St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   20-Resalet-Ya3koub
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص تادرس يعقوب ملطي
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

يعقوب 1 - تفسير رسالة يعقوب

الإيمان والتجارب

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة يعقوب الرسول:
تفسير رسالة يعقوب: مقدمة رسالة يعقوب | يعقوب 1 | يعقوب 2 | يعقوب 3 | يعقوب 4 | يعقوب 5 | مراجع البحث

نص رسالة يعقوب: يعقوب 1 | يعقوب 2 | يعقوب 3 | يعقوب 4 | يعقوب 5 | يعقوب كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

يتحدث الرسول في هذا الأصحاح عن الإيمان والتجارب:

 

1. المقدمة (تحية)

   

1.

2.التجارب الخارجية

   

2 - 4.

كيف نحتمل التجربة؟

   

 

أولًا: باقتناء الحكمة السماوية

   

5 - 8.

ثانيًا: باقتناء التواضع

   

9-10.

ثالثًا: إدراك زوال العالم

   

10 - 12.

3. التجارب الداخلية

   

13 - 15.

4. الله أبونا، لا يهب إلاَّ الصلاح

   

16 - 17.

5. موقفنا كأولاد لله:

   

 

أولًا: الإسراع في الاستماع

   

18.

ثانيًا: الإبطاء في التكلم

   

19.

ثالثًا: الإبطاء في الغضب

   

20.

رابعًا: نزع بذور الشر وغرس الكلمة

   

21 - 25.

خامسًا: تلجيم اللسان

   

26.

سادسًا: الرحمة بالآخرين

   

27.

سابعًا: حفظ الإنسان من دنس العالم

   

27.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. المقدمة (التحية)

"يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ،

يُهْدِي السَّلاَمَ إِلَى الاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ."[1]

 

لم يذكر الرسول نَسَبُه حسب الجسد للرب يسوع بل يدعو نفسه "عبدًا". والعبد كما نعرف لم يكن له حق أو سلطان حتى على جسده أو إرادته أو زوجته أو أولاده... بل للسيد أن يتصرف كيفما يشاء. هكذا يحب يعقوب الرب إلى درجة العبوديّة، يفرح جدًا أن يترك للمحبوب أن يفعل به ما يريد. هذه عبوديّة، لكنها لا عن قسر وإكراه بل في حب ورضا.

St-Takla.org Image: "James, a bondservant of God and of the Lord Jesus Christ, to the twelve tribes which are scattered abroad: Greetings" (James 1: 1) - James, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "يعقوب، عبد الله والرب يسوع المسيح، يهدي السلام إلى الاثني عشر سبطا الذين في الشتات" (يعقوب 1: 1) - صور رسالة يعقوب، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: "James, a bondservant of God and of the Lord Jesus Christ, to the twelve tribes which are scattered abroad: Greetings" (James 1: 1) - James, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "يعقوب، عبد الله والرب يسوع المسيح، يهدي السلام إلى الاثني عشر سبطا الذين في الشتات" (يعقوب 1: 1) - صور رسالة يعقوب، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

هذه أحاسيس الذين عشقوا الثالوث القدوس، فإذ يرون الآب يفتح لهم أحضانه كبنين، والابن يقبلهم كعروس، والروح القدس هيكلًا له، يرتمون في حضن الثالوث القدوس في تسليم كامل كعبيد، فيقول كل واحد منهم مع الرسول أنه "عبد الله والرب يسوع المسيح".

هذا القول يكشف عن عظمة حب الرسول واعتزازه بالتعبد لله في تواضع حقيقي(16).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. التجارب الخارجية

2 اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، 3 عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. 4 وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ.

 

"احسبوه كل فرح يا إخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة"]2[.

لم يقل الرسول "يا أولادي" مثل يوحنا الحبيب بل "يا إخوتي". والسبب في هذا أنه يتحدث عن التجارب والآلام، فيريد أن يبث فيهم روح الشجاعة كإخوة، وأنهم ليسوا أطفالًا وأبناء.

وقوله "يا إخوتي" يُذكِّرهم برباطهم معًا في أخوة روحيّة خلال الميلاد الجديد كأبناء لله، مما يجعلهم يتقبلون الآلام بغير تذمر، وفي تسليم وفي فرح، بل في "كل فرح".

وربما قصد بكلمة "كل" هنا أنها النهاية القصوى للفرح، أو عدم تقبُّل شيء غير الفرح، أو كل صنوف الفرح، إذ تحل بهم صنوف متنوعة من التجارب. وكأنه يقول لهم: حينما تحل بكم لا تجربة ولاإاثنتين بل تجارب متنوعة، يليق بكم لا أن تفرحوا بل تفرحوا كل الفرح.

وكلمة "تقعون" في اليونانيّة لا تعني السقوط أو الدخول في تجارب، إنما تعني حلول التجارب وإحاطتها بالإنسان من الخارج، كما تحمل معنى المفاجأة في الحلول وعدم توقعها. بهذا فإن الرسول لا يتكلم عن التجارب التي تنبع من داخل النفس، بل التي تحل بنا من الخارج.

فخلال هذا النسب الجديد نتقبل هذه التجارب المتنوعة بكل فرح(17) قائلين: "كحزانى ونحن دائمًا فرحون" (2 كو 6: 9). لأن هذه الآلام ليست بسبب الخطيّة، بل هي سمة الرب المتألم "مكملين نقائص شدائد المسيح في أجسادنا"  (كو 1: 24).

وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: ["لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (2 كو 1: 5)... إنه يسمو بنفوسنا حاسبًا هذه الآلام خاصة به، فأي فرح يشملنا أن نكون شركاء المسيح، من أجله نتألم! بالإيمان ندرك الميلاد الجديد والقيامة. فالذين يؤمنون بيسوع المُقام حقًا، يلزمهم أن يقدموا أنفسهم للآلام. والذين لهم شركة في آلامه، يقومون معه أيضًا. "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات" (في 3: 10)(18).]

ويكتب البابا أثناسيوس الرسولي إلى شعبه الذي تحل به التجارب على أيدي الأريوسيين قائلًا: [لنفرح عالمين أن خلاصنا يحدث في وقت الألم. لأن مخلصنا لم يخلصنا بغير ألم، بل تألم من أجلنا مبطلًا الموت، لهذا أخبرنا قائلًا: "في العالم سيكون لكم ضيق" (يو 16: 33). وهو لم يقل هذا لكل إنسان بل للذين يخدمونه خدمة صالحة بجهادٍ وإيمانٍ، أي أن الذين يعيشون بالتقوى من جهته يُضطهدون(19).]

"عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرًا" ]3[.

سر الفرح أن التجارب مهما اشتدت هي بالنسبة للمؤمن الحقيقي امتحان. هذا الامتحان يُعين الإنسان أن يكون له صبر، إذ يتشبه بالرب يسوع.

ويلاحظ أن الصبر هنا لا يحمل المعنى السلبي الذي فيه يستسلم الإنسان بخنوعٍ أو يخضع للألم بشجاعة بشريّة وكبت على حساب أعصابه، فإن هذا حتمًا يدفع إلى الانفجار. وإنما الصبر هنا يعني الجانب الإيجابي، وهو الصبر المملوء حبًا،حيث يرمي الإنسان بآلامه على الرب المتألم بفرح في حب ورضا، بل يسعى هو بنفسه للألم لأن خلاله يتمثَّل بالرب المتألم.

"وأما الصبر فله عمل تام".

التجربة في ذاتها مرّة، لكن الصبر الذي تنشئه له غاية كاملة وهي: "لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء"]4[.

1. نكون تامين أي ناضجين روحيًا، فكما أنه لا يكفي لزراعة شجرة أن نلقي البذرة ونرويها ونعتني بها، لكن مع اهتمامنا بها يلزم أن نصونها من الرياح في بدايتها، ثم نعرضها لها قليلًا قليلًا حتى تنضج، هكذا لا يكفي أننا نؤمن بالمصلوب، وإنما يلزمنا بعد ولادتنا بالمعموديّة أن نشترك مع الرب في آلامه حتى ينمو فينا الإنسان الجديد، وينضج يومًا فيومًا في رجولة روحية.

ويُشبهنا القديس يوحنا ذهبي الفم بالطفل الذي يتعلم المشي. فإن المُربية تمد يديها وتمسك بيديه، وتسير به قليلًا قليلًا، وفي خلال سيره تترك يديه إلى حين. قد يبكي، وقد يسقط، لكن قلبها وعينيها وكل أحاسيسها معه! هكذا يمسك الله بيدينا ويترفق بنا، لكن لا بُد أن يسحب يده قليلًا دون أن يتخلى عنا. يسمح لنا بالتجارب لكي نتدرب في طريق النضوج الروحي.

لذلك كتب العلامة ترتليان إلى المتألمين المسجونين بسبب الإيمان يقول لهم:]أيها الطوباويون،احسبوا كل ما يصيبكم تداريب للتقوية، حتى تنالوا إكليلًا أبديًا ملائكيًا، فتصيروا سكانًا للسماء، ممجدين إلى الأبد... إن سيدكم يسوع المسيح الذي مسحكم بروحه وقادكم إلى حلبة المصارعة (للتدريب) يرى أن هذا مفيد لكم... فيُلزمكم بتداريب قاسية لتنمو روحيًا... فالفضيلة تُبنَي فينا بالجهاد وتزول وتتحطم بالانزلاق في الشهوات(20).]

2. كاملين وغير ناقصين في شيء... أي ليس فقط تامين، ولكن هذا النضوج يشمل كل جوانب الحياة الروحيّة.

حقًا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا (يع 3: 2)، لكننا كأولاد لله قدر ما نخضع لمدربنا الرب يسوع، مجاهدين نسمع كلمات الرسول: "بعدما تألمتم يسيرًا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمَكِّنكم" (1 بط 5: 10).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

كيف نحتمل التجربة؟

5 وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ. 6 وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ، لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ. 7 فَلاَ يَظُنَّ ذلِكَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ. 8 رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ.

 

أولًا: باقتناء الحكمة السماوية

"إن كان أحد تعوزه حكمة

فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير،

فسيُعطَى له" [5].

بالحكمة السماوية يقف الإنسان على إرادة الله ويدرك مواعيده للصابرين إلى المنتهى، فيفرح بالتجارب كمن وجد غنيمة. لهذا لا نكف عن طلبها قائلين: "هب لي الحكمة الجالسة إلى عرشك ولا ترذلني من بين بنيك. فإني أنا عبدك وابن أمتك، إنسان ضعيف، قليل البقاء وناقص الفهم" (حك 9: 56).

وإنه "يعطي الجميع" أي يهب كل من يطلب، لأنه لا يحابي أحدًا، وهو يعطي بسخاء، أي بفيض، مجانًا بلا قيد ولا شرط. يقدّم ولا يعيّر، لأنه أب، والأب يفرح بعطائه لابنه كل شيء. لكن لماذا لا ننال أحيانًا؟

ليس السبب في الله، بل فينا نحن الذين توقّف فيض عطاياه علينا بسبب عدم إيماننا، لذلك يقول الرسول: "ولكن ليطلب بإيمان". وكما يقول الأب إسحق: [هكذا تستجاب صلاة الإنسان عندما يؤمن أن الله مهتم به وقادر أن يعطيه سؤاله، إذ لا يخيب قول الرب: "كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم" (مر 11: 24)(21).]

ليطلب الحكمة "غير مرتاب البتة"، أي من غير أن ينقسم قلبه بين التجائه إلى الله واهب الحكمة  واعتماده على حكمته الذاتيّة، أو بين محبة الله ومحبة الأمور الزمنيّة.

"لأن المرتاب يشبه موجًا من البحر تخبطه الريح وتدفعه" [6] فيكون كالموجة التي تدفعها الريح على الصخر فتصير رذاذًا.

St-Takla.org Image: "He is a double-minded man, unstable in all his ways. The Perspective of Rich and Poor. Let the lowly brother glory in his exaltation, but the rich in his humiliation, because as a flower of the field he will pass away" (James 1: 8-10) - James, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "8 رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه. وليفتخر الأخ المتضع بارتفاعه، وأما الغني فباتضاعه، لأنه كزهر العشب يزول." (يعقوب 1: 8-10) - صور رسالة يعقوب، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: "He is a double-minded man, unstable in all his ways. The Perspective of Rich and Poor. Let the lowly brother glory in his exaltation, but the rich in his humiliation, because as a flower of the field he will pass away" (James 1: 8-10) - James, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "8 رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه. وليفتخر الأخ المتضع بارتفاعه، وأما الغني فباتضاعه، لأنه كزهر العشب يزول." (يعقوب 1: 8-10) - صور رسالة يعقوب، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

"فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئًا من عند الرب.

رجل ذو رأيين متقلقل في جميع طرقه" [7-8].

