كلمة "ليتورجية" في اليوناني الكلاسيكي تعني خدمة عامة تؤدَّى لأجل الجماعة إذ هي مشتقة من كلمتين: "ليور" أو "ليؤس" وتعني "الجماعة".
"أرجيا" أو "أرجيؤو" وتعني "عمل".
ولقد وردت نفس الكلمة في سفر العبرانيين بمعنى "خدمة المذبح" أو بمعنى "الخدمة الكهنوتية" (عب 8: 6؛ 9: 21)... ولقد استخدمت الكنيسة هذه الكلمة منذ العصر الرسولي للتعبير عن العبادة التي نظمتها الكنيسة قانونيًا والتي يقدمها جميع أعضائها أو تقدم باسمهم جميعًا... ولكن بمرور الزمن صارت كلمة "ليتورجية" تطلق على سر الأفخارستيا وحده بالرغم من وجود كثير من الليتورجيات الأخرى مثل ليتورجية "قداس" العماد وليتورجية الزواج.
1- المؤمنين والله... نظرية الدائرة (كلما اقتربت من المركز اقتربت من بعضها).
2- المؤمنين وبعضهم البعض... كيف ذلك؟
هذا السر الأفخارسيتي كما يراه القديس ذهبي الفم تجد فيه الكنيسة سر وجودها وشركتها واتحادها مع الرأس... فيه سر تقيدها المقبول لدى الآب سر تقديسها المستمر وجمالها الروحي... لذا يقول القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: "كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح... الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح..." (1كو 10: 16)... لهذا يعبر القديس ذهبي الفم بقوله: "جعلنا أعضاء جسده ومن عظامه ليس خلال الحب وحده وإنما بالفعل ذاته... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). هذا يتحقق بالطعام المجاني الذي قدمه لنا مريدًا أن يعلن حبه لنا... من أجل حبه مزج نفسه بنا عجن جسده بجسدنا لكي نصير معه واحدًا نصير جسدًا واحدًا متحدًا بالرأس" بل ويؤكد القديس ارتباط سر الأفخارستيا بسر الكنيسة (المؤمنين كجماعة) بدعوة الكتاب المقدس للاثنين بتعبير (جسد المسيح)... (كو 5)... ويظهر ذلك من التحام الاثنين معًا من ارتباط الكنيسة كجماعة المؤمنين بالمذبح في ذهن القديس ذهبي الفم... ونجد أيضًا في القداس الباسيلي يقول بعد الرشومات: اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا... لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا ونجد نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء"... لذلك كانت ليتورجية القداس الإلهي تجعل من المؤمنين المتحدين بالله وحدة واحدة وذلك لأن:
فالتعبد في المفهوم الكنسي ليس مجموعة من المراسيم تنفذ أو تسابيح تُرنم أو صلوات تُتلى أو أصوام يمارسها الإنسان مرضاة لخالقه أو قرابين تقدم إنما هي أولًا وقبل كل شيء "تعرف على الله محب البشر".
وفي سر الأفخارستيا أي سر الاتحاد بالله يحمل ابن الله رئيس الكهنة وحده – كنيسته فيه سريًا مقدمًا معرفة حقه لله أباه... وهكذا ندخل في المسيح يسوع إلى معرفته محققين مفهوم العبادة الذي فشلت البشرية قبلًا في ممارسته... كذلك في سر الأفخارستيا قام آدم الجديد رأس الكنيسة كلها بإعادة توجيه البشرية كلها إلى الله خلال معرفته لأبيه عمليًا فإن كان آدم الأول خلال رفضه التعرف على ملكوت الله قد خرج بالإنسان إلى التغرب عن الله فإن آدم الجديد تقرب به لديه... وعندما سلم الرب كنيسته هذا السر خرج إلى البستان يناجى أباه لحسابنا قائلًا: "هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك..." فلقد بلغنا الأبدية خلال الاستنارة بالمعرفة فنعرف الآب الذي"... أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد" ونعرف الابن الذي "أطاع حتى الموت..." لكي يقبل عنا الحياة الجديدة فنختبر فيه ومعه القيامة من الأموات ونعرف الروح القدس المرسل من الابن القائم من الأموات لنعيش بروحه...
لهذا في القداس الإلهي يمثل ذروة كل عمل تعبدي تعتز به الكنيسة بكونه عمل المسيح نفسه الذي يقدمه للآب باسمها "فاتحًا قلبها لمعرفته"... يقول القديس أغسطينوس: "حينما نصبح شركاء وحدة جسد المسيح فأي عائق مضاد يزول ونأخذ الحرية لمعرفته" وفي قداس الأسقف سرابيون يقول: "لتتبارك نفوسهم بالفهم والمعرفة والأسرار لكي يشتركوا فيها ليتبارك الكل معًا خلال الابن الوحيد يسوع المسيح" (قداس الأسقف سرابيون)...
