محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة يعقوب الرسول: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26
استمرارًا لمنهجه نجد الرسول هنا يظهر أنواع الإيمان المنحرف. فليس كل إيمان هو إيمان صحيح، وليس كل إيمان يخلص صاحبه.
آية 1:- يَا إِخْوَتِي، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ.
يا إخوتي = الرسول يظهر لهم هنا أن الجميع إخوة، فلا مجال للتمييز أو المحاباة، بل الكل أعضاء في جسد واحد يتكامل أعضاؤه كما تتكامل أعضاء الجسم (العين والأذن واليد والرجل...) ويلزم على القوي أن يهتم بالضعيف، وعلى الضعيف أن يحترم القوي. بل قيل عن الفقراء أنهم إخوة الرب.
لا يكن لكم إيمان.. في المحاباة = هم لهم إيمان ولكنه ليس إيمان حيّ صحيح، فهم يحترمون الأغنياء ويهينون الفقراء.
يسوع المسيح رب المجد = يلقب المسيح هنا برب المجد لكي يرفع أنظار المؤمنين إلى المجد السماوي الحقيقي، فأمام مجد المسيح يصير كل مجد بشري تافه لا قيمة له. فالغِنى البشري والمجد البشري هو لا شيء أمام المجد الحقيقي في السماء. فعليهم إذًا أن لا يحابوا الناس على أساس غناهم وكرامتهم الزمنية، بل يحبون الكل كإخوة لهم ميراث أبدي مرتبطون بإيمان الرب.
وما نراه بالأعين البشرية هو خداع. فلنرى من الذي كان في مجد:-
الغني وجنازته مهيبة يسير وراءه كبار القوم. أو
لعازر الفقير وهو ميت تلحسه الكلاب لكنه محمولا بالملائكة والموكب منطلق للسماء.
لذلك قال القديس يعقوب في الإصحاح الأول أن الغِنى "كزهر العشب يزول" راجع تفسير (يع1: 10، 11).
الآيات 2-4 - فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِيٍّ، وَدَخَلَ أَيْضًا فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ، فَنَظَرْتُمْ إِلَى اللاَّبِسِ اللِّبَاسَ الْبَهِيَّ وَقُلْتُمْ لَهُ: "اجْلِسْ أَنْتَ هُنَا حَسَنًا". وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: "قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ" أَوِ: "اجْلِسْ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَيَّ" 4فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ؟
كانت عادة لبس الخواتم منتشرة بين الأغنياء لنوال الكرامة، وهي عادة رومانية. وكان رجل روماني يلبس 6 خواتم في كل إصبع لا يخلعها ليلًا ولا نهارًا. ويلوم الرسول هنا مَنْ يحابي الغني ويكرمه ويحتقر الفقير. هل نفعل هذا للأغنياء وذوي المراكز لأننا نتوقع منهم المعروف، ولماذا لا نفعل هذا مع الفقير ونترجى الجزاء من الرب يسوع.
مجمعكم = اجتماعاتكم الدينية وربما يقصد الكنيسة.
فهل لا ترتابون = الارتياب قائم على أساس أن الإيمان يظهر في حضورهم للاجتماع في الكنيسة، بينما تظهر العالميات في الازدراء بالفقراء. وهذا التقلب يشبه تقلب المرتاب أي الإنسان ذو الرأيين. تصيرون قضاة افكار شريرة = بهذا صرتم قضاة لأنكم حكمتم على الفقراء بالإهانة، ولم تعاملوا الفقراء والأغنياء بالمساواة. ولكنكم كنتم قضاة غير عادلين، كنتم منساقين بأفكار ومبادئ شريرة هي المحاباة.
أية 5:- اسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، أَمَا اخْتَارَ اللَّهُ فُقَرَاءَ هَذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟
هنا يقارن الرسول بين الفقراء الأغنياء روحيًا وبين الأغنياء الفقراء روحيًا الذين يتسلطون على المؤمنين، بل يجدفون على اسم المسيح.
فقراء العالم أغنياء في الإيمان = إذن الفقر وحده ليس جواز مرور للسماء، بل من يدخل السماء هو الفقير ماديًا لكن غني بإيمانه وهكذا كان كل تلاميذ المسيح.