وكما يقول القديس يوحنا كاسيان: [قد تأكد تمامًا أن صلاته لن تُستجاب! من هو هذا البائس؟ الذي يصلي ولا يؤمن أنه سيحصل على جواب(22)!]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثانيًا: باقتناء التواضع

9 وَلْيَفْتَخِرِ الأَخُ الْمُتَّضِعُ بِارْتِفَاعِهِ، 10 وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَبِاتِّضَاعِهِ،

 

تنزع الحكمة السماوية عن الإنسان ذاتيته، فيختبر التواضع الحقيقي. إذ ينحني منسحقًا يلتصق بصليب الرب، فيرتفع مبتهجًا غالبًا بقوة القيامة. لذلك يقول الرسول: "وليفتخر الأخ المتضع بارتفاعه" [9].

"وأما الغني فابتضاعه".

يوجه حديثه هنا للغني، دون أن يقول "الأخ" حتى لا يظنوا أنه يداهنهم بسبب غناهم. إنه يجدر به ألاَّ يفتخر بغناه بل بتواضعه. بهذا يقدر أن يحتمل التجربة!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثالثًا: إدراك زوال العالم

10 لأَنَّهُ كَزَهْرِ الْعُشْبِ يَزُولُ. 11 لأَنَّ الشَّمْسَ أَشْرَقَتْ بِالْحَرِّ، فَيَبَّسَتِ الْعُشْبَ، فَسَقَطَ زَهْرُهُ وَفَنِيَ جَمَالُ مَنْظَرِهِ. هكَذَا يَذْبُلُ الْغَنِيُّ أَيْضًا فِي طُرُقِهِ. 12 طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.

 

إذ يدرك المؤمن حقيقة غربته على الأرض يرتفع نظره إلى حياة أفضل، محتملًا كل ألمٍ وتجربةٍ بغير تذمر، إذ كل ما في هذا العالم يزول.

"لأنه كزهر العشب يزول.

لأن الشمس أشرقت بالحر،

فيبَّسَتْ العشب،

فسقط زهره، وفني جمال منظره.

هكذا يذبل الغني في طرقه" [10-11].

تأثر الرسول بالمنظر الساحر الذي في تلك البقاع حيث تغطي أزهار شقائق النعمان منحدرات التلال في الصباح، لكن ما أن تظهر الشمس وتهب الرياح الحارة حتى تجف وتُجمع للوقود. وقد استخدم إشعياء نفس التشبيه (تث 40: 67)، وكذلك أيوب (أي 14: 2).

إن الشمس التي تهب حياة للزرع تُفني جمال زهر العشب، هكذا شمس التجارب التي تُزيد المؤمن بريقًا، تُهلك المتكلين على غناهم فيذبلون في طرقهم.

إذًا ليرفع الأغنياء أنظارهم إلى السماويات، بدلًا من أن ينشغلوا بجمال زهر عشب الغِنَى الذي سرعان ما يذبل، وبهذا تتحول تجاربهم إلى موضوع كل فرح.

"طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة،

لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة

الذي وعد به الرب للذين يحبونه" [12].

وإذ يرتفع نظرنا إلى السماويات، تاركين الغِنَى الزمني، نشتهي الدخولفي مدرسة التجارب العمليّة. وإذ نتخرج فيها نعلن حبنا لله فننال "إكليل الحياة" الذي هو نصيب المحبين. إنها تُخرِّج رجالًا في الروحانيّة، لذا يقول الرسول "طوبى للرجل..." لذلك تاق الآباء إليها:

فيقول الأب تادرس: [يا لنفع التجارب والآلام التي يحسبها البعض شريرة، فلا يحاول القديسون تجنُّبها بل بالحق يطلبونها بكل قوتهم، محتملين إياها بشجاعة، وبهذا يصيرون أحباء لله، ويحصلون على إكليل الحياة الأبديّة... ويتغني الرسول الطوباوي قائلًا: "أُسر بالضعفات والشتائم والضرورات والضيقات لأجل المسيح. لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12: 10)(23).]

ويقول القديس أغسطينوس [إن كنتَ ذهبًا، فلماذا تخاف النار، فإنه في الكور يحترق الزغل وتخرج أنت نقيًا؟ وإن كنت حنطة، فلماذا تهاب الدراس، مع أنك لا تظهر على ما أنت عليه إلاَّ به حيث يُنتزع عنك "التبن" ويظهر أصلك وشرفك؟]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. التجارب الداخلية

13 لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا. 14 وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. 15 ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا.

 

"لا يقل أحد إذا جُرِّبإني أُجرب من قِبل الله،

لأن الله غير مُجرِّب بالشرور،

وهو لا يُجرِّب أحدًا"[13].

بحثت الفلسفات كثيرًا عن مصدر الشر، فنادى البعض بوجود إلهَيْن، أحدهما علة الخير والآخر علة الشر(24)... وآخرون نادوا أن الله علة الخير والشر.

والشر هنالا يعني ما قد يحل بنا من تجارب أو كوارث أو ضيقات، بل الخطيّة والظلمة (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). الأمر الذي لا يتفق مع طبيعة الله كلّي الصلاح الذي فيه كمال مطلق. وهنا يقطع الرسول بأن الله غير مُجرِّب بالشرور وبالتالي لا يُجرب أحدًا.

حقًا قيل عن الله أنه يجلب شرًا(25)، وهذا كقول القديس أغسطينوس من قبيل حب الله أن يحدثنا بلغتنا قدر فهمنا، فهو يجلب التأديب الذي نسميه شرًا لخيرنا. أما الشر أي الخطيّة، فلا يحرضنا الله عليها، بل ولم يخلق فينا عواطف أو دوافع أو طبيعة شريرة، بل كل ما خلقه فينا هو حسن جدًا. ونحن بإرادتنا في شخص آدم انحرفنا عما هو حسن لنشبعه بما هو ليس حسن. فالحواس والعواطف والدوافع كلها بلا استثناء يمكن أن تًوجه كطاقات للخير متى سلمت في يد الله، وكطاقات للشر متى نُزعَت عنا نعمته(26)...

إذن الله لا يجربنا بالشرور، إنما يسمح لنا بالتجارب الخارجيّة لامتحاننا.

يقول البابا ديونيسيوس الإسكندري:

[ربما تقول: ما هو الفرق بين كون الإنسان يُجرب، وبين سقوطه في تجربة أو دخوله فيها؟ حسنًا متى انهزم إنسان بالشر، ساقطًا بسبب عدم جهاده دون أن يصونه الله بدرعه، نقول أنه دخل في تجربة وسقط فيها وصار أسيرًا تحتها. أما من يثبت ويحتمل فهذا الإنسان يكون مجرَّبًا وليس داخلًا في تجربة أو ساقطًا فيها.

