جرت العادة بين اليهود وبقية القدماء كما في أيامنا هذه أن يغمض الأقارب عيني الميت (تك 46: 4) وأن يولولوا ويبكوا عليه (يو 11: 19، 31، 33) ويستمروا على ذلك أيامًا كثيرة بعد الدفن. وكانوا أيضًا يغسلون الجثة (أع 9: 37) ويلفونها بأكفان من كتان ويربطون الرأس بمنديل (يو 20: 7) بل كثيرًا ما كانوا يربطون كلًا من أطرافه على حدة (يو 11: 44). وكان اليهود يدهنون الجثة ويلفونها بالأطياب (مر 16: 1؛ لو 24: 1؛ يو 19: 40). وبالنظر إلى حرارة الطقس وإلى الشريعة الموسوية التي جعلت لمس الميت أو الدخول إلى الغرفة التي وضعت الجثة فيها منجسًا جرت العادة بأن يدفن الميت بعد الموت بساعات قليلة. وأما جثة يعقوب فلما كانت محنطة حسب الطريقة المصرية أصعدها معهم العبرانيون فأخذت إلى مكفيلة ودفنوها هناك (تك 50: 2، 7، 13). وكذلك حنطت جثة يوسف (تك 50: 26) فأصعدها العبرانيون معهم من أرض مصر عند خروجهم منها ثم دفنوها بعد افتتاحهم أرض كنعان في شكيم في قطعة الحقل التي اشتراها يعقوب من بني حمور (يش 24: 32) وكان جميع الأصحاب يتبعون الأقارب وراء النعش (2 صم 3: 31؛ لو 7: 12) ومعهم النادبات المستأجرات يندبن (جا 12: 5؛ ار 9: 17؛ عا 5: 16؛ مت 9: 23).
ويظهر أنه في العهد الجديد على الأقل جرت العادة أن يقوم جماعة من الشبان بالتحضيرات للدفن وحمل الميت ودفنه كما تفعل جمعيات دفن الموتى اليوم (أع 5: 6، 10). وقد ذكر تأسيس المؤرخ الروماني في تاريخه أن اليهود يفضلون دفن الموتى على حرقهم ولكن رجال يابيش جلعاد أحرقوا جثث شاول وأولاده ودفنوهم مؤقتًا في يابيش (1 صم 31: 12، 13) حتى أخذ داود عظامهم ودفنها في قبر قيس أبي شاول في صيلع (2 صم 21: 12-14).
وقد أشار عاموس إلى عادة حرق الموتى لم تكلم عن كثرة الموتى بسبب الوباء (عا 6: 10). وكانوا يحملون الميت إلى القبر في نعش وهو مثل سرير بلا غطاء (2 صم 3: 31؛ لو 7: 14) أما التابوت (وهو مثل صندوق له غطاء يطابقه) فلم يذكر استعماله للموتى إلا ليوسف (تك 50: 26) الذي حنطوه ووضعوه في تابوت حسب عادة المصريين.
وكان العبرانيون يتوخون دفن أفراد العائلة في قبر واحد. ففي مغارة المكفيلة دفن إبراهيم وسارة وإسحق ويعقوب وليئة (تك 25: 10؛ 49: 31؛ 50: 13). وشذّ عن هذه القاعدة راحيل التي دفنها يعقوب في افراته (بيت لحم) حيث توفيت (تك 35: 19) ويوسف الذي دفن في شكيم في قطعة الحقل التي اشتراها أبوه يعقوب من بني حمور (يش 24: 32). وفضلًا عن هذه القبور العائلية الخاصة كانت لهم مقابر عامة (2 مل 23: 6؛ ار 26: 23). أما القبور الخاصة فكانت تنشأ في البساتين (2 مل 21: 18؛ يو 19: 41) أو في الحقول (تك 23: 11) أو في المغاور في الجبال (2 مل 23: 16، 17) أو تنحت في الصخور (اش 22: 16، 17).
