كانت الأعياد في العهد القديم ظلًا للأعياد القادمة كما أن بقية الفرائض والطقوس القديمة كانت رموزًا للخيرات الآتية التي أسبغها علينا ربنا يسوع المسيح بموته، أي أن الواجب علينا أن نعيد ونحتفل بالبركات التي نلناها في عهد النعمة كالأمثلة الآتية:
أولًا: أن الرب يسوع المسيح نفسه قد أظهر اعتباره للأعياد وقدسها بحضوره فيها وممارسته إياها مثل [الفصح (مت 26: 9) (يو 2: 13)، عيد المظال (يو 7: 2)، عيد التجديد في أورشليم (يو 10: 22، 23)، عيد لليهود (يو 5: 1)، تطهير العذراء (لو 2: 24).
ثانيًا: أن الرسل القديسين كانوا يحتفلون بهذه الأعياد وباركوها وأمروا بها قولًا وعملًا وهم كانوا من لم ينطقوا بألسنتهم بل كانوا تراجمًا ناطقين بالروح القدس فالرسول بولس أمر بتعييد عيد الفصح المجيد بقوله "أن فحصنا أيضًا المسيح ذُبِحَ لأجلنا، إذًا لنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق" (1 كو 5: 7، 8) عادا ذلك فأنا الرسول نفسه كان يعيد مع المؤمنين. لما كان في أفسس إلى أورشليم ليحتفل بعيد العنصرة (أع 18: 21) وكذلك لما كان في أسيا وعد مؤمني كورنثوس بالذهاب إليهم بعد أن يعيد عيد العنصرة (1 كو 16: 18).
من هذا يستدل صريحًا أن الأعياد مأمور بها في العهد الجديد ومصرح بممارستها وأن الاحتفال بها كان في أوقات معلومة معينه... غير أن قومًا ادعوا أن الرسول نهى عن الأعياد بقوله "فلا يحكم عليكم أحد في آكل وشرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت" (كو 2: 16). وهو ادعاء غريب فإن الرسول لا يريد بنهيه هذا إلا عدم مجازاة اليهود في أعيادهم القديمة من سنوية وشهرية وأسبوعية واعتبارها فريضة ثابتة وواجبة على المؤمنين بدليل قوله التي هي ظِلًّا للأمور العتيدة فقد أبدلت بما هو أفضل وأتم وأكمل.
فكلام الرسول بولس إذا لا ينفى الأعياد المسيحية التي تمتاز عن تلك في الغاية والكيفية وألا لزم بطلان حفظ يوم الأحد لأنه ذكره ضمن الأعياد التي نهَى المؤمنين عن استعمالها.
وهذا لا يقوله مسيحي ثم أن الرسول نهى المؤمنين من اليهود أنفسهم أن يحفظوا الناموس حسب شريعة موسى (أع 15: 1) وليس حسب تعاليم المسيح (كو 2: 8) كما حصل في أمور الختان إذ كان قوم من اليهود أزعجوا المؤمنين قائلين أنه أن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا (أع 15: 1، 24) والبروتستانت يسلمون ويعترفون بهذه الحقيقة. ومما يحسن ملاحظته أن جميع الكنائس الرسولية في العالم تعتقد بالأعياد وتحتفل بها وقد شهد البروتستانت بأن هكذا كان اعتقاد الكنيسة الجامعة. فقد جاء في تاريخ الكنيسة المطبوعة بمعرفتهم عام 1839 وجه 100: وأما الأعياد التي كانوا يعيدونها فهي الفصح والعنصرة والتجلي والميلاد. فالفصح لتذكار قيامة مخلصنا، والعنصرة لتذكار مواهب الروح القدس وحلوله على التلاميذ، والتجلي لتذكار ظهور سيدنا المسيح. ثم لظهور النجم للحكماء... ولظهور الثالوث القدوس عند معمودية ربنا ولأول أعجوبة آجراها في قانا الجليل واظهر بها مجده... والميلاد لتذكار ميلاد المبارك... إلخ ولقد شهد موسيمهم المؤرخ البروتستانتي بأن الأعياد كانت ولا تزال تمارس في الكنيسة منذ العصر الرسولي بقوله أن مسيحي القرن الأول اجتمعوا للعبادة في اليوم الأول من الأسبوع اليوم الذي استرجع به المسيح حياته ويظهر أنهم كانوا يحفظون يومين سنويين دينيين للواحد تذكارا لقيامة المسيح والثاني تذكارًا لحلول الروح القدس على الرسل (وجه 42 كتا ايسوس ك 4 ص 15) وقال أيضًا أن الأعياد السنوية المحفوظة عند مسيحي هذا القرن (الثاني هو تذكار موت المخلص وقيامته وحلول الروح القدس على الرسل (فرن 2 قسم ف 4) وقال أيضًا في أكثر جماعات المسيحيين كان يحفظ خمسة أعياد أي تذكار ميلاد المسيح وتذكار آلامه وموته لأجل خطايا البشر وتذكار قيامته وتذكار صعوده إلى السماء وتذكر حلول الروح القدس على خادميه (ك 2 قرن 4 قسم 2 ق 2) يظهر من هذا أن البروتستانت يشهدون بأن منشأ الأعياد قديم في الكنيسة وبالتالي من عصر الرسل على أنه ليست الكنيسة الأسقفية تعتد بها أيضًا السيدية والخاصة بالشهداء ما زيد عن 33 عيدًا (راجع مقدمة الصلاة العمة)... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وكذلك الكنيسة المسيحية تعترف بوجوب ممارسة الأعياد والاحتفال بها قد قال مؤلف كتاب اللاهوت البروتستانتي (أن بعض الكنائس البروتستانتية تعتبر بعض العوائد الكنائسيَّة التي تسلسلت منذ القديم في الكنيسة المسيحية مما لا يُضَاد مطلقًا الكتاب المقدس كاعتبار عيد الفصح وعيد الميلاد وغيرهما باب 5 ف 3 وجه 47 هذا وغيره كثير.