هكذا اقتاد الروح السيد المسيح لا ليدخله في تجربة بل ليجربه الشيطان (مت 4: 1).

إبراهيم أيضًا لم يُدخله الله في تجربة بل جربه...

والرب جرب (امتحن) تلاميذه...

هكذا عندما يجربنا الشرير يجذبنا إلى الشر لأنه "مُجرِّب بالشرور". أما الله فعندما يجربنا (يمتحنا) يسمح لنا بالتجارب بكونه غير مجَرِّب بالشرور.

الشيطان يجذبنا بالقوة بقصدإهلاكنا، والله يقودنا بيده ويدربنا لأجل خلاصنا(27). [

إذن الشر ليس مصدره الله. فلماذا نسقط في الشر؟

"لكن كل واحد يُجَرِّب إذا انجذب وانخدع من شهوته.

ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطيّة،

والخطيّة إذا كملت تنتج موتًا"[14-15]

أ.الانجذاب والانخداع: يقوم عدو الخير بإثارتنا بمثيرات داخلية وخارجيّة كثيرة بلا حصر، من لذات جسديّة وملذات العالم وكراماته وأحزانه. هذه المثيرات مهما اشتدت ليست لها قوة الإلزام بل الخداع لكي ما يخرج الإنسان من حصانة الله، ويفلت من بين يديه، منجذبًا ومنخدعًا وجاريًا وراء الخطيّة.

يؤكد ربنا يسوع المسيح قائلًا: "خرافي تسمع صوتي... ولا يخطفها أحد من يدي" (يو 10: 27-28 أي لا توجد قوة مهما بلغت يمكن أن تخطف نفس المؤمن الذي يسمع لصوت الرب ويتبعه، أما إن امتنع المؤمن عن الاستماع لصوت الرب وقَبِلَ باختياره الإنصات إلى صوتٍ آخر، للحال ينخدع وينجذب من دائرة الرب إلى دائرة الخطيّة.

من يُقبِل إلى الرب لا يخرجه خارجًا (يو 6: 37)، إذ هو الباب إن دخل به أحد يخلص ويجد مرعى (يو 10: 9)، ولكن إن شاء الخروج عن الرب، فلا يلزمه الرب بالبقاء، عندئذ ينطلق من عناية الله تجاه خداعات العدو.

ب. الحبل: يشبِّه الرسول الشهوات بامرأة زانية تجذب إليها الإنسان وتخدعه. وإذ يقبلها ويتجاوب معها يتحد بها فتحبل. "ثم الشهوة إذا حبلت..." أي تكون كالجنين الذي ينمو يومًا فيومًا، الذي هو الخطيّة.

ج. الولادة: وإذ يكتمل نمو الجنين تلد ابنًا هو "الموت"، لأن الخطيّة تحمل في طياتها جرثومة الموت.

تحدث كثير من الآباء عن هذه المراحل الثلاث. فيطالبوننا أن نصارع الخطيّة في طورها الأول وهي تحاول أن تخدع حيث لا سلطان لها علينا، ويمكننا برشم علامة الصليب وبصرخة خفيفة داخلية تجاه الرب أن نتخلص منها. أما إذا تركنا الخطيّة لتتعدى الطور الأول إلى الثاني حيث نقبلها ونرضيها. فإن إرضاءنا لها -مهما كان إغراؤها- هو بإرادتنا ونحن مسئولون عنه.

هذا ما يؤكده القديس مرقس الناسك(28) قائلًا بأنه لا يمكن أن تسيطر علينا خطيّة فجأة، لكن إما أننا سبق أن قبلناها بإرادتنا، أو قبلنا خطيّة مشابهة لها أو باعثة لها. فمثلًا لا تسيطر أفكار شهوة على إنسان عفوًا، اللهم إلاَّ إذا كان قد سبق أن ترك لأفكاره العنان بإرادته يتلذذ بها، أو سقط بإرادته في الكبرياء والعجرفة وحب الظهور الذي يُوَلِّد السقوط، أو سقط في الغضب بإرادته حيث تنزع عنه نعمة الله، أو أتخم معدته وتلذذ بالنهم.

إذن يليق بنا أن ندرك مراحل الخطيّة الثلاث (الانجذاب لها، التلذذ بها، تنفيذها) حتى نحاربها بالرب يسوع منذ بدايتها. وهذا أكثر أمانًا لنا. وقد تحدث القديس أغسطينوس عن هذه المراحل الثلاث فقال:

[الخطية تكمل على ثلاث مراحل:

أ. إثارتها (الانجذاب لها والانخداع بها(29)).

ب. التلذذ بها (الحبل بها).

ج. إرضاؤها (الولادة).

تحدت الإثارة عن طريق الذاكرة أو الحواس كالنظر أو السمع أو الشم أو التذوق أو اللمس. فإن نتج عن هذا لذة لزم ضبطها. فلو كنا صائمين، فبرؤيتنا الطعام تثور شهوة التذوق، هذه الشهوة تنتج لذة. فعلينا ألاَّ نرضيها بل نضبطها إن كان لعقلنا -الذي يمنعنا من إرضائها- السيادة. أما إذا أرضيناها فستكون الخطية قد كملت في القلب فيعلم بها الله ولو لم يعلم بها البشر.

إذن هذه هي خطوات الخطيّة: تتسلل الإثارة بواسطة الحواس الجسدانيّة كما تسللت الحيّة في إثارة حواء، لأنه حيث تسربت الأفكار والتصورات الخاطئة إلى نفوسنا تكون هذه نابعة من الخارج من الحواس الجسديّة. وإن أدركت الروح أي إحساس خفي عن غير طريق هذه الحواس الجسديّة، كان هذا الإحساس مؤقتًا وزائلًا، فتسلل هذه التصورات إلى الفكر في دهاء الحيّة...

وكما أن للخطيّة مراحل ثلاثأي الإثارة واللذة والإرضاء، هكذا تنقسم الخطيّة إلى ثلاثة أنواع:

أ.خطية القلب (لم تنفذ عمليًا).

ب.خطية بالعمل.

ج.خطية كعادة.

وهذه الأصناف الثلاثة تشبه ثلاثة أموات:

أ.الميت الأول كما لو كان في المنزل ولم يُحْمَل بعد، وذلك عند إرضاء الشهوة في القلب (وهو صبية صغيرة).