آيات 6، 7:- وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَهَنْتُمُ الْفَقِيرَ. أَلَيْسَ الأَغْنِيَاءُ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ وَهُمْ يَجُرُّونَكُمْ إِلَى الْمَحَاكِمِ؟ أَمَا هُمْ يُجَدِّفُونَ عَلَى الاِسْمِ الْحَسَنِ الَّذِي دُعِيَ بِهِ عَلَيْكُمْ؟
فاليهود جردوا المسيحيين من ممتلكاتهم وبهذا ازداد اليهود غنى، ومع هذا فهم يكرمونهم، بينما هم يجدفون على اسم المسيح. كأن الرسول يقول.. لماذا تحابون الأغنياء مع أن أغلب المشاكل تنبعث منهم، وهم لا يعاملونكم معاملة طيبة، وإنما يظهرون سلطانهم عليكم بأن يجرونكم للمحاكم ويجدفون على اسم المسيح الذي أعطي لكم فسميتم مسيحيين، (ويظهر أن الاسم مسيحيين كان قد بدأ ينتشر). الرسول هنا غالبًا يتكلم عن الأغنياء اليهود أو الوثنيين (لكن وسط الأغنياء المسيحيين أيضًا يوجد كثيرين من قساة القلوب). وإنه لحسن أن يعطي الإنسان الكرامة لمن له الكرامة وأن يحب الجميع ويلاطف الكل، لكن ليس بقصد المداهنة أو عن خوف ولا على حساب الآخرين.
الآيات 8، 9:- فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ "تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ". فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ النَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ.
القديس يعقوب هنا لا يطلب أن نهين الأغنياء بل نكرم الكل فقراء وأغنياء.
الناموس الملوكي = هو ناموس الملك العظيم المسيح، هو ناموس المحبة للكل.
المقصود أنه لو كان تكريمهم للأغنياء نابع عن الحب لكان في ذلك تكميل للناموس الملوكي، ولكان عملهم هذا حسن جدًا. ولكن إذا كان الدافع هو المحاباة فهم قد انحرفوا وتعدوا الناموس وصار عملهم خطية لأن الناموس أوصى بعدم المحاباة. والحكم في هذا هو هل من يكرم الأغنياء بدافع المحبة كما يقول، هل يفعل هذا مع الفقراء أيضًا. ونلاحظ أنه دعا المحبة بالناموس الملوكي فهي شريعة ملكوت السموات وقانونها الذي يسود السماء إلى الأبد، المحبة هي الطريق الذي يبلغ بنا إلى ملك الملوك ذاته.
ملحوظة:- هناك فرق واضح بين أسلوب يعقوب البسيط وأسلوب بولس الفيلسوف فالله لا ينزل كلامًا مكتوبًا من السماء. بل هو بالروح القدس يعطي الكاتب فكرة والكاتب يصيغها بخبرته وبلغته، والروح القدس يحمي من الخطأ.
متعدين= من لا يحب الفقير (قريبه) كنفسه فهو بهذا كسر الوصية
الآيات 10، 11:- لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ. لأَنَّ الَّذِي قَالَ: "لاَ تَزْنِ" قَالَ أَيْضًا: "لاَ تَقْتُلْ". فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ.
من عثر في واحدة = يقصد إكرام الغني واحتقار الفقير. وبهذا هو يحتقر قريبه ولم يحبه كنفسه وبذلك يكون قد تعدى الناموس.
فقد صار مجرمًا في الكل = من عثر في واحدة فهذا يعني الاستهانة بها، وبالتالي فمهما بدت الوصية قليلة الأهمية، فإن الاستهانة بها إنما هو استهانة بواضع الوصية، هو احتقر سلطان الله. ومن تكون له جرأة على كسر وصية واحدة ستكون له الإمكانية والجرأة أن يكسر أي وصية أخرى. ومن تعدى أو إستهان على وصية واحدة بغير اهتمام فقد إستهان بواضع الناموس. ولكن التوبة تغفر أي خطية لو تراجع عن موقفه.
وهنا يثار سؤال... هل كل الخطايا متشابهة، فهل من يقتل يتساوى مع من يكذب عن إكراه؟ شرح هذا أغسطينوس وقال إن الخطايا بالعمد مثل القتل ليست كالهفوات التي تصدر عن ضعف بشري أو بغير إرادة أو عن جهل. غير أن جميع الخطايا عقابها الموت الأبدي، وكلها لا يمكن التطهير منها إلا بدم المسيح.
