ها هي الآية التي تتحدث عن هذا الأمر في الكتاب المقدس بأكثر من لغة:
← العربية: "فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ" (سفر التكوين 3: 14).
→ English: "So the LORD God said to the serpent: “Because you have done this, you are cursed more than all cattle, and more than every beast of the field; on your belly you shall go, and you shall eat dust all the days of your life" (Genesis 3: 14).
← العبرية: "וַיֹּאמֶר֩ יְהֹוָ֨ה אֱלֹהִ֥ים ׀ אֶֽל־הַנָּחָשׁ֮ כִּ֣י עָשִׂ֣יתָ זֹּאת֒ אָר֤וּר אַתָּה֙ מִכָּל־הַבְּהֵמָ֔ה וּמִכֹּ֖ל חַיַּ֣ת הַשָּׂדֶ֑ה עַל־גְּחֹנְךָ֣ תֵלֵ֔ךְ וְעָפָ֥ר תֹּאכַ֖ל כָּל־יְמֵ֥י חַיֶּֽיךָ׃" (בראשית 3:14).
وهناك آية أخرى تتحدث عن نفس النقطة في سفر إشعياء: "الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا، وَالأَسَدُ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ. أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا.." (سفر إشعياء 65: 25).
* التراب (dust، עָפָ֥ר): التراب هو التربة، وهو نوع من المسحوق powder أو الحبيبات الصغيرة التي تتناثر في الهواء وعلى الأرض.. وهي تختلف عن الرمال مثلًا.. والكلمة العبرية "عفار" مثل الغبار، ونقول بالعامية المصرية عن الغبار الخفيف "عفرة" أو "عفر"..
* الأكل (eat، אכַ֖ל): الأكل هو كل ما يستهلكه الإنسان أو يتناوله..
يتضح المعنى مما سبق كما أوضحنا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت أنه يعبر عن أن الحية بسبب حياتها القريبة جدًا من التربة، يحدث أن يكون هناك أتربة عالقة في الجو تلتصق بلسان الثعبان، أو حتى الأتربة العالقة بما تأكله الحية من حيوانات وبيض وطيور وغيره.. حتى الإنسان نفسه عندما يكون في منطقة ترابية أو صحراوية، فقليل من الهواء كافي بأن يُدخِل بعضًا من التراب أو حتى الرمال داخل الفم.. فلسان الحية المشقوق الذي يخرج في الهواء لالتقاط الرائحة قد يعترضه أتربة أو غيره وتدخل داخل الفم..
وعِلميًا، فالثعابين لديها عضو اسمه عضو جيكبسون Jacobson’s organ في أعلى حلق الثعبان، وهو يساعد الثعبان على الشم بالإضافة لأنفه. فهذا اللسان الرفيع المتفرع (المشقوق) يختبر ويأخذ عينات من الأتربة العالقة في الجو، ثم يُدخِل ما جمعه اللسان إلى داخل الرأس ليختبر الرائحة من خلال العوالق عن طريق الأعضاء الحسية داخل الفم، ثم يتم تنظيف اللسان وإعادة الكرة..
والكلام ليس حرفيًا وليس تحديدًا ثابتًا لأمر واحد وحيد؛ بمعنى أنه ليس غذاء الحية هو التراب.. ولكنه أحد ما يدخل فمها.. بدليل قول الكتاب لاحقًا في نفس الأصحاح في لعنة الإنسان: "مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ" (سفر التكوين 3: 17-18). فليس معنى هذا هو أن الأرض لا تُنبِت إلا الشوك والحسك فقط.. وليس معنى الكلام أيضًا أنه لن يأكل إلا عشب الأرض.. وهكذا..
نقطة أخرى هي أنه كما حدث تطور للحيوانات وللحياة على الأرض عبر العصور، قد يكون حدث تطور للحية كذلك، وكانت تأكل ترابًا في مرحلة ما من مراحل التطور.. فمن ناحية قد أثبت العلم بالفعل وجود زوائد كأقدام ضامرة.. ومن ناحية أخرى قد يكون الثعبان في العصور الأولى يستهلك بالفعل بعضًا من التراب في أكله.. كما نرى حاليًا بعضًا من الطيور والحيوانات تأكل التراب والزلط عن عمد لتسهيل عملية الهضم أو لفوائد معينة.. وموضوع أكل التراب أو مواد أرضية هو عِلم كامل اسمه علم جيوفاجي Geophagy.. وهناك أنواع عدة من الببغاوات في جنوب أمريكا تلعق الطين، في حين تبتلع ببغاوات سالفار كريستيد كوكاتو Sulphur-crested Cockatoo الطين بالجملة.. وبدون الدخول في تفاصيل الأسباب.. فهذا يحدث بالفعل..
ومعروف عن الثعبان في أكله أنه يبتلع الطعام كاملًا كما هو، بكل ما علق به من قاذورات سواء في ريش الطيور أو في شعر الحيوانات وحوافرها، وحتى بما في داخلها من فضلات وأتربة هي الأخرى!
