البعض يخطئ في فهم الوداعة، فيتصور الوديع كشخصية خاملة، بلا تأثير ولا فاعلية ويظن الوداعة رخاوة في الطبع!!
كأن يتحول الوديع -بسبب طبيعته- إلى أضحوكة وسط الناس، يلهون به ويدوسون على كرامته. أو أنه بسبب احتماله للآخرين وعدم تذمره، يصبح مهزأة. أو أيضًا بسبب عدم إدانته للناس، لا يفعل شيئًا متى رأى الشر مسيطرًا على الخير! كلا فليست هذه هي الوداعة.
إنما المفهوم الصحيح للوداعة، لا يمنع مطلقًا من أن ترتبط بالرجولة والنخوة والشجاعة والشهامة.
فنحن نتحدث عن الوداعة بأسلوب الحقائق! ونقول إن الوديع هو إنسان طيب ومسالم ومهاود، ونتغافل أن يكون ذا شجاعة ونخوة وشهامة...
وأيضًا هناك كلمة عميقة قيلت في سفر الجامعة، تنطبق على تصرف الوديع في مختلف المواقف والأحداث، وهي:
(لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السموات وقت... للسكوت وقت وللتكلم وقت) (جا 3: 1، 7).
فمع أن الطيبة هي الطابع العام في حياة الوديع، إلا أنه للشجاعة في حياته وقت وللشهامة وقت، ولكن في غير عنف.
أمثلة:
· السيد المسيح في وداعته وحزمه:
هذا المثل الأعلى الذي قيل عنه (لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته) نراه حازمًا قويًا في تطهيره للهيكل، حينما طرد الباعة، وقال لهم (مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص) (مت 12: 12، 13).
وكان قويًا وحازمًا أيضًا في توبيخه للكتبة والفريسيين (مت 23).
وكان حازمًا في شرح شريعة السبت وفعل الخير فيه، على الرغم من كل المعارضة التي لاقاها...
· مثال موسى النبي المشهور بحِلْمه العجيب.
حتى أنه قيل عنه (وكان الرجل موسى حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض) (عد 12: 3). موسى هذا الذي نزل من الجليل ومعه لوحا الشريعة، ووجد الشعب يعبد عجلًا ذهبيًا ويغني ويرقص (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. لم يقف موقفًا سلبيًا باسم الحلم والوداعة، بل حمى غضبه وطرح لوحي الشريعة من يديه وكسرهما. ثم أخذ العجل الذي صنعوه، وأحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعمًا وذراه على وجه الماء (خر 32: 19، 20) وانتهر هرون رئيس هرون رئيس الكهنة، حتى اضطرب بين يديه.
· مثال آخر هو داود النبي.
هذا الذي قيل عنه في المزمور (اذكر يا رب داود وكل دعته) (مز 132: 1) كان موقفه جريئًا وشجاعًا، لما رأى جليات يعير صفوف الله الحي، بينما كان كل الجيش واقفًا في خوف أمام ذلك الجبار...
أما داود الوديع فقال من هو هذا الأغلف حتى يعير شعب الله؟! وظل يكلم الناس بشأنه، ولم يهمه استهزاء أخيه الأكبر به. وأخيرًا قال لشاول الملك (لا يسقط قلب أحد بسببه) (1صم 17: 32) وذهب وحاربه ولم يخف منه، بل قال له (أنت تأتي إلى بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتي باسم رب الجنود... اليوم يحبسك الرب في يدي... (1صم 17: 45، 46).
هذا هو داود الشاب الهادئ الأشقر، صاحب المزمار والقيثار، وفي نفس الوقت صاحب الغيرة، ورجل الحرب جبار البأس...
· مثال ثالث هو بولس الرسول:
إنه إنسان طيب هادئ، يقول لأهل كورنثوس في توبيخه لهم (أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه، أنا نفسي بولس الذي هو في الحضرة ذليل بينكم، وأما في الغيبة فمتجاسر عليكم) (2كو 10: 1).
ويقول لشيوخ أفسس (متذكرين أني ثلاث سنين ليلًا ونهارًا، لم افتر أن أنذر بدموع كل أحد) (أع 20: 31) إنه رسول، من حقه أن ينذر، ولكنه بوداعة ينذر، ولكنه بوداعة ينذر بدموع.
إنه حينما يتكلم عن البر والدينونة والتعفف أمام فيلكس الوالي، يقول الكتاب (ارتعد فيلكس. وقال له اذهب الآن، ومتى حصلت على وقت أستدعيك) (أع 24: 25) ولما وقف أمام أغريباس الملك، قال له الملك (بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا) (أع 26: 28).
وبولس هذا الوديع، لم يمتنع عن توبيخ بطرس الرسول. وقال (لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميًا لا يهوديًا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا) (غل 2: 14).
· مثال رابع هو أليهو بن برخئيل:
كان الرابع بين أصدقاء أيوب. ومن وداعته ظل صامتا بينما كان يتكلم أصحاب أيوب الثلاثة معه على مدى 28 أصحاحًا. ولم يفتح أليهو فمه من فرط وداعته، لأنهم كانوا أكبر منه سنا...
وأخيرًا لم يستطع أن يصبر هذا الوديع أكثر من هذا، لما رأى أن الجميع قد أخطأوا. وفي ذلك يقول الكتاب (فحمى غضب أليهو بن برخئيل البوزي من عشيرة رام. على أيوب حمى غضبه، لأنه حسب نفسه أبر من الله. وعلى أصحابه الثلاثة حمى غضبه، لأنهم لم يجدوا كلاما واستذنبوا وأيوب... فقال لهم (أنا صغير في الأيام، وأنتم شيوخ، لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدي لكم رأيي..) (أي 32: 2-7) ثم بدأ رسالته في التوبيخ...
حقًا لكل شيء تحت السموات وقت. لسكوت الوديع وقت، ولكلامه وقت. لطيبته وقت، ولحزمه وقت...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/j4wn92v