الكتابة نوعان الصورية والهجائية. وفي الكتابة الصورية (الهيروغليفية مثلًا) قد يعبر عن التصورات الذهنية بصورة تشبهها كصورة رجل للتعبير عن تصور الرجل أو برموز كصورة عين رمزًا إلى البصر والمعرفة وصورة أسد رمزًا إلى الشجاعة، إلخ.. أما الكتابة الهجائية ففيها تنوب العلامات عن الألفاظ الموجودة في الكلمات وذلك إما بجعل العلامة تدل على الكلمة برمتها أو على هجاء منها وهو الأكثر شيوعًا. والكتابة الصورية قديمة جدًا، وقد اشتهرت بنوع خاص في مصر حيث لا تزال إلى يومنا الحاضر ماثلة على جدران هياكلها ومدافنها وسائر آثارها الشهيرة. ولا تزال هذه الكتابة مستعملة بين بعض الأمم البدائية كالهنود الحمر ومنها آثار كثيرة باقية في بلاد المكسيك والبيرو على الأخص. وكانت الكتابة المسمارية Cuneiform التي اخترعها السومريون واستخدمها فيما بعد البابليون الآشوريون كتابة تصويرية في المبدأ ولا تزال آثار كثيرة محفوظة في أشور وبابل وبلاد الفرس وأول من اهتدى إلى حل رموزها هو جروتيفند من سنة 1800 إلى 1815.
أما كتابة مصر الهيروغليفية فقد بقيت معانيها مجهولة حتى اهتدى إلى حلها أحد العلماء الفرنسيين المدعو شامبليون Champollion عام 1822 م. وقد اثبت الكثير منها بعض الحوادث المذكورة في الكتاب المقدس.
وأما الكتابة الهجائية فقد أُخذت عن الكتابة الهيروغليفية واستخدمها الساميون الذين كانوا يعملون في المناجم في سيناء. وأقدم أثر باق من هذه الكتابة الهجائية هو ما اكتستة فيلندرز بيتري سنة 1905 في سرابيت الخادم في سيناء ويرجع إلى حوالي 1800 قبل الميلاد. ثم أدخل الفينيقيون تحسينات كثيرة على هذه الكتابة الهجائية وعنهم أخذها اليونان والرومان وغيرهم من الشعوب.
وكان اليهود أو بالأخص بعض منهم يعرفون الكتابة (خر 17: 14؛ 24: 4؛ عد 33: 2؛ 2 صم 11: 14؛ 1 مل 21: 8، 9؛ 2 مل 10: 1، 2، 6، 7). وأحرفهم مأخوذة من الفينيقية ولكنها امتازت عنها مع تمادي الزمن. (وللأدوات التي كتب بها اطلب: "قلم" وللمواد اطلب: "حبر" ولما كتب عليه اطلب: "كتاب" إلخ.).
ومن المعروف الآن أن الكتابة كانت منتشرة في أور الكلدانيين قبل أن يرحل عنها إبراهيم الخليل بعدة قرون، وفي مصر عدة قرون قبل أن يسكن بنو إسرائيل على ضفاف النيل. وكانت أيضًا مستعملة في مدن كنعان وقتًا طويلًا قبل أن يستولي العبرانيون عليها.
وقد كتب العبرانيون أثناء رحيلهم من مصر (تث 31: 24) ونقشوا الناموس على المذابح (خر 28: 4، 8؛ يش 8: 32). وحفروا كلمات على أحجار كريمة ومعادن (خر 39: 14، 30). وقد كتب شاب من سكوت في أيام جدعون أسماء أمراء وشيوخ سكوت الـ77 (قض 8: 14).
وكانت كتابة بابل المسمارية القديمة تنقش إما على فخار طري ثم يُشوى بالنار أو على ألواح حجرية أو معدنية أو على حجار كريمة تصنع منها الأختام. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وكانت الرسائل المرسلة من كنعان إلى فراعنة مصر، وفي القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد مكتوبة على ألواح خزفية. وهذه الألواح هي التي أصبحت تعرف بين العلماء باسم لوحات تل العمارنة. وقد كتب المصريون على الحجارة والبابيروس (ورق البردي) قبل سكن بني إسرائيل بينهم بزمن طويل.
ومن رسائل العهد الجديد نرى أنَّ المؤلف ربما كان شخصًا والكتاب شخصًا آخر. ثم يضيف المؤلف إلى آخر الرسالة أو المؤلف كلامًا يدل على أنه المؤلف لها (1 كو 16: 21؛ كو 4: 18؛ 2 تس 3: 17). وقد أضاف ترتيوس كاتب بولس كلامًا من عنده إلى رسالة بولس للرومانيين (رو 16: 22) أما خط بولس فكان بحروف كبيرة (غل 6: 11).
مقال تفصيلي:
في كل بلاد الشرق الأوسط القديم، منذ نحو 3100 ق.م. علي الأقل، كانت الكتابة السمة المميزة للحضارة والتقدم. وقد حدثت في الألف الثانية قبل الميلاد، تطورات كثيرة أدت إلي ظهور الحروف الأبجدية، مما زاد من معرفة القراءة والكتابة. ومع أن الوثائق التي وجدت في فلسطين، والتي ترجع إلي ما قبل السبي البابلي، عددها قليل إذا قورن بعدد الوثائق التي وجدت في مصر أو فيما بين بلاد النهرين، أو سورية، إلا أنها تدل علي أن قرب أرض فلسطين من بلاد الحضارات القديمة كان عاملًا علي تقدم فن الكتابة في جميع حقب التاريخ. والكلمة العبرية "كَتَبَ" (وهي نفسها في العربية والأرامية) ترد أكثر من 450 مرة في العهدين القديم والجديد.
