قوبل أيوب الصديق باتهامات مرة وظالمة من أصحابه، وبخاصة من أليفاز التيماني.
أثارته الاتهامات الكاذبة. وكان رد فعلها هو الافتخار.
· قال له أليفاز في قسوة وإدعاء كاذب: "هل علي تقواك يوبخك (الله)؟! أو يدخل معك في المحاكمة أليس شرك ارتهنت أخاك بلا سبب وسلبت ثياب العراة! ماء لم تسق العطشان، وعن الجوعان منعت خبزًا! الأرامل أرسلت خاليات، وذراع اليتامى انسحقت! لأجل ذلك حواليك فخاخ ويريعك رعب بغتة" ثم يدعوه إلي التوبة والرجوع إلى الله قائلًا له "أن رجعت إلي القدير تبني إن أبعدت ظلمًا عن خيمتك" (أي 22: 4-23).
ويقول له وعنه صوفر النعماتي:
" أما علمت هذا منذ القديم أن.. فرح الفاجر إلي لحظة، ولو بلغ السماوات طوله، ومس رأسه السحاب.." "قد بلغ ثروة فيتقأها. الله يطردها من بطنه.. " لأنه رضض المساكين وطردهم، واغتصب بيتًا ولم يبنه.."
" السموات تعلن إثمه، والأرض تنهض عليه".
" تزول غله بيته، تهرق في يوم غضبه". " هذا نصيب الإنسان الشرير من عند الله.." (أي 20: 4- 29).
· لهذا أخذ أيوب يرد عليهم شارحًا كماله وبره.
فيقول " حي هو الله.. إنه مادامت نسمتي في، ونفخة الله في أنفي، لن تتكلم شفتاي إثمًا، ولا ينطق فمي، بغش "(أي 27: 3، 4).".. حتى اسلم روحي، لا أنزع كمالي عني" (أي 27: 5).
" تمسكت ببري ولا يعير يومًا من أيامي (أي 27: 6). ويقول عن السيد الرب:
" لأنه يعرف طريقي. إذا رجلي، إذا جربني أخرج كالذهب (أي 23: 10)
بخطواته استمسكت رجلي، حفظت شريعته ولم أحد "" من وصية شفتيه لم أبرح. أكثر من فريضتي ذخرت كلام فيه " " أما هو فوحده، من يرده؟! نفسه تشتهي فيفعل "(أي 23: 11- 13).
· أنفرد أيوب بالكلام خمسة إصحاحات (من 26 إلي 31). وكان أصعب كلامه في الافتخار هو (إصحاح 29) وما بعده.
· كان جوهر افتخاره مركزًا علي عظمته، وعلي بره:
· قال "ليتني كما في الشهور السالفة، وكالأيام التي حفظني الله فيها. حين أضاء سراجه علي رأسي، وبنور سلكت الظلمة. كما كنت في أيام خريفي، ورضا الله علي خيمتي. والقدير بعد معي، وحولي غلماني إذ غسلت خطواتي باللبن، والصخر سكب لي جداول زيت.." (أي 29: 2-6)
هنا يتذكر العظمة القديمة التي فقدها. وقلبه يشتهيها!
فيقول "حين كنت أخرج إلي الباب في القرية، وأهيئ في الساحة مجلسي. رآني الغلمان فاختبأوا، والشيوخ قاموا ووقفوا" (هنا العظمة التي عاشها. وماذا أيضًا؟) يقول "العظماء أمسكوا عن الكلام، ووضعوا أيديهم علي أفواههم. صوت الشرفاء اختفي، ولصقت ألسنتهم بأحناكهم". [لماذا كل هذه الخشية والمهابة التي أصابت كل هؤلاء العظماء، حينما ظهرت يا أيوب، وهيأت في الساحة مجلسك؟!]
يقول "لأن الأذن سمعت فطوبتني. والعين رأت فشهدت لي" (أي 29: 11).
[هنا كان الخطر الذي هدد حياة أيوب روحيًا].
الكرامة التي يعيشها كل يوم، والعظمة التي تحيط به من كل جانب. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وأيضًا البر الذي تتميز به حياته، والذي يفتخر به، ويستعرض أعماله الصالحة، ويردد بها علي اتهامات أصحابه له، فيقول: "لأني أنقذت المسكين المستغيث، واليتيم ولا معين له"، "بركة الهالك حلت علي، وجعلت قلب الأرملة يسر". [أي أن الإنسان الذي كان علي وشك الهلاك، وأنقذته أنا من الضياع، هذا حلت بركته علي، بدعائه لي بالخير..].. إلي أن يقول:
" لبست البر فكساني. كجبة وعمامة كان عدلي" (أي 29:14).
