أخطائهم يحتاجون إلى وقت وطول بال.
† الرب أعطانا مثل على ذلك من الطبيعة، فأحيانًا شتلة من نوع معين تكبر سريعًا وأحيانًا شتلة من نوع آخر تأخذ سنوات كثيرة حتى تكبر، فليس كل الزرع يكبر وينضج بنفس الدرجة أو السرعة فالكثير من الأشجار تحتاج لسنوات حتى تعطي ثمر. وهذا عكس الجرجير مثلًا الذي عند زراعته يكبر سريعًا حتى أن المثل العامي يقول: "حلف الجرجير بالدين إنه ما يبات في الطين". فلا تطلب من كل واحد أن يكون مثل الجرجير. بعض الناس تحتاج إلى وقت.
الجنين الذي يحييه الرب في بطن المرأة يحتاج أيضًا إلى وقت حتى يخرج للحياة. الزمن الافتراضي له تسعة أشهر تقريبًا. فلابد من طول البال حتى يخرج هذا الجنين للحياة.
† يجب أن تطيل البال في الحكم على الآخرين. لا يصح أنه بمجرد صدور تصرف معين من شخص ولا يعجبك هذا التصرف تتهم هذا الشخص اتهامات قد تكون باطلة. لا يا أخوتي لا تتبعوا هذا الأسلوب. بل يجب أن تطيل بالك في الحكم على الآخرين لكي تكون عادلًا لأن الحكم بدون تحقيق يكون خاطئ. قد يكون الأمر واضح، ولكن الظروف التي أحاطت بهذا الأمر ربما لا تكون واضحة. فلا بد أن تدرس الخطأ وتدرس الظروف الدافعة إليه وتدرس نفسية المخطئ، وتكون عادلًا في حكمك إذا سُمِح لك أن تحكم. وبطول البال تصل إلى العدل.
† وأيضًا في طول البال لابد أن يكون لديك فضيلة العطف على الناس وليس فقط العدل. لابد أن يسير العدل والعطف معًا. وكقاعدة الإنسان الذي لديه طول البال يكون دائمًا بطيء الغضب. لأن الغضب غالبًا ما يأتي نتيجة السرعة وعدم طول البال. ولذلك الكتاب يقول "إن الغضب يستقر في حضن الجهال، وفي رسالة معلمنا يعقوب الرسول يقول: "إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ، لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ" (رسالة يعقوب 1: 19) مبطئًا في الغضب أي طويل البال ولا تتسرع في التكلم ولا تتسرع في الغضب، فلا يصح أن تكون سريع الغضب أو الانفعال. بل يجب أن تحتمل وتصبر.
† طول البال أيضًا لازم في الحياة الزوجية. فلا يصح أن تغضب المرأة من زوجها على أقل الأسباب. فالمرأة التي ليس لديها طول بال قد لا تستطيع الاحتفاظ بسلامة بيتها.
وأيضًا الرجل لابد أن يتمتع بفضيلة طول البال، فإذا أخطأت امرأته يطيل أناته عليها، ولا يتسرع في الحكم عليها قائلًا: أنا سيء الحظ، كنت أحسبها "راحيل" وإذا بها "ليئة". حتى لو كانت امرأتك "ليئة"، لقد دلت الأمور على أن "ليئة" أفضل من "راحيل". فمن نسل "ليئة" جاء يهوذا وجاء السيد المسيح. ومن "ليئة" جاء سبط لاوي سبط الكهنوت. أعاظم الناس جاءوا من ليئة. أيضًا أبونا يعقوب صبر على "ليئة" وهي ضعيفة العينين.
† فطول البال في الحياة الزوجية لابد أن يكون متبادل بين الزوجين وأيضًا لا بد أن يكون الزوجين طويلا البال على أولادهما حتى ينضجوا. فلا يصح انتهار الأولاد على كل صغيرة وكبيرة لأن ذلك يتعب نفسيتهم.
† طول البال أيضًا ضروري في الطلب. سواء في الحياة الزوجية أو خارجها. فقد تطلب الزوجة من زوجها طلبًا وإذا لم يحضره لها فورًا تغضب! يا بنتي صبرك عليه ربما الاستجابة لهذا الطلب يحتاج إلى وقت.
الشخص الغير طويل البال يتعب إذا لم تحدث استجابة سريعة ووقتية وفورية لطلبه.
† أيضًا فيما نطلبه من الرب، لا بد ألا نتعجل في تنفيذ طلباتنا. لأن الرب لا ينفذ طلباتنا إلا في الوقت المناسب. البعض إذا تأخر الرب في الاستجابة يقول: "إلى متى يا رب تنساني إلى الانقضاء حتى متى تحجب وجهك عني"!!، عن الآية القائلة: "إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟" (سفر المزامير 13: 1)، "لماذا تقف يا رب بعيدًا ولماذا تختفي في وقت الضيق؟"!! عن مزمور: "يَا رَبُّ، لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟" (سفر المزامير 10: 1).. صبرك أيها القديس العظيم، صبرك أرجوك. لا يجب أن تكون هذه طريقتنا في الطلب من الرب. وبالرغم من ذلك الله يحتمل منا هذا الكلام لأنه طويل البال ويحتمل أولاده عندما يغضبون لما يعتبروه عدم استجابة لصلاتهم.
أيضًا لابد أن نطيل بالنا على الآخرين كما يطيل الرب باله علينا.
أيضًا يجب أن تطيل بالك في التجارب والضيقات. وسبق أن قلت لكم مرات عديدة أن كل تجربة تأخذ منظر هرمي ترتفع حتى تصل للقمة ثم تهبط. لا يوجد تجربة تستمر على طول. أصبر على التجربة وخذ بركتها إلى أن تنتهي. فكل تجربة لها مدى زمني لكي تنتهي فيه ولا يوجد تجربة دائمة الارتفاع.
نفس الوضع في الأمراض. الأمراض أيضًا تحتاج طول بال. طول بال من كل من المريض والطبيب أيضًا. فالمريض لو يئس تنهار معنوياته ويقوى عليه المرض. وأيضًا لا بد من طول بال الطبيب مهما طال المرض لأن يأس الطبيب يحطم المريض.
طول البال أيضًا لازم حتى يصل الإنسان إلى التوبة وهذا واجب الخدام وآباء الاعتراف والمرشدين الروحيين. فلا بد أن يطيلوا بالهم على الخاطئ حتى يصل إلى التوبة. كثيرًا ما صبر السيد المسيح على تلاميذه في أخطائهم.
† حتى في الحياة العملية ففي مجال الصناعة مثلًا، المعلم لابد أن يطيل باله على صبيه الذي يساعده حتى يتعلم منه الصنعة ويتقنها.
† كذلك من يدخل في مشروع يحتاج إلى طول البال حتى ينجح المشروع. فكل مشروع يمر بصعوبات في البداية حتى يتعرف صاحب المشروع على السوق ويتخذ خبرة تمكنه من إنجاح مشروعه.
† أيضًا طول الأناة لازمة للحصول على عمل.
وطول الأناة لازمة في حل المشاكل. لأن هناك مشاكل تأخذ وقت حتى تحل.
إلى هنا وأقول لكم أطيلوا بالكم ولكن راعوا أن هناك أشياء لا يصلح معها طول البال بل تحتاج سرعة. فمعونة إنسان محتاج يلزمها السرعة، لا يصح أن تطيل بالك في هذه الحالة.
وكذلك إنقاذ من هو في خطر تحتاج إلى سرعة ولا تحتمل أي طول بال.
الرب يعطينا فضيلة طول البال.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/n4bqzj5