ب. الميت الثاني كما لو كان قد حُمِل خارج المنزل، وذلك عندما يبلغ الرضا حد التنفيذ (وهو شاب أكبر من الصبية).

ج. الميت الثالث كما لو كان في القبر قد أنتن، وذلك عندما تكون الخطية قد بلغت حد العادة (وهو رجل أكبر من الشاب).

          ونرى في الإنجيل أن الرب أقام هذه الأنواع الثلاثة من الأموات مستخدمًا عبارات مختلفة عند إقامتهم. ففي الحالة الأولى قال: "طليثا قومي" (مر 5:41). وفي الثانية: "أيها الشاب لك أقول قم" (لو7: 14). وأما في الثالثة فقد انزعج بالروح وبكى وبعد ذلك صرخ بصوت عظيم "لعازر هلم خارجًا" (يو 11: 33-44).(30)]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. الله أبونا، لا يهب إلاَّ الصلاح

16 لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. 17 كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ.

 

"لا تضلوا يا إخوتي الأحباء.

كل عطيّة صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق

نازلة من عند أبي الأنوار" [16-17].

في كل مرة نصلي نقول: "فلنشكر صانع الخيرات..." لأننا لا نعرف مصدرًا للخيرات غير الله. وهنا يحذرنا الرسول ألاَّ نضل، فنظن أنه يمكن أن يصدر عن الله غير الخير والصلاح، أو نحسب أننا نقدر أن ننال صلاحًا بطريق آخر غير الله. نَسَبُ الشر إلى الله ضلال، لأن الله "أب الأنوار". وطلب الصلاح من غير الله ضلال، لأنه هو "أب" لا يقبل أن يلتجئ أولاده إلى أب غيره!

إذن كل عطيّة صالحة أي لخيرنا، وكل موهبة تامة مُقدَّمة كهبة مجانيّة ليس فيها عيب أو نقصان هي من فوق نازلة، أي يوجد فيض مستمر من السماء تجاه البشر، من الأب نحو أولاده.

يقول الأب شيريمون: [يبدأ الله معنا ما هو صالح، ويستمر معنا فيه، ويكمله معنا. وذلك كقول الرسول "والذي يُقدِّم بذارًا للزارع وخبزًا للأكل سيقدم ويكَثِّر بذاركم وينْمِي غلات بركم" (2 كو 9: 10).هذا كله من أجلنا نحن، لكي بتواضع نتبع يومًا فيومًا نعمة الله التي تجذبنا. أما إذا قاوْمنا نعمته برقبة غليظة وآذان غير مختونة (أع 7: 51)، فإننا نستحق كلمات النبي إرميا القائل "هل يسقطون ولا يقومون؟ أو يرتد أحد ولا يرجع؟ فلماذا ارتد هذا الشعب في أورشليم ارتدادًا دائمًا، تمسكوا بالمكر، أبوا أن يرجعوا؟" (إر 8: 4-5).(31)]

ويؤكد الرسول أنها من عند "أبي الأنوار. الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران".

وكما يُدعَى إبليس أب الأشرار (يو 8: 44)، يُدعَى الله "أب الأنوار" أي القديسين النوارنيين أو الملائكة. إنه النور الحقيقي وواهب النور. إنه ليس كالشمس المنظورة التي تعكس نورها على الكواكب الأخرى، لكنها تتغير ويأتي اليوم الذي فيه تزول، إنما هو شمس البرّ الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران!

أب ينير أولاده، وأبوته المنيرة ثابتة لا تتناقص، يجذب أولاده ليستنيروا منه. كيف يتم ذلك؟ خلال أشعة محبته المعلنة في عطاياه الزمنيّة والروحية يجذب أنظارنا وينير عقولنا، فنراه ونعشقه، وعندئذ لا ننشغل حتى بعطاياه الصالحة ومواهبه التامة، إنما نقول له مع القديس أغسطينوس: [قبل هذه الأعمال الجسديّة أعمالك الروحيّة التي هي سماوية ومتلألئة هكذا... لكنني جُعْتُ إليك، وعشطتُ لك... لك أنت بذاتك أيها الحق "الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران(32)".]

عطية واحدة خلال كل عطاياه التي بلا حصر ومواهبه التامة يلزم ألاَّ تفارق ذهننا أبدًا، وهي عطية الميلاد الجديد الذي نلناه بالمعمودية، فصرنا له أولادًا وهو أب لنا، إذ:

"شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ."[18].

 

يا لها أشرف عطيّة أننا بالرب يسوع "كلمة الحق" الذي مات عنا بالجسد وقام وهبنا بروحه القدوس أن نولد لله والكنيسة ولادة جديدة روحيّة بالمعموديّة.

بهذه الولادة يجدر بنا أن نرتبط بالرب يسوع "البكر"، فنصير نحن أيضًا "باكورة من خلائقه".

وكما كان الله يُلزِم عابديه أن يقدموا له البكور وأوائل الثمار مخصصة له، معتبرًا أنهم بذلك قدموا كل الثمار له. هكذا يقبلنا الله كباكورة من خلائقه، محفوظين ومخصصين لله (عب 12: 23)، وبهذا نرتبط بكنيسة الأبكار مكتوبين في السماوات.

هكذا انتقل بنا يعقوب الرسول الحديث عن التجارب الخارجيّة كمصدر فرح وتطويب للصابرين إلى الجهاد ضد التجارب الداخليّة،أي التحفظ من الخطيّة، ثم عناية الله بنا وتقديم كل إمكانية لنا، معلنًا حبه فيما وهبنا إياه أن نكون أولادًا له. لكن ما موقفنا نحن كأولاد لله؟ هذا يحدثنا عنه الرسول بطريقة عمليّة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. موقفنا كأولاد لله

 

أولًا: الإسراع في الاستماع

19 إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ،

 

"إذًا يا إخوتي الأحباء.

ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع" [19].

يترجم البعض عبارة "إذًا يا إخوتي الأحباء""أنتم تعرفون هذا. ولكن يا إخوتي الأحباء..." كأن ما قد سبق أن تحدث به هو أمر يعرفه المؤمنون، كتبه الرسول من أجل التذكرة فقط، وإنما يطلب أن نَتَنَبَّه إلى واجبنا العملي والتزامنا كأولاد لله.

وأول واجب نلتزم به هو أننا إذ ولدنا بكلمة الحق بالمعموديّة يليق بنا ألاَّ نفارق "كلمة الحق" بل نسرع دومًا للجلوس عند أقدام ربنا يسوع "كلمة الحق" مع مريم أخت لعازر، مُنْصِتين إلى حديثه العذب المملوء حبًا.