إن الذي يساعد على اتحاد المؤمنين بالله تلك المعرفة والفهم الروحي الذي نناله خلال التناول من الذبيحة المرفوعة في القداس الإلهي... لذا في قداس الأسقف سرابيون أيضًا يقول: "هب لأجسادنا نموًا في النقاوة ولنفوسنا نموًا في الفهم والمعرفة خلال تناولنا الجسد والدم لك المجد والسلطان بالابن الوحيد في الروح القدس إلى أبد الأبد أمين"...
إذا كان القداس الإلهي (سر الأفخارستيا) يدخل بالمؤمنين إلى معرفة جديدة خلالها يتدرب الكل على تقديم ما للابن للآب كأنه منهم... عبادة تقوم لا على روح العبودية والخوف بل بروح النبوة التي يمارسها المؤمنين خلال ثبوتهم في الابن الوحيد الجنس...
إلا أن هذه الجماعة لا يمكن أن تتحد بالابن إلا بعد أن تتقدس... ففي الذبيحة المقدسة تختفي الكنيسة فتظهر حاملة قداسة المسيح وبره... تصير عروسًا بلا عيب للعريس القدوس يقول القديس ذهبي الفم: "بهذه العطية تتزين نفوسنا ورباط ذهننا وأساس رجائنا وخلاصنا ونورنا وحياتنا"... وفي القداس الإلهي طلبة تقول: "اجعلنا يا سيدنا مستحقين أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأرواحنا وأجسادنا"... فالدم المقدس يجعل صورة ملكنا واضحة فينا ويجلب علينا جمالًا لا ينطق به ولا يسمح بانتزاع سمونا بل يرويه دائمًا وينعشه... يقول الشيخ الروحاني أو القديس يوحنا سابا: "لماذا تشرب كأس دم مخلصنا كمن لا يفهم إن في شربه يختلط به سر الاتحاد. مائدة الروحانيين جسد المسيح ودمه الكريم"... لهذا فالله (المسيح) القدوس قدم نفسه ذبيحة طاهرة مقدسة مقبولة لدى الآب فيرانا الآب في سر الأفخارستيا جسد ابنه القدوس الذي بلا خطية فنصير في عينيه مقدسين وعبادًا حقيقيين... يقول القديس إيريناؤس: "الكنيسة الجامعة هي وحدها التي تستطيع أن تقدم لله الذبيحة المرضية لديه ذبيحة الأفخارستيا التي أعلن عنها الأنبياء"... وفي القداس الباسيلي يصلي الكاهن: "ففيما نحن نصنع ذكر آلامه المقدسة وقيامته نقرب لك قرابينك من الذي لك"...
وفي صلاة حلول الروح القدس يقول: "ليحل روحك القدوس علينا وعلى هذه القرابين ويظهرها قدسًا لقديسيك".
من ذلك نجد أنه لا يمكن عزل السيد المسيح عن كنيسته (المؤمنين) فهما واحد لهما رسالة واحدة وغاية واحدة يقول الأب يوحنا من كرونستادت (يوحنا كرونشستادت): "الكنيسة واحدة مع الرب هي جسده من لحمه وعظامه"... ويقول القديس إيريناؤس: "إذ نحن نقدم ماله نعلن على الدوام تبعيتنا واتحادنا بالجسد والروح"... من هنا كانت ليتورجية القداس الإلهي هي اتحاد للمؤمنين بالله عن طريق معرفة الله وعن طريق تقديسهم لذلك يصرخون في القداس الباسيلي بقولهم: "افتنينا لك يا الله مخلصنا لأننا لا نعرف آخر سواك. اسمك القدس هو الذي نقوله فلتحيا نفوسنا بروحك القدوس، ولا يقوَى علينا نحن عبيدك موت الخطية، ولا على كل شعبك"... وأما الأب ميثوديوس من أولمبيا يقول: "تنمو الكنيسة يومًا فيوم في القامة والجمال خلال تعاونها واتحادها مع "اللوغوس" الذي ينزل إلينا حتى الآن ويستمر نزوله إلينا في ذكرى آلامه"... وفي خولاجي eu,ologion الأسقف سرابيون يقول: "نقدم لك هذا الخبز... وهذه الكأس... اجعل كل المشتركين فيها أن يتناولوا دواء الحياة شفاء لكل ضعف وسندًا لكل تقدم وفضيلة وليس دينونة علينا"... لذا يقول القديس أغسطينوس "الأفخارستيا خبز لك يومي تناوله حياة لنفسك وجسدك وقوة إلى الوحدة"...
من كل ما سبق نجد أنه من جهة الشركة فإن الكأس التي نباركها هي شركة واتحاد بدم المسيح والخبز الذي نكسره هو شركة جسد المسيح المبذول وأنه بتناولنا إياهما نصير واحدًا مع المسيح الذبيح وننعم بشركة أيضًا مع بعضنا البعض كما سنرى (1كو 10: 15 – 17) كل هذا مع الجسد الواحد في كل موضع... فالمسيح واحد في كل مكان. كامل في كل موضع... جسد واحد يجمع الكل ليصير الكل واحد فيه...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/w59t9bg