أولا: الإشارات للكتابة في الكتاب المقدس:
نجد أول إشارة للكتابة في قول الرب لموسي عن حرب عماليق:"اكتب هذا تذكارًا في الكتاب، وضعه في مسامع يشوع، فإني سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء" (خر17: 14 ). كما "كتب موسي جميع أقوال الرب" (خر24: 4). وأعطاه الرب لوحي الشهادة مكتوبين " علي جانبيهما من هنا ومن هناك كانا مكتوبين. واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة علي اللوحين " (خر32: 15، 16؛ انظر أيضًا خر34: 1، 2). وكتب يشوع علي الحجارة "نسخة توراة موسي" (يش8: 32). فقد كانت لديهم الشريعة مكتوبة في سفر (تث30: 10)، كذلك كل الأحكام التي أوصاهم بها الرب (خر34: 27، انظر أيضًا 2مل17: 37). كما كانت تكتب عقود الزواج والطلاق (تث24: 1؛ مرقس10: 4).
وكتب موسي تفاصيل رحلات بني إسرائيل (عد33: 2)، كما كتب نشيد النصر وعلَّم بني إسرائيل إياه (تث31: 19و 22). وكان يساعده في كل ذلك "عرفاء" (عد11: 16). والكلمة العبرية المترجمة "عرفاء "هي "سوتريم" وهي مشتقة من الفعل "ساتارو" الذي يعني في اللغة الأكادية "يُسطَّر".أو يكتب. ولقدرتهم علي كتابة القرارات والأحكام ارتبط ذكرهم مع القضاة (تث 16: 18؛ يش 8: 33؛ 1 أخ 23:4).
وفي أثناء الارتحال في البرية، كان الكهنة يكتبون اللعنات (عد5: 23). كما كتب يشوع العهد الذي قطعه الشعب في شكيم (يش24: 26). بل أن جدعون "أمسك غلامًا من أهل سكوت وسأله فكتب له رؤساء سكوت وشيوخها، سبعة وسبعين رجلًا (قض8: 14).
وكتب صموئيل قضاء المملكة في سفر "ووضعه أمام الرب" (1صم10: 25). كما كتب داود مكتوبًا إلي يوأب "قائد جيشه" (2صم11: 14). كما كتب نظام خدمة الكهنة واللاويين، كما فعل سليمان نفس الأمر (2أخ35: 4). وتبادل سليمان الرسائل مع حيرام ملك صور (2أخ2: 11). وكتب ملك أرام رسالة لملك إسرائيل بخصوص نعمان السرياني قائد جيشه (2مل5: 5). وكان هناك علي مدي العصور - كتبة في قصور الملوك والحكام والرؤساء لتسجيل أسماء الأشخاص (1أخ4: 41؛ 24: 6؛ انظر أيضًا عد1: 26؛ نح 12: 22؛ إش10: 19؛ إرميا22: 30).
وقد كتب إشعياء النبي بنفسه (2أخ26: 22؛ إش8: 1)،وأملى علي كاتب (30: 8).وكتب الملك حزقيافي أيامه رسائل إلي أفرايم ومنسي (2 أخ 30: 1). يقول عنها إشعياء "كتابة حزقيا ملك يهوذا " (إش38: 9). كما وصلته رسائل من سنحاريب ملك أشور فأخذها وقرأها (إش37: 14؛ انظر أيضًا 39: 1؛ 2 أخ32: 17). وأملى إرميا النبي علي باروخ الكاتب (إرميا30: 2؛ 36: 27؛ 45: 1) فقد كانت الكلمة المكتوبة جزءًا هامًا من النبوة (انظر2أخ21: 12؛ أي19: 23).
وكان دانيال وأقرانه في بلاط ملك الكلدانيين،يقرأون ويكتبون (دانيال5: 24، 25). وكان هناك نظام دقيق للبريد في كل الإمبراطورية الفارسية (أس3: 12، 13؛ 8: 9، 10؛ 9: 38، 39). وكتب نحميا الميثاق (نح 9: 38)، بينما كتب أعداؤه لملك فارس (عز 4: 6 و7، 5: 7، 6: 2). وكان عزرا نفسه كاتبًا ماهرًا في شريعة موسي (عز7: 1؛ انظر أيضًا8: 34).
وكثيرًا ما أشار الرب يسوع والرسل إلي كلمة الله المكتوبة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. فَتَرِد عبارة "مكتوب" 106 مرات في العهد الجديد. وكان الرب يسوع يقرأ (لو4: 16-19)، ويكتب (يو8: 6). وكتب زكريا الكاهن اسم ابنه يوحنا علي لوح (لو1: 63)، كما كتب بيلاطس البنطي علة المسيح بلغات ثلاث (يو19: 19، 22).
وقد كتب يوحنا (يو21: 24)، ولوقا (لو1: 3؛ أع1: 1)، وبولس الرسول (رو15: 15؛ غل6: 11؛ فل1:1)، وفي بعض الأحيان استخدم كاتبًا مثل ترتيوس (رو16: 22). لقد كتب لنا هؤلاء وغيرهم الأحداث التاريخية والرسائل التي تشكل العهد الجديد. وتتكرر كلمة "اكتب" كثيرًا في سفر الرؤيا (رؤ 1: 11 - 21:5).
وحيث أن الكتابة بطبيعتها وسيلة اتصال وإعلام وشهادة، فإنها تستخدم مجازيًا للتعبير عن انطباعها في ذهن المتلقي وقلبه بعمل الروح القدس (2كو3: 2، 3؛ عب8: 10؛ 10: 16؛ ارجع أيضًا إلي إرميا31: 33؛ أم3: 3).
