سنوات مع إيميلات الناس!
أسئلة روحية وعامة
يوجد نوعان من الغضب: أحدهما الغضب الخاطئ، الذي نعتبره خطية واضحة، أو مجموعة من الخطايا. على أنه يوجد غضب آخر سليم، لا عيب فيه. بل قد يكون غضبًا مقدسًا أو غضبًا واجبًا. وسنتحدث عنه الآن قبل أن نتكلم عن خطية الغضب.
وهو غضب لأسباب مقدسة من أجل الحق، ولا تدخل فيه الذات، ويكون بأسلوب سليم، وليس بعصبية أي ليس بنرفزة، ولا يكون بجهل، ولا بسرعة..
والكتاب المقدس يعطينا أمثلة من غضب الله، وغضب الرسل والأنبياء. كما يعطينا التاريخ أمثلة من غضب القديسين.
فينبغي أم يفرق الإنسان بين الحزم والنرفزة.. وكما يقول الكتاب: "اغضبوا ولا تخطئوا" (أفسس 26:4). مثل أن نغضب من أخطائنا الشخصية.. أي اغضبوا على أخطائكم وعلى طباعكم.
الغضب الباطل هو غضب لأسباب شخصية، أو لأمور مادية أو عالمية، وليس لسبب مقدس. والمظهر الثاني له أن هذا الغضب يتم بطريقة باطلة، يفقد فيها الإنسان أعصابه ويخطئ..
ومن الآيات التي تناولت هذه الخطية:
"قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل، ومَنْ قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل مَن يغضب على أخيه باطلًا، يكون مستوجب الحكم" (إنجيل متى 22،21:5).
"لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يعقوب 20:1).
"الرجل الغضوب يهيج الخصام، والرجل السخوط كثير المعاصي" (سفر أمثال 22:29).
"لا تسرع بروحك إلى الغضب. لأن الغضب يستقر في حضن الجهال" (الجامعة 9:7).
"لا تستصحب غضوبًا، ومع رجل ساخط لا تجيء" (الأمثال 24:22).
ليس الغضب مجرد خطية بسيطة، بل هو مجموعة من الخطايا مركبة معًا في أسبابها وتشعباتها ونتائجها.
1- خطية فيها الحدة والعصبية.
2- ومع الغضب يوجد عدم المغفرة.
3- ويحمل الغضب داخلة قسوة في القلب.
4- ولذلك يحمل الغضب أيضًا لونًا من البغضة.
5- وخطية الغضب تتنافى مع الوداعة واللطف.
6- وفي الغضب يفقد فضيلة التواضع أيضًا.
7- خطية الغضب ترتبط دائمًا بخطية إدانة الآخرين.
8- يقع الغضوب أحيانًا في خطية الظلم.
9- وفي غضبه قد يقع في الشتيمة والإهانة.
10- وقد يقع في كثير من خطايا اللسان.
11- وإذا ترسب الغضب في القلب يلد حقدًا.
12- والغضب هو ثورة تهدف إلى الانتقام.
13- والغضب يحمل داخله خطية أخرى هي عدم الاحتمال.
14- وقد يتحول الغضب إلى خصومة وإلى معارك.
15- وتدخل في خطية الغضب أيضًا خطية إعثار الآخرين.
16- ومع الغضب قد تكمن خطية التهور والاندفاع.
17- وفي الغضب فقدام للصورة الإلهية.
18- وقد يفقد الغضوب كثيرًا من علاقاته.
19- خطية الغضب أيضًا ضد فضيلة السلام.
20- وخطية الغضب أيضا ضد فضيلة الفرح، التي هي من ثمار الروح.
21- والغضب أيضًا مصحوب بالجهل.
إذن هي خطية مركبة.. والغريب أن مَنْ يخطئ في كل هذا، يجمعه في عبارة واحدة في اعترافه أمام الأب الكاهن. فيقول مجرد كلمة "غضبت" أو "وقعت في خطية الغضب"!
وهناك العديد من الأمثلة من الغضب القاسي، منها غضب قايين (التكوين 5:4)، وغضب شمعون ولاوي (تكوين 5:49)، وغضب عيسو على يعقوب، وغضب داود على نابال، وغضب شاول الملك على داود..
1- يعمي بصيرة النفس، ولا يجعلنا ننظر لأخطائنا الشخصية، ويفقد الإنسان الكرامة وتقدير الناس.
