إن مشكلة البطالة هي من أخطر المشاكل التي تُعاني منها بلادنا، ويُقاسي بسببها شبابنا. إذ يبذل الشاب قصارى جهده في الدراسة، بما تحمل من تعب ومن نفقات مالية. ثم يجد نفسه بعد التخرُّج عاطلًا لا عمل له، ولا يزال يعتمد في مصروفاته الخاصة على والديه!! فيُصاب بالإحباط، وتتعب نفسيته ونفسية أسرته معه...
ونتيجة لهذه البطالة يتأخَّر سن الزواج بالنسبة إلى الشباب. فكيف يتزوج إنسان ليس له إيراد أو مصدر رزق ينفق منه على أسرة؟! كيف يقتني له سكنًا وما يحتاجه المسكن من مفروشات؟! وكيف يدفع نفقات الزواج؟!.. وإن كان الشاب يمكنه أن يحتمل التأخُّر في سن زواجه، فإنَّ الفتاة إن تأخَّر بها السن وكبرت، يقل الإقبال عليها...
وبتأخُّر سن الزواج، يتعرَّض المجتمع إلى مشكلة أخرى أشد خطورة، وهى الفساد الخلقي. وهذا ما رأيناه قد انتشر بشكل مُقلق. وأحيانًا يحاول الفساد الخلقي أن يتخفَّى وراء مُسميات زائفة مثل الزواج العُرفي وهو لون من الزنى، في علاقات بغير بيت، ولا صلة شرعية، ولا مسئولية عمَّا قد ينتجه من نسل أو من عمليات إجهاض... إلى جوار أنواع أخرى من مُسمَّيات الزواج لتغطية ذلك الضياع...
ومن نتائج البطالة أيضًا وما تحمل من إحباط، لجوء بعض الشباب إلى المخدرات بأنواعها، أو إلى وسائل من اللهو الرخيص، هروبًا أو محاولات هروب، مِمَّا هم فيه من ضيق... وفي نفس الوقت، إذ لا يجدون المال الذي يلزم للإنفاق على المخدرات واللهو، يلجأون إلى أساليب خاطئة في الحصول على هذا المال...
وطبعًا قد يصحب كل هذا، شعور من السخط على المجتمع وعلى الدولة التي تتركهم في هذا الضياع بلا حلول! هذا السخط قد يكون على الأقل عند بعض من الشباب...
وهذا كله قد تستغله بعض الهيئات التي تقف ضد الدولة والنظام الحاكم، لكي تثير المشاعر، وتحاول جاهدة أن تعبّئ نفوس الشباب في اتجاه مُعارض...
ولعله من نتائج البطالة أيضًا تفكير كثير من الشباب في الهجرة بحثًا وراء الرزق، دون أن يدرسوا ما ينتظرهم من تلك الهجرة. وأمام هذا التفكير ظهر بعض سماسرة الهجرة غير الشرعية، الذين قادوا الشباب في رحلات غير مضمونة، كان من نتائجها غرق الكثيرين دون أن يصلوا إلى غايتهم. وتعرّض بعض الشباب إلى عمليات نصب بِاسم الهجرة!
ورُبَّما بسبب البطالة، قد ظهر سؤال على لسان الكثيرين: هل التعليم هو لمُجرَّد الثقافة فقط، ولا علاقة له بمصادر الرزق؟! وهل الثقافة وحدها تكفي بدون رزق؟! وإن كان لابد عمليًا من ارتباط الأمرين معًا، فكيف يمكن تفعيل الثقافة لتكون أيضًا مصدرًا للرزق كم هي مصدر للمعرفة؟
أمَّا عن علاج مشكلة البطالة، فإنه يلزم لذلك مؤتمر أو اجتماع يضم كافة التخصصات من رجال الدولة، ورجال العِلم والاجتماع والاقتصاد والعمل، ومن كبار المفكرين لكي يدرسوا كيف يمكن أن يوجدوا عملًا لملايين العاطلين؟ وما هي المشروعات النافعة؟ وماذا تكون مصادر التمويل؟
أمَّا نحن فنُقدِّم بعض اقتراحات لتكون موضع دراسة:
أوَّلها أهمية التدريب المهني في مناهج التعليم الصناعي الثانوي وفي الكليات الجامعية التي لها علاقة بالصناعة والعمل. على أن يكون التدريب لمهن يحتاج إليها المجتمع، وتكون لصناعات يحتاج إليها السوق. ذلك لأنَّ مُجرَّد التعليم النظري لا يكفي...
