تتكرر كلمة تلميذ (ماثتيس – Mathetes) في الأناجيل الأربعة حوالي 230 مرة وتتكرر في سفر أعمال الرسل حوالي 30 مرة، وتشير بصفة عامة إلى تلاميذ المسيح الذي آمنوا به وأتبعوا تعليمه، الذين أتبعوه وتعلموا عند قدميه واستمعوا إلى تعليمه، من خلال مواعظه وأقواله العديدة، ورأوا أعماله الإعجازية وآمنوا أنه أتى من الله، كما عبر نيقوديموس رئيس اليهود والذي كان يؤمن بالمسيح سرًا "يا معلم نعلم أنك أتيت من الله معلمًا لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه (34)". وكان هؤلاء كثيرين جدًا "فقال يسوع لليهود والذين آمنوا به: أنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي (35)". ويظهر عدد التلاميذ عند دخول المسيح أورشليم، أنهم جمهور كبير "ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات الذين نظروا (36)". ويصفهم سفر أعمال الرسل أيضا بأنهم جمهور "فدعا الإثنا عشر جمهور التلاميذ (37)". وبعد حلول الروح القدس كان عددهم يتكاثر جدًا "وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان (38)". هذا الجمهور الغفير من التلاميذ كان عليه أن يتعلم عند قدمي المعلم الأعظم ويحمل النير "احملوا نيري عليكم وتعلموا منى (39)"، وأن يثبتوا في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي (39)".
ومن بين هذا الجمهور من التلاميذ أختار السيد المسيح اثني عشر تلميذًا، يقول الكتاب "دعا تلاميذه وأختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضا رسلًا (40)" ليكونوا معه ويتعلموا على يديه وعدد قدميه ويتدربوا على العمل، الكرازة، الذي سيوكله إليهم بعد صعوده إلى السماء وحلول الروح القدس عليهم "وأقام اثني عشر ليكونوا معه وليرسله ليكرزوا. ويكون لهم سلطان على شفاء الأمراض وإخراج الشياطين (41)".
وكان هناك أيضا أخوة الرب يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا (42)" الذين كانوا مواظبين بنفس واحدة على الصلاة والطلبة" مع بقية التلاميذ بعد الصعود. ومن هؤلاء الأربعة كان "يعقوب أخا الرب ويهوذا أخاه" ضمن الاثنا عشر، وصار يعقوب "أخا الرب" أول أسقف لأورشليم ودعى بيعقوب البار وكان ضمن الثلاثة تلاميذ المدعوين بالأعمدة "يعقوب وصفا (بطرس) ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة (43)".
وقد أختار السيد هذه المجموعة، والتي وصفها بالقطيع الصغير، بناء على معرفته بالإنسان "لأنه لم يكن محتاجًا أن يشهد أحد عن الإنسان لأنه علم ما كان في الإنسان (44)"، "أنا أعلم الذين اخترتهم (45)"، وبناء على معرفته بالإنسان أيضا أختار يهوذا الإسخريوطي "أليس أنى أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). قال هذا عن يهوذا الإسخريوطي (46)". اختارهم، كل واحد، بالاسم ودعاهم كل واحد باسمه، قال لبطرس وأندراوس أخيه "هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه (47)" ولما رأى يعقوب بن زبدى ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما. فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه (48)" ولما رأى متى العشار قال "له اتبعني. فقام وتبعه (49)" ولما وجد فليبس قال له "اتبعني (50)" ولما رأى نثنائيل قال عنه أنه نقى القلب "هذا إسرائيلي حقًا لا غش فيه (51)" أي ابن إبراهيم بالروح (52)، وضمه إلى تلاميذه.
أختارهم بنفسه وجعلهم أحباء ورفعهم فوق مستوى العالم وعلمهم كل ما يتصل بغاية تجسده "أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به. لا أعود أسميكم عبيدًا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده. لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبى. ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم. لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي.. لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم (53)".
وأوصاهم أن يتخذوا من شخصه الإلهي مثلًا أعلى يحتذون به:
"احملوا نيري عليكم وتعلموا منى. لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيري هين وحملي خفيف (54)"،
"لأني أعطيتكم مثالًا حتى كما صنعت أنا بكم تصنعنون أنتم أيضا (55)"،
"لأنكم لهذا دعيتم فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا تركًا لنا مثالًا لكي تتبعوا خطواته (56)"،
"من قال أنه ثابت فيه (في المسيح). ينبغي أنه كما سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضا (57)".
وكما تعلموا منه التواضع تعلموا منه الصلاة (58)، وخدمة الآخرين (59)، وإنكار الذات (60)، وبذل الذات (61)، وعلمهم مميزات ومسئوليات أبناء الملكوت في الموعظة على الجبل (62)، وكشف لهم أسرار ملكوت الله في أمثال؛ الزارع والحنطة والزوان وحبة الخردل والخميرة والكنز المخفي واللؤلؤة الثمينة والشبكة المطروحة في البحر (63)، وكشف لهم حقيقة تجسده باعتباره المسيح ابن الله الحي (64)"، كما عرفهم غاية وهدف مجيئه، تجسده، "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (65)"، "ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (66)"، "أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفى اليوم الثالث يقوم (67)"، ودعاهم للتفرغ له وترك كل شيء لأتباعه، لأجله ولأجل الإنجيل، لأجل الكرازة، لأجل بشارة ملكوت الله؛ "ودعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها. ومن يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها (68)"،
"وابتدأ بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك. فأجاب يسوع وقال الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولاد أو حقولًا لأجلى ولأجل الإنجيل إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتًا وأخوة وأخوات وأمهات وأولادًا وحقولًا مع اضطهادات وفى الدهر الآتي الحياة الأبدية (69)".
