St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   20-Makalat  >   2-Ahram
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام - مقال يوم الأحد 9-8-2009

الفضيلة هي وضع متوسط بين ضدين

 

قال بعض الحكماء في تعريف الفضيلة: إن الفضيلة هي وضع متوسط بين الإفراط والتفريط. أي التوسط بين الإفراط في الزيادة، والتفريط أي النقص. أي أن يسلك الإنسان بميزان من الاعتدال. لا يُبالغ حتى يصل إلى التطرف. ولا يتهاون فيصل إلى الإهمال. فالمبالغة مرفوضة سواء كانت سلبًا أو إيجابًا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

فما هو إذن ميزان الفضيلة في التَّدين مثلًا؟

التدين هو الوضع المتوسط بين المُغالاة إيجابًا إلى حد التطرف، والمُغالاة سلبًا إلى مستوى الاستهتار. أي هي الوضع المتوسط بين التشدد في تطبيق الدين إلى درجة التَّزمُّت، أو المبالغة في التساهل إلى درجة الاستباحة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ومن جهة التعامل مع الناس، ما أجمل المثل المصري القديم: "لا تكن لينًا فتُعصر، ولا يابسًا فتُكسر". فهُنا الفضيلة تكون في الوضع المتوسط المعتدل، حيث لا يكون الإنسان مُتساهلًا في حقوقه حتى يدوس الغير عليه في امتهان ولا مُبالاة. كما لا يكون عنيفًا في تعامله مع الآخرين، حتى يصبح موضع انتقامهم بسبب شدة تعامله. وأتذكَّر أنني في شبابي أُتيحت لي فرصة لرثاء أحد كبار أستاذتنا الأفاضل، وقلت في بعض أبيات من الشعر:

يا قويًا ليس في طبعه عنفُ        ووديعًا ليس في ذاته ضعفُ

يا حكيمًا أدب الناس وفى        زجره حب وفي صوته عطفُ

لك أسلوب نزيه طاهر        ولسان أبيض الألفاظ عفُّ

St-Takla.org Image: Balance, rat clipart صورة في موقع الأنبا تكلا: كليب ارت فأر، فأرة، توازن

St-Takla.org Image: Balance, rat clipart

صورة في موقع الأنبا تكلا: كليب ارت فأر، فأرة، توازن

وهكذا توجد حدود للفضيلة. فلا يُبالغ فيها حتى تبدو الوداعة وكأنها لون من ضعف الشخصية. كما لا يُبالغ في الحزم حتى لا يتحول إلى عنف... وبهذا توضع قاعدة للتربية يسلك فيها الآباء نحو أبنائهم: بحيث يشعر الابن بحُب أبيه وعطفه، وفي نفس الوقت بكرامة أبيه وهيبته. كما أن الأب في معاملته لابنه، يحنو عليه بغير تدليل، ويؤدِّب بغير قسوة. لا يهمل التأديب بسبب الحُب. ولا ينسى الحب بينما يؤدِّب.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نفس الوضع بين الاحترام والدالة: ففي علاقة كل شخص برئيسه أو ولى أمره: عليه أن يحترم رئيسه في غير خوف. وإن عامله رئيسه بدالة، لا يستغل الدالة ويفرط في ما يليق رئيسه من هيبته وتوقير... ومن جهة الصغار عليهم أن يطيعوا الكبار، ولكن ليس بشعور العبودية، أو بفقد شخصياتهم... إنما يجمعون بين طاعة الرؤساء وطاعة ضمائرهم. وهنا لا نوافق على عبارة الطاعة العمياء، بل تكون بحكمة وتبصر.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الحرية أيضًا هي وضع متوسط بين الكبت والتَّسيُّب. فلا تكون إجبارًا يولد كبتًا ويفقد فيه الشخص إنسانيته وإرادته وكأنه يسير رغم أنفه. ومن الناحية الأخرى لا تطبق الحرية بلا ضابط حتى تصل إلى التَّسيُّب، حيث لا يوجد رادع على الأخطاء. لأننا نرى الوضع الأمثل في الحرية المنضبطة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

