إن الله تبارك اسمه له صفات كثيرة, ولكنه في بعض هذه الصفات ينفرد بها وحده, فمثلًا صفة الله كخالق. فهو وحده الخالق ولا يوجد خالق سواه, ومن صفاته التي ينفرد بها وحده أنه غير محدود. وقد يوجد إنسان يتصف بالحكمة والمعرفة. ولكن الحكمة عند الله غير محدودة والمعرفة غير محدودة. نستطيع بعد هذه المقدمة أن نضع هذه القاعدة, وهي أنه من صفات الله الخاصة به وحده أنه غير محدود, وهو غير محدود في المكان والزمان وفي القدرة وفي العلم وفي المعرفة وفي كل شيء.
الله غير محدود من جهة المكان والزمان, فهو موجود في كل مكان, ولا يحده مكان, ولا يسعه مكان. هو في الكون كله: هو في السماء وعلي الأرض وما بينهما. هو في الجو وفي أعماق البحر, السماء هي كرسي الله, والأرض هي موطئ قدميه. هو في كل مكان, حيث يري ما يفعل الناس, ويسمع ما يقولونه. كل إنسان مضبوط أمامه. لا يستطيع أن يختفي. كما يقف البشر أمام الله علي الأرض, هكذا أيضا يقف الملائكة أمامه في السماء, أمامه القديسون يسبحون بطهارة قلوبهم, وأمامه أيضا الأشرار في أماكن شرهم. إن أشعة الشمس تدخل في الأماكن الطاهرة كما تدخل أيضا في الأماكن القذرة لكي تطهرها وتقتل جراثيمها ولا تؤثر عليها قذارتها ولا تتأثر بها.
ـ ولأن الله في كل مكان لا نقول إنه يصعد أو يهبط, ولا نقول إنه يمشي أو يتحرك. فإن صعد, إلي أين يصعد؟ وهو موجود من قبل في المكان الذي يصعد إليه! وإن قلنا إنه ينزل إلي مكان ما, فهو بلا شك موجود من قبل في ذلك المكان الذي سوف ينزل إليه, وهو لا يمشي ولا يتحرك. لأنه في كل مكان, لا يفارق موضعا إلي موضع آخر. إنه مالئ الكل, وإن وجدت آيات في الكتاب المقدس تحمل مثل هذا التعبير, فإنها لكي تقرب المعني إلي عقولنا البشرية. أو تعني ظهوره في المكان الذي يقال أنه نزل إليه أو ظهر فيه أو عمل فيه عملا.
ـ فهو لا يأتي إلي مكان, ولا يفارق مكانا, ولا ينتقل من مكان إلي مكان, لأنه موجود في كل مكان, وفي كل وقت, وهو لا يأتي إلي مكان لأنه موجود في المكان الذي يقال إنه أتي إليه. إنما يظهر فيه, أو يعلن وجوده فيه, فيقال أنه أتي إليه.
عندما سلم الله وحي الشريعة لموسي علي الجبل, كان في نفس الوقت في السماء وعلي الأرض, وأيضا عندما كل أبانا إبراهيم ودعاه... ويسري هذا المنطق علي كل لقاءات الله مع البشر منذ أيام أبينا آدم وعلي مر الأجيال كلها. إنه غير محدود من جهة المكان.
ـ كذلك الله أيضا غير محدود من جهة الزمان. إنه أزلي أي لا بداية له. والأزلية هي من صفات الله وحده لا يشاركه فيها أحد. لأن كل الكائنات الأخرى هي مخلوقات. وكل مخلوق له بداية وقبل تلك البداية لم يكن له وجود.
ولأن الله أزلي, فهو واجب الوجود, وهو موجود بالضرورة. فوجوده ضرورة تفسر وجود باقي الكائنات.
ـ وكما أن الله أزلي, فهو أيضا أبدي. فهو غير محدود من جهة الزمن, بلا بداية ولانهاية, ولذلك يوصف أيضا بأنه سرمدي. أنه لا يدخل في نطاق الزمن ولا مقاييسه. لأنه فوق الزمان. بل هو خالق الزمن. ونفس هذا الكلام يقال عن عقل الله وروحه. نعم يقال عن عقل الله الذي كل شيء به كان, وبغيره لم يكن شيء مما كان.
وكما أن الله غير محدود من جهة المكان والزمان, كذلك هو غير محدود من جهة القدرة.
ـ فمن جهة القدرة نقول: إن الله كلي القدرة, أو أنه قادر علي كل شيء ولهذا نقول: إن كل شيء مستطاع عنده, وأن غير المستطاع عند الناس هو مستطاع عند الله.
ومن هنا نؤمن بالمعجزات. وقد سميت المعجزات بهذا الاسم لأن العقل البشري يعجز عن تفسيرها. إنها ليست شيئا ضد العقل, إنما هي فوق مستوي العقل تدخل في قدرة الله غير المحدود.
ـ ومن قدرات الله غير المحدودة قدرته علي إقامة الموتى. ليس فقط في إقامة أشخاص معينين من الموت، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بل بالأكثر القيامة العامة في أخر الزمان. إقامة كل البشر منذ أبوينا آدم وحواء. بل كل الذين تحولوا إلي تراب, والذين تحللت أجسادهم وامتصتها الأرض. كلهم سيقومون جميعا, ويقفون أمام الله يوم الحساب بأرواحهم وأجسادهم... إنها قدرة غير محدودة يقف أمامها العقل البشري مبهوتًا ومذهولًا.
ـ إن الله ليس فقط قادرا علي كل شيء, بل هو أيضا مصدر كل قوة. هو الذي يهب القدرة للملائكة, الذين يستطيعون أن ينتقلوا من السماء إلي الأرض في لمح البصر, والله هو أيضا الذي وهب قديسيه قوة لصنع المعجزات كالقوة التي وهبها لموسي النبي حينما ضرب البحر بعصاه. وكالقوة التي أقام بها إيليا أبن أرملة صرفة صيدا من الموت. إنها معجزات ليست بقوتهم البشرية إنما بقوة الله.
ـ إن الله القادر علي كل شيء, هو الذي وهب العقل البشري قدرات عجيبة. والله الذي يهب القدرة, هو قادر أيضًا أن يسحبها متى شاء. هو الذي وهب شمشون الجبار قوة جسدية فائقة للوصف. وعندما كسر شمشون نذره بعد أن باح به لدليلة, سحب الله منه تلك القوة. فأذله أعداؤه.
الله أعطي القوة للنار أن تحرق. ولكنه في قصة الثلاثة فتية القديسين الذين ألقاهم الفرس في النار, لم يسمح الله للنار أن تؤذيهم, وشعرة واحدة من رؤوسهم لم تحترق.
نقول أخيرًا إن الله سمح أن يكون للشيطان قوة. ولكن الله وضع حدودا معينة لقوة الشيطان, كما يظهر ذلك في قصة أيوب البار. وأيضا في التجربة على الجبل قال الرب أخيرًا للشيطان: أذهب يا شيطان. فذهب ولم يستطع أن يخالف. ولا ننسي المعجزات الكثيرة الخاصة بإخراج الشياطين, ولعل من بينها قصة لجئون. علي أن مصير الشيطان واضح أنه في يد الله الكلي القدرة الذي سيلقيه أخيرا في بحيرة النار والكبريت.
_____
* هذه هي آخر مقالة كتبها قداسة البابا شنوده لجريدة الأهرام، وذلك قبل نياحته قداسته بحوالي الأسبوعين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/n68aj7r