وأعطاهم السلطان لشفاء المرضى وإقامة الموتى وتطهير البرص وإخراج الشياطين (70) وأرسلهم، قبل الصلب والقيامة، في مهمات تدريبية، إعدادية، داخل إسرائيل (71) فقط، وذل لإعدادهم للإرسالية الكبرى إلى العالم أجمع بعد الصلب والقيامة وحلول الروح القدس (72). وعادوا ليخبروه بكل ما فعلوه وعلموه وقالوا "يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت شيطان ساقطًا مثل البرق من السماء. ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء. ولكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل أفرحوا بالحري أن أسماءكم قد كتبت في السموات (73)".
وأعلمهم مقدمًا بما سيحدث لهم من متاعب وضيقات واضطهادات حتى الدم والاستشهاد "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام. ولكن أحذروا من الناس لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وفى مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلى شهادة لهم وللأمم. فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم.. وتكونون مبغضين من الجميع لأجل اسمي. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى.. ليس التلميذ أفضل من المعلم ولا العبد أفضل من سيده.. فلا تخافوهم. لن ليس مكتوم لن يستعلن ولا خفي لن يعرف. الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور. والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح. ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم.. وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاه.. فلا تخافوا.. فكل من يعترف بي قدام الناس اعترف أنا أيضا به قدام أبى الذي في السموات. ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبى الذي في السموات.. من أحب أبًا أو أمًا أكثر منى فلا يستحقني. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني ومن وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلى يجدها. من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني (74)".
وكان هؤلاء الإثنا عشر معه دائمًا يذهبون معه إلى كل مكان ولا يفارقونه إلا فيما ندر، خاصة في الأوقات التي كان يختلي فيها للصلاة وحده، وكان يعلمهم مع الجموع بأمثال ويفسر لهم وحدهم مغزى هذه الأمثال! "أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت الله. وأما الباقين فبأمثال.. (75)"، "قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتى ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال بل أخبركم عن الآب علانية (76)". وفسر لهم العهد القديم، خاصة النبوات التي تنبأ بها عنه جميع أنبياء العهد القديم؛ "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب.. أنه لابد أن يتم جميع ما مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب (77)".
وأحتفل معهم بعشاء الفصح، العشاء الأخير، والعشاء الرباني، وصنع لهم أول عشاء رباني بالخبز والخمر الذين هما ذبيحة العهد الجديد التي يقدمها ببذل نفسه وسفك دمه عن الجميع على الصليب "وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلًا: أشربوا هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا (78)"، "اصنعوا هذا لذكرى (79)". ثم وعدهم بالروح القدس الذي سينسكب عليهم بعد صعوده ليكون معهم ويمكث فيهم إلى الأبد.
هذه المجموعة من التلاميذ الاثني عشر صارت هي إسرائيل الجديدة، أو أسباط العهد الجديد الاثني عشر الذين كتبت أسماءهم في سفر الحياة وعلى أساسات أورشليم السمائية "وسور المدينة كان له أثنا عشر أساسًا وعليها أسماء رسل الحمل (المسيح) الاثنا عشر (80)"، وكانوا أساس إيمان الكنيسة مع المسيح والأنبياء "مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية (81)".
وكان للتلاميذ الاثني عشر لب داخلي مكون من بطرس ويعقوب ويوحنا الذين أخذهم الرب معه على جبل التجلي وأراهم مجده (82)"، وكذلك عند إقامة ابنة يايرس من الموت (83)"، وكانوا الأقرب إليه في بستان جثسيماني ولم يقرب منه أحد سواهم عندما بدأ يحزن ويكتئب (84)". وكان القديس بطرس هو الذي تحدث الروح القدس على لسانه في الاعتراف العظيم بأن يسوع الناصري هو "المسيح ابن الله الحي (85)"، وكان يوحنا هو التلميذ الذي يحبه الرب والذي اتكأ على صدره وقت العشاء (86)" والذي اتبعه حتى الصليب والذي تسلم العذراء القديسة مريم، أم الرب، وهو على الصليب (87)"، وكان بطرس ويوحنا هما أول من ذهبت إليه مريم المجدلية لإخبارهما بحقيقة القبر الفارغ وبالتالي أول من ذهب من التلاميذ إلى القبر وشاهدا الأكفان والقبر الفارغ (88)". وكانا هما أكثر من تحدث معهم الرب بعد القيامة وعند ظهوره على شاطئ بحيرة طبرية وطلب من بطرس أن يرعى غنمه ووعد يوحنا بالعمر الطويل (89)".
وكان بطرس ويوحنا ويعقوب (أخا الرب) معتبرين أعمدة في الكنيسة الأولى (90)"، بعد استشهاد يعقوب بن زبدي (91)".
وإلى جانب الاثني عشر فقد "عين الرب سبعين آخرين أيضًا وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعًا أن يأتي (92)".
وقد طوب السيد المسيح تلاميذه ومدحهم لأنهم نالوا ما لم يناله قبلهم الأنبياء والأبرار والملوك، فقد كشف لهم عن ذاته وعن العلاقة بين الآب والابن ورأوا كلمة الله المتجسد، صورة الله غير المنظور، الله الظاهر في الجسد "والتفت إلى تلاميذه وقال كل شيء قد دفع إلى من أبي. وليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له. والتفت إلى تلاميذه على انفراد وقال طوبى للعيون التي تنظر ما أنتم تنظرونه. لأني أقول لكم أن أنبياء كثيرين وملوكًا كثيرين أرادوا أن ينظروا ما أنتم تنظرون ولم ينظروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sacj8bs