كذلك أيضًا الوضع المتوسط بين الصمت والكلام. فلا يبالغ الإنسان في الكلام حتى يصل إلى الثرثرة أو التحدث في ما لا يليق، أو فيما لا يخصه، أو ما ليس في معرفته. ولا يكثر الكلام حتى يمل سامعوه. بل يحرص أن ينطبق عليه قول الحكيم: "ليتكم تصمتون صمتًا فيصير صمتكم لكم حكمة". ومن الناحية الأخرى لا يبالغ الإنسان في الصمت حين يجب الكلام، بل يتكلَّم حين يحسن الكلام، وهكذا يحفظ التوازن بين كلامه وصمته.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نطبق نفس القاعدة في معنى الشجاعة وفي استخدامها: الشجاعة لازمة في الدفاع عن الحق، وفي نصرة المظلوم، وفي رفض الظلم والاستبداد. ولكن لها حدودًا فلا يجوز أن تصل إلى التهور واللامُبالاة. كما لا تكون بأسلوب من الطيش والاندفاع وعدم التَّروي. ولا يكون الدافع إليها أسباب خاطئة. إن الشجاعة فضيلة إذا مورست في حكمة وبأسلوب سليم. كذلك عدم الشجاعة خطيئة.

وبنفس المنطق نتكلَّم عن مفهوم القوة واستخدامها. حيث لا يجوز أن تتطوَّر إلى العنف أو البطش أو الاعتداء على الغير. بينما يحسن أن يكون الإنسان قوي الشخصية وقوي الإقناع. وفي نفس الوقت يكون بعيدًا عن التجبُّر وتهديد الآخرين. وأيضًا بعيدًا عن ضعف الشخصية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هذا التوازن ينبغي أن يكون أيضًا في النقد كما في المديح: النقد ليس معناه مجرد ذكر المساوئ، مع تجاهل الفضائل إنما هو إظهار الحق. وفي مجال النقد ليس للإنسان أن يُجرح الآخرين أو يحط من كرامتهم. فللنقد حدود: لا يسكت الإنسان على الخطأ إن كان من حقه أن يظهره. كما لا يُشهِّر بغيره فهذا ليس من حقه.

نفس الوضع بالنسبة إلى المديح: هو فضيلة إن كان يعبر عن تقديره واحترام لصفات تستحق ذلك. ولكن لا يجوز أن يصل إلى التملق أو النفاق. فيكون المديح لتكريم الكبار، ولتشجيع الصغار والمبتدئين.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

هناك أيضًا فرق بين الصراحة والإهانة فبدافع من الإخلاص يمكن للصديق أن يتكلَّم في صراحة مع صديقه، سواء في عتاب أو نُصح. ولكن يكون ذلك في مودَّة، ولا تخرج الصراحة عن حدودها إلى جرح المشاعر وهنا تُعتبر إهانة ولا تكون مقبولة. وفي غير مجال الصداقة يمكن أن يكون الإنسان صريحًا، إنما لا يجوز أن يكون هدَّامًا في صراحته. له أن يوضِّح الأمور، وقد يذكر الأخطاء في أدب وبغير تحقير للغير. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وأيضًا يكون عادلًا لا يتجنَّى في صراحته، كما تكون صراحته ممتزجة بالصدق. وفي نفس الوقت إن وُجِدت نقاط للمديح ينبغي ذكرها، كأن يمدح الإنسان الهدف مثلًا وينتقد الوسيلة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وفي الحياة الخاصة يجب أن يكون هناك توازن في المُتعة واللهو والمرح. فمن حق الإنسان أن يتمتع بأمور جائزة ومُحلَّلة، ولكن لا يُبالغ في المُتعة حيث تصل إلى الخطيئة أو الفجور. وفي المرح لا يجوز أن يخرج عن حدوده، حتى يصل إلى التهريج! كما لا يجوز أن يمتزج اللهو بأخطاء لا يرضى عنها الضمير. كذلك من حق الإنسان أن يفرح بحيث لا يتبذل في أفراحه ولا يتدنَّى. أيضًا من حق المرأة أن تتزين، دون أن تبالغ في زينتها حتى تصل إلى التبرُّج وإلى الفتنة وإسقاط الآخرين.

من جهة الفن أيضًا، نُحب أنه لا يخرج عن معناه وعن هدفه كما لا يمكن أن ندعو كل شيء فنًا إن كان يُعبِّر عما لا يليق.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/20-Makalat/2-Ahram/CopticPope-Articles-159-Virtue-2.html

تقصير الرابط:
tak.la/y5x2zbv