هذا هو واجبنا، وهذا أيضًا هو حقنا، وهذا هو نصيبنا الذي لن يُنْزَع منا إلى الأبد، أن نجلس متواضعين عند أقدام الرب يناجينا ونناجيه. حقًا ما أصعب على الإنسان في وسط دوامة هذه الحياة، أن يهرب! يهرب من أجل نفسه التي هي أغلى ما عنده، لكي يخلع عنه كل اهتمام واضطراب منصتًا بكل جوارحه لعريس نفسه، هذا الذي يبعث صوته في داخل النفس سرورًا وفرحًا وتبتهج عظام الإنسان في تواضع وانسحاق وليس في كبرياء وعجرفة(33).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثانيًا: مبطئًا في التكلم

إذ يسرع الإنسان للإنصات إلى كلمة الحق يتشرب بروح أبيه الذي لا يشهد للحق بكثرة الكلام بل بالعمل. وبهذا نتفهم الوصية "فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16). حسن للإنسان أن يشهد للحق، لكن كثرة الكلام والتسرع فيه يكشفان عن نفسٍ خائرة ضعيفة تخفي ضعفها وراء المظهر، من أجل هذا يوصي الحكيم قائلًا "أرأيت إنسانًا عجولًا في كلامه؟ الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به" (أم 29: 20).

ويقول القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك: [كثيرًا ما تكلمت وندمت وأما عن الصمت فما ندمت قط(34).]

وكشف لنا مار إسحق(35) مفهوم الصمت أنه ليس مجرد امتناع عن الكلام بل هو حديث سري مع الرب يسوع، لذلك نصح الراغب في الصمت أن يقتني ثلاث خصال: خوف الله، صلاة دائمة، عدم انشغال القلب بأي أمر.

كما يقول أيضًا: [من يريد أن يلازم السكوت من غير أن يقطع علل الآلام فهو أعمى.]

إذن كما يقول الكتاب "للسكوت وقت وللتكلم وقت" (جا 3: 7). بوجد ثلاثة أنواع للسكوت وثلاثة أنواع للكلام:

1.الصمت المقدس، وهو أن يصمت الفم ليتكلم القلب مع الله.

2.الصمت الباطل، وهو أن يصمت الفم دون أن ينشغل القلب بالله.

3. الصمت الشرير، وهو أن يصمت الفم وينشغل الداخل بالشر.

1. الكلام المقدس: وهو الحديث الذي يقول عنه القديس باسيليوس الكبير: [يُظهر رائحة بخور تدبيرنا الداخلي المملوءة حكمة(36).] أي يتكلم الإنسان فيما هو لبنيان نفسه وبنيان الآخرين.

2. الكلام الباطل: وهو الحديث الذي ليس للبنيان وبلا معنى، وهذا نعطي عنه حسابًا (مت 12: 36).

3. الكلام الشرير: الذي يهدم النفس ويهدم الآخرين.

من أجل هذا يقول الأب بيمين: [إن الصمت من أجل الله جيد، كما أن الكلام من أجل الله جيد(37).]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ثالثًا: "مبطئًا في الغضب،

"لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ." [20].

 

دُعيَ الله بطويل الأناة وبطيء الغضب، لهذا يجدر بأولاده أن يتشبهوا بأبيهم، فلا يطلبوا الانتقام ولا ينفعلوا، بل في طول أناة يترفقوا بالجميع.

فغضب الإنسان لا يصنع برّ الله، وكما يقول القديس أغسطينوس أن الإنسان مهما ارتكب من خطيّة يستطيع في نفس اللحظة أن يقف نادمًا ويشعر بمحبة الله طويل الأناة، لكن في لحظات الغضب لا يقدر الإنسان أن يقف للصلاة، بهذا يحرم نفسه من برّ الله.

ويقول أيضًا: [لا تظنوا أن الغضب أمر يستهان به، إذ يقول النبي: "تعكرت (ذبلت) من الغضب عيناي"(مز 6: 7)، وبالتأكيد لا يقدر مُتَوَعِّك العينين أن يعاين الشمس، وإن حاول رؤيتها تؤذيه ولا تبهجه(38).]

ويوضح لنا يوحنا كاسيان(39) خطورة الغضب فيقول:

[يجب أن نستأصل سم الغضب المميت من أعماق نفوسنا. فطالما بقي الغضب في قلوبنا وأعْمَى بظلمته المؤذية عين الروح (القلب) لا نستطيع الحصول على التمييز والحكم السليم، ولا نستطيع أن ننال النظرة الداخليّة الصادقة أو المشورة الكاملة، ولا أن نكون شركاء للحياة أو نحتفظ بالبرّ، أو حتى يكون لنا المقدرة على النور الروحي الحقيقي "تعكرت من الغضب عيناي" (مز 6: 7). ولا نستطيع أن نصير شركاء للحكمة، ولو وُجد حكم جماعي بأننا حكماء، لأن "الغضب يستقر في حضن الجهلاء" (جا 7: 9). ولا نستطيع أن ننال الحياة غير المائتة، لأن الغضب يُهْلِك حتى الحكم (راجع أم 15). ولا نقدر أن نحصل على القوة الضابطة للبرّ حتى لو ظن البشر فينا أننا كاملون وقديسون، لأن "غضب الإنسان لا يصنع برّ الله". كما لا نستطيع نوال الوقار والكرامة التي تُعطَى حتى في العالميات، ولو ظنوا بنا أننا نبلاء وذوو شرف، لأن "الرجل الغضوب يُحتقر". ولا يمكن أن تكون لنا مشورة صالحة... "لأن السريع الغضب لا يعمل بالحق" (أم 14: 17). ولا نستطيع التحرر من أي اضطرابات خطيرة أو نكون بلا خطيّة، ولو لم يسبب لنا أحد اضطرابًا... "لأن الرجل الغضوب يهيج الخصام، والسخوط كثير المعاصي" (أم 29: 22)(40).]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

رابعًا: مقتلعًا بذار الشر، غارسًا بذار كلمة الله

21 لِذلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ، فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ. 22 وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ. 23 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ سَامِعًا لِلْكَلِمَةِ وَلَيْسَ عَامِلًا، فَذَاكَ يُشْبِهُ رَجُلًا نَاظِرًا وَجْهَ خِلْقَتِهِ فِي مِرْآةٍ، 24 فَإِنَّهُ نَظَرَ ذَاتَهُ وَمَضَى، وَلِلْوَقْتِ نَسِيَ مَا هُوَ. 25 وَلكِنْ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ -نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ- وَثَبَتَ، وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلًا بِالْكَلِمَةِ، فَهذَا يَكُونُ مَغْبُوطًا فِي عَمَلِهِ.