ثانيًا :مواد الكتابة:
لقد استخدم الإنسان أي سطح أملس للكتابة عليه، فاستخدم:
(1)- الحجر:
فكانت تنقر الكتابة علي سطوح الأحجار والصخور (انظر أي19: 24) سواء كانت علي شكل ألواح أو أعمدة أو مسلات أو سفوح جبال أو حوائط المعابد أو القبور (انظر إش22: 15-19)، أو أحجار المذابح (يش8: 32؛ تث27: 2، 3). وقد نقش حمورابي شريعته علي لوحين "بأصبع الله" (خر32: 16) وكلمة "لوح" (وهي بنفس اللفظ في العبرية) تدل علي شكل اللوح المستطيل أكثر مما تشير إلي مادته.
(2)- ألواح الكتابة:
لعل الألواح التي كتب عليها إشعياء (8: 1؛ 30: 8)، وحبقوق (2: 2) كانت من الخشب أو العاج، لها حافة لحفظ طبقة الشمع التي كانت تغطي بها للكتابة عليها.وكان يمكن تثقيب هذه الألواح من أحد جوانبها ووصلها بمفصلات بغيرها لتكوين ما يشبه الكتاب. وأقدم صورة لهذه الألواح وجدت في "نمرود" (أشور). وترجع إلي نحو 705ق.م. وكانت أمثال هذه الألواح تستخدم في العصور اليونانية والرومانية (انظر لو1: 63).
(3)-القوالب الطينية:
مثل تلك "اللبنة" التي رسم عليها حزقيال النبي مدينة أورشليم (حز4: 1). وكانت الكتابة علي القوالب الطينية واسعة الانتشار في بابل، لعدم توفر الأحجار والصخور.
(4)-البردي:
لا يذكر البردي في الكتاب المقدس كمادة للكتابة عليها، ولو أن يوكابد -أم موسى- عملت له -وهي في مصر- سفطًا من البردي، وطلته بالحمر والزفت ووضعته فيه، ووضعته بين الحلفاء علي حافة النهر (خر2: 3). وكان يمكن الحصول علي البردي من فينيقية وبحيرة الحولة ونهر الأردن منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وقد وجدت برديات مكتوبة بالعبرية في كهوف قمران تعود إلي ما بين القرن الثاني قبل الميلاد إلي القرن الثاني بعد الميلاد. كما كان البردي معروفًا عند الأشوريين والبابليين في القرن السابع قبل الميلاد، بينما كان استخدامه واسع الانتشار في مصر منذ أقدم العصور. والأرجح أن الورق الذي ذكره الرسول يوحنا (2يو12) كان من البردي.
(5)-الجلود والرقوق:
استخدمت الجلود في مصر للكتابة عليها أحيانًا لسهولة محو الكتابة بغسلها بالماء، وإعادة استخدامها. وفي زمن الفرس كانت الجلود تُعد للكتابة في بابل، حيث لا ينمو البردي. ولا بد أن جلود الخراف والمعز كانت متاحة لبني إسرائيل لنسخ النصوص الكتابية عليها (كما في لفائف قمران).
(6)-الشقف:
والشقف هو الخزف أو مكسره. وكان الشقف يستخدم بكثرة للكتابة علية، لتوفره ورخص ثمنه، وبخاصة لكتابة المذكرات القصيرة بقلم أو فرشاة وحبر. وقد اكتشفت كميات كبيرة من الشقف في فلسطين، كاملة أو مكسورة، أو قد انمحت من عليها الكتابة. كما أن الأواني الفخارية كان يكتب عليها قبل أو بعد حرقها. فكان يكتب عليها اسم مالكها أو محتوياتها أو سعتها.
ثالثًا :أدوات الكتابة:
(1)- تنوعت أدوات الكتابة بتنوع المواد التي يكتب عليها، فاستخدم الأزميل أو المرقم أو المنقاش المعدني للكتابة علي الأحجار أو المعادن أو العاج أو الخشب أو الخزف. ويقول إرميا النبي:" خطية يهوذا مكتوبة بقلم من حديد برأس من "الماس" (إرميا17: 1). ويقول أيوب: ليت كلماتي الآن تكتب، يا ليتها رسمت في سفر، ونقرت إلي الأبد في الصخر بقلم حديد وبرصاص" (أي19: 23، 24). وكان الكتبة يستخدمون أقلامًا من القصب (الغاب) للكتابة بالحبر علي البردي أو الشقف أو علي أي سطوح ملساء (إرميا36: 18). ولذلك كان يلزم تهذيب هذه الأقلام كلما كلت، فكان الكاتب يحمل معه مبراته (إرميا 36: 23). وفي العصر اليوناني الروماني، كانوا يبرون هذه الأقلام من القصب حتى يصبح لها سن مدبب، وهو ما كان يستخدم في عصور العهد الجديد (3يو3).
(2)-الحبر:
وكان يصنع بخلط السناج بالصمغ أو بالزيت للكتابة علي الرقوق، أو بخلطه بمادة معدنية للكتابة علي البردي. وكان هذا الحبر يحفظ علي شكل كعكة جافة (حز9: 2، 3، 11) يغمس فيها الكاتب قلمه مبللًا بالماء. والحبر الذي كتبت به شقفة لخيش كان خليطًا من الكربون والحديد (مثل عفص البلوط أو كبريتات الحديدوز). كما استخدم الرومان عصير سمك الحبَّار. وكان من السهل محوه بالغسل (انظر عد5: 23)، أو بقشطه بسلاح المبراة (انظر إرميا 36: 23). أما الحبر الذي يذكره الرسول بولس (2كو3: 3) والرسول يوحنا (2يو 12؛ 3يو13) فالكلمة في اليونانية هي "ميلان"وتعني"أسود".
