منذ البدء والشيطان يُقدِّم ألوانًا من الإغراءات، ليُسقِط بها ضحاياه من البشر. إنه يجس نبض الإنسان، لكي يكتشف هل يضعف أمام إغراء مُعيَّن أم لا؟ فإن وجده لا يهتم بهذا الإغراء ولا يتأثر، يُجرِّب معه إغراء آخر... وبخبرة الشيطان مع الناس، يحرص أن ينتقي لكل منهم ما يناسبه.
وإغراءات الشيطان لا تُسقِط إلاَّ قلبًا يميل إليها، أو يمكن أن يميل إذا استمر الوقت. أمَّا القلب القوي، فإنه يرفض تلك الإغراءات ولا يعبأ بها. الشيطان يعرض، ولكنه لا يُرغِم. وتتوقف النتيجة على القلب: هل يستجيب للإغراء أم لا يستجيب؟...
وهو يغري الجسد بالشهوة أو المتعة أو اللذة. كما يغري النفس بالسُّلطة أو الشهرة، أو التفوق على الآخرين، أو العظمة بكافة أنواعها، أو إشباع الذات حسبما ترى. يغري الرجال بالنساء، ويغري المرأة بنوع مُعيَّن من الرجال... ويغري الضعيف بالقوة، ويغري القوي بالتشامُخ والفخر. ولا يترك أحدًا بدون إغراء...
والشيطان يحاول أن يُقدِّم إغراءاته مؤثِّرة وقوية. فإن وجد شخصًا قد عزم على التوبة بكل إصرار وحزم، يُقدِّم له خطية كان يشتهيها منذ زمن، ويبحث عنها فلا يجدها. فيضعها أمامه فجأةً وهى تسعى إليه! ويغريه بها فيسقط. إذ يقول له: إنها فرصة أمامك لا تُعوَّض. فلا تترك هذه الفرصة تمر، ويمكن أن تتوب بعدها! التوبة أمامك في أي وقت. ولكن مثل هذه الخطية ليست متاحة في كل وقت! وهكذا يجد المسكين نفسه أضعف من الإغراء، فيسقط. إن الشيطان يعرف بخبرته أين يوجد الجرح الذي يضغط عليه فيؤلم...
هناك حيلة أخرى للشيطان هي الانقياد للتيار:
يقول لك: الكل هنا يفعل هكذا، فهل تشذ أنت، ويكون لك أسلوب خاص يغايرهم؟! تقول إنك تتبع الحق، ولو كان ضد تصرُّف الكل. ولكن هذا سيجعل الكل ضدك، لأنك بهذا تكشفهم وتحرجهم... فهل تستطيع أن تسبح عكس التيار؟! ستقول كما قال الشاعر:
سأطيع اللَّه حتى لو أطعتُ اللَّه وحدي
لكن الجميع لا يستطيعون مثل هذا الصمود. فشيطان الانقياد للتيار السائد يدفع إلى هذا التيار بطُرق شتَّى: أحيانًا يجعل البعض يسيرون في نفس التيار من باب المجاملة، أو بدافع الخجل أو الخوف من مواجهة الآخرين، أو تفاديًا لتهكُّم الناس وتعييرهم، أو نتيجة لضغط الظروف الخارجة والإلحاح الواقع عليهم. أو خضوعًا لسُلطة أقوى... أو يقول له الشيطان: دع هذه المرَّة تمرّ، ولن تتكرَّر. ثم تتكرَّر طبعًا. أو يُبكِّته الشيطان قائلًا: ما هذا الكبرياء؟! هل من المعقول أن يكون كل الناس مخطئين، وأنت الوحيد الذي على حق؟!.. أو يقول له الشيطان في خبث: كَبّر عقلك، ومَشِّي أمورك. ماذا تنتفع إن خسرت الكل؟!
وقد يخضع الإنسان للتيار السائد نتيجة لضعف شخصيته... إمَّا أنه لا يقدر على المقاومة. أو أنه يُقاوم قليلًا، ولا يَثبُت. أو أن صديقًا له تأثير عليه، يقول له: "ليس من الحكمة أن نبدأ بمقاومة التيار. والأفضل أن نجاريهم فترة، ثم بعد ذلك نقاوِم "! على أننا لا ندري إلى أي مدىً تمتد هذه الفترة...
