إن الله عندما يسمح بالآلام إنما ليظهر حبه لنا لا لأنه يبغضنا، لذلك النفس المؤمنة "لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ وَلاَ تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ" (أم3: 11)، فالوالد لا يتردد في عقاب ابنه المخطئ، الذي يحبه ويعتز به، والمعلم كثيرًا ما يضرب تلميذه لكي يُقوّم سلوكه.
إن تأديب الرب لنا له سبب أبدي، فهو يؤدب الأبرار لكي ينميهم للأبدية، ولكي يوبخهم على تهاونهم ورخاوتهم وإهمالهم، إنه يؤدب النفس المؤمنة كي يكشف عن استحقاقها.
ويقول القديس يعقوب الرسول: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا" (يع 1: 2) وبعد ذلك قال: "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (يع1: 12)، وهكذا أيها الحبيب ينبغي أن نفرح عندما نقاسي من ألم جسدي مبرح أو عندما نمتحن بالضيقات.
ينبغي أن نفرح بالمسيح، ليس عندما يكون كل شيء على ما يرام فحسب، بل وأيضًا عندما يكون هناك تجارب وضيقات ضدنا وليس ذلك فقط "بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" (رو5: 2-5).
ولنعلم أن منافع عظيمة قد صارت للأبرار من اختبارهم للضيق وللألم، هكذا المقبولون للملكوت إن لم يمتحنوا لن يتزكوا أو سيفشلوا في النمو ليس ذلك فحسب بل وسينزلقوا ويحيدوا عن الطريق الصحيح.
عندما تحل التجارب وتحيط الضيقات من حولنا، علينا أن نتقبلها جميعها حاسبين إياها فرح، وليس فقط تجربة ولا إثنين بل التجارب المتنوعة، نتقبلها كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ (2كو 6: 9)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. لأن هذه الآلام هي سمة الرب المتألم والتي بها نكمل نقائص شدائد المسيح في أجسادنا، لذا كما تكثر آلام المسيح فينا تكثر تعزيتنا عندما نُحسب معه في شركة.
ويكتب البابا أثناسيوس الرسولي إلى شعبه الذين تحل بهم التجارب قائلًا: "لنفرح عالمين أن خلاصنا هو في وقت الألم، لأن مخلصنا لم يخلصنا بغير ألم، بل تألم من أجلنا مبطلًا الموت، وقد أخبرنا أنه سيكون لنا ضيق".
فالتجارب مهما اشتدت فهي امتحان يعين عندما يضع الإنسان آلامه على الرب المتألم بفرح وبرضى وباتكال، لا شك أن التجارب مرة ومؤلمة إلا أنها تجعلنا تامين وكاملين وغير ناقصين في شيء، إنها تداريب للتقوية حتى ننال الإكليل الأبدي ونصير من سكان السماء الممجدين إلى الأبد.
وبالحكمة السمائية نقف أمام إرادة الله وندرك مواعيده التي يمنحها للصابرين، ونفرح بالتجارب كمن وجد غنيمة، طالبين الحكمة غير مرتابين البتة أي غير منقسمين، لأن المرتاب يشبه موجًا من البحر تخبطه الريح وتدفعه، بل مدركين حقيقة غربتنا على الأرض رافعين أنظارنا إلى الحياة الأفضل محتملين كل ألم وضيق وتجربة بغير تذمر، لأن كل شيء كزهر العشب يزول وييبس والزهر يفنى جمال منظره.
فكم هي نافعة الضيقات والتجارب من يحتملها يتزكي وينجو، لذا لم يحاول القديسون تجنبها بل بالحري يطلبونها وبهذا يصيرون أحباء الله، إذ أن النار لا تحرق الذهب بل الزغل هو الذي يحترق، والحنطة لا تخاف من الدارس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/qv869cf