2- من نتائج الغضب خطايا كثيرة كما يقول الكتاب المقدس أن الرجل الغضوب كثير المعاصي (الأمثال 22:29).
3- والغضب من الناحية الطبية مضر.
4- ومن نتائج الغضب السيئة: العثرة وضياع السمعة.
5- إساءة العلاقات مع الآخرين.
وهناك العديد من الأنواع والدرجات للغضب، كما يوجد العديد من الأسباب المؤدية له.. ومن تلك الأسباب: الطبع – الذات والكرامة – أن الشخص يريد كل شيء حسب هواه – حب التسلط – عدم المحبة وعدم الاحترام – الإرهاق الجسدي والعصبي – الإلحاح – المشغولية – متاعب الذكاء – الغضب القبلي – أسباب نفسية – قلة الحكمة – حرب شيطانية – فقدان الاتضاع – أخطاء الآخرين – عدم الطاعة – أسباب مالية ومادية – دعوى الدفاع عن الحق – الغضب بحجة إصلاح الآخرين..
كل هذه الأسباب بها المزيد والمزيد من الشرح، ولكن ما نحاوله هنا في قسم الأسئلة بموقع الأنبا تكلا هيمانوت أن نقوم بعمل عرض سريع لمشكلة الغضب، والتركيز على أسباب العلاج.. وستجد أسفل هذا الكلام اسم المرجع الذي تستطيع قراءته للاستزادة والاستفادة الكاملة..
هناك وسائل كثيرة لتفادي الغضب، ولمقاومته، ولعلاجه بالكلية. ونذكر من بين هذه الوسائل:
قال القديس دوروثيؤس عبارة جميلة هي: "الإنسان المتواضع لا يُغضِب أحدًا، ولا يغضب من أحد". ذلك لأنه باستمرار يأتي بالملامة على نفسه في كل شيء، ولا يحسب أن أحدًا قد أساء إليه، بل أنه يرى كل ما يحدث له هو سبب خطاياه.. وإن كان ألا يسمح لنفسه بأن يلوم أحدًا، ولا في فكره، فبالتالي لا يغب على أحد..
المتواضع يطلب بركة كل أحد، وصلاة كل أحد.. لذلك هو لا يُغضب أحدًا، بل بالحري يطلب صلواته.
الإنسان الذي يلوم نفسه في كل ما يحدث له، لا يلوم غيره. وهكذا لا يجد سببًا للغضب.
فأنت تغضب لأنك تأتي باللوم على غيرك وتراه مستحقًا لغضبك. أما إذا وصلت إلى فضيلة لوم النفس، فإن الغضب يبعد عنك تلقائيًا، أقصد غضبك على الآخرين. لأنك إن كانت بارًا في عيني نفسك، يظهر لك جميع مَنْ اصطدموا بك مخطئين.
ولكن، إذا لم أخطئ حقًا، فكيف أفعل ذلك؟! فكر جيدًا ربما تجد السبب داخلك، إما بكلمة أو بفعل أو بنظرة.. أو قد تكون قد أسأت إلى ذلك الشخص مسبقًا، بطريقة أو بأخرى.. أو حتى ربما تكون قد أسأت إلى إنسان آخر، وعليك أن تحتمل من أجل ذلك.. أو ربما يكون السبب من أجل خطية أخرى ارتكبتها..
يرى الآباء أن المتكلم عنا بالسوء، ربما رأى فينا عيوبًا لا نراها نحن، فتحدث عنها، كاشفًا لنا أخطاءنا لنتفاداها. فالأولى بنا أن نشكره، بدلًا من الغضب عليه. إنه بمثابة مرآة روحية، أو هو بمثابة طبيب. كما أنه يعالجنا من البر الذاتي..
احفظ الآيات الخاصة بذم الغضب، ورددها، ولتكن موضع تأملاتك، وتذكرها كلما حوربت بالغضب. وسنذكر لك هنا أمثلة من هذه الآيات:
غضب الإنسان لا يصنع بر الله (يعقوب 20:1).
الغضب يستقر في حضن الجهال (جامعة 9:7).
ملعون غضبهما فإنه شديد، وسخطهما فإنه قاس (تكوين 46:49).
لا تستصحب غضوبًا، ومع رجل ساخط لا تجيء (أمثال 24:22).
الرجل الغضوب يهيج الخصام، السخوط كثير المعاصي (الأمثال 22:29).