 

"لذلك اطرحوا كل نجاسة وكثرة شر،

فاقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة،

القادرة أن تخلص نفوسكم"[21].

إذ يحدث الرسول يعقوب الذين وُلِدوا "بكلمة الحق" لهذا يوجه أنظارهم إلى "كلمة الحق" القادرة أن تأتي فيهم بثمر كثير.

ولكي تمتلئ حياتهم بكلمة الحق ويتجاوبوا معها يَلْزم أن تتم في داخل قلوبهم عمليتان متلازمتان، بل هما عمليّة واحدة لها جانبان، وهي عمليّة طَرْح النجاسة وبَذْر كلمة الله. فبالولادة الثانية صرنا أبناء الله وبسِرّ الميرون حل الروح القدس فينا، وصار لنا بالروح القدس أن نُفْرِغ من قلبنا كل ما هو ليس حقًا (النجاسة) ليملك فينا ما هو حق (كلمة الله).

من أجل هذا توصي الكنيسة الإشبين(41): [ازرعوا فيهم الخصال الجميلة.ازرعوا فيهم الطاعة والمحبة والطهارة.ازرعوا الرحمة والصدقة والعدل.ازرعوا فيهم التقوى والصبر والصلاح...]

إذن لنطرح عنا كل نجاسة، وربما قُصِد بها هنا الغضب السابق ذكره. ولا نقف عند طرح كل روح الغضب، بل لنقبل في وداعة كلمة الله المغروسة القادرة. هذه الكلمة هي البذار التي تأتي بثمر كثير.

نلاحظ أن الرسول يُحَدِّث أناسًا مؤمنين ومُعَمَّدين ومع ذلك يقول: "قادرة أن تخلص نفوسكم" ولم يقل "خلصت نفوسكم"، لأن الخلاص أمر مستمر يعيش فيه المؤمن كل أيام غربته، وليس أمرًا حدث وانتهى. وكأن الرسول ينصحنا أن نخضع بروح الوداعة، لا العجرفة، لكلمة الله، لأنه يلزمنا أن نثابر كل أيام غربتنا حتى لا نفقد الطريق.

هذا الخضوع يلزم أن يكون عمليًا وليس مجرد حفظ للكلمة أو استماع نظري لها، إذ يقول الرسول: "ولكن كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط خادعين نفوسكم"]22[.

"لأنه ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون" (رو 2: 13). وقد شبه الرب السامعين غير العاملين برجلٍ جاهلٍ يبني بيته على الرمل، فتهب الرياح وتسقط الأمطار فيسقط ويكون سقوطه عظيمًا (مت 7: 26-27)، ويشبهه الرسول بالآتي:

St-Takla.org Image: The Epistle of James: In the foreground James writes his epistle, while looking into a mirror, which reminds the reader that he must not read the word and forget it, as one forgets his own reflection when looking in a mirror (James 1: 23). In the background an image of the sea being driven by the wind, representing doubt and lack of faith (James 1: 6), and a wilting flower appears behind him (James 1: 11) - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: رسالة يعقوب الرسول، ويظهر القديس يعوب وهو يكتب الرسالة، ناظرا في مرآة، وهو تذكير للقارئ بعدم نسيان ما يقرأه، كما ينسى الشخص وجه خلقته في المرآة (يعقوب 1: 23). كما يظهر صورة الريح وهو يضرب موج البحر ويحركه (يعقوب 1: 6)، وهو رمز الشك ونقص الإيمان. والشمس مشرقة بالحر، فيبس العشب وسقط الزهر (يعقوب 1: 11). - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: The Epistle of James: In the foreground James writes his epistle, while looking into a mirror, which reminds the reader that he must not read the word and forget it, as one forgets his own reflection when looking in a mirror (James 1: 23). In the background an image of the sea being driven by the wind, representing doubt and lack of faith (James 1: 6), and a wilting flower appears behind him (James 1: 11) - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: رسالة يعقوب الرسول، ويظهر القديس يعوب وهو يكتب الرسالة، ناظرا في مرآة، وهو تذكير للقارئ بعدم نسيان ما يقرأه، كما ينسى الشخص وجه خلقته في المرآة (يعقوب 1: 23). كما يظهر صورة الريح وهو يضرب موج البحر ويحركه (يعقوب 1: 6)، وهو رمز الشك ونقص الإيمان. والشمس مشرقة بالحر، فيبس العشب وسقط الزهر (يعقوب 1: 11). - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

"لأنه إن كان أحدكم سامعًا للكلمة وليس عاملًا،

فذاك يشبه رجلًا ناظرًا وجه خلقته في مرآة.

فإنه نظر ذاته وللوقت نسي ما هو" [23-24].

يشبهه بالرجل الذي ينظر في مرآة، ومن شيمة الرجال ألا يمعنوا النظر فيها، أما أبناء الله فيليق بهم أن يُمْعِنوا النظر في كلمة الله التي هي كالمرآة تكشف لهم ضعفهم ونقائصهم. وهي أيضًا تذَكِّرهم بخلقتهم الروحيّة الجديدة أي بميلادهم السماوي، وهذا يبعث فيهم روح الجهاد، ويجعلهم يتجاوبون مع الإمكانيات الإلهيّة الموهوبة لهم. لأنه متى أدرك الإنسان مركزه كابن لله لا يكف عن الالتصاق بأبيه ومناجاته متشبثًا بحقوقه للحياة المقدسة.

"ولكن من اطلع على الناموس الكامل، ناموس الحريّة،

وثبت، وصار ليس سامعًا ناسيًا،

بل عاملًا بالكلمة،

فهذا يكون مغبوطًا في عمله"[25].

إذ يُمْعِن النظر في الناموس ناموس الحريّة، أي الإنجيل، الذي حررنا بقوة الدم من سلطان الخطيّة، وَوَهَبْنا حريّة الأبناء، فإنه بهذا تصير كلمة الله بالنسبة له عمليّة، فلا يكون سامعًا ناسيًا بل ثابتة فيه. في أعماق نفسه الداخليّة.