إن الانقياد للتيار لا يجرف إلاَّ الضعفاء. أمَّا الشجعان أو أصحاب المبادئ والقيم، فإنهم يثبتون على مبادئهم مهما احتملوا في سبيل ذلك. وبثباتهم يقدمون قدوة صالحة لغيرهم. وربما يصيرون أمثلة يذكرها التاريخ. إنهم يرفضون الخطأ حتى إن رأوا كبارًا يسيرون فيه، أو وقعت فيه الغالبية! فكل ذلك لا يمكن أن يجعل الخطأ صوابًا.
وسيلة أخرى من وسائل الشيطان هي العنف:
والمعروف أن العنف هو ضد الوداعة والهدوء، وضد الاتضاع أيضًا. وهو لون أيضًا من قساوة القلب... ومن الكبرياء..
والشيطان لا يغري الخطاة فقط بالعنف، إنما يغري كذلك المتدينين والروحيين. ولذلك ما أكثر ما نرى المتدين عنيفًا، يواجه بالعنف كل ما يراه خطأً... وبينما نرى اللَّه تبارك اسمه يصبر على الخاطئين ويدربهم في حكمة وهدوء على الطريق السليم، فإن المتدين العنيف لا يسلك هكذا...
والبِرّ لا يأتي بطريق العنف، ولا بإرغام الغير على السلوك فيه. إنما يأتي باقتناع العقل ورضى القلب. فيصير الإنسان بارًا، بقلب نقي. يعمل الخير حُبًا في الخير، لا مُرغمًا عليه. ومن الواضح أن ضغط المتدينين العنفاء، لا يوجد برًا حقيقيًا. بل قد يؤدي إلى مظهرية دينية، لا علاقة لها بنقاوة القلب من الداخل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وحتى هذه المظهرية قد لا تستمر. بل تزول بزوال الضغط.
عجيب أن شيطان العنف، يدخل في مجال التدين، كما يدخل في مجالات الخطية. لأنه بمكره لا يجعله تدينًا حقيقيًا... أمَّا أنت يا أخي، إن أردت أن تجذب الناس إلى التدين، اجعلهم يحبون البِرّ والفضيلة، ويجدون فيها متعةً، دون أن يكونوا مكرهين على ذلك بأسلوب العُنف.
والشيطان يلجأ إلى محاربة الإنسان باليأس، بعد مقدمات طويلة تمهيدية، يُشعره بها، أنه لم يعد له خلاص من الخطية، وأنه قد تشبَّع بها تمامًا بالإثم، بحيث لا يمكن أن يتوب. فيرى أنه ليس فقط لا قدرة له على التوبة، بل بالأكثر لا رغبة له في التوبة.
يحدث هذا أحيانًا بعد سقطة كبيرة، يظن فيها الخاطئ أنه لا مغفرة! وأنه لا حَلّ للقيام من سقطته!
وقد لا تكون السقطة بهذه الدرجة، ولكن الشيطان من عادته أن يضخِّم في الأخطاء ليوقع صاحبها في اليأس..
إنه ماكر جدًا. فهو قبل إسقاط الإنسان، يُسهِّل في موضوع الخطية جدًا حتى تبدو شيئًا عاديًا، ويضع لها مبرِّرات... أمَّا بعد السقوط: فإمَّا أن يستمر في سياسة التهوين لكي يتكرَّر السقوط. وإمَّا أن يلجأ إلى التهويل، فيقول للخاطئ: هل من المعقول أن يغفر لك الرب كل هذا الذي فعلته، وكل هذا المستوى الذي هبطت إليه؟! وعبثًا يمكنك أن تتوب!
وقد يلقي الإنسان في اليأس -لا من جهة خطايا قد وقع فيها- إنما من جهة مشاكل تبدو مُعقَّدة جدًا أمامه، وليس لها من حَلٍّ... بينما اللَّه قادر أن يَحِلّ كل المشاكل بحنانه الذي لا يُحدّ، وإشفاقه على مَن يلجأ إليه...
إنَّ الإنسان القوي القلب، والعميق في إيمانه، لا يمكن أن يعرف اليأس إليه طريقًا. بل مهما كان الجو مظلمًا جدًا، فإن الرجاء يفتح أمامه طاقات من نور...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8svj26w