الحكماء يصرفون الغضب (سفر الأمثال 8:29).
لينزع من بينكم كل مرارة وسخط (أف 4: 31).
الغضب قساوة.. (أمثال 4:27).
لا تتغاضبوا في الطريق (التكوين 24:45).
الحجر ثقيل، والرمل ثقيل، وغضب الجاهل أثقل منهما كليهما (الأمثال 3:27).
كذلك احفظ بعض الآيات الخاصة بالوداعة والهدوء ورددها.
الغضب هو حركة سريعة، تثار فتندفع. والإبطاء يمنعها. الإبطاء في الغضب يعطي فرصة للتحقق، ولتهدئة النفس من الداخل، والتحكم في الأعصاب وفي اللسان.
ولذلك يقول معلمنا يعقوب الرسول: "ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئا في الغضب. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (رسالة يعقوب 20،19:1).
ولهذا أيضًا يقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال: "تعقل الإنسان يبطئ غضبه" (أمثال 11:19).
فالإنسان العاقل لا يسلم نفسه بسرعة إلى انفعال الغضب، إنما يتناول الأمر بكل هدوء ورزانة وبموضوعية، ويدرسه، ويفكر في نتائجه، وفي أسلم الحلول لمعالجته. كما يتحقق هل الكلام الذي سمعه وأثاره هو حق أو باطل. وهكذا يكون بطيئًا في غضبه.
وقد قال الحكيم: "لا تسرع بروحك إلى الغضب، لأن الغضب يستقر في حضن الجهال" (جامعة 7:9). وبهذا رأى أن الإسراع في الغضب، يؤدي إلى جهالة. وهذا واقع عملي؛ فكثيرا ما نرى أشخاصًا يغضبون بسرعة، ثم يرجعون فيندمون على كل ما فعلوه، ويرونه اندفاعًا غير حكيم، ينقصه التروي والفحص.
إن لم تعرف كيف تتصرف: اسكت.
فالسكوت في حالة الغضب فضيلة. لأن تبادل الكلمات الشديدة، يشعل الغضب بالأكثر بين الطرفين. والكلمة الانفعالية التي هي نتيجة لإساءة سابقة، تصبح مبررًا لإهانة لاحقة. وتزيد الجو توترًا. على أن هناك وسيلة تصلح أحيانًا أكثر من السكوت، وهي الجواب اللين.
يقول الوحي الإلهي في سفر الأمثال: "الجواب اللين يصرف الغضب، والكلام الموجع يهيج السخط" (أمثال 1:15).
إذا احتدم الغضب، فإنه لا يُعالَج بالكلمات الموجعة، لأنه كما قال القديسون: "النار لا تطفئ نارًا، لكن يطفئها الماء". ولذلك فإن الكلمة اللطيفة قد تكون أقدر على إطفاء نار الغضب.
ربما يكون الكلام اللين، في كلمة فكاهة أحيانًا.
تُظهِر أنه لا غضب ولا بغضة في قلبك، وتبسط جوًا من المرح يزول فيه الغضب. وينطبق عليها قول الكتاب: "وللضحك وقت" (الجامعة 4:3). ولكن ليكن ذلك بروح مودة، لئلا ضحكك يثير الطرف الآخر أو يشعر أنك تتهكم عليه..
ربما لا يصلح أسلوب واحد للتهدئة مع جميع أنواع الغضوبين، ومع مختلف الحالات والأسباب:
فمع إنسان قد يصلح السكوت، إن كانت كل كلمة يمكن أن تثيره بالأكثر. ومع آخر ربما يثيره صمتك، ويحتاج إلى كلمة تهدئه.
والأمر يحتاج إلى حكمة: متى تتكلم؟ ومتى تصمت؟
وهنا نجد الحكيم يضع أمامنا تصرفين مختلفين تمامًا للتعامل مع نوعيات مختلفة من الناس فيقول: "لا تجاوب الجاهل حسب حماقته، لئلا تعدله أنت" (أمثال 4:26)، ثم يعود فيقول: "جاوب الجاهل حسب حماقته، لئلا يكون حكيمًا في عيني نفسه" (الأمثال 5:26).
إذن، حسب ظروف الحالة تتكلم أو تصمت، وكذلك حسب ما تتوقعه من نتائج (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). المسألة تتوقف على الحكمة والإفراز وتقدير الظروف.
انظر إلى الشخص الذي أمامك: ما الذي يريحه ويهدئه.