هذا العمل يَهَب لنا عذوبة بالرغم من صعوبة الوصيّة، إذ نحمل نيرها لا بتذمر كعبيد أذلاء، ولا من أجل المنفعة كأجراء، بل نفرح بها كأبناء يتقبلون وصيّة أبيهم، لهذا يكون كل منا "مغبوطًا في عمله". بهذا يقول الإنسان لخالقه: "نيرك هيِّن وحِمْلَك خفيف" رغم ما يجاهد به وثابر فيه ويتحمله ويتخلى عنه من أجل الرب!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

خامسًا: "ملجمًا لسانه"

"إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِيكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ، وَهُوَ لَيْسَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ،

بَلْ يَخْدَعُ قَلْبَهُ،

فَدِيَانَةُ هذَا بَاطِلَةٌ." [26].

 

الديانة الحقيقيّة هي التي تنبع من الداخل، من القلب، إذ "مَجْد ابنة الملك من الداخل"، و"الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يُخرج الصالحات" (لو 6: 45). على هذا الأساس ظن البعض أنه لا حاجة لضبط اللسان بدعوى أن القلب طيب والعبادة بالروح... لكن الرب الديان يقول: "من فضلة القلب يتكلم اللسان" (مت 12: 34).

ويقول الشيخ الروحاني: [مَنْ يحذر بلسانه لن يسلب كنزه منه إلى الأبد. فم الساكت يترجم أسرار الله. ومن يتكلم بسرعة يبعد عن خالقه(42).]

يقول الأب بيمين: [من يضبط فمه فإن أفكاره تموت، كالجرّة التي يوجد فيها حيَّات وعقارب، سِدْ فمها (فوهتها) فإنها تموت(43).]

[وسأل أخ شيخًا: [يا أبي إني أشتهي أن أحفظ قلبي. فقال له الشيخ: كيف يمكنك أن تحفظ قلبك وفمك الذي هو باب القلب مفتوح سايب؟(44)]

إذن من لا يضبط لسانه يخدع قلبه، فبينما يظن أنه دَيِّن إذ بديانته باطلة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: To visit the fatherless and widows: "Pure and undefiled religion before God and the Father is this: to visit orphans and widows in their trouble" (James 1:27) - by A.P. صورة في موقع الأنبا تكلا: "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم" (يعقوب 1: 27) - للفنان إيه بي.

St-Takla.org Image: To visit the fatherless and widows: "Pure and undefiled religion before God and the Father is this: to visit orphans and widows in their trouble" (James 1:27) - by A.P.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم" (يعقوب 1: 27) - للفنان إيه بي.

سادسًا: يرحم إخوته

27 اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ.

 

"الديانة الطاهرة النقيّة عند الله الآب هي هذه افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم" [27].

لم يقل الرسول "الديانة الطاهرة... هي الإيمان" إنما كشف عن الجانب العملي ليس تجاهلًا أو استهتارًا بالإيمان، لكن تأكيدًا للأعمال المرتبطة بالإيمان. فإذ يقيم الآب نفسه أبًا للأيتام وقاضيًا للأرامل (مز 68: 5) لهذا فإن من كانت ديانته طاهرة يلزمه أن يتمثل بأبيه.

والجميل في الكنيسة الأولى أنها اهتمت بالأرامل، إذ أعطت للأرامل اللواتي ينذرن أنفسهن للخدمة مكانة خاصة تلي مكانة العذارى مباشرة، حتى أن القديس يوحنا الذهبي الفم عندما أرسل إلى أرملة شابة يعزيها في زوجها هنأها أنها صارت "أرملة(45)".

وقد اهتمت الكنيسة بتحويل طاقات هؤلاء الأرامل إلى العبادة أو الخدمة التي تتناسب معهن، الأمر الذي جعل كثيرًا من القديسين كتبوا بفيض عن "الترمل وشروطه وقوانينهن ونظامهن(46)".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

سابعًا: "وحِفْظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم" [28].

بدأ أولًا بالترفق بالمتألمين أي اليتامى والأرامل، لأنه بدون رحمة بالآخرين كيف نستعين برحمة الله لكي تحفظنا من دنس العالم وشهواته؟ إذن لنرحم فيما هو قليل ليرحمنا الله في الكثير.

وإذ يحفظ الإنسان نفسه بلا دنس، لا يعطي لإبليس أي حق للملكيّة في داخله، بهذا تبقى النفس مقدسة للرب وحده.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(16) تكملة النص سبق شرحه في المقدمة.

(17)راجع (1 بط 1: 6، 7، 4: 13).

(18) للمؤلف: القيم الروحيّة لعيد النيروز، ص 18.

(19) رسائل القيامة للبابا أثناسيوس، طبعة 1967، ص 163.

(20) للمؤلف: القيم الروحيّة لعيد النيروز.

(21) مناظرات يوحنا كاسيان، طبعة 1968، ص 238.

(22) دير السريان: حياة الصلاة الأرثوذكسيّة.

(23) مناظرات يوحنا كاسيان، طبعة 1968، ص 150.

(24) مثل الفلسفات الغنوسيّة بكل أنواعها.

(25) (2 أي 34: 24، إر 6: 9 ؛ 11: 1 ؛ 49: 37).

(26) راجع للمؤلف كتيب: "الحب: مفهومه ودرجاته"، طبعة 1970.

(27) Works of Dionys.:Exegetical Fragments.

(29) الأقوال ما بين القوسين هنا وما بعد ذلك ليست من أقوال القديس.

(32) The Confessions 3: 6

(33) Cf. Augustine: On the Gospel of St. John, 57: 3.

(34) عن بستان الرهبان.

(35) عن بستان الرهبان.

(36) دير السريان: القديس باسيليوس الكبير، ص 55.

(37) عن بستان الرهبان.

(38) للمؤلف: الحب الأخوي، 1964، عدم الغضب، ص 314.

(39) للمؤلف: الحب الأخوي، 1964، عدم الغضب، ص315.

(40)للاستزادة من أقوال الآباء عن "الغضب" راجع: الحب الأخوي، ص 309-390.

(41) الشخص الملتزم برعاية المعمد في الإيمان المستقيم والحياة المسيحيّة.

(42)أي القديس يوحنا سابا: عن بستان الرهبان.

(43)عن بستان الرهبان.

(44)عن بستان الرهبان.

(46) راجع كتاب "الترمل" للقديس أغسطينوس، وكتاب القديس باسيليوس لدير السريان، ص 366-370.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات يعقوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/20-Resalet-Ya3koub/Tafseer-Resalat-Yaakoub__01-Chapter-01.html

تقصير الرابط:
tak.la/7pa5btb