إنها أكثر عبارة في سفر النشيد تناسب "يسوع المصلوب".
كلمة "أبيض" تمثل النقاوة الكاملة والقدسية المطلقة التي يتصف بها هذا الفادي الذي يموت عن العالم كله. بينما كلمة "أحمر" تعبر عن دمه المسفوك على الصليب.
ولنحاول أن نتتبع كلمة (أبيض) ودلالتها.
تدل على مجد الرب، كما ظهر في التجلي.
يقول الإنجيل عنه في قصة التجلي "وتغيرت هيئته قدامهم. وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدًا، كالثلج، لا يقدر قصار على الأرض أن يبيض مثل ذلك" (مر 9: 2، 3).
أما في إنجيل متى فيقول "فتغيرت هيئته قدامهم. وأضاء وجهه كالشمس. وصارت ثيابه بيضاء كالنور" (مت 17: 2).
"حبيبي أبيض". أبيض كالنور. وأبيض لأنه نور..
ويقول الكتاب إن "الله نور" (1يو 1: 5). "إن جلست في الظلمة، فالرب نور لي" (مي 7: 8). وهو نفسه قال "أنا نور العالم" (يو 8: 12). وقيل عنه في إنجيل يوحنا أنه "النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان" (يو 1: 9).
لذلك فالمؤمنون به يدعون "أبناء النور" (يو 12: 36).
عبارة "حبيبي أبيض" حينما تُقال عن الله، إنما ترمز إلى طبيعته إذ هو نور، وكذلك ترمز إلى قداسته. كذلك إلى خدامه من الملائكة، وأبنائه من البشر الصالحين المفديين، والبشر من الكهنة ومن التائبين.
كذلك اللون الأبيض يرمز إلى وقار الله وإلى أزليته.
يقول دانيال النبي في إحدى الرؤى "وجلس القديم الأيام: لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه كلهيب نار" (دا 7: 9). نلاحظ هنا ورود اللونين الأبيض والأحمر معًا، لأن النار حمراء.
ونلاحظ نفس الوصف تقريبًا في رؤيا يوحنا اللاهوتي، إذ يقول في ظهور الرب له "وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف النقي كالثلج. وعيناه كلهيب نار. ورجلاه شبه النحاس النقي، كأنهما محميتان في أتون" (رؤ 1: 14، 15).
حقًا "حبيبي أبيض وأحمر". في التجلي، على الصليب، في الرؤيا..
الملائكة أيضا يتصفون باللون الأبيض كملائكة من نور (2كو 11: 14).
قيل عن ملاك القيامة الذي دحرج الحجر "كان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج" (مت 28: 3). وقيل عن ملاك آخر أنه كان "لابسًا حلة بيضاء" (مر 16: 5). وفي وعد الرب في سفر الرؤيا أنه قال "من يغلب، فذلك سوف يلبس ثيابًا بيضًا، ولن أمحو اسمه من سفر الحياة (رؤ 3: 5).
اللون الأبيض هو أيضًا يميز القديسين وخدمة الكهنوت:
لأنه يدل على النقاوة والقداسة. فالكهنة والشمامسة في خدمة المذبح يلبسون ملابس بيضاء. وقال الرب عن المفديين أنهم "بيضوا ثيابهم في دم الخروف". أنهم "المتسربلون بثياب بيض" الذين أتوا من الضيقة العظيمة (رؤ 7: 14، 9، 13). وقيل نفس الوصف أيضا عن الأربعة والعشرين قسيسًا حول عرش الله، أنهم كانوا "متسربلين بثياب بيض" (رؤ 4: 4).
نضم إلى كل أولئك التائبين.
الذين وعدهم الرب قائلا "إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيض كالثلج" (أش 1: 18).
هؤلاء الذين ينطبق عليهم قول المرتل في مزمور التوبة "اغسلني، فأبيض أكثر من الثلج" (مز 51: 7). التائب هو أيضًا "حبيب أبيض".
فإن كنت تحب الله، كن أبيض مثله، بقلب أبيض..
بفكر أبيض، وألفاظ بيضاء، ومشاعر بيضاء. إن كنت بهذا الوصف الأبيض (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، يمكنك أن تتناول من الأسرار المقدسة.
القديس موسى الأسود: لما سيم كاهنًا، ولبس ملابس الخدمة البيضاء، قالوا له "ها قد صرت أبيض كلك". فأجابهم "حبذا لو كان هذا من الداخل أيضًا".
لذلك حذر الكتاب من الاقتصار على البياض الخارجي وحده!
فالكتبة والفريسيون المراؤون شبههم الرب بقبور مبيضة تبدو من الخارج جميلة، ومن الداخل عظام نتنة (مت 23: 27).
وقد قال القديس بولس الرسول لرئيس كهنة اليهود الذي أمر بضربه مخالفًا للناموس "سيضربك الله أيها الحائط المبيض" (أع 23: 3).
تحدثنا عن كلمة (أبيض). فلنتدرج إذن إلى كلمة (أحمر).
حبيبي أحمر: أحمر لأنه نار، كما قيل "إلهنا نار آكلة" (عب 12: 29). كذلك قد شبّه الروح القدس بالنار، وقد حلّ على التلاميذ يوم الخمسين بألسنة كأنها من نار (أع 2: 3).
إلهنا نور، ونار. أبيض وأحمر.
والسيد المسيح كان أبيض في وداعته، وأحمر في حزمه.
كان أبيض، وهو القدوس المولود من العذراء (لو 1: 35). وأحمر وهو الحمل المذبوح عن العالم، بثياب محمرة، قد داس بها المعصرة وحده (أش 63: 2، 3).
