فن عرفه الإنسان منذ أقدم عهوده التاريخية للتعبير عن عواطفه (عواطف الفرح في معظم الأحيان وعواطف الحزن في بعضها)، ولتكريم أحيائه ومعبوداته وللترفيه عن نفسه وعن غيره. وقلما قامت عبادة ما، يهودية كانت أم مسيحية أم وثنية، لم تقبل الغناء، وتعطه صبغة مقدسة، وتجعله فرضًا من فروض طقوسها. وقد كان العبرانيون يستخدمون الغناء في عباداتهم كلها، داخل الهياكل وخارجها، كما كانوا يغنون في الاحتفالات والمواسم (1 صم 18: 6؛ اش 30: 29). وكان أغلب المغنين ومن يصاحبهم من الموسيقيين من اللاويين (1 أخبار 15: 16- 24؛ 23: 5) وقسّم داود المغنين والموسيقيين إلى أربع وعشرين فرقة (تتألف كل منها من اثني عشر رجلًا) وجعل على كل فرقة رئيسًا اسمه رئيس المغنين، وأضاف إليها مئة وأربعًا وخمسين. وكانت الفرق تتناوب الخدمة في الهيكل وفي المواسم والأعياد. واستمر هذا التقسيم إلى أيام السبي حينما علق المغنون أعوادهم على الصفصاف في بابل، علامة حدادهم وانقطاعهم عن الغناء، ولما عاد عزرا إلى القدس صحب معه مئتين من المغنيات والمغنين (1 أخبار 23: 5؛ 25؛ 2 أخبار 5: 11، 14؛ مز 137: 2؛ عز 2: 65). ويرجع الكتاب المقدس أصل الغناء والموسيقى إلى يوبال (تك 4: 21) ويوبال هذا من أحفاد قايين بن آدم. وكان من جملة الآلات التي استعملها العبرانيون للضرب وذكرها الكتاب، ما هو ذات أوتار (العود والمزمار والرباب والسنطير والقيثار) وآلات النفخ (البوق والقرن والناي) وآلات الضرب (الصنوج والدفوف والمثلثات). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). لشرح وتفسير هذه الآلات راجع عن كل واحدة منها تحت اسمها. وقد تطورت هذه الآلات مع الوقت عند الشعوب الأخرى. وخاصة بعد أن تبنت المسيحية الغناء الديني وجعلت من الترنيم أسلوبًا للتعبد الكنسي. وفي الكتاب المقدس أناشيد وترانيم كثيرة كان اليهود يلحنونها وينشدونها في احتفالاتهم الخاصة أو العامة، منذ خروجهم من مصر إلى عودتهم من السبي (خر 15: 1- 18؛ تث 32) وكانوا يصاحبون مع الترانيم معزف على آلات الغناء ورقص (خر 15: 20، 21؛ اش 38: 20). ولم تكن هذه الأغاني كلها دينية. فمنها ما كان علمانيًا (تك 31: 27؛ عد 21: 17؛ 1 صم 18: 6، 7؛ مز 69: 12).
يتضح لنا من تكرار ذكر الغناء والمغنين في العهد القديم، ما كان للغناء والمغنين من أهمية منذ أقدم العصور. وقد جاء في مستهل سفر التكوين أن توبال أحد أبناء لامك من أحفاد قايين، كان أبا لكل ضارب بالعود والمزمار، وكان أخوه يابال أبًا لساكني الخيام ورعاة المواشي، مما يحمل على الظن بوجود علاقة وثيقة بين حياة الرعي ونشأة الأغاني (انظر تك 4:22).
ويقول لابان الأرامي ليعقوب عند هروبه بأسرته: "لماذا هربت خفية وخدعتني ولم تخبرني حتى أشيعك بالفرح والأغاني بالدف والعود؟" (تك 31:27)، مما نعلم منه أن الأغاني كان يصاحبها العزف على الآلات الموسيقية منذ تلك العهود القديمة. كما كان يصاحبها الرقص أحبانا، فعندما عبر بنو إسرائيل البحر الأحمر ونجوا من قبضة فرعون، رنموا وسبحوا للرب، "وأخذت مريم النبية أخت هارون الدف بيدها، وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص" (خر 15:1، 20؛ انظر أيضًا قض 5:1-31).
وعند نزول موسى من فوق الجبل ولوحا الشريعة في يده، وسمع هو ويشوع صوت الشعب في هتافه حول العجل الذهبي الذي صنعوه في غيبته، وقال له يشوع: "صوت قتال في المحلة. فقال (موسى) ليس صوت صياح النصرة ولا صوت صياح الكسرة، بل صوت غناء أنا سامع. وكان عندما اقترب إلى المحلة أنه أبصر العجل والرقص" (خر 32:15-20). والأمثال المذكورة في سفر العدد هي في حقيقتها أغان كان يترنم بها الشعب" (انظر عد 21:14، 27-30؛ يش 10:13؛ 2صم 1:17-27). وعندما قتل داود جليات، "خرجت النساء من جميع مدن إسرائيل بالغناء والرقص" (1صم 18:9؛ أنظر أيضًا 1 صم 21:11؛ 29:5).
وكما كان للأغاني دورها الهام في الحياة الاجتماعية لبني إسرائيل، هكذا أصبح لها دور هام في العبادة. فعندما أراد داود إحضار التابوت من بيت عوبيد أدوم إلى أورشليم، "أمر داود رؤساء اللاويين أن يوقفوا أخوتهم المغنين، بآلات غناء بعيدان ورباب وصنوج، مسمعين برفع الصوت بفرح" أمام تابوت الله (1أخ15: 16-29؛ 16: 23، 42). وكان عدد بنى آساف ويدوثون وهيمان "المتعلمين الغناء للرب، كل الخبيرين مئتين وثمانية وثمانين"، وقد قسمهم إلى أربع وعشرين فرقة (1 أخ25:1-31؛ انظر أيضًا 2أخ 7: 6؛ 20: 28؛ 29: 25-28؛ 35: 15؛ عز 2: 65، 70؛ 3: 10، 11؛ 7: 7؛ 10: 24؛ نح 7 :67، 73؛ 12: 36، 42، 45-47).
وقد صنع سليمان الملك من خشب الصندل أعوادا وربابًا للمغنيين (1 مل10:12).
وكانت المزامير في غالبيتها، تسابيح وأغاني تعبيرا عن الشكر والحمد (انظر مثلًا مز 13: 6 ؛ 59: 16؛ 89: 10؛ 119: 112.. إلخ.) فللمؤمن الحق أن يغنى بين الناس فيقول: "قد أخطأت وعوجت المستقيم، ولم أجاز عليه. فدى نفسي من العبور إلي الحفرة، فترى حياتي النور" (أي 33:27).
وكان لداود في قصره مغنون ومغنيات (2صم 19:23)، وكذلك كان لسليمان (جا 2: 8). ويبدو مما جاء في (نبوة إشعياء 23: 15، 16) أن الزواني كن يحترفن الغناء والعزف في الشوارع (انظر أيضًا جا 7: 5؛ إش 24: 8، 9).
وعند خراب بابل الرمزية، المدينة العظيمة في أواخر الأيام، لن يُسْمَع فيها "صوت الضاربين بالقيثارة والمغنين والمزمرين والنافخين بالبوق" (رؤ 18: 21، 22).
* انظر أيضًا: المزمار، العود، القيثارة، الأوتار، البوق، الناي، الرباب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/rypd784