أحيانًا يرجع سبب الشكّ إلى طبيعة الشخص نفسه، إذ تكون شخصيته مهزوزة غير ثابتة، أو يكون موسوسًا، وطريقته في التفكير وفي الحُكم على الأمور تجلب له الشكّ.
وقد يكون بسيطًا، يُصدِّق كل ما يُقال له،
فيصبح ألعوبة في يد مَن يلهو به. إن حكى له أحد عن صديق يتقول عليه، ما
أسهل أن تتغيَّر معاملته لهذا الصديق، ويشكّ في إخلاصه.
بل أنه قد يتعرَّض إلى الشكِّ في أمور عقائدية أو إيمانية، إذا ما شككه
شخص أكثر منه فهمًا. ونفس الوضع من جهة الفكر السياسي. فإنَّ البعض
الذين لهم اتجاه سياسي مُعيَّن، يجدون لهم مجالًا في أمثال هؤلاء
البسطاء والقليلي
المعرفة لكي يضموهم إليهم.
ومثل هؤلاء البسطاء -رُبَّما بالشكِّ- يتحوَّل من اتجاه إلى عكسه، ويكونون كما قال الشاعر:
كريشة في مهب الريح طائرة لا تستقر على حالٍ من القلقِ
وعلى عكس هذا، فإنَّ الشكّ قد يُحارب أشخاصًا لهم عقول عميقة التفكير. فبينما الإنسان العميق التفكير يستطيع أن يكتشف زيف الشكوك فلا يقع فيها، نراه من الناحية المضادة. إذا ما بحث أمورًا أعلى من مستوى عقله خاصة باللَّه والسماء والأبدية وطبيعة الخليقة رُبَّما يقع في الشكّ ويرتبك عقله. وهذا هو الذي حدث مع الفلاسفة الملحدين. كانوا فلاسفة على مستوى عقلي عميق. ولكنهم ألحدوا. لأنهم حاولوا أن يبحثوا أمورًا فوق مستوى عقلهم!! ففشل العقل في الوصول، وضلُّوا...
حقًا، إن العقل هو نعمة كبيرة من عند اللَّه. ولكن له حدودًا لا يجوز له أن يتجاوزها. هذه الأمور أعلنها اللَّه بطريق الوحي والأنبياء، ولا يمكن الوصول إليها بالعقل وحده. وإذا حاول بالعقل بعيدًا عن الإيمان أن يصل إليها، قد يقع في الشكِّ. مثال ذلك خلق الإنسان من تُراب...!! وأيضًا المعجزات.
ولهذا فإن المعجزات قد تحدث مع البُسطاء الذين يقبلونها بالإيمان. بينما بعض العُقلاء الذين لا يقبلون شيئًا إلاَّ بعد تفكير وفحص.. هؤلاء لا تحدث لهم معجزة، ولا يؤمنون بها...
من مصادر الشكّ أيضًا، بل من أهمها: الشيطان، فهو ماهر جدًا في خلق الشكوك وفي تصديرها. وله خبرة طويلة في غرس الشكوك في عقول الناس. ويجد لذَّة في ذلك. ويعتبر قبول البشر لشكوكه انتصارًا له. والشيطان يعرف جميع الشكوك التي مرَّت على العالم من آلاف السنين، ويمكنه أن يحارب بها. وقد يلقي الشكوك في الإيمان، وفي العلاقة مع الآخرين، وفي القيم والمبادئ، وفي كل شيء.. لكي يجعل الإنسان في حيرةٍ من أمرهِ، وفي دوامة من الشكِّ...
ورُبَّما يأتي الشكَّ إلى الإنسان من غيره من الناس، إذا ما ترك أذنيه فريسة لأقوالهم.. وهكذا قد تأتي الشكوك من معاشرة الشكاكين. فاحترس إذن من كلام هؤلاء ولا تصدقه. لأنه كما أنَّ معاشرة المؤمنين الثابتين في إيمانهم تنقل إليك الإيمان والثقة، فإنَّ معاشرة الشكَّاكين تنقل إليك الشكّ إذا قبلت ما يقولونه لك. ومثال ذلك أن شخصًا قال لي: "حينما أقرأ بعض الجرائد في الصباح، يُخيَّل إليَّ أن البلد قد ضاعت، وأن الخطر قريب، فهم يشككوننا في الحال وفي المستقبل وفي الأشخاص.. !!".