رابعا:أشكال الوثائق:
(1)-الألواح:
تختلف حجوم الوثائق الفخارية المكتوبة بالخط المسماري فتتراوح ما بين ست ملليمترات مربعة، 45×30 سم2 حسب المساحة المطلوبة للكتابة. وكانت الكتابة من الشمال إلي اليمين. وإذا احتاج الأمر لأكثر من لوح، كانت توضع علامة أو كلمة في نهاية اللوح المنتهي، ومثلها في بداية اللوح الجديد. وكان يمكن أن تكون الكتابة علي الألواح الخزفية أو في الدرج علي عدة أعمدة، وبالطول الذي كانت تستلزمه الكتابة.
وكانت العقود تحفظ عادة في غلاف أو ظرف من الخزف يكتب عليه المضمون، ويختم بأختام الشهود. أما الكتابات التاريخية التي كانت تستلزم مساحات أكبر، فكانت تكتب علي منشورات خزفية أو أسطوانات علي شكل برميل. كما كانت تختلف الألواح الخشبية في حجمها وعددها حسب الحاجة.
(2)- الدرج:
كان الشكل العادي " الكتاب " في عصور الكتاب المقدس هو الدرج أو اللفافة، من البردي أو الجلد أو الرقوق التي كان يكتب النص علي احد وجهيها. وإذا لزم الأمر كان يكتب أيضًا علي الوجه الأخر، أي من الداخل والخارج (القفا-حز2: 10). وكان يسمي هذا أحيانًا "درج الكتاب " أو "درج سفر" (مز40: 7؛ إرميا36: 2؛ حز2: 9).
وكلمة "سفر" العبرية (وهي نفسها في العربية) يمكن أن تدل على درج أو لفافة (انظر إش 34: 4)، فهي تدل على أي وثيقة من الجلد أو من البردي كما قد تدل علي "مكتوب" (2صم11: 14). أو "رسالة" (2مل10: 1؛ إش37: 14) أو "كتب" للدلالة علي مرسوم ملكي (أس1: 22).
كما تستخدم كلمة "سفر" العبرية في الإشارة إلي أقوال أو رسالة من النبي (إرميا25: 13؛ 29: 1؛ دانيال12: 4)، أو كتاب أو شهادة شرعية بالطلاق (تث24: 1؛ إرميا3: 8؛ إش50: 1)، أو صك شراء حقل (إرميا 32: 11)، أو "سفر انتساب" (نح7: 5)، أو "كتاب مواليد" (تك5: 1)، أو "كتاب العهد" (خر24: 7)، أو "سفر الناموس" (تث28: 61)، و"سفر توراة موسى" (يش8: 31)، أو "كتاب حروب الرب" (عد21: 4)، أو " سفر ياشر" (يش10: 13)، وكذلك بعض الكتب التاريخية (1مل11: 41؛ 14: 19؛ 1أخ27: 24؛ 2أخ16: 11؛ 25: 6). ويطلق لفظ " الكتب"علي مجموعة الأسفار المقدسة (دانيال9: 2).
(3)- المخطوطة:
في حوالي القرن الثاني بعد الميلاد، بدأت المخطوطة تحل محل الدرج. وكانت المخطوطة تتكون من عدة أوراق من البردي أو الرقوق، تُجمع وتخاط معًا في جانب منها. وكثيرًا ما كانت المخطوطة تحفظ في غلاف من دفتين. وكانت هذه خطوة هامة في تطور الكتاب إلي صورته الراهنة. وكان المسيحيون من أوائل من طوروه إلي هذه الصورة، لأنهم أرادوا أن يجمعوا أسفار العهدين القديم والجديد معًا لاستخدامها في الاجتماعات المسيحية.وقد تم هذا قبل نهاية القرن الثانى الميلادي، أن لم يكن قبل ذلك. ولكن ظل نظام المخطوطات القديمة ساريًا أيضًا حتى القرن الرابع الميلادي.
خامسًا : أنواع الكتابة:
(أ)-الهيروغليفية:
وهي الكتابة المصرية القديمة، وكان لها ثلاث صور هي: الهيروغليفية أي الكتابة المقدسة ، والهيراطيقية أي كتابة الكهنة، والديموطيقية أي الشعبية.
(1)- الهيروغليفية:
وكانت الهيروغليفية المصرية كتابة تصويرية، فكانت أساسًا عبارة عن صور للتعبير عن أشياء تمثلها، لنقل الفكر أو المعلومة إلي الآخرين أو لحفظها للمستقبل. وسرعان ما أصبحت هذه الصور رموزًا للتعبير عن أصوات بعينها، وبخاصة الحروف الساكنة من الكلمة المصرية التي تعبر عن الشيء المطلوب التعبير عنه فأصبح في الإمكان استخدام نفس العلامات للدلالة علي نفس الحروف الساكنة عند كتابة كلمات أخرى. ثم أصبحت كل علامة من هذه العلامات الصوتية يدل علي حرف ساكن معين، وهكذا ظهرت أول أبجدية في العالم.
(2)- الهيراطيقية والديموطيقية:
وهما كتاباتان مأخوذتان عن الهيروغليفية التي احتفظت بأشكالها التصويرية طوال تاريخ مصر القديم والكتابة الهيراطيقية كتابة ذات حروف متصلة، وكانت تكتب بقلم وحبر على ورق البردي، اختزلت إلي، فلم تعد تصويرية ، وذلك لاستخدامها في حالة الكتابة السريعة، فالهيراطيقية بالنسبة للهيروغليفية أشبه بخط اليد بالنسبة للحروف المطبوعة.
وقد ظهرت الهيروغليفية في مصر قبل قيام الأسرة الفرعونية الأولي، أي في نحو 3,000 ق.م. وأعقب ذلك ظهور الهيراطيقية.