إن وجدت أن الاعتذار إليه يهدئ غضبه ويريحه، فلا مانع، اعتذر إليه. وإن رأيت أنه سيتخذ الاعتذار إثباتًا لإساءتك إليه، فتزيد ثورته من أجل كرامته، تكون الحكمة إذن في تبرير الموقف، وتوضيح تقديرك لكرامته.
ولعل من أهم هذه النتائج: هزيمة الإنسان من الداخل، وعثرته للناس في الخارج، وخسارته للآخرين، بل خسارته لصحته أيضا ولروحياته وأبديته، مع تعقد الأمور بالأزيد نتيجة لهذا الغضب.
في كل مرحلة تصل إليها في غضبك، احترس من أن تتمادى وتصل إلى ما هو أسوأ.
فإن دخل الغضب إلى فكرك، احترس من أيصل إلى قلبك، ويربك مشاعرك تجاه الآخرين. وإن وصل إلى قلبك احترس من أن يصل إلى ملامحك، فيكفهر وجهك وتظهر بأسلوب غير مشرف. وإن ساد الغضب على ملامحك، احترس من أن يسود على لسانك، فتتلفظ بألفاظ قاسية. وإن أدرك الغضب لسانك، اجعله يقف عند حد في أخطاء اللسان فهي متعددة. وإن سقطت في أخطاء اللسان، احترس من أن يصل غضبك إلى يدك، فتقع في الإيذاء والاعتداء. وإن وصلت إلى ذلك، احترس من القسوة بكل أنواعها..
ضع للغضب حدودًا في كل مرحلة، ولا تجعله يصل إلى مستوى الحقد والكراهية.
البعض يظن أن علاج الغضب يكون بالوحدة والهروب من المجتمع، وفي الواقع أن هذا نوع من الانطواء وليس الوحدة.
الوحدة يلجأ إليها إنسان ناجح في حياته الاجتماعية، يحب الناس ويحبونه. ولكنه يحب الوحدة بالأكثر لأنها تعطيه فرصة للتأمل والانشغال بالله والصلاة والقراءة. وليس لأنه عاجز عن التكيف مع المجتمع المحيط به، وليس كراهية للناس وتعقد القلب من جهتهم..
فالشخص الغضوب إن ذهب إلى الوحدة، يرافقه غضبه فيها! إذن يجب على الإنسان أن يهدئ قلبه من الداخل، وينقي قلبه من الغضب والغيظ. ولا ينفعه أن ينطوي على ذاته، وقلبه ساخط نافر مملوء بمشاعر خاطئة.
إن أحببنا الناس، أمكننا أن نحتملهم، لأن المحبة "تحتمل كل شيء" (رسالة كورنثوس الأولى 6:13). فإن كان فعل المحبة هو طول الروح، فهي غريبة عن الغضب. لأن الغضب يقيم البغضة والرجز، والمحبة تبطل الثلاثة.
يقول سفر الأمثال: "الهدية في الخفاء تفثأ الغضب" (أمثال 14:21). ولكن موضوع الهدايا هذا يحتاج إلى حكمة. لأنها في حالة قبولها يمكن أن تدل على محبة وتعالج الغضب. أما إن كان قلب إنسان مملوءًا بالسخط، فهناك احتمال أنه قد يرفض مثل هذه الهدية، فيسوء الوضع ويزداد الغضب. فيجب أن يكون مقدم الهدية حكيمًا، ويدرس الموضوع بروية.
أما مقابلة الإساءة بالإحسان، فإنها مبدأ روحي. كما يقول الكتاب: "لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير"، ويقول أيضًا: "إن جاع عدوك فأطعِمهُ، وإن عطش فاسقه" (رومية 21،20:12).
ويقول السيد في العظة على الجبل: "أحسنوا إلى مبغضيكم" (إنجيل متى 44:5). إن مثل هذا الإحسان يستطيع أن ينزع البغضة من القلب، وبالأولى الغضب.
وفي حالة غضبك من إنسان، ضع في قلبك قول الكتاب: "رابح النفوس حكيم" (سفر أمثال 30:11). وقل لنفسك: لماذا أخسر الناس؟! وهل هذه حكمة أن أخسرهم؟!
وهذه القاعدة وضعها السيد المسيح نفسه، وتعامل بها مع الكتبة والفريسيين الذين كانوا يقابلون تصرفاته بالغضب. فكان السيد يستخدم معهم طريقة الإقناع، ومناقشة الفكر.
