تحدثنا في المقال السابق عن بعض الوسائل لمعالجة الغضب الخاطئ (أي النرفزة) ومنها الإبطاء في الغضب, والجواب اللين, واستخدام الحكمة, وتذكر نتائج الغضب السيئة, وعدم التدرج إلي أسوأ. واليوم نكمل موضوعنا فنقول:
† قد يظن البعض أنه يعالج الوقوع في الغضب بالبعد والهروب من المجتمع الذي يغضبه ولكن هذا نوع من الانطواء وليس علاجًا, فأسباب الغضب كامنة داخل القلب وفي طباع الشخص, ومنها حساسيته الزائدة نحو كرامته التي تدعوه إلي الثورة علي من يسيء إليه وأيضا عدم قدرته علي الاحتمال, ولذلك فالشخص الغضوب إن ذهب بعيدًا عن أسباب الغضب فإن الغضب يرافقه في أي مكان يذهب إليه وشيطان الغضب يقول له بصراحة أنا من أجلك مقيم معك في هذا الموضوع فإن أردت الانتقال من هنا فسوف أنتقل بدوري معك لأني ملازم لك حيثما ذهبت وحينما سكنت إذن يجب علي الإنسان أن يهدئ قلبه من الداخل وينقي قلبه من الغضب والغيظ ولا ينفعه أن ينطوي علي ذاته وقلبه ساخط نافر مملوء بمشاعر خاطئة.
إن نقاوة القلب هذه هي العلاج الحقيقي لمشكلة الغضب مادام السبب هو داخلنا أعني عدم الاحتمال وعدم المحبة وعدم المغفرة.
† اعلم تمامًا أنك في ثورتك علي غيرك بهذا الغضب والنرفزة إنما تخسر الغير. وسليمان الحكيم يقول: رَابحُ النُّفُوسِ حَكِيمٌ" (سفر الأمثال 11: 30) ولذلك قل لنفسك إذا حوربت بالنرفزة لماذا أخسر الناس؟!
وهل هذه حكمة مني أم أخسرهم؟!
† بدلًا من الثورة والنرفزة الجأ إلي أسلوب التفاهم والعتاب بهدوء وحاول أن تنتهي من المشكلة عن طريق الإقناع ومناقشة الفكر. لا ترد علي انتقادات الغير لك بالغضب, بل بالتفاهم والإقناع, إن التفاهم أسلوب جميل يشرح الأمور ويزيل الغضب من جذوره وقد يتعرض لأسباب هذا الغضب إن كانت قد فهمت خطأ.
† حاول أن تلجأ في علاج الغضب إلي طريقة التصريف وليس الترسيب.
أما التصريف فمعناه أن ينصرف الغضب تمامًا من أعماق قلبك ولا يوجد في داخلك أي شيء ضد من تري أنه أساء إليك ولا يتم هذا إلا عن طريق المغفرة الكاملة التي تنسى الإساءة.
بل ربما تلتمس العذر للمسيء, أو عن طريق التواضع العميق الذي يشعر فيه الإنسان أنه هو السبب في كل ما حدث, وبهذا لا يوجد غضب في القلب علي الإطلاق, ولا توجد رغبة في الانتقام للنفس, وبتصريف الغضب يصبح القلب صافيًا صفاء حقيقيًا, علي أن هذا التصريف قد يحدث أحيانا بالتدريج, مثل جرح قد نظفته تماما وشفي والتأم, ولم يعد يؤلمك في شيء, ولكن موضعه لا يزال حساسا, بحيث إن إصابته بأي صدمة تكون أكثر تأثيرًا عليه وأكثر إيلامًا, ولكن بالوقت يزول الألم تماما تماما, ويصبح موضع الجرح كأي موضع آخر في الجسم من حيث التعرض للألم.
أما الترسيب فهو صفاء خارجي, مع وجود الغضب كامنا في أعماق النفس ثابتا في الفكر! مثال ذلك زجاجة دواء مكتوب عليها رج الزجاجة قبل الاستعمال, يكون فيها الدواء صافيًا ورائقًا من فوق, مع وجود مواد مترسبة في القاع, بحيث إذا رججت الزجاجة يتعكر السائل الرائق كله, إذ يختلط بما يترسب في القاع, وقد يحدث أن إنسانًا يهدئ نفسه من الانفعال الظاهري, وفي قلبه هو غير مقتنع بما حدث له, وإنما من أجل الفضيلة قد سكت، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ولكن يحدث أنه إذا تكررت الإساءة, يغضب ليس بسبب هذه الإساءة الجديدة, إنما بسبب القديمة أيضًا, لأنها لا تزال موجودة في قلبه كامنة ومترسبة, إنه حاول معالجة نتائج غضبه, ولكنه لم يعالج أسبابه, ولم يسمح للغضب بأن تنتج عنه حدة أو خصومة, أو محاولة لرد الشر بالشر, إنما أسباب الغضب ظلت باقية في أعماق نفسه تحتاج إلي تصريف.
† حاول أن تعالج الغضب بطول البال وسعة القلب, حيث لا تغضب بسرعة ولأتفه الأسباب.
إنك إذا ألقيت قطعة من الطين في كوب ماء, فإنها تعكره, أما لو ألقيت هذه القطعة من الطين في المحيط فإنه لا يتعكر, إنما يأخذ قطعة الطين ويفرشها في أعماقه بكل هدوء, ويقدم لك ماء رائقًا, كن إذن واسع القلب وحاول أن تغفر, وإذا ما حوربت بالغضب علي احد, فعليك أن تتذكر كَمْ مرة أخطأت إلي الله ولم يغضب عليك برغم كسرك لوصاياه, بل تذكر أيضا انك تكسر وصايا الله كثيرًا وتخطئ, وبعد ذلك تقف لكي تصلي إليه وتتحدث معه, وتطلب منه طلبات.. دون أن تعتذر إليه أو حتى تصالحه, إنني كلما أري غضب الناس وثورتهم, أزداد حبا لله, الذي يحتمل كل سيئاتنا ولا يغضب.
حقًا ما أعجب الله في احتماله, إنه يحتمل كل الأخطاء, لكل الناس وفي كل العصور.. علي الرغم من أنهم خليقته وعبيده.. بينما الناس لا يحتملون غلطة واحدة في حقهم من بشر مساوين لهم, أو ربما أعلى منهم مقامًا.
† لمعالجة الغضب يمكن للإنسان أن يدرب نفسه علي أمرين هما: عدم علو الصوت, وعدم حدة الصوت, حتى لا يتحول غضبه إلي صياح وعراك, فالصوت العالي عثرة, وهو يفضح الغضب الداخلي أمام الناس ويعلنه, ويظهر الشخص الغاضب كإنسان عاجز عن التحكم في أعصابه, وعاجز عن الهدوء أثناء نقاشه, وهذا أمر غير مشرف له من كل ناحية, وموضع لانتقاده مهما كان علي حق, وإذا اختلطت حِدة الصوت بعلوه تكون غير محتملة, وكذلك إن ارتبطت بملامح غضبه, انظر إلي وجهك في مرآة أثناء غضبك, فستجد أنه ليس من السهل احتمال ملامحك, لذلك تدرب علي هدوء الصوت والملامح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2ava42j