الصلاح هو حياة البِرّ والفضيلة، وهو حياة الروح المنتصرة على شهوات المادة وشهوات الجسد. وصلاح الإنسان ينتُج من عمل اللَّه فيه عن طريق النعمة والمعونة، وأيضًا من استجابة الإنسان للعمل الإلهي.
** والصلاح يكون على نوعين: صلاح سلبي، صلاح إيجابي. والصلاح السلبي هو البُعد عن الخطايا. كما يرد في الوصايا: لا تقتل، لا تزنِ لا تسرق... الخ. أمَّا الصلاح الإيجابي فتُمثِّله الوداعة والنقاوة والرحمة ومحبة اللَّه ومحبة الناس. والمطلوب من الإنسان أن يسلُك في نوعى الصلاح كليهما. فيبتعد عن الخطايا، ويسلك في كل الفضائل الإيجابية. والإنسان الذي يسلك في كمال الصلاح، يشمئز من الخطية وينفر منها. فإن قلَّ صلاحه، يكون بينه وبين الخطية أخذ ورد. أمَّا إن فقد الصلاح تمامًا، فإنه يلتذ بالخطية، ويستسلم لها، بل قد يسعى إليها.
** والذي يصل إلى حياة الصلاح، يأتي عليه الوقت الذي فيه لا يستطيع أن يخطئ. ومِثال ذلك أنه لا يستطيع أن يلفظ بكلمة نابية، ولا يستطيع أن يكذب بل يحتقر نفسه إن فعل ذلك، وهو أيضًا لا يستطيع أن يقوم بأي عمل غير مُهذَّب... وبالتالي كُلَّما نما في الصلاح، يجد أنه عمومًا لا يستطيع أن يرتكب أيَّة خطية أيًّا كان نوعها.
** هناك عيب من جهة السلوك في الصلاح أن يحكم الإنسان على بعض الخطايا بأنها خطايا بسيطة!! فتكون النتيجة أنه يتساهل معها إذ لا يدرك خطورة ذلك! فالخطية هي الخطية سواء حكم الشخص عليها بأنها بسيطة أو كبيرة. فمع أنه توجد خطية أبشع من خطية. ولكن كل منهما يتنافى مع الصلاح. فالإنسان الصالح لا يرتكب هذه ولا تِلك. بل في حياته الروحية يسلك بتدقيق. ولكي يسلك بتدقيق ينبغي أن يحيا في حياة الروح من جهة الرغبة أو العمل.
** هل الإنسان الصالح يدخل في صراع مع الخطية؟ نعم، المفروض فيه أن يُقاوِم الخطية حتى الندم مُجاهدًا ضدها. إذن فالصراع مع الخطية أمر صالح يقود إلى الصلاح إذا انتصر الإنسان عليها.
على أننا ينبغي أن نُفرِّق بين نوعين من الصراع ضد الخطية: صراع ضد الخطية التي تُحارِب الإنسان من الخارج. وهذا يحدث حتى للقديسين، نتيجة لحسد الشيطان وحروبه. وهو صراع لا يتنافى مع الصلاح، بل إنه يدل على بِرّ الإنسان وعدم قبوله للخطية التي تُحاربه. فالمُهم أنه لا يستسلِم لها بل يقاومها بكل قدرته مُجاهدًا ضد الخطية. والنوع الثاني من الصراع أن يُصارِع الإنسان ضد خطية تأتيه من داخله، من قلبه، أو من فكره أو من مشاعره. وهذا يدل على أن الداخل لم يصل بعد إلى النقاوة أو إلى الصلاح. بل أنه يُجاهد لكي يصل إليه. إنه صراع صالح من قلب يريد أن يكون صالحًا.
إن الخطية بشعة. الأبرار يشمئزون منها. لذلك يحترص الخاطئ من ارتكابها أمام الناس الصالحين الذين يشمئزون منها إن ارتكبها أمامهم. لذلك يرتكبها في الظلام في الخفاء.
** إن كان الصالحون يشمئزون من الخطية، فكم بالأكثر الملائكة! لذلك حينما يرتكب إنسان خطية، فكأنما يطرد الملائكة من حوله. فالملاك الحارس لك يحاول أن يصدك عن عمل الخطية. فإن أصررت عليها، يبتعد عنك. وحينئذ ينفرد بك عدو الخير لكي يكمل طريقك معه. فإن كانت الخطية بشعة هكذا أمام الأبرار وأمام الملائكة، فكم بالأكثر تكون بشعة أمام اللَّه الكلى القداسة!!