ومن أجمل ما كُتِب عن هذا ما قاله الحكيم يشوع ابن سيراخ: "عَاتِبْ صَدِيقَكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ فَلاَ يَعُودُ يَفْعَلُ. عَاتِبْ صَدِيقَكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقُلْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ فَلاَ يُكَرِّرُ الْقَوْلَ. عَاتِبْ صَدِيقَكَ فَإِنَّ النَّمِيمَةَ كَثِيرَةٌ. وَلاَ تُصَدِّقْ كُلَّ كَلاَمٍ، فَرُبَّ زَالٍّ لَيْسَتْ زَلَّتُهُ مِنْ قَلْبِهِ" (سفر يشوع بن سيراخ 19: 13-16).
أما التصريف، فمعناه أنه قد صرف الغضب تمامًا من أعماق قلبه، ولم يعد في داخله أي شيء ضد أخيه. ولا يتم هذا إلا عن طريق المغفرة الكاملة، التي تنسى الإساءة، بل ربما تلتمس العذر للمسيء.. أو عن طريق التواضع العميق..
وعن تصريف الغضب، قال الرسول: "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب" (روميه 19:12)، [ستجد نص الكتاب المقدس كله هنا بموقع الأنبا تكلا] أي افسحوا له مكانًا ينصرف منه.. ولا تكتموه.. "أما الحكماء فيصرفون الغضب" (الأمثال 8:29).
أما الترسيب، فهو صفاء خارجي، مع وجود الغضب كامنًا في أعماق النفس، ثابتًا في الفكر!
مثال ذلك زجاجة دواء مكتوب عليها: "رج الزجاجة قبل الاستعمال"!! يكون فيها الدواء صافيًا ورائقًا من فوق، مع وجود مواد مترسبة في القاع. بحيث إذا رججت الزجاجة، يتعكر السائل الرائق كله، إذ يختلط بما رسب في القاع..
فيحدث لأحد تكررت الإساءة ضده، أن يغضب ليس بسبب هذه الإساءة الجديدة، إنما بسبب القديمة أيضًا!
الترسيب كثيرًا ما يؤثر على المحبة، وعلى نقاوة القلب. وقد يبعد سلبيات الغضب، بينما لا توجد له إيجابيات المحبة. وهو يجعل الآخرين لا يثقون فيك بعد ذلك..
1- فضيلة المغفرة: وفي ذلك يقول القديس أوغسطينوس: "فلا يستبقِ أحد ضد نفسه شيئًا، برفضه أن يغفر، لئلا يتبقى ذلك ضده عندما يصلي".
2- فضيلة الزهد: لأن الزاهد في العالم لا يجد سببًا يجعله يغضب. إنه قد ارتفع فوق مستوى الكرامة والحقوق، وارتفع فوق كل ما يتنازع حوله الناس في العالم.
3- فضيلة الرقة واللطف: "كونوا جميعًا متحدي الرأي بحس واحد، ذوي محبة أخوية، مشفقين لطفاء" (رسالة بطرس الأولى 8:3).
4- الصلح والسلام: على أن نسرع بالمصالحة، لأننا كلما تباطأنا فيها، تزداد الأمور تعقيدًا، ويتطور الأمر داخل القلب إلى أسوأ.
5- بالصلاة والترتيل: قال مار أوغريس: "إذا تحرك الغضب يمكن أن يهدأ بالمزامير والكرم والرحمة.. الغضب إذا هاج يخمده الترتيل وطول الأناة والرحمة".
6- طول البال وسعة القلب: بعض الناس صدرهم ضيق، يغضبون بسرعة، ولأتفه الأسباب. أما أنت فكن واسع الصدر وطويل البال.
إننا عندما نغضب حينما يسيء الناس إلينا، لا تكون راسخة فينا الأمثولة التي تركها الله أمامنا: إذ يسيء الناس إليه بكل أنواع الإساءات، ويكسرون كل وصاياه، ويغضبون عليه أحيانًا ويجدفون، ومع ذلك فهو يغفر، ولا يرد عليهم بنتيجة أخطائهم..
فإن حوربنا بالغضب على أحد، فلنتذكر كم مرة أخطأنا إلى الله، ولم يغضب علينا..! ولنتعلم من الله: الصبر، والاحتمال، والمغفرة، وعدم الغضب، وعدم المعاملة بالمثل، وعدم المجازاة عن كل خطأ..