الغاية من الأعياد:
1- إحياء ذكرى نعمة وعجائبه (خر 12: 14).
2- تذكير الخلق بإحسانات الله وغايته بشعبه (خر 12: 22-27؛ 13: 8، 14؛ تث 32: 7).
3- جعلها واسطة في حفظ شريعة الرب (خر 13: 8-16).
هذا هو غرض الكنيسة من إقامة الأعياد فهي تحتفل بها تذكارًا لمنح الله وبركاته الإلهية التي أفاضها على الكنيسة بغنَى رحمته في ابنه المحبوب يسوع وتنبيها وعظة للمتأخرين بما جرى من الحوادث الخطيرة في الأيام الغابرة مهما قدم عهدها وطال زمنها... ولولا الأعياد لاندثرت تلك الحوادث العجيبة التي تذكرنا دائمًا بنعمة الله بنوع حس يرسم في الذهن صورة محببة، بل لأصبحت آثرا بعد حين لا يفرقها واحد من المشيحين ولا وصل خبرها للمتأخرين من المؤمنين جيلًا بعد جيل. وفضلًا عن ذلك فإن الأعياد تثبت روح الدين وتربى عاطفة التقوى وحب الفضيلة في قلوب الصغار والكبار وتجعل شريعة الرب في فهم (خر 13: 8-16).
قال أحد الآباء: قد وضعت الأعياد لغاية نبيلة معروفة أي لكي يتمكن المؤمنين من عبادة الله. إكرامه وتذكر أسرار التجسد والفداء وأعمال قديس الله العظام وحياتهم اللامعة بالقداسة والورع فيجنوا من هذه العبادة وذلك التذكر أثمار لذيذة تطيب بها قلوبهم وتخشع نفوسهم ويشتدد آزرهم بتأملهم صلاح إلهه ونبالة قديسيه وبسالتهم في مصارعة الشهوات واستماتتهم في طلب رضا البار العزيز واحتقارهم كل الدنيويات حبًا به (رفيق العابد 333).
وقد شهد البروتستانت أيضًا بالفرض الذي ترمي له الكنيسة من هذه الأعياد... فقد قال صاحب "ريحانة النفوس" أن الأعياد التي كانت عند المسيحيين الأولين كانت تُحْتَفَظ باعتبار واحترام عظيمين؛ وكان المقصود بها انتشار روح التقوى بواسطة مراجعة الحوادث والتعاليم العظيمة المدلول عليها بهذه الأعياد، ولا ريب أنه قد حصل من ذلك منفعة في تلك الإعصار الأولى... وكذلك من عيد الميلاد قبل أن صار حفظه عمومًا (وجه 18: 19) فكأن الأعياد تاريخ فِعلي منظور محسوس ناطق يساعد التاريخ المكتوب المطوي في سطور الكتب المجهولة من العمة وقليل العلم من بني الإنسان... بل هو تاريخ يقرأه الجهلاء والعامة بما يرونه ممثلًا أمامهم في تلك الحفلات المقدسة التي تقام في أوقاتها المعينة من كل عام... ولا نظن أن واحدًا من العقلاء أو الجهلاء من المؤمنين ينكر فائدة هذه الأعياد ما دام الرب أمر بها وباركها والرسل مارسوها... وما دام هذا غرضها وما زالت ترمي إلى هذا القصد من التعليم وأحياء ذكرى تلك النعم والبركات هطلت من عند أبي الأنوار.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9rmb5m9