والرسول هنا يقصد أن خطية عدم المحبة والاستهانة بالفقير ومحاباة الأغنياء وإن بدت صغيرة إلا أنها تجعلنا نكسر الناموس كله. والرسول يريد منا أن نجاهد ضد الثعالب الصغيرة، لأن البشر غالبًا ما يهتمون بالخطايا التي بحسب نظرهم تعتبر كبيرة ولكنهم لا يهتمون بما يحسبونه خطية صغيرة. وبهذا يغلق الرسول باب الخداع الذي تفتحه لنا الخطية لنستهين بها. ومهما كانت الخطية بسيطة علينا أن نقدم عنها توبة.
الآيات 12، 13:- هَكَذَا تَكَلَّمُوا وَهَكَذَا افْعَلُوا كَعَتِيدِينَ أَنْ تُحَاكَمُوا بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ.، لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ.
هكذا تكلموا = ليكن موضوع كرازتكم. وهكذا افعلوا = وليكن أيضًا طريق سلوككم، أن تصنعوا الرحمة مع إخوتكم فتنالوا رحمة يوم الدينونة. ونحن متوقعون أن نحاكم بحسب الناموس الملوكي الذي حرر الإنسان ولم يجعله عبدًا لغيره من البشر، فإن المحاباة ليست أكثر من عبودية إنسان لغيره من الناس.
الحكم بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة
= شرح السيد المسيح هذا في مثال العبد الذي سامحه سيده ولم يسامح هو العبد زميله (مت 18: 23– 34). فناموس الحرية يعني أننا لن نتمتع بالتحرر الأبدي من الكثير ما لم نعتق إخوتنا مما هو قليل وزمني. ولا نعاملهم بجفاء وقسوة قلب بسبب المحاباة. والرحمة تفتخر على الحكم = هذه في تعاملنا مع بعضنا البعض. والحكم هو العدل. أي إرحم أخوك وتنازل عن حقك حتى لو كان لك الحق وأنت تطالبه بعدل، لكن الرسول هنا يقول الرحمة أهم من حقك العادل، فمن يفعل الرحمة لا يتعرض للدينونة. أما من يطالب بحقه حتى لو كان بعدل فسيتعرض للدينونة، لأن كل منا له أخطاءه . لذلك فالرحمة تفتخر على العدل فهي تنجي يوم الدينونة. "فطوبى للرحماء لأنهم يرحمون" (مت5: 7)، أما من يستعمل حقه حتى لو بعدل وبدون رحمة ويأخذ حقه من أخيه ولا يرحمه يخسر رحمة الله، فالله أيضًا سيعامله بعدل وبدون رحمة. هذا الإنسان لم يتشبه بالله الذي برحمته فدانا.
هذه الهرطقة ظهرت غالبًا نتيجة فهم خاطئ لرسالة بولس الرسول إلى أهل رومية (2 بط 3: 15، 16). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). إذ ظن البعض أن الإيمان وحده قادر أن يخلص الإنسان ويبرره دون الحاجة لأن تكون له أعمال. وأن دم المسيح يطهر وكافٍ لخلاصهم دون حاجة إلى الجهاد والمثابرة. وربما حدث هذا نتيجة لأن بولس الرسول هاجم الأعمال في رسالته لكنه كان يهاجم أعمال الناموس (كالتطهيرات والختان... إلخ.) ويهاجم أعمال البر الذاتي = وهذه تعني أن أتصور أن الخلاص هو نتيجة لأعمالي فأفتخر بما أعمل.. ولكن نلاحظ أن بولس كان واضحًا في تأكيد أعمال الإيمان أي أن يكون للشخص أعمال وجهاد نابع عن إيمان سليم. والأدلة على ذلك:-
1. (رو 6: 4) يقول بولس الرسول "هكذا نسلك أيضًا في جدة الحياة" ومعنى نسلك أن تكون لنا أعمال في حياتنا الجديدة.
2. (رو 6: 13) قدموا أعضاءكم آلات بر لله.
3. (رو 6: 19) قدموا أعضاءكم عبيدًا للبر والقداسة.
4. الإصحاح (رومية 12) كل الأصحاح صورة للسلوك المسيحي والأعمال المقدسة.
5. الإصحاحات (13- 16) من رسالة رومية هي وصايا عملية لعلاقتنا مع الحكام وإخوتنا الضعفاء وببعضنا البعض.
وهنا كما رأينا فيعقوب يركز على الأعمال "افتقاد الأرامل وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس. بل رأينا في هذا الأصحاح أهمية معاملة الفقراء حسنًا وغير ذلك يكون إيمانًا مريضًا، إيمان محاباة.