ونلاحظ أن بعض الشركات والمصانع تقوم أحيانًا بتدريب أشخاص ليتولوا العمل مباشرة في تلك المصانع عند استكمال تدريبهم.
نقترح أيضًا أن تهتم الدولة بإيجاد مشروعات صغيرة للشباب تموّلها الدولة، بحيث لا تمنحهم المال لذلك، إنَّما تُقدِّم لهم المعدات والآلات وتُدرِّبهم على استخدامها. على أن تكون تلك المشروعات الصغيرة لازمة للمجتمع، وإنتاجها يجد تسويقًا متاحًا. وهذا الأمر يلزمه دراسة السوق، وإنتاج ما يلزم السوق...
تعويد شبابنا أن يعملوا ليجدوا رزقًا. ولا يشتهون الوظائف الجاهزة والجلوس على المكاتب. وإقناعهم بأن رجال الأعمال يحصلون على رزق أوفر من الموظفين محدودي الدخل.
كذلك يلزم أيضًا أن تكوِّن الدولة علاقات مع البلاد المحتاجة إلى عمالة. بحيث تتفق معهم على تقديم ما يحتاجون إليه من عمال يتم إعدادهم لهم ليقوموا بالغرض الذي سيقومون به هناك...
وهنا تحتاج بلادنا إلى إعداد العمال المؤهلين لعصر قد انتشرت فيه التكنولوﭽيا والآلات الحديثة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ومثل هؤلاء العمال هم الذين يمكنهم العمل مع المستثمرين الذين يحضرون إلى بلادنا، كما يمكنهم أيضًا السفر للعمل في الخارج.
نقترح أيضًا تكوين مجموعات كبيرة للعمل في مجال الأسماك التي توجد بكثرة وراء السدّ العالي، من جهة صيدها وإرسالها في ثلاجات -عبر النيل- إلى باقي المحافظات، أو تعليبها لكي تُصدَّر إلى الخارج، مع ما تحتاجه عمليات التعليب من عمالة, وهذا طبعًا يناسبه أن نعوِّد شبابنا على عدم التمركز حول المدن والعواصم، ولا مانع من السفر إلى أماكن بعيدة كالسدّ العالي.
محاولة إيجاد عمل لأطفال الشوارع، إنقاذًا لهم من الضياع، واستفادة بهم في ما يناسبهم من عمل.
كذلك يمكن إيجاد أعمال لسكان الريف وللمرأة الريفية، مثل المناحل، وتربية الدواجن والأغنام والبهائم، وكافة أنواع الأغذية وصناعات الألبان، والتدبير المنزلي، وعرض كل ذلك أيضًا لتسويقه. مع تزويد النساء ببعض ماكينات الخياطة لصناعة ما يلزمهم من ملابس وما يلزم غيرهم...
أحب في موضوع البطالة أن نأخذ مثالًا من دولة الصين التي يزيد عدد سكانها عن المليار. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تجد عملًا لكل أولئك، كما تجد تسويقًا لإنتاجهم. وبالإضافة إلى تشغيل هذا العدد الضخم، تتمتع البلاد بنهضة صناعية.
وأخيرًا فإن موضوع البطالة يتعلَّق أيضًا بالزيادة الهائلة في النسل عامًا بعد عام. ولاشك أن الانضباط في موضوع النسل سيحل كثيرًا من مشكلة البطالة.
وللموضوع بقية..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/626yr8y