وكان ترك الجثث بدون دفن يعد عارًا عظيمًا (1 صم 17: 44-46؛ 2 مل 9: 10؛ ار 22: 19). وكذلك إخراج عظام الموتى من قبورهم (ار 8: 1، 2). وسمّى أيوب القبر بيت ميعاد كل حي (اي 30: 23) وسمَّاه سليمان البيت الأبدي (جا 12: 5). وإذ كانت القبور غالبًا في مواضع خلاء خارج أسوار المدينة كان المجانين يأوون إليها (مت 8: 28) غير أن بعض الملوك والأنبياء كانوا يقبرون داخل الأسوار (1 صم 25: 1؛ 28: 3؛ 2 مل 21: 18؛ 2 أخبار 16: 14؛ 24: 16؛ 32: 20؛ نح 3: 16). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). وكانت أحيانًا محاطة بشجر (تك 23: 17؛ 1 صم 31: 13). والقبور المنحوتة في الصخور كثيرة في فلسطين ومن أشهرها قبر الخليل في حبرون، وقبر يوسف بقرب نابلس وقبور الملوك وقبور القضاة بقرب أورشليم والقبر الذي يقال له قبر المسيح في أورشليم وقبر راحيل بقرب بيت لحم. ولم يكونوا يقدمون القرابين من أجل الموتى بل يظهر أن الشريعة الموسوية تنكر تقديم القرابين عن الموتى (تث 26: 14). ولكن في عصر المكابيين نرى أن يهوذا المكابي بجمع ألفي (2000) درهم فضة ويرسلوها إلى أورشليم ليقدموا بها ذبيحة تكفيرًا عن خطيئة بعض شهداء اليهود (2 مك 12: 38-46).
بفضل الدراسات الأثرية الحديثة صار يمكننا أن نصنف القبور القديمة في فلسطين فمنها:
(1) القبور المنحوتة في الصخر. وهي أكثر عددًا من غيرها وأقدم عهدًا ويوجد منها أشكال عديدة. أبسطها وأقدمها كان في الأصل مغارات.
ومن تلك المدافن ما تألف من غرفة على كل من جانبيها صف من القبور يدعى باسم כוכים "كوكيم" Kokim tombs (جمع كوك כוך باللغة العبرانية) وهو عبارة عن قبر منحوت ضيق على قدر جسم الميت.
(2) القبور المبنية: وعددها قليل في فلسطين وهي أحدث عهدًا من القبور المنحوتة في الصخر.
(3) النواويس. استعمل الفينيقيون النواويس. أما العبرانيون فلم يستعملوا النواويس التي اقتبسوها عن الفينيقيين إلا قليلًا جدًا.
وفي عصر الحكم اليوناني وضعوا الأنصاب وشيدوا الأبراج على القبور. من ذلك ما جاء في سفر المكابيين من ذكر القبر بناء سمعان المكابي لأخيه يوناثان (1 مك 13: 25-30).
وفي العهد الجديد يوجد وصف لبعض القبور. وفي (مت 23: 27) يُشَبِّه المسيح الفريسيين بالقبور المبيضَّة. أي المدهونة بالكلس أو المجصصة كما جاء في الترجمة اليسوعية. ويذكر في ذات الإصحاح (مت 23: 29) القبور التي كانوا يبنونها ومدافن الصديقين التي كانوا يزينونها.
وفي (لو 11: 44) ذكر للقبور المختفية ويرجح أنها قبور الفقراء التي كانت تحفر في الأرض حفرًا فيدفن الميت فيها وتغطّى بقطع حجارة، ويردّ التراب عليها فلا تظهر أنها قبور. وقبر المسيح كان خارج باب أورشليم (عب 13: 12) في بستان (يو 19: 41). وكان منحوتًا في الصخرة، وداخل القبر وُجد مكان (غالبًا مثل مصطبة) وضعوا فيه الجثة (مر 16: 6).
* انظر أيضًا: خدور الموت، المبيت في المدافن.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bbxtk8p