الطريق التقليدي والطبيعي هو أن يتزوج الإنسان وينجب نسلًا "اثمروا وأكثروا واملأوا الأرض" (تك28:1) ويتربي هذا النسل حسنًا ويدرس جيدًا من ثم يتزوج ثم ينجب ويعد أولاده لدورة جديدة في الحياة وهكذا مثل ساقية تدور يدفعها هو إلى آخر ما تصل إليه يده ومن ثم يبدأ الابن في تسلم مكانه وهكذا، فيولد الإنسان في العالم يأكل ويشرب ويعمل ويلبس ويفرح.. يحيا بين الناس.. يجري عليه كل ما يجري عليهم ويصدر عنه جميع ما يصدر عنهم. ولكل إنسان دوره في الحياة والذي يختلف عن الآخر.
أما الراهب فقد اختار حياة مختلفة (ليست ضد ما هو طبيعي، بل سمو بما هو طبيعي) فهو يحيا وحيدًا في قلايته.. يترك أسرته وعمله وما كان يحيط به من كرامة أو مال أو كتعة ليبحث عن بدائل يطول أمدها ويستمر تأثيرها.. فيعمل في أي شيء ويرتدي ما يستر عريه فقط ويكتفي من الطعام بما يقوم بأوده، ويوجه عواطفه وطاقاته نحو الله من خلال العبادة والتسبيح ونحو الناس من خلال الصلاة لأجلهم (لقد سأل الأنبا بولا وكذلك القديس مرقس الترمقي عن أحوال العالم وهل يصوم الناس وهل يجترحون الآيات وهل انتهى الاضطهاد وساد الهدوء)..
إن حياة الراهب ليست منطقية (حسب الأعراف والتقاليد). فهي محاولة للعودة بالإنسان إلى ما قبل السقوط، حيث الإتحاد بالله وعندئذ يملك على كافة مشاعره، فلا يحتاج الإنسان، المخلوق الاجتماعي، إلى معين نظيره، أي الحياة الاجتماعية.. لذا فالرهبنة طريق خاص جدًا..
ومن هنا يجب أن يكون اليقين في القرار مئة في المئة، بحيث لا يصنع الترجيح مع الفكرة أو التغليب أو الاستحسان، فإن مال شخص ما إلى الرهبنة بنسبة ثمانين في المئة فقط، فعليه ألا يغامر بالالتحاق بالرهبنة بل يجب أن يتأكد جيدًا أنه لا يرغب في حياة غير هذه، وهناك في هذا الصدد محوران، المحور الأول هو أن يدرس الشخص الأمر جيدًا: هل سترهب أم لا، وأما الحور الآخر فهو هل إذا لم يترهب سيتزوج أم لا، فإن عدم الرهبنة لا يعني الزواج بالضرورة كبديل، وبالتالي فإن عدم الزواج لا يعني الاتجاه للرهبنة.
"أريد أن تكونوا بلاهم. غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف يرضي الرب وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته. إن بين الزوجة والعذراء فرقًا غير المتزوجة تهتم فيما للرب لتكون مقدسة جسدًا وروحًا. وأما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضي رجلها.. وأما من أقام راسخًا في قلبه أن يحفظ عذراءه فحسنًا يفعل. إذا من زوج حسنًا يفعل ومن لا يزوج يفعل أحسن (1كو32-38).
ومن طريف ما يذكر أن الفرق بين الراهب والعلماني من جهة الزواج، هو أن الراهب تعفف عن ألف فتاة (هن عدد الفتيات المستعدات للزواج في بلدته مثلًا) بينما تعفف المتزوج عن ألف إلا واحدة!! فالفرق من جهة الزواج فقط لا يذكر! وعندما سئل شاب راهب لماذا لم يتزوج، قال: أنه يحب جميع الناس قي بلدته رجالًا ونساء فلم يستطيع اختيار أية فتاة ليتزوجها، وبطبيعة الحال فإنه لن يتزوج الجميع، ولذلك فقد أثر أن يترهب!! وقد يبدو الكلام لأول وهلة محض دعابة ولكنه يحمل في ثناياه فكرًا راقيًا وهو أن الرهبنة ليست مجرد امتناع عن الزواج، وكذلك أن الراهب هو شخص وهب كل محبته لله من جهة وللجسد المسيحي كله (الكنيسة) من جهة أخرى.
ولكن معلمنا بولس الرسول يضع حدًا فاصلًا ما بين الزواج والبتولية (اكو7) فالعفة في الزواج ارتقاء وانضباط، أشار إليه معلمنا بولس الرسول قائلًا: لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضًا معًا لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم (اكو5:7) غير أن تلك العفة لا ترقي مطلقًا إلى العفة في البتولية والرهبنة، حيث يوصف الرهبان من هذا المنطلق بالملائكة الأرضيين.
يقول ماراسحق، قبل كل شيء ينبغي أن نعلم أن تدابير المسيحيين تنقسم إلى إفرازات كثيرة (طرق) وذلك لمعرفة سيدنا يعجز وضعف طبع بني البشر وكثرة اختلاف آراء النصارى فإنهم ليسوا جميعًا يريدون أو يستطيعون أن يسلكوا في طريق الكمال التعبة العسرة، لكي يدركوا بعمل الجسد وعرق النفس ذلك الشيء الذي من أجله أدركهم المسيح، اعني ان يحبوه بالكمال بعمل وصاياه المحيية حتى إلى الموت، مثلما أحبهم هو وأظهر حبه لهم بالفعل بكل تعب وتجربة احتملها من اجلهم حتى إلى موت الصليب المهين، فلهذا استعمل معهم الرحمة ووضع قدامهم طرقًا كثيرة وسبلًا مختلفة، لكي الذي ما يقدر أن يسير في الطريق التعبة لأجل صعوبتها، يسير في الأخرى لأجل سهولتها، حتى لا يخيب أحد النصارى من ميراث ملكوت السموات، التي أنعم بها عليهم بسفك دمه من أجلهم، لأن كل إنسان حسب محبته لسيدنا وبمقدار عمله لوصاياه، فكذلك تكون مكافأته وتنعمه، قال سيدنا، كثيرة هي المنازل في بيت أبي وكوكب أشرف من كوكب في المجد،1ه.
ولذلك يقول السيد المسيح للشاب الغني إن أردت أن تكون كاملًا اذهب وبع كل أملاكك وتعال اتبعني متي21:19.
ويجدر بالذكر هنا أن بعض الشباب عندما يفكرون في الرهبنة فهم إنما يفكرون في حياة نقية نموذجية وليس بالضرورة أن تكون ديرًا ورهبنة وبالتالي فإن وحج مجتمعًا تتوافر فيه الشروط التي يرجوها فلن تكون هناك ضرورة لحياة رهبانية، ولذلك فقد وجد بعض الشباب في بعض المجتمعات خارج مصر ملاذًا لهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2kp9968