ومن ناحية أخرى، موضوع أكل التراب أو لحس التراب هذا يدل على العقوبة وانحطاط المستوى والذل.. وهناك أمثلة عديدة، وتتحدث حتى عن بشر، منها:
"فَأَجَابَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: «إِنِّي قَدْ شَرَعْتُ أُكَلِّمُ الْمَوْلَى وَأَنَا تُرَابٌ وَرَمَادٌ." (سفر التكوين 18: 27)
"لَبِسَ لَحْمِيَ الدُّودُ مَعَ مَدَرِ التُّرَابِ. جِلْدِي كَرِشَ وَسَاخَ." (سفر أيوب 7: 5)
"لأَنَّ أَنْفُسَنَا مُنْحَنِيَةٌ إِلَى التُّرَابِ. لَصِقَتْ فِي الأَرْضِ بُطُونُنَا." (سفر المزامير 44: 25)
"أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ الْبَرِّيَّةِ، وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ." (سفر المزامير 72: 9)
"يَجْعَلُ فِي التُّرَابِ فَمَهُ لَعَلَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ." (سفر مراثي إرميا 3: 29)
نقطة أخرى قد نضيفها هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في هذا السياق، أن المخلوقات التي تموت تعود إلى التراب، حتى الإنسان.. فنقطة أكل التراب هذه قد تحمل معنى الموت كذلك..
على الجانب الآخر، الحية المذكورة في سفر التكوين، ليست هي مجرد ثعبان كالذي نراه الآن.. فالثعبان لا يتحدث! ولكنه هو الشيطان نفسه متخذًا هيئة الحية أو حتى ساكنًا فيها.. كما رأينا مثلًا في قصة دخول الأرواح النجسة في خنازير (إنجيل مرقس 5: 13). فالحية هي الشيطان: "فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ. فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 12: 9؛ 20: 2).. وأيضًا في العهد القديم: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ." (سفر إشعياء 27: 1).
لا ينبغي أيضًا أن تهمل الجانب النبوي في الآيات.. فالآيات تقول: "فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ»" (سفر التكوين 3: 14، 15). فكان العقاب كالتالي:
اللعنة،
تسعى على بطنها،
تأكل التراب،
عداوة بينها وبين الإنسان،
تسحق عقب الإنسان،
الإنسان يسحق رأسها.
فالآية 15 من الأصحاح هي آية "بروتوإيفانجيلام" protoevangelium أي إنجيل أولي أو سابق.. فالوحي هنا يُنبئ بمجيء المسيا (المسيح)، مَنْ سيموت لأجل خطايانا ويقوم ثانية، غالبًا الشيطان. فموضوع سحق الرأس والعقب هذا يحمل معاني أكبر من مجرد الحرفية، ولا ينفيها أيضًا. فاللغة الرمزية مضطجعة بكاملها داخل إطار أكبر من الحرفية..
ونرى أن الله قد يتحدث إلى شخصٍ ما، ثم إلى الشيطان في نفس الحديث، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. كما رأينا في كلام السيد المسيح إلى بطرس، ثم قال: "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي" (إنجيل متى 16: 23؛ إنجيل مرقس 8: 33). ونرى في حزقيال 27 و28 كيف كان بعض الكلام موجهًا إلى صور Tyre (سفر حزقيال 27: 2)، ثم إلى رئيس صور (سفر حزقيال 28: 2)، ثم ملك صور الذي كان موجهًا إلى مَنْ يتحكم في الملك (سفر حزقيال 28: 11)، والذي هو الشيطان نفسه. وأيضًا في (سفر إشعياء 14) رأينا الله يتحدث إلى ملك بابل في أجزاء، وإلى الشيطان الذي يؤثر فيه في أجزاء أخرى.. فموضوع الحديث إلى الشيطان في إطار الحديث مع آخر لهو أمر شائع.. فالله يتحدث إلى الحية وإلى الشيطان..
نقرأ أمرًا عجيبًا جدًا في التفاسير القرآنية، حيث ينقل الصورة كاملة من الكتاب المقدس، وهي أمور لم تُذْكَر في القرآن نفسه، بل نقلها نقلًا من كتاب الله عز وجل.. فنراه يقول: "وقال للحيّة: دخل الملعون في جوفك حتى غرّ عبدي، ملعونة أنتِ لعنةً يتحوّل بها قوائمك في بطنك ولا يكون لك رزق إلا التراب، أنت عدوّة بني آدم وهم أعداؤك، حيث لقيت واحدًا منهم أخذت بعقبه وحيث لقيك شدخ رأسك" (تفسير الطبري لسورة البقرة 36 - تفسير ابن كثير لسورة البقرة 35 - الدر المنثور لجلال الدين السيوطي لسورة طه 116 - تفسير عبد الرزاق الصنعاني لسورة الأعراف في نفس الجزء - تاريخ دمشق لابن عساكر "باب حواء أم البشر" - الكامل في التاريخ لابن الأثير..)
فنرى من نقطة أنه يؤيد قول كتاب الله "وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ" (سفر التكوين 3: 14)، بل يكمل النص الكتابي بطريقة شبه حرفية وهو يقول: "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" في الآية التالية.. فهذا التفسير الإسلامي هو فقط تفسير للكتاب المقدس، وليس له علاقة بالنص القرآني!! على أي الأحوال بدون الدخول في مهاترات، نقطتنا هي في التراب، والنص مذكور في التفاسير الإسلامية كذلك..
أخيرًا سيفيدك أيضًا قراءة تفاسير سفر التكوين الأصحاح الثالث، وستجد هنا في موقع أنبا تكلا أكثر من تفسير في الرابط السابق..
فالفهم المناسب لسياق الحديث (حرفيًا، تاريخيًا، لاهوتيًا) يساعدنا على فهم مقصد الله في لعن الحية.. فلا يوجد تعارض في شيء، بل بالأحرى وعد رائع بالنصرة بالمخلص القائم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/52d6v54