نعم، هذه هي مشكلة أيوب: كان يعرف عن نفسه أنه بار، ثم صار يتحدث عن بره، حينما أثاره أصحابه باتهاماتهم.. وهكذا يتحدث عن نفسه في التفاصيل أعماله الصالحة، فيقول: " كنت عيونًا للعمي، وأرجلًا للعرج". " أب أنا للفقراء. ودعوى لم أعرفها، فحصت عنها" (هنا يتحدث عن وضعه كقاض يفحص الأمور. ويراعي العدل بين الناس ]. ويتتبع ذلك بقوله:" هشمت أضراس الظالم، ومن بين أسنانه خطفت الفريسة "(أي 29: 15-17).
ثم يتحدث عن أصله وكرامته، ووضعه كملك بين الناس.
فيقول " أصلي كان منبسطًا إلي المياه. والطل بات علي أغصاني، أي كان كشجرة امتدت جذورها. حتى وصلت إلي المياه الباطنية. فلم تعد محتاجة إلي الري والسقيا، لأن أصولها في المياه، وأكثر من هذا أيضًا، كان الطل (الندى)علي أغصانها من فوق.. إلي أن يقول عن وضعة بين الناس:
" كنت أجتاز طريقي، وأجلس رأسًا. وأسكن كملك في جيش كمن يعزي النائحين "(أي 29: 25).
هذه العظمة، عظمة من يجلس رأسًا وملكًا، وكانت سمة الأيام السالفة، التي كان فيها رضا القدير علي خيمته والصخر سكب له جداول زيت. ولكن ماذا عن حالته الآن؟
قال أيوب عبارة. صدقوني في أول مرة قرأتها، لم استطع مطلقًا أن أصدق أنها خرجت من فم أيوب!! قال:
" وأما الآن فقد ضحك علي أصاغري أيامًا. الذين كنت استنكف من أن أجعل آباءهم مع كلاب غنمي!!" (أي 30: 1)
إلي هذا الحد وصل مفعول العظمة في قلب أيوب؟! يستنكف من أن يجعل آباءهم مع كلاب غنمه!! أما الآن -فهو يقول- "وأما الآن فصرت أغنيتهم. وأصبحت لهم مثلًا" يكرهونني. يبتعدون عني، وأمام وجهي لم يمسكوا عن البصق" (أي 30: 9، 10). "الآن انهالت نفسي علي، وأخذتني أيام المذلة.. قد طرحني في الوحل، فأشتهيت التراب والرماد (أي 30: 16، 19). نعم شتان بين حاله الكرامة والعظمة، وحال المذلة والوحل!!
ويعود أيوب إلي التحدث عن أعماله الصالحة. ويجلب علي نفسه اللعنات، إن كان قد فعل كذا وكذا.
ويشمل هذا كل إصحاح 31 من سفر أيوب. وبه تكمل أقواله مع أصحابه الذين استمعوا إليه صامتين.. بدأ بقوله " عهدًا قطعت لعيني، فكيف أتطلع في عذراء؟! " وقال عن الرب " أليس هو ينظر طرقي، ويحصي جميع خطواتي".
"ليزني في ميزان الذهب، فيعرف الله كمالي" (أي 31: 6).
وهذا تأكيد لما قاله من قبل " لأنه يعرف طريقي: إذا جربني، أخرج كالذهب" (أي 23: 10)، وأيضًا تأكيد لما قاله من قبل عن كماله " كامل أنا لا أبالي "(أي 9: 21).".. لا أنزع كمالي عني "(أي 27: 20).
أما عن استجلاب اللعنات علي نفسه، أن كان قد فعل كذا وكذا.
فيقول "أن كنت قد سلكت الكذب، وأسرعت رجلي إلي الغش.." إن حادت خطواتي عن طريق.".. " أن غوى قلبي علي امرأة، أو كمنت علي باب قريبي.." " أن كنت رفضت حق دعواهما علي.." " أن كنت منعت المساكين عن مرادهم.. أو أكلت لقمتي وحدي، فما أكل منها اليتيم..".. فليحدث لي كذا وكذا " أن كنت قد جعلت الذهب عمدتي، أو قلت للأبريز أنت متكلي..".. فليحدث لي كذا وكذا..
" أن كنت قد فرحت ببلية مبغضي، أو شمت حين أصابه سوء.."، "غريب لم يبت في الخارج. فتحت للمسافر أبوابي".
· ويختم أيوب افتخاره بأن يتحدى كل من تهمه، فيقول:
"من لي بشكوى كتبها خصمي: فكنت أحملها علي كتفي. كنت أعصبها تاجًا لي (أي 3: 35، 36).
أمام كل هذا الافتخار والبر الذاتي، سكت أصحاب أيوب، ولم يتابعوا الحوار معه بعد. وفي ذلك يقول الوحي الإلهي:
"فكف هؤلاء الرجال الثلاثة عن محاربة أيوب، لكونه بارًا في عيني نفسه" (أي 32: 1).
فما الذي حدث بعد ذلك؟ وكيف انتهت قصه أيوب وتجربته؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/snfbn4z