يمكن للإنسان أن يدرب نفسه على أمرين، هما: درجة علو الصوت، وحدة الصوت. حتى لا يتحول غضبه إلى صياح وعراك.
بعلو الصوت تريد أن تغلب بأعصابك، لا بإقناعك! أما الإنسان القوي في رأيه، الواثق بأدلته وبراهينه وإقناعه، فإنه لا يحتاج مطلقًا إلى علو الصوت. ولا يشعر في داخله بضعف أو نقص يحاول تعويضه بالصوت العالي.
1- درب نفسك على عدم الغضب. ولا تتسبب في إغضاب غيرك.
2- ابعد عن أسباب الإثارة على قدر ما تستطيع. ولا تضخم من قدر الأسباب، ولا تأخذ الأمور بتأزم.
3- إن وجدت نارًا، فلا تنفخ فيها، ولا تضع عليها وقودًا.
4- عاشر الودعاء، لكي تتعلم منهم الهدوء وضبط النفس، وعدم الغضب مهما كانت المثيرات، مع أخذ الأمور ببساطة.
5- لا تتفاهم مع الناس وأنت مرهق جسديًا أو غير محتمل، أو وأنت متعب نفسيًا أو عصبيًا.
6- تخير الوقت الصالح للمناقشة. ولا تناقش أحدًا وهو مرهق، أو مشغول، أو وهو غير مستعد للحديث معك.
7- لا تضغط على الآخرين، ولا تتعب أعصابهم بالإلحاح.
8- بروح المحبة، فكر في راحة مَنْ يبغضك، وليس في راحة نفسك، ولو كنت صاحب حق.
9- لا تكن سريعًا في غضبك. بل حاول أن تفهم غيرك. فكثيرًا ما يكون الغضوب متسرعًا وأهوج، يحكم قبل أن يفهم.
10- هناك مثيرون كثيرون، همهم أن يعكروا الأجواء الصافية، فلا تصدق كل ما يقولون، ولا تنفعل بسرعة وبدون تحقيق.
11- ضع في نفسك أن الغضب لا يحل مشاكلك بل يعقدها.
12- لا تظن أن الرجولة والشجاعة هي أن تقيم الدنيا وتقعدها. فالاحتمال دليل القوة. والنرفزة مظهر للضعف والعثرة.
13- تدرب على البشاشة، وعلى هدوء الملامح والصوت والحركات.
14- لا تنتظر من الناس مثاليات، إن لم تجدها تغضب. بل عش في الواقع، وتعامل مع كل أحد حسب طباعه.
15- لا تحاسب كل إنسان حسابًا عسيرًا عن كل لفظ وكل تصرف. ولا تؤوَّل كلامه بسوء ظن إلى معان تتعبك.
16- اترك الحساسية الزائدة نحو كرامتك وحقوقك، التي تجعلك تغضب لأقل سبب، فتفقد صداقة وعشرة الناس.
17- لا تقم نفسك معلمًا لغيرك، ولا رقيبًا على تصرفات الناس. ولا تكن كثير الانتقاد والتوبيخ والتوجيه.
18- لا تكن شديدًا في عتابك بحيث تخسر أحباءك.
19- إن وقعت في الغضب، حاول أن تتخلص منه في بدايته، ولا تجعله يتطور معك إلى ما هو أسوأ.
20- راقب الأخطاء التي تقع فيها أثناء غضبك. ودرب نفسك على التخلص منها. وكما تعالج نتائج غضبك، عالج أسبابه.
21- ليست كل صراحة ممدوحة. فكثيرون لا يحتملون أن تكشف أخطاءهم بصراحتك. الصراحة يجب أن تمتزج بالحكمة والمحبة واللطف.
22- لا تحاول إرغام الناس على قبول رأيك أو إتباع مبادئك. ولا تنظر أن تسير كل الأمور حسب هواك.
23- ابعد عن التدخل في خصوصيات الناس. ولا تحاول أن تسأل إنسانًا عن أسراره الخاصة أو أسرار غيره.
24- إن ثار عليك أحد، فلا تقابل ثورته بثورة. بل اعمل على تهدئته بقدر طاقتك وكن مسالمًا في معاملاتك.
المرجع: كتاب: الغضب – من سلسلة الحروب الروحية (3) - قداسة البابا شنوده الثالث
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bh3qk6g