إن النفس التي تريد أن تكون ليست فقط من المدعوين بل من المختارين تسر بالضعفات والضرورات والضيقات لتستمع إلى القول الإلهي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ» (2كو 12: 7-9).
وهكذا أيها الحبيب، فلنكن فرحين محتملين بصبر كل ما نلقاه في العالم من أحزان، وأن نكون مطمئنين خاصة عندما نتأكد أننا بالأكثر في فكر الله فتفكيره رحمة ننال بها العطية السمائية في الدهر الآتي.
إذا فحصنا سيّر القديسين الذين عبروا هذا العالم، سنجد أنه لم يخطط أي واحد منهم للهروب من الضيقة، بل هم أتوا من الضيق محتملين بصبر جميع التجارب التي أتت عليهم، حتى بلغوا مجد الحق غير القابل للفساد.
كان إبراهيم أبو الآباء مستعدًا أن يذبح ابنه حبيبه وحيده اسحق، لكي يكون مستحقًا للرب، إذ وجد أن تنفيذ الوصية الإلهية تلاشي كل حزن.... لهذا سمع شهادة التزكية فَقَالَ: «الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي» (تك 22: 12).
ولا ينبغي أن نتأثر بالألم في شدائدنا البدنية، بل نتقوى شاكرين على أي شيء يسمح به الرب، عالمين أن قوتنا ومعونتنا من عند الرب، ولا ندع نفوسنا تكتئب وتنكسر وتندفع للدمدمة والجدال والتذمر، لأن المر الذي يختاره الله لنا خير من الحلو الذي نختاره لأنفسنا.
لقد تفوق أيوب الصديق بصبره وَقَالَ: «الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا» (أي1: 21). إن النفس التي تطلب الرب تتقوى وتتشدد وتنتصر وتعبر، أما النفس التي تتذمر لا تفهم التعاليم الإلهية ويحاربها الشيطان بأنها مرفوضة من الله.
وقد رأينا كم كانت فائدة أمراض وفقر لعازر المسكين الذي إمتلأ جسمه بالقروح، فالكتاب لا يذكر له أية فضائل أو استحقاقات سوى أنه احتمل العوز والمرض والضيق بصبر فائق حتى أنه حُسب مستحقًا لذلك النصيب المبارك في حضن إبراهيم (لو16: 19) بل إن الضيقات وأنواع الأذى التي نرى أنها رديئة قد أثبت القديسون فائدتها وضرورتها للخلاص بأنهم لم يتجنبوها فحسب بل قبلوها واحتملوها، وهكذا صاروا أحباء لله وربحوا الحياة الأبدية.
فأيوب الطوباوي مثلًا استنفذ الشيطان كل مكائده الشريرة لكي يسقطه في خطية التجديف على الله، لكنه قبل الضيقات ليس لأن الضيقات بطبيعتها شريرة ولكن لأن الناس يتصورون أنها شريرة مع أنها لخيرهم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. كما أنه عندما يتحاجج العدل الإلهي مع البشر فهو يتكلم معهم بلغتهم ومشاعرهم، لأن الطبيب، رغبة منه في علاج المرضى الذين يعانون من التهابات القروح، يقطعها أو يكويها حتى لو اعتبر المريض أن هذا القطع أو البتر أو الكي شرًا. كما أن اللجام والسوط يكرهما الحصان العنيد، كذلك التأديب فإنه يبدو لأول وهلة مرًا كما يقول الرسول "كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ". ذلك لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ. إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلاَ تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ الْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ (أولاد زنى) لاَ بَنُونَ" (عب12: 11).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5tz86xf