أما الديموطيقية فلا تزيد عن كونها كتابة هيروغليفية أسرع وأكثر اختصارا من الكتابة الهيراطيقية، وقد ظهرت في غضون القرن السابع قبل الميلاد، وظلت -مع الكتابتين السابقتين- حتى القرن الخامس بعد الميلاد.
(3)- فك رموزها:
توقف استخدام الكتابة المصرية الهيروغليفية والهيراطيقية في مصر في القرن الرابع بعد الميلاد. كما توقف استخدام الديموطيقية في القرن الخامس بعد الميلاد. وظلت اللغة الهيروغليفية لغة غير مفهومة علي مدي ثلاثة عشر قرنًا بعد ذلك، إلي أن اكتشف حجر رشيد (الذي يرجع إلي 196 ق.م. عهد بطليوس الخامس) وكان مكتوبًا عليه باللغات الثلاث الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية) في 1799 م. في أثناء حملة نابليون بونابرت علي مصر. وعن طريق حجر رشيد أمكن للعالِم الفرنسي شامبليون أن يحل رموز اللغة المصرية القديمة في 1822 م. وأثبت أن اللغة الهيروغليفية كانت الأم للغة القبطية.
(4)- مجالات استخدامها:
كانت الهيروغليفية المصرية منذ البداية تستخدم في جميع الأغراض، مثل السجلات التاريخية والنصوص الدينية، والأعمال الإدارية المدنية. وكانت تكتب على البردي أو الشقف، كما كانت تنقش علي الأحجار أو المعادن أو الخشب حسب مقتضي الحال. ومنذ أوائل الألف الثالثة قبل، أصبحت الكتابة الهيراطيقية -الأسهل استخدامًا- هي المستخدمة في الكتابة علي البردي لجميع الأعمال الإدارية واليومية، وظلت الهيروغليفية تستخدم في الكتابات الرسمية وفي النقش علي الآثار. ثم حدث ابتداء من القرن السابع قبل الميلاد أن حلت الديموطيقية في مجال الأعمال والإدارة، بينما أصبحت الهيراطيقية -منذ القرن العاشر قبل الميلاد- تستخدم في البرديات الدينية.
(ب)- الكتابات المسمارية:
(1)- الأكادية:
كانت تستخدم في بابل كتابة تصويرية، سواء علي القوالب الطينية أو الأحجار منذ3100 ق.م. ثم اتضح أنه من الصعب كتابة خطوط مقوسة علي القوالب الطينية، لذلك سرعان ما حلت محلها كتابة بعمل شقوق أشبه بالإسفين. ثم حدث تطور أخر لتسهيل الكتابة، فبدلًا من الكتابة علي أعمدة من اليمين إلي اليسار. بدأ استخدام العلامات الرمزية لتمثيل الكلمات المتشابهة في النطق ولكنها مختلفة في المعاني، أو تشكل مقاطع في كلمات أخرى. كما استخدمت علامات مميزة توضع بل أو بعد الكلمات التي من نوع واحد (مثل: الآلهة، أسماء الأشخاص أو الأماكن، أو الحيوانات، أو الأدوات الخشبية... إلخ.). وفي 2800 ق.م. كانت - الكتابة المسمارية قد وصلت إلي نهاية تطورها.
ومنذ الألف الثالثة قبل الميلاد، كانت الكتابة المسمارية -وبها أكثر من خمسمائة علامة رمزية- واسعة الانتشار خارج دائرة بلاد النهرين (حيث كانت تستخدم في اللغات السومرية والبابلية والأشورية). كما استخدمت في كتابة لغات أخري، وبخاصة اللهجات السامية الغربية والحورانية واللغات الحثية المختلفة. وفيما بين القرنين الخامس عشر إلي الثالث عشر قبل الميلاد، استخدمتها المدن الرئيسية في فلسطين في الشئون الإدارية والدبلوماسية. فقد وجدت ألواح مسمارية في تعنك وفي شكيم وأفيق، وفي تل الحصي وجازر وحاصور وأريحا. وباكتشاف نسخة من جزء من ملحمة جلجاش في مجدو في 1955 م. ثبت أنه في تلك الفترة. كان لدي الكتَّاب القلائل المتدربين علي هذه الكتابة، علم بالأداب البابلية الشهيرة.
(2) - الأوغاريتية:
استخدم الكتَّاب في "رأس شمرا" (أوغاريت قديمًا) الكتابة الأكادية المسمارية في المراسلات الدولية وغيرها فيما بين القرنين الخامس عشر والثالث عشر قبل الميلاد. وبجانب ذلك أيضًا ابتكروا أسلوبًا فريدًا للكتابة، فقد مزجوا بين الأبجدية الكنعانية (الفينيقية ) التي كانت موجودة، مع أسلوب بلاد النهرين في الكتابة بالمرقم علي الألواح الطينية، وهكذا استخدموا الخط المسماري في كتابة أبجدية الحروف الساكنة. وحيث أنها كانت تستخدم في اللغات السامية، وغير السامية ( الحورانية)، فقد أضافوا إليها 29 رمزًا باستخدام أسافين قليلة، بأسلوب بسيط (قد يكون بينه وبين الأكادية بعض الشبه) لتمثيل الحروف الساكنة، وثلاث حروف متحركة (أشبه بحروف العلة الثلاثة).
وكانت هذه الكتابة تستخدم في المجالات الدينية والأدبية (الأساطير) والإدارية، وفي بعض المراسلات. ومع أنها كانت أسهل في تعلمها من الأكادية، إلا أنه لا دليل علي أنها كانت واسعة الاستخدام، وإن كان قد وجد منها شيء في بيت شمس وتابور وتعنك في فلسطين ، وبعض الأمكنة في جنوبي سورية ويبدو أن هذا الابتكار ظهر متأخرًا فلم يستطع أن يحل تمامًا محل الكتابة الفينيقية التي كانت راسخة الأقدام.
