12- صارع مع الله وخذ منه معونة(1):
أنت تريد أن تتوب، وتنتصر على خطاياك، حسنًا تفعل. ولكن ضع أمامك هذه القاعدة الهامة، وهي:
النصرة على الخطية ليست مجرد عمل بشري.
1- أولًا: لأن الخطية قوية، لها هذه القوة التي بها "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم7: 26). فهل هذه الخطية التي أسقطت آدم وشمشون وداود وسليمان، تستطيع أن تحاربها بمفردك، بدون معونة إلهية؟! محال...
2- هذه الخطية قد أخذت سلطانًا عليك، حينما أسقطتك من قبل.
3- إنها لا تقتصر على الحرب الخارجية، إذ تجد لها أيضًا استجابة في داخلك، تجعل الحرب مزدوجة.
4- هذا هو تعليم الكتاب القائل "إن لم يحرس الرب المدينة، فباطل هو سهر الحارس" (مز127: 1). بل هذا قول المسيح نفسه:
بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا (يو15: 5).
5- كل عمل تعمله بمفردك، دون أن يشترك الله معك، غالبًا ما تفشل فيه. وحتى إن نجحت ستنسبه إلى نفسك، ويحاربك المجد الباطل، معتقدًا أنك بقوتك قد انتصرت.
والمعروف أن الاتضاع هو من أقوى الأسلحة التي ينهزم بها الشياطين. وقد استخدمه القديس الأنبا أنطونيوس، حينما كان يقول لهم "أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم". ثم يصرخ إلى الرب قائلًا "أنقذني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء"...
6- وقد أثبتت خبراتك الماضية، فشلك في التوبة بمجهودك.
كم مرة حاولت أن تقوم وسقطت مرة أخرى. كم مرة عاهدت الله على التوبة، ووعدته وعودًا، وقلت في تصميم لن أفعل هذه الخطية مرة أخرى. بل أحيانًا كنت تستنزل الويلات على نفسك وتقول: أمرضني يا رب إن فعلت هذه مرة أخرى. كنت تقول هذا، كما لو كان الأمر في يدك وفي إمكانك. ونصيحتي لك، بدلًا من أن تقول: أعدك يا رب أن أتوب.
الأجدر بك أن تقول للرب: توبني يا رب فأتوب (أر31: 18).
اطلب منه التوبة كعطية صالحة من عنده، لأنه هو نفسه وعد بهذا، وقال "أعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم... وأجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي" (حز36: 26، 27)(2)... فَتَمَسَّك بوعده المقدس هذا، واطلب منه أن يمنحك هذه التوبة، ويعطيك القلب الجديد، ويجعلك تسلك في وصاياه...
وهذا ما تعلمنا إياه الكنيسة في صلوات الساعات.
ألسنا نقول في المزمور الخمسين "انضح عليَّ بزوفاك فأطهر، واغسلني فأبيض أكثر من الثلج". إذن الله هو الذي يغسلك فتبيض، ولست أنت القادر على غسل نفسك... وفي كثير من المزامير نقول: خلصني يا رب. احفظني. علمني طرقك... وفي صلاة الساعة الثالثة نقول "طهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا"، "طهرنا من دنس الجسد والروح. وانقلنا إلى سيرة روحانية، لكي نسعَى بالروح ولا نكمل شهوة الجسد"... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وهذا ما نقوله أيضًا في القداس الإلهي:
طهِّر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا...
ونكرر هذه العبارة في القداس أكثر من مرة... إذن فنحن نتعلم من الكنيسة أن التوبة والطهارة والنقاوة، ليست مجرد نتيجة مجهود منا، إنما نحن أيضًا نطلبها من الله في صلواتنا...
وكأن الإنسان يقول لله: أنا عاجز يا رب عن تطهير نفسي. فقم أنت بهذا العمل حسب سابق وعدك... "قم أيها الرب الإله..." "قم يا رب خلصني يا إلهي..".
