العدالة الاجتماعية هي من أسمي القيم التي يحرص عليها العالم المتحضر، بل كانت موجودة منذ بداية الخليقة, وقد نادي بها الأنبياء والرسل والمصلحون والمفكرون الأحرار في تفكيرهم، وينادي بها رجال الدين علي اختلاف مذاهبهم.
والعدالة الاجتماعية تنادي بالمساواة وعدم التمايز.. علي أننا سنناقش هذه النقطة أيضًا، فأول من ينادي بالتمايز والتفريق هم اليهود الذين قالوا بفكرة شعب الله المختار أما باقي الشعوب الأخرى فكانوا يدعونهم الأمم Gentiles أي الأجناس الأخرى علي أن عبارة شعب الله أصبحت الآن تعني كل من يؤمن بالله في أرجاء المسكونة كلها.
علي أن هناك تفريقًا آخرًا في علم Anthropology (أي علم الإنسان) الذي يضع الجنس الأبيض Nordics فوق باقي الأجناس وفي قمته الجنس الآري، وهكذا يفرق بين شعوب الشمال والجنوب بصفة عامة في أصلها.
ومن جهة العدالة الاجتماعية، فنحن نشكر الله علي انه قد انقضي زمن الرِق؛ حيث كان الإنسان يستعبد أخاه الإنسان أو يشتريه ويتخذه له عبدًا ويتصرف فيه كما يشاء، وان شاء أن يبيعه لغيره أو حتى أن يقتله فمن حقه ذلك! وهكذا كانت معروفة عبارة العبد والسيد.. ولا ننسي في هذا المجال أن يوسف الصديق بِيع كعبد!
ومع أن الرق قد زال إلا أننا للأسف الشديد نري بعض الكبار يعاملون الذين تحت أيديهم كعبيد بينما الكل ينادون: قد خلقنا الله أحرارًا فلا يستعبدنا أحد!
من جهة العدالة الاجتماعية نتكلم أيضا في موضوع الاقتصاد والمال: إن الله حينما خلق الأرض أوجد فيها من الخير ما يكفي لسكانها جميعا ومازالت خيرات الله قائمة لا تنضب ولكن المشكلة القائمة باستمرار هي في سوء التوزيع وهذا الأمر له جوانبه العديدة منها ما يختص بالأفراد ومنها ما يختص بالمجتمع كله.
ومن المعروف أن الحياة الاشتراكية تهدف إلى إزالة الفوارق الاجتماعية أو التقريب بين الناس فلا تزيد الهوة في المستويات بين أفراد الشعب الواحد.
علي إننا يجب أن نميز بين الشخص الذكي صاحب المواهب الذي يستطيع أن ينمي رزقه وان دخل في مشروع ينجح فيه وبين شخص غيره لا ذكاء له ولا نشاط وهو الذي يتسبب في فقره وليس من العدالة الاجتماعية المساواة بين ذكي وغبي أو بين نشيط وخامل وبين صاحب مواهب ومن لا مواهب له! إنما كل واحد ينال من الأجر حسب قدرته علي العمل والإنتاج.
إذن لابد أن توجد في المجتمع طبقات ولكننا لا نريد أن تكون الهوة واسعة بين اعلي الطبقات وأدناها بحيث تختفي الطبقة الوسطي ويتكون المجتمع من كبار الأغنياء وأدني الفقراء!
وفي كل ذلك لا يعقل إطلاقًا أن يكون الجميع في مستوي واحد وإلا فلماذا إذن أن يتعب من يتعب ويجاهد من يجاهد وإلا أيضًا ستزول الحوافز الداخلية ويشعر المرء انه تعب أو لم يتعب فالأمر سيان!
علي أننا في وجوب العدالة الاجتماعية نتحدث عن الفقير رغم انفه الذي يريد أن يعمل ولا تتاح له فرصة للعمل أو الذي يكافح حتى ينتهي من دراسته الجامعية ثم يصطدم بمشكلة البطالة حقا لا نقول أن هذا ذنبه إنما هي خطيئة المجتمع الذي لا يوجد له عملا ولا رزقا.
ثم هناك أيضًا مشكلة الذين يريدون أن يتعلموا والفرصة لا تتاح لهم كثيرا لأن عبارة مجانية التعليم التي نادت به الدولة قديما أصبحت لا توجد في الواقع العملي وضاعت عبارة الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي حينما قال وهو وزير للتعليم إن العلم لازم كالماء والهواء.
حقا ماذا يفعل الإنسان العادي أمام مشكلة المصروفات المدرسية التي ترهقه في تعليم أبنائه ومشكلة الدروس الخصوصية أو المجموعات وبوجه خاص في مدارس اللغات؟!
بالإضافة إلى ذلك كله أن مشكلة أطفال الشوارع هي عار في جبين العدالة الاجتماعية ومعها النسبة الكبرى ممن صنفوا بأنهم تحت مستوي الفقر ويدخل معهم كثيرون من سكان النجوع الذين لا يجدون ضروريات الحياة من جميع نواحيها.
إن الدولة مسئولة أمام الله والناس علي رعاية كل الشعب من جهة المأكل والمشرب والملبس وان تكفل لهم حياة لا يشعرون فيها بالعوز ومذلة الاحتياج، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وهنا نتعرض لمشكلة غلاء الأسعار وعدم كفاية مستوي الأجور لتغطيتها ومعروف ثمن الطعام هو نفس ثمنه بالنسبة للفقير والغني من يأتي الفقير بطعامه وطعام أولاده؟!
كذلك فإن مبدأ تكافؤ الفرص هو من أهم مبادئ العدالة الاجتماعية وهو بلا شك يتنافي مع ما يحدث في المجتمع من المحاباة والمحسوبية والتمييز وعدم المساواة في التوظيف وفي الترقية ولكنها تدخل تحت موضوع الظلم الاجتماعي الذي لا تقره العدالة الاجتماعية.
وهنا ندخل في موضوع الاشتراكية وما معناها هل تعني اشتراكنا معا في كل الحقوق السياسية وفي كل الحقوق الاجتماعية واشتراكنا في خير هذا الوطن وفي مصيره؟ أم أن عبارة الاشتراكية أصبحت بلا مفهوم واضح وأيضًا العلاج علي نفقة الدولة فكثير من أفراد الشعب حاليا ليست لهم قدرة علي مواجهة بعض الأمراض سواء من جهة تكاليف العلاج أو ثمن الأدوية وكل هذا ضد العدالة الاجتماعية.
إننا نشجع ما تفعله الجمعيات الخيرية والهيئات التعاونية وما تقوم به الملاجئ ودور الإيواء وجمعيات الإسعاف وأيضًا ما تقوم به الأيدي السخية في العطاء كل أولئك لمساعدة الدولة فيما تعمله من جهة ورفع الأجور وما تنوي أن تعمله كلما أتيحت لها إمكانات أكثر ونصلي من أجل أن تسود العدالة الاجتماعية في كل موضع حتى تصبح عدالة كاملة شاملة بقدر المستطاع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/773ps4a