إذًا ليس هناك تناقض بين الرسالتين، فكلا الرسالتين يهتمان بالإيمان الذي يظهر في الأعمال. ونوعية الإيمان تظهر في الأعمال، هل هو إيمان صحيح أم مريض.
ولكن بولس الرسول يركز على الإيمان بينما يعقوب يركز على الأعمال. وذلك لأن المشكلة التي يقابلها بولس الرسول ويعالجها غير المشكلة التي يقابلها يعقوب ويعالجها. فبولس واجه جماعة من المتهودين الذين كانوا أصلًا يهودًا وينادون بضرورة تهود الأمم وضرورة ختانهم متكلين على أعمال الطقس اليهودي في ذاتها أنها تبرر الإنسان. بالإضافة لتسلل الفكر اليهودي للمسيحيين. واليهود يفتخرون بأعمال برهم الذاتي حاسبين أنهم بأعمالهم يخلصون. لذلك حين يرفض بولس الرسول الأعمال فهو يرفض أعمال الناموس وأعمال البر الذاتي.
أما المشكلة التي قابلت يعقوب فهي غير المشكلة التي قابلت بولس. فيعقوب يكلم أناسًا مؤمنين ظنوا أن إيمانهم بالمسيح كاف لخلاصهم دون أن يعملوا أو يجاهدوا، أو مهما أخطأوا. وكان رد يعقوب أن مثل هذا يعبر عن إيمان ميت وما يظهر حقيقة إيمانك هو نوعية أعمالك.
بولس يهاجم الأعمال بدون دم المسيح = مهما عملنا، فبدون دم المسيح لا خلاص. ويعقوب يهاجم التكاسل والاعتماد على دم المسيح، والانقياد في طريق الخطية.
بولس يهاجم الإعمال السابقة للإيمان لإيضاح أهمية الإيمان. والمعنى أنه مهما كانت أعمالك بدون الإيمان بالمسيح فهي لن تخلصك. وبالتالي لا داعي لأعمال الناموس الطقسية كالختان والقول بأنها تخلص، فما قيمة الختان بجانب دم المسيح. ولا داعي للافتخار بأعمالي ظانًا أنها تخلصني، فيقول وأما من افتخر فليفتخر بالرب (2كو 10: 17) + (1كو1: 31). أما يعقوب فيطلب الأعمال الصالحة من المؤمنين بعد إيمانهم، حتى لا يكتفوا بالإيمان النظري فيحدث الاستهتار والتراخي بل والسقوط اعتمادًا على دم المسيح الذي يغفر.
إذًا ليس هناك تناقض بين الرسالتين، ولكن الوحي قصد أن يركز الأضواء في رسالة رومية على الإيمان، وفي رسالة يعقوب على الأعمال لتكتمل الصورة من كافة زواياها. وقدم يعقوب تشبيهًا جميلًا أن:-
إيمان + أعمال = روح + جسد ولا يمكن فصلهما إطلاقًا.
أي من لا يعمل بعد إيمانه أي يتحرك حركة إيجابية هو ميت، فمن لا يتحرك هو جسد ميت.
ولاحظ أن هذا هو نفس فكر بولس الرسول "إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليست لي محبة فلست شيئًا" (1كو13: 2). ولاحظ تعريف بولس للإيمان بأنه هو الإيمان العامل بالمحبة (غل5: 6). ولاحظ تعريف المحبة في (1كو13). وبولس يؤكد أن المحبة أعظم من الإيمان، والمحبة يجب أن يكون لها تعب (جهاد) (1تس1: 3). وبولس لا يقف عند إظهار ضرورة الأعمال بل يؤكد أن الأعمال الشريرة تهلك الإنسان حتى لو كان مؤمنًا (رو6: 1-12) + (1كو6:7-10) + (1كو 10: 1-12) + (غل 5: 19-21) + (2تس1: 8، 9) + (تى 1: 16) + (عب 10: 26-30). أما عن يعقوب فأنه لا يتجاهل الإيمان (يع1: 6 + 5: 15).
ولقد ركز كل من الرسولين بولس ويعقوب على آية واحدة من العهد القديم
"فآمن إبراهيم بالله فحسب له برًا" (تك 15: 6).
ورأى فيها بولس أن إبراهيم تبرر بالإيمان وليس بالأعمال (رو4: 2، 3).
ويعقوب فهم من نفس الآية أن إبراهيم تبرر بالأعمال (يع2: 21-24).