** لذلك من بشاعة الخطية، أننا نرتكبها أمام اللَّه. سواء أمام اللَّه الذي يرانا ونحن نخطئ. أو أمام اللَّه الذي يفحص أفكارنا ونحن نخطئ أو يعرف مشاعر قلوبنا إذا أخطأنا. والخطية أيضًا هي عصيان للَّه وكسر لوصاياه، وبها نُحزِن السماء والملائكة. ولهذا كله فقطعًا أن الإنسان -أثناء ارتكابه للخطية- يكون قد نسى تمامًا أنه أمام اللَّه الذي يراه. ولهذا قال داود النبي عن هؤلاء الخطاة أنهم لم يجعلوا اللَّه أمامهم. هؤلاء فعلوا الشر أمام اللَّه، ولم يدركوا أنهم يفعلون ذلك أمامه. أمَّا الإنسان الصالح فإنه يشعر باستمرار أنه أمام اللَّه فيخاف أن يخطئ قدامه. لذلك فإن الذي يقول: "إني أعترف بخطاياي أمام اللَّه مُباشرة"! هذا قد نسى أنه ارتكب تلك الخطايا أمام اللَّه ولم يخجل! إنه محتاج أن يعترف بها أمام مَن يخجل منه فلا يعود إلى ارتكابها.
** هناك أشخاص يفقدون صلاحهم لأنهم يستغلون طيبة اللَّه ومراحمه بطريقة خاطئة. إن طيبة اللَّه ومراحمه ينبغي أن يوضع أمامها صلاح اللَّه وقداسة اللَّه ودعوته لنا إلى حياة القداسة والبِرّ. فإن طيبة اللَّه وطول أناته علينا وإمهاله لنا إنما لكي يقودنا كل ذلك إلى التوبة. فإن لم نتُب نتعرض لحكم اللَّه علينا.
** إن اللَّه تبارك اسمه، من أجل محبته للصلاح وقيادتنا إليه، وضع أمامنا إمكانيات كثيرة تقودنا إلى الصلاح، منها: إنه خلقنا من الأصل بطبيعة نقية جدًا، بعيدة عن الشر، في عقل وفهم وفكر. فلمَّا سقط الإنسان وفقد نقاوته الأولى، وضع اللَّه فيه الضمير الذي هو صوت من الله فينا: يحكم ويُشرِّع، يوبِّخ ويؤنب، ويقود إلى الخير، ويمنعنا من الخطأ، ويكون مرشدًا لنا إلى الصلاح، ورادعًا عن الشر هذا إذا أطاع الإنسان ضميره... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). أما إذا خالف الضمير، فإنه يلقى منه توبيخًا مُرًّا.
** ومن أجل قيادتنا إلى الصلاح أرسل اللَّه لنا الأنبياء ووضع أمامنا الوصايا لكي تقودنا إلى الخير، إن كُنَّا باستمرار نتذكرها ونعمل بها. كما وهبنا أيضًا الرعاة والمُرشدين يضعون أمامنا وسائل الصلاح، ويمنعوننا عن أي طريق يخالفهما.
ومن أجل قيادتنا إلى الصلاح أرسل لنا اللَّه النعمة التي تُساعدنا على عمل الخير وتعيننا عليه. وهذه النعمة لا تقودنا فقط إلى صلاح أنفسنا، إنما تُساعدنا أيضًا في عملنا من أجل صلاح الآخرين.
ومن أجل قيادتنا إلى الصلاح أوجد اللَّه العقوبة. حتى نخاف من نتائج الخطية سواء على الأرض أو من جهة مصيرنا في السماء. ولقيادتنا إلى الصلاح قدَّم لنا اللَّه وعودًا جميلة لكل مَن يعمل الخير. إننا نشكر اللَّه الذي لم ينهى حياتنا ونحن في ساعة غفلة سالكين في الخطية. إنما سمح لنا أن نحيا حتى هذا اليوم مُعطيًا إيانًا فرصة أن نصلح أنفسنًا، ونسلك حسب مشيئته، في صلاح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/wk2p44v