(3)-الفارسية القديمة:
في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، كانت الكتابة الأبجدية الأرامية، قد حلت -إلي مدي بعيد- محل الكتابة المسمارية، إلا في بعض المراكز القديمة، وفي أنواع من وثائق المعابد التي استمر استعمال الكتابة المسمارية فيها 75 م.
وقد استخدم في عهد الأخمينيين أسلوب خاص مشتق من الكتابة المسمارية البابلية -بجانب الكتابة الأرامية- في كتابة لغتهم "الهندوإيرانية ". وأكثر ما تظهر فيه هذه الكتابة المسمارية المبسطة، وهي النصوص التاريخية من عهد داريوس الأول وأجزر كسيس . وقد استخدمت نقوش " صخرة بهستون " بالفارسية القديمة والبابلية والعيلامية لفك رموز الكتابة المسمارية، وسرعان ما أمكن فك رموز الفارسية القديمة بعد نشر نسخة "رولسون" 1845 م.
وهذه الكتابة المسمارية تحتوي علي ثلاثة أحرف متحركة وثلاث وثلاثين علامة ساكنة مع حركاتها، وثمانية رموز، وكلمتين للفصل. وكان هناك شكل أخر من الكتابة المسمارية استخدام في كتابة اللغة العيلامية (إلي الجنوب الغربي من فارس) في أشكالها الأولي ، وبعد ذلك في أكثر من 2.000 وثيقة اقتصادية من "برسيبليس" ترجع إلي حوالي 492- 460 ق.م.
(ب)- الكتابة الأفقية:
(1)- أن الاستعمال الواسع للهيروغليفية المصرية والمسمارية البابلية في سورية وفلسطين، منذ الألف الثالثة قبل الميلاد ، ساعد علي الوصول إلي أساليب أسهل لكتابة اللغات المحلية. ففي بيبلوس (جٌبيل) ازدهرت "كتابة" كانت تتكون من نحو مائة علامة مقطعية في الألف الثانية قبل الميلاد، وهي ما زالت غير مفهومة تمامًا. وفي نفس الوقت ظهرت الكتابة الأفقية في كريت، وكتابة شبيهة بها في قبرس، اكتشفت نماذج منها في أوغاريت. وتدل الاكتشافات المختلفة علي وجود كتابات أخري، وترجع إلي تلك الفترة، وبخاصة ثلاثة ألواح طينية من "تل دير الله" في وادي الأردن، وعمود حجري في موأب.
(2)- الكتابة الأبجدية:
في أوائل الألف ثانية قبل الميلاد، يبدو أن كاتبًا كان يعيش في سورية وفلسطين، ولعله كان يعيش في " بيبلوس"، لاحظ أن لغته يمكن كتابتها برموز أقل كثيرًا مما في الأبجديات المقطعية المرهقة التي كانت مستخدمة وقتئذ، ووجد أنه يمكن التعبير عن كل حرف ساكن برمز واحد. وكانت هذه الرموز عبارة عن صور علي النمط المصري فكانت الهيروغليفية تشتمل علي صور تمثل الأصوات الأساسية للكلمات، كما نقول نحن الآن "ب": " بطة" وهكذا تصبح " البطة" رمزًا لحرف "الباء"، وهكذا اختصر عدد الرموز، فأصبح ثمة رمز واحد لكل حرف ساكن في اللغة. ولم تكن الحروف اللينة (حروف العلة) تكتب منفصلة إلي أن عالج اليونانيون الأبجدية. والأرجح أن الرموز كانت تمثل حروفًا ساكنة مع علامة تدل علي حرف العلة المطلوب. وبهذا الاختراع العظيم، كسبت البشرية وسيلة بسيطة للتسجيل، مما قضى علي احتكار الكتبة المحترفين، وجعل الثقافة في متناول يد كل إنسان.
وقد وجدت نماذج من كل هذه الأبجديات الأولية في فلسطين، ويمكن الرجوع بتاريخها إلي ما قبل 1500 ق.م. ولكن ليس بها إلا علامات قليلة ، فالأرجح أنها أسماء أشخاص، محفورة علي أواني فخارية أو معدنية. ولا تظهر العلامات كاملة - وهي نحو الثلاثين - إلا في مجموعة من الكتابات الأبجدية التي اكتشفت في نقوش سيناء. وهي عبارة عن صلوات قصيرة وابتهالات، حفرها علي الأحجار عمال كنعانيون كان يستخدمهم المصريون في مناجم الفيروز في " سرابيط الخادم" في الجنوب الغربي من سيناء، في غضون القرن السادس عشر قبل الميلاد. وفي خلال الخمسمائة السنة التالية، أصبحت الرموز أكثر بساطة وفقدت أشكالها التصويرية. وقد تم أكتشاف الكثير من هذه النماذج في مواقع عديدة في كنعان، تدل علي انتشارها وتوحيد أنماطها (كما في الشقف الذي أكتشف في لخيش وحاصور، ورؤوس السهام التي أكتشفت بالقرب من بيت لحم ولبنان).
وقد تأيد ترتيب الحروف بالأبجدية المسمارية التي أكتشفت في " أوغاريت" (من القرن الثالث عشر ق.م.) علي شقفة من " عزبة سرتة" بالقرب من أفيق. كما يبدو ذلك في نظم بعض القصائد العبرية [التي تشكل حروف أوائل كلماتها كلمة أو عبارة أو نفس الحرف، مثل (مز9، 10، 25، 34، 37، 111، 112، 119، 145؛ أمثال31: 10-31؛ مراثي1-4)]، وقد استعار اليونانيون الحروف بنفس الترتيب، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى.