وهنا تظهر أهمية الصلاة في الوصول إلى التوبة(3).
مار اسحق ركز عليها وحدها، لدرجة إنه قال: من كان يظن أن له طريقًا آخر للتوبة غير الصلاة، فهو مخدوع من الشياطين.
أما أنت فعلى الأقل في كل جهادك، لا تكن معتمدًا على قوتك، ولا على ذكائك، ولا على إرادتك وتداريبك، فأنت وحدك بدون معونة من الله، لن تصل إلى التوبة بمجهودك الخاص.
قُل له يا رب أنا محتاج إليك، وبدونك لا أستطيع شيئًا.
الإرادة حاضرة عندي. ولكن أن أفعل الحسنى لست أجد.
"الشر الذي لست أريده إياه أفعل" (رو7: 18، 19) "ضللت مثل الخروف الضال، فاطلب عبدك" (مز119). ألست أنت القائل "أنا أرعى غنمي وأربضها -يقول السيد الرب- وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح" (حز34: 15، 16). هوذا أنا هذا الضال الكسير والجريح، فاطلبني واستردني وأعصبني...
أنا يا رب وصلت إلى حالة من الضعف والعجز، لست أستطيع فيها أن أعدك بأن أتوب. وإن وعدتك قد أخلف وعدي.
لست أعدك، إنما أطلب وعدًا منك بأن تخلصني من الخطية.
ألست أنت القائل "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (متى11، 8). نعم يا رب أنا محتاج أن تريحني من هذا الحمل الثقيل.
ألم تقل إن "أبن الإنسان جاء يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو19: 10). إنني أنا المحتاج إلى هذا الخلاص منك...
ليس فقط الخلاص من الدينونة، إنما الخلاص من الخطية ذاتها.
لقد أسموك "يسوع" أي المخلص، لأنك تخلص شعبك من خطاياهم (متى1: 21). خلصني إذن من خطاياي. ليتني أسمع منك قولك المعزي "من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين، الآن أقوم –يقول الرب– أصنع الخلاص علانية" (مز11).
هكذا تَعَلَّم يا أخي الصراع مع الله لأجل التوبة.
صارِع مثل غريق وجد أمامه قارب نجاة. صارع مثل يعقوب الذي قال للرب "لا أطلقك إن لم تباركني" (تك32: 26). قل له: أنا يا رب جربت نفسي، وعرفت ضعفها وعجزها أمام الخطية. بقي أن تتدخل أنت.
لا تَلُمْنِي يا رب من أجل ضعفي. إنما أنقذني من هذا الضعف.
بدلًا من أن تدينني لأني نجس، طهرني من هذه النجاسة...
أنت قد أعطيتني وصايا لكي أنفذها، فأعطني أيضًا القوة التي أنفذ بها هذه الوصايا. أعطني المقاومة التي أقاوم بها الشيطان. وأعطني محبتك التي تطرد من قلبي محبة الخطية.
وأثبت يا أخي في صلاتك، فهي طريقة مضمونة إلى التوبة.
_____
(1) عن محاضرتين هما الجزء الثاني من سلسلة "اليقظة الروحية"، ألقيناها بتاريخ 13/11/1970، 20/11/1970، ومحاضرة ثالثة موضوعها "الجهاد مع الله" بتاريخ 28/3/1975. ومحاضرة رابعة موضوعها "حياة الانتصار، والحرب للرب" بتاريخ 6/4/1979. وكلها محاضرات أُلقِيَت في الكاتدرائية الكُبرى.
(2) انظر فصل "قلبًا جديدًا" في كتاب (كيف نبدأ عامًا جديدًا)، من صفحة 27 إلى صفحة 40.
(3) انظر كتاب "الرجوع إلى الله" من صفحة 53 إلى صفحة 56 - الفصل الذي عنوانه "الصلاة هي وسيلة للرجوع" وأيضًا صفحة 85، 86.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/yjd8gts