وفي ضوء ما ذكرناه يتضح أنه لا تعارُض، لأن إبراهيم تبرر بإيمانه الحي الذي ظهر في أعماله. فلولا إيمان إبراهيم بالله وأنه قادر أن يقيم اسحق (عب11: 19) ما كان قد تبرر. وهذا ما أشار له بولس. أما ما قاله يعقوب فهو أن إيمان ابراهيم ظهر في أعماله وأنه قدم ابنه ذبيحة. إذًا ابراهيم تبرر بالإيمان الحي الذي ظهر في أعماله العظيمة.
عمومًا من يؤمن بالمسيح، يحيا المسيح فيه (غل2: 20) فيستطيع هذا المؤمن أن يعمل أعمال بر، مصدرها المسيح الذي يحيا فيه. ولكن من الذي يعطيه المسيح أن يعمل أعمال بر؟
هو من يجاهد أن يعمل وليس للكسلان. لذلك يقول بولس الرسول...
ولكن بنعمة الله أنا ما أنا ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي (1كو15: 10).
فبولس تعب أكثر من جميعهم، ولذلك عملت النعمة فيه. فعليَّ أن أعمل ولكن لا بُد أن أعلم أن نعمة الله هي التي تعمل فيَّ. ومن يفهم هذا فلن يقف أمام الله إذا حدث له فشل أو وقع في تجربة ويقول لله أنا عملت كذا وكذا وخدمتك، فلماذا لم تعطني كذا وكذا من النجاح. ولذلك يقول يعقوب أن علينا أن نفهم "أن كل عطية صالحة هي من عند الله" (يع 1: 17) فلماذا ننسب النجاح أو العمل الصالح لأنفسنا ولا ننسبه لنعمة الله التي عملته فينا. من ينسب العمل لنفسه فهذا ما يسمى بالبر الذاتي، والبر الذاتي هو ما يقودنا للكبرياء فلا يسكن فينا الله فالله يسكن عند المنسحق والمتواضع الروح (اش57: 15) وبهذا نخسر عمل النعمة فينا. وبنفس المفهوم يقول بولس الرسول "وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ (1كو 4: 7). ومن يفعل هذا قال عنه السيد المسيح "أنه يعرف شماله ما تعمله يمينه" وحينما قال بولس الرسول "بالنعمة انتم مخلصون بالإيمان ليس من أعمال" لم يقف بولس عند هذا الحد بل أكمل قائلًا "كيلا يفتخر احد" فهذا الافتخار هو البر الذاتي الذي يقود للكبرياء، والكبرياء بداية السقوط.
إذًا النعمة تعمل فيمن يجاهد ويعمل ولذلك قال بولس الرسول "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي... أخيرًا وضع لي إكليل البر" (2 تى 4: 7، 8) فلم ينم بولس الرسول معتمدًا على إيمانه، بل نراه مجاهدًا يسعى والرب يعمل به أعمالًا عظيمة. وبولس الذي يشعر بعمل الرب فيه ويشعر بعمل نعمته، يقول "وأما من إفتخر فليفتخر بالرب".
(يُرْجَى مراجعة مقدمة رسالة رومية).
أية 14: - مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟
إن قال أحد أنه له إيمان = لاحظ أنه لم يقل إن كان أحد له إيمان. لأن من يقول أن له إيمان وليس له أعمال فإيمانه ميت، هو إيمان خيالي غير واقعي وغير موجود، هي مجرد فكرة فلسفية. وفي (مت 7: 21-23) يذكر لنا الرب من بين الهالكين أناسًا مؤمنين بل وأصحاب مواهب ومعجزات. لكن إذ ليس لهم أعمال يقول لهم إني لا أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم. إذن فالإيمان وحده دون أعمال لا يخلص. ويشير أثناسيوس الرسولي لأن بولس الرسول يبدأ أحاديثه دائمًا بالإيمان ثم يكمل الحديث عن الوصايا والأعمال. فلا خلاص لنا بدون إيمان، ولا نفع لإيمان نظري بغير أعمال.
الآيات 15-17:- إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: "أمْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا" وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ.