(3)-الفينيقية والعبرية القديمة:
نستطيع تتبع تاريخ "الحروف الأبجدية" بوضوح ابتداء من عام 1.000 ق.م. وأن كان لم يصلنا منها سوي عينات قليلة كتبت فيما بين 1,000- 800ق.م. وكانت قد أصبحت الكتابة موحدة من اليمين إلي الشمال ، كما كان الحال في مصر. واغلب الوثائق كاننت من البردى، ولذلك ضاعت في التربة الرطبة، ولكن ما كان منها مكتوبا على الحجر أو الفخار أو المعدن بقى، ويثبت أنه كان في الإمكان استخدام هذه الكتابة في كل الأغراض. فمن الواضح أنه قبل نهاية الألف الثانية قبل الميلاد، كان لدي الأسرائيليين وسيلة جاهزة، لتسجيل وتعليم شرائع الله وكل ما عمله لأجلهم:
وأهم الأثار لدراسة الكتابة العبرية:
_تقويم جازر لتحديد المواسم الزراعية، وهو من خط يد غير ماهرة، ويرجع إلى القرن العاشر قبل الميلاد.
_الحجر الموأبى، أو عمود ميشع ملك موأب، وقد نقش عليه 34 سطرًا، وله أهميته التاريخية، كما أنه يبين تطور النقوش العبرية في بلد خارج فلسطين، في نحو عام 830 ق.م. كما أن الحروف المنقوشة جيدا تدل على الميل إلى الكتابة بحروف متصلة.
-نقش سلوم الذي يرجع إلى عصر الملك حزقيا ( حوالى 710 ق.م.).
-الكتابة على قبر الوكيل الملكى (شبنا) في سلوام، وترجع إلى نفس التاريخ (حوالى 710 ق.م.) وكانت الحروف الفينيقية والأرامية قد أخذت شكلها المميز.
أما الكتابة بالحروف المتصلة التي استخدمها كتَّاب العهد القديم، فتظهر في النقوش على رؤوس السهام وغيرها، والتي ترجع إلى نحو عام 1,000 ق.م. وأقدم مجموعة من هذه الكتابات هي التي وجدت على 75 شقفة في السامرة، ويرجع البعض منها إلى حكم يربعام الثانى (نحو 700 ق.م.). وواضح أنها كتبت بيد كُتَّاب ماهرين مدربين جيدًا وكذلك شظايا من الشقف وجدت في أورشليم وبيت شمس وتل الحصى ومجدو وعصيون جابر، والكتابة عليها شديدة الشبه بالنقش الموجود في نفق سلوام، وتختلف قليلًا عن رسائل لخيش التي ترجع إلى 590-587 ق.م. وعن معظم الشقف الذي وجد في عراد، والذي يبدو في مرحلة أكثر تقدمًا.
(4)-الأرامية:
استخدم الأراميون الأبجدية الكنعانية حالما استقروا في سورية، وشيئا فشيئًا أعطوها طابعًا مميزًا. وأقدم الكتابات الأرامية التي وصلتنا ترجع إلى نحو 850-750 ق.م. وهي جزء تصعب قراءته من عمود ملكارات لبنهدد، وكذلك قطعتان من العاج تحملان اسم " حزائيل ". وبعد عام 800 ق.م. أقام " زكور " ملك حماة عمودًا حجريًا منقوشًا عليه 46 سطرًا. وحوالى عام 750 ق.م. سجلت معاهدة بين " بارجايه" (غير معروف) و"ماتئيل" ملك أرفاد على ثلاثة أعمدة حجرية، وكلها تدل على تزايد استخدام الحروف المتصلة كما يدل على ذلك أيضا عمود " باررَكَّب " وبانتشار الأرامية، تأصلت الأبجدية بسرعة في أشور وبابل على حساب الكتابة المسمارية. وتدل البرديات التي وجدت في مصر على تطور الكتابة من نحو 600 ق.م. حتى نهاية الدولة الفارسية، و بخاصة في الوثائق التي وجدت في جزيرة " الفنتين " والتي ترجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد.
(5)-الكتابات اليهودية القديمة:
إن اكتشاف مخطوطات وادى قمران (لفائف البحر الميت) في كهوف اليهودية (وبخاصة الكتابات المستخرجة من منطقة "المربعات")، ومستودعات عظام الموتى في منطقة أورشليم، أسفرت عن اكتشاف ثروة من الكتابات التي تتيح دراسة الكتابات العبرية واليهودية القديمة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثانى بعد الميلاد، إذ نتج عن سقوط الامبراطورية الفارسية، وتوقف استخدام الأرامية التي كانت مستخدمة في في البلاط الامبراطورى، تغييرات محلية كثيرة:
*-تدل مخطوطات قمران على أن الكتابة اليهودية القديمة كانت مكتوبة بأسلوب مشتق من الأرامية الفارسية الذي كان في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، نقطة عبور من الكتابة الرسمية إلى الكتابة بحروف متصلة وقريبًا جدًا من أرامية بالميرا والنبطيين، والتي ظهرت في ذلك العهد، كما تظهر هذه الكتابة على نقود تلك الفترة.
*-عاصرت فترة الحشمونيين (حوالي 150-50ق.م.) تطور الكتابة بالحروف المربعة ذات الزوايا الحادة، كما تبدو في "بردية ناش" (Nash Papyrus) التي ترجع إلى نحو عام 150 ق.م.
*-الفترة الهيرودسية (30 ق.م.-70 م.)، كانت فترة تطور سريع مما يجعل تحديد التواريخ أقرب إلى الحقيقة.