ولذلك فمن أشهر مصادر الشكّ، الشائعات. وكثيرًا ما تكون خاطئة أو مغرضة. وفي ذلك قال أحد الأُدباء: "إذا أردت أن تشعل حريقًا في بلدٍ ما، أطلق فيها شائعات هامة. فإنَّ الشائعات يمكن أن تثير جوًّا من القلق والاضطراب ورُبَّما الخوف أيضًا. ويشكّ الناس قائلين: تُرى، ما الذي حدث؟!".
من أسباب الشكّ أيضًا: الانحصار في سبب واحد... وقد يكون هذا السبب هو أسوأ افتراض ممكن. مثال ذلك: أم قد تأخرت ابنتها في العودة إلى البيت مساءً. فتشكّ في إصابتها بسوء. كأن حدث لها حادث، أو أن أحدًا قد خطفها. وتظل في قلق بسبب هذا الشكّ حتى تعود. ورُبَّما تشكّ في أنها ستعود!! بينما يكون السبب في تأخرها هو زحمة المواصلات، أو زميلة لها قد عطَّلتها، أو احتاجت أن تشتري شيئًا من مكان بعيد، أو... ولكن حصر التفكير في سبب واحد، وهو إصابتها بسوء، هذا ما يجلب الشكّ.
ومشكلة الانحصار في سبب واحد، كثيرًا ما يجلب الشكّ بين الأزواج. وهذا السبب هو سوء الظنَّ في شريك الحياة. فإن حدث أن الزوج قد ألزمته الضرورة في الاهتمام بوالدته أو والده في ضيقة مُعيَّنة، رُبَّما تشكّ الزوجة قائلة: "إنه يحب عائلته أكثر مني، وبسببهم يتأخر عن بيته، أو ينفق عليهم أكثر مِمَّا ينفق على أولاده وأسرته!!". وإذا أُعجب الزوج بدعابة قالتها امرأة أخرى، أو برأي ذكي عرضته، تبدأ الزوجة في أن تشكّ وتظن أن هذا الإعجاب رُبَّما وراءه علاقة ما، أو أنه سيقود إلى انحراف، وتتعب!!
إن الانحصار في سبب واحد، هو ضيق في التفكير. بينما الفكر المُتسع يضع أمامه افتراضات كثيرة، فلا يشكّ ولا يتعب...
قد يحدث الشكّ أيضًا بسبب الوهم. فقد يتوهَّم البعض أن رقم 13 مثلًا وراءه شر ما. فيدخلهم الشكّ في كل يوم يكون تاريخه 13 أو مضاعفاته! وهكذا في بعض البلاد نرى أن المصعد (الأسانسير Ascenseur) ينتقل من رقم 12 إلى 14 مباشرة، ويلغى رقم 13، ونفس الوضع في أدوار المساكن. وكل ذلك عبارة عن وهم...
وقد يحدث الشكّ بسبب الضيقات، وبخاصة إذا ما طالت مدتها، واقترب الإنسان من اليأس. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). حينئذ قد يحاربه الشكّ في رحمة اللَّه، وفي جدوى الصلاة التي لم تكن لها نتيجة. أو أن فتاة طال بها الوقت ولم تتزوج، أو كُلَّما يأتي إليها عريس، يذهب ولا يعود... حينئذ قد يدخلها الشكّ في أن (عملًا) قد عُمِلَ لها وبسببه يحدث كل هذا!! وتبدأ في الذهاب إلى المشعوذين لكي يفكُّوا لها ذلك العمل! وكل ذلك خرافات...
ومن أسباب الشكّ أيضًا، عدم الثقة بالنفس. ومثال ذلك كثير من ألوان الشكّ بين الأزواج. فالزوجة التي تشكّ في خيانة زوجها، وراء هذا الشكّ، يوجد شكّ منها في نفسها، وفي مدى كفايتها للزوج. أمَّا الزوجة الواثقة بنفسها، فهي لا تشكّ. بل تقول في نفسها: "لا توجد امرأة أفضل منِّي في الجمال أو الجاذبية يمكن أن ينجذب إليها زوجي. أنا واثقة أنه في قبضة يدي، لا يمكنه الخروج منها"!
وبنفس المنطق يمكن أن يتحدَّث الزوج الواثق تمامًا بقوته وتأثيره على زوجته وبمدى محبتها له. أمَّا إذا فقد الثقة بنفسه، فحينئذ يمكن أن يشكّ في زوجته، وفي إمكانية أن تتجه إلى رجل آخر وتتعلَّق به.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/yf9hjk8