رآه يوحنا في أول سفر الرؤيا "رأسه وشعره أبيضان كالصوف الأبيض كالثلج، وعيناه كلهيب نار" (رؤ 1: 14). ولعل يوحنا قال في قلبه حينا رآه "حبيبي أبيض وأحمر".
أنا يا رب أتحير: كيف تجمع وداعتك المحببة إلى النفس، وبين عينيك اللتين كلهيب نار، اللتين -كما روى التقليد- قال عنهما بيلاطس البنطي في وصف يسوع الناصري "ما كان أحد يستطيع أن ينظر طويلًا إلى عينيه" من عمق هيبتهما..
صفاتك يا رب لا تتناقض.. في رحمتك أبيض، وفي عدلك أحمر. ورحمتك وعدلك لا ينفصلان. أنت رحيم في عدلك، وعادل في رحمتك.
فيك يمتزج اللونان الأبيض والأحمر، كالخمر..
لذلك قيل أيضا في سفر النشيد أن "حبك أطيب من الخمر" (نش 1: 2). يمتزج فيه الحنو الأبيض بالحزم الأحمر، الجاذبية بالهيبة، العطف بالتأديب.. مثلما وبخ بطرس بعد القيامة، في حنو عجيب: يناديه باسمه العلماني "سمعان بن يونا"، وفي نفس الوقت يقول له "ارْعَ غَنَمِي" "ارع خرافي". ويسأله ثلاث مرات "أتحبني أكثر من هؤلاء؟!" حتى حزن بطرس. وفي نفس الوقت يمنحه عمل الرعاية.. (يو 21: 15 – 17).
أنت يا رب أبيض على الصليب.. أبيض في قداستك، لا تستحق الموت. وأنت أحمر في دمك المراق عنا، كحامل لخطايانا.
وهذا الفداء العظيم تظهر له صورتان: أحداهما في المعمودية في العهد الجديد، والأخرى في خيمة الاجتماع في العهد القديم.
في المعمودية نرى المعمدّ بملابس بيضاء مع شريط أحمر (الزنّار).
فالملابس البيضاء تشير إلى الحياة الجديدة التي نالها في المعمودية (رو 6: 4) "بغسل الميلاد الثاني، وتجديد الروح القدس" (تي 3: 5). أما الشريط الأحمر (الزنار) فيشير إلى دم المسيح، الذي باستحقاقه ينال المعمد التبرير وغفران الخطايا (أع 2: 38) (أع 22: 16).
أما في خيمة الاجتماع، فكان الدم يرش على جدرانها وعلى مذابحها، دليلًا على أنه بهذا الدم الأحمر ينال مقدم الذبيحة الحياة البيضاء بالتوبة. وهو نفس معنى قول المزمور "انضح علي بزوفاك فأطهر. واغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 51: 7).
الزوفا كانت نوعًا من العشب، يرُش به الدم الأحمر. فتصير الحياة بيضاء بالمغفرة. وهكذا يُولد الأبيض من الأحمر.
والذي يرشه الرب بزوفاه، يقول عنه "حبيبي أبيض وأحمر".
هذا ما قصده المرنم في مزمور التوبة (مز 51). وهو نفس المعنى الذي كُتب في سفر الرؤيا "بيضوا ثيابهم في دم الخروف" (رؤ 7: 14).
هذا الدم الأحمر، جعل ثيابهم بيضاء. يغتسل الخاطئ في الدم الأحمر (أي في الفداء)، فيصير أبيض (أي نقيًا من كل خطاياه).
حياه كل إنسان فينا، هي قصة الأبيض والأحمر معًا.
صار كل منا أبيض نقيًا، بواسطة الدم الأحمر الذي يطهره. كما قال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى عن الله الآب "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يو 1: 7).
كل تائب بيّض ثيابه في دم الخروف، ونضح الله عليه بزوفاه فصار أبيض من الثلج.. هو أبيض بالمغفرة التي نالها، وأحمر في الدم المسفوك عنه، الذي اغتسل به. يراه الرب من على الصليب ويقول "حبيبي أبيض وأحمر".
كانت الخطية في العهد القديم تُشبه أحيانًا اللون الأحمر:
وهكذا قيل في سفر إشعياء النبي "إن كانت خطاياكم كالقرمز، تبيض كالثلج. وإن كانت حمراء كالدودي، تصير كالصوف" (أش 1: 18). إذن الخطية حمراء كالقرمز الأحمر، الذي يظهر في عين الغضوب المملوءة دمًا..
ونجد أن عيسو الخاطئ خرج من بطن أمه "أحمر كله" (خر 25: 25).
لون الخطية الأحمر، حمله المسيح نيابة عنا. إذ "ألبسوه رداء قرمزيًا" (مت 27: 28) بلون الخطية القرمزي (أش 1: 18).
وإذ نراه في نقاوته البيضاء يحمل عارنا، نقول عنه "حبيبي أبيض وأحمر". لقد صار القدوس الذي بلا خطية حاملا لكل خطايانا، وغطاه بالدم الكريم الأحمر.
وكان اللون الأحمر يرمز أحيانًا إلى ثياب الملوك.
وإذ ألبسوه في صلبه ثياب الملوك -سخرية منهم- فأنه في الحقيقة صار في صلبه ملكًا علينا. امتلكنا إذ اشترانا بدمه (1كو 6: 20). في دمه رآه اللص التائب ملكًا. فقال له "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو 23: 42).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/54pswcv