*-الفترة التالية للفترة الهيرودسية (بعد 70 م)، و نعرفها من الوثائق التجارية والشرعية المؤرخة.
ودراسة الكتابة العبرية القديمة وعادات الكتَّاب وأشكال الحروف لها أهمية خاصة لمعرفة كيف تسربت الأخطاء أو لم تتسرب إلى نصوص العهد القديم.
(6)-اليونانية:
تنسب الأبجدية اليونانية (كما يذكر هيرودوت) إلى تاجر فينيقى يدعى "كادموس" (Cadmus). وبمقارنة الأبجديات اليونانية القديمة في أثينا وكريت وتيرا وكورنثوس وناكسوس، والكتابات الفينيقية المؤرخة، يتأيد هذا الرأى. فمن شكل الحروف اليونانية في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، يتبين أنهم قد استخدموا الرموز الفينيقية للأصوات التي لم تكن موجودة عندهم، وكذلك الحركات التي احتاجوا إليها، وبذلك خلقوا أول أبجدية صحيحة بها علامات محددة لكل من الحروف الساكنة والحروف اللينة. والكم الهائل من الأثار والمخطوطات اليونانية، يجعل دراسة الكتابة اليونانية علمًا هامًا ودقيقًا، لأجل معرفة خلفية النصوص الكتابية. ومن غربى بلاد اليونان انتقلت الأبجدية إلى الأتروسكانيين في إيطاليا. ومن الرومان انتقلت إلى سائر بلاد أوربا.
(7)-كتابات أخرى:
كما تطورت الكتابة الفينيقية وانتقلت إلى اليونان ومنها إلى إيطاليا ثم إلى سائر أوربا، هكذا تطورت الكتابة الكنعانية، كتابة اللغات السامية الجنوبية. وقد وجدت نماذج منها في جنوبى فلسطين وجنوبى بابل من نحو 600 ق.م. ثم انتقلت إلى مناطق جنوبى الجزيرة العربية بعد ذلك بقليل.
سادسًا- معرفة القراءة والكتابة:
لا نعرف سوى القليل عن مدى انتشار معرفة القراءة والكتابة، وبخاصة أن ذلك كان يتوقف على الزمان والمكان. وقد استطاع جدعون (قائد إسرائيل) أن يمسك غلاما من أهل سكوت في وادي الأردن، فكتب له أسماء رؤساء سكوت وشيوخها، سبعة وسبعين رجلا (قض 14:8). وقدرة الغلمان على الكتابة (إش1:10) زاد منها ظهور الأبجدية وإنشاء المدارس بجوار الهياكل والمعابد لتعليم الكتابة. فكان على رب كل أسرة في إسرائيل أن يكتب كلمات الشريعة (تث6: 9؛ 11: 20) فكانت الكتابة-التي لم تكن منتشرة في الغرب كانتشارها في بابل، منتشرة يقينًا في سورية وفلسطين في الألف الثانية قبل الميلاد حين كانت هناك خمس لغات على الأقل مستخدمة: الهيروغليفية المصرية، والمقطعية البابلية، والأبجدية الكنعانية، والأكادية المسمارية والأبجدية الأوغاريتية المسمارية.
وكان يتولى الكتابة عادة كتَّاب مدربون من مختلف طبقات المجتمع، مع أن أغلب كبار موظفى الإدارة كانوا من المثقفين. والكم الهائل من الألواح المسمارية والقطع الفخارية والبردي، الذى تم اكتشافه، يبين ما كان للكتابة من مكانة بارزة في كل بلاد الشرق القديم. وليس من السهل تحديد النسبة المئوية للمتعلمين لعدم كمال المعلومات، ولكن وجود ستة كُتَّاب بين نحو 2,000 من السكان في مدينة"علالة" في سورية في حوالي 1800-1500 ق.م. يعطى بعض الدلالة على ما كان للقراءة والكتابة من أهمية في المدن الهامة. وتدل الدراسات الحديثة على أن الكتَّاب كانوا يتعلمون الأكادية في جامعات علمية في المدن الكبرى مثل حلب في سورية، أو في بابل نفسها.
وكانت الوثائق تحفظ في سلال أو صناديق أو جرار (إرميا32-14) وتوضع في الهيكل بالمدينة (1صم10: 25؛ خر16: 34؛ انظر أيضًا 2مل22: 8) أو في دار حفظ السجلات (عز1:6) كما كان الكتَّاب يحتفظون بكتب المراجع (كما كان الأمر في مدينة نبور في نحو 1950 ق.م.). وقد جمع تغلث فلاسر الأول (حوالى 1100 ق.م.) في أشور، وأشور بانيبال (حوالي 650 ق.م.) في نينوى نسخًا من عدد كبير من الكتب في مكتبتيهما. وكان الكاتب -عند نسخ كتاب- كثيرًا ما يذكر اسم المصدر الذي أخذ عنه وحالته، كما يذكر ما إذا كانت قد تمت مراجعة النص على الوثيقة الأصلية، أو أنه اكتفى بكتابة التراث المنقول شفاهًا، والذي كان يعتبر أقل جدارة بالثقة. فقد كان التراث المتوافر مشافهة معترفًا به مع التراث المدون، ولكنه لم يكن يعتبر على نفس المستوى. كما أن تقديم الكتاب أو الخاتمة (أو ما نسميه الآن: بيانات إدارية) كان يشتمل (في الكتابات الأكادية والمصرية) على عنوان الكتاب أو موضوعه، كما كان يذكر اسم المؤلف عادة (ولكن ليس دائمًا). ومن المحتمل أن الكتاب العبرانيين ساروا على هذا النهج.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2jnkc94