إذ أراد الرسول أن يشرح أن الإيمان بدون أعمال هو شيء أجوف قال هذا المثل. أية منفعة يجنيها الأخ والأخت العريانين من مجرد معرفة أحدكم بحالهما. إن مجرد المعرفة لا تفيدهما شيئًا فهما يحتاجان لعمل ما يدفئهما، هذه المعرفة بدون عمل تشبه الإيمان بدون أعمال، الذي هو إيمان ميت بلا ثمر. الإيمان هنا يكون أشبه بفكرة منحصرًا في مجال العقل، لكن لا توجد أي حركة خارجًا، لذلك فالإيمان بلا حركة هو إيمان ميت؛ فالميت لا يتحرك. وفي هذه الحالة كيف يكون التصرف إذا رأينا أخ عريان، لا بُد من الحركة والبحث له عن مكان أو عن ما يدفئه وهذا يتطلب عمل وجهاد، وربما نقود ننفقها على هذا المحتاج. الإيمان الحي بالله يظهر في هذا العمل. مثال آخر:- هل من يؤمن إيمان حيّ بميراث أبدي يتصارع مع إخوته على ميراث أرضي وتضيع المحبة في المحاكم؟!
أية: 18:- لَكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: "أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ!" أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي.
الأعمال الحية برهان على وجود الإيمان "مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ" (مت7: 16) وبالأعمال يكون أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس (1يو3: 10) والأعمال ليست فقط أمام الناس، بل والله سيجازينا بحسبها (مت16: 27).
أية 19:- أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!
هذا هو المثال الثاني للإيمان الميت، فالشياطين يعرفون أن الله موجود ومتأكدون، ولكن كل أعمالهم شر. لذلك هم لا يعاينون الله، فلا يعاين الله سوى أنقياء القلب. فإيماننا الحي ينقي القلب وإيمانهم الميت يجعلهم مذنبين إذ هم بلا أعمال صالحة.
الآيات 20- 24:- وَلَكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ؟ أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ، وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: "فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا" وَدُعِيَ خَلِيلَ اللَّهِ. تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ.
أيها الإنسان الباطل = يقول الإنسان الباطل لأنه يوجه كلامه لمن يقول أنا لي إيمان لكنه بدون أعمال. إبراهيم خليل الله. (2أى20: 7 + أش41: 8) ولقد قدم إبراهيم ابنه على المذبح طاعة لما فهمه أنه إرادة الله، وإيمانًا بأن الله الذي وعد قادر أن يقيم إسحق بعد ذبحه، فهو ابن المواعيد، فهو آمن أن الله وعد وهو قادر أن يتم الوعد (عب 11: 18، 19). هل لو كان إبراهيم قال أنا أؤمن ولم يقدم ابنه ذبيحة، هل كان قد تبرر؟
أية 25:- كَذَلِكَ رَاحَابُ الّزَانِيَةُ أَيْضًا، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَبِلَتِ الرُّسُلَ وَأَخْرَجَتْهُمْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ؟
ربما قال أحد أين أنا من إيمان إبراهيم. والرسول يرد عليه... فلتكن على مثال هذه المرأة البسيطة التي بإيمانها خلصت. كان شعب أريحا كله يعرف قوة شعب الله وأن الله إله قوي (ولكن إيمانهم هذا أو معرفتهم هذه تشبه الإيمان الميت إذ لم يكن لهم عمل). ولم يخلص سوى من كان لها عمل أظهر أن إيمانها حيّ.
أية 26:- لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ.
الإيمان كالجذور والأعمال كالثمار، ينبغي أن يكون لدينا كليهما. المسيحية ليست فلسفة فكرية بل حياة في نور الرب يسوع.
مثال:- انسان واقف في البحر وزنه ضخم جدًا. وسألت إنسان عادي أن ينزل ويحمله، وكان هذا الانسان جاهلًا بقانون الطفو. ماذا سيقول. أتريدني أن أموت أنا لا أقدر؟! وهب أنني حاولت اقناعه بأنه سيقدر وهناك قوة غير منظورة ستعينه (قوة دفع الماء) ... هناك موقفين الآن:-
الأول:- أن يصدقني هذا الانسان وينزل فيحمل ثقيل الوزن هذا بسهولة، فقوة دفع الماء ستساعده. هذا يسمى الإيمان الحي. وثقيل الوزن هذا هو الوصية (أع15: 10).وقوة الدفع هذه هي النعمة. فقبول تنفيذ الوصية هو الجهاد المطلوب مني. لأنه ضد شهوة جسدي. والإيمان الحي هو الثقة في الله وأنه بنعمته سيعطي معونة. وهل هناك داعٍ لأن يفتخر هذا الانسان بقوته الجسمانية. هذا لا معنى له، كل ما يحسب لهذا الانسان أنه قبل أن ينفذ، لكن القوة جاءت من النعمة، والنعمة هي قوة خفية تعين مثل قوة دفع الماء فهي أيضًا غير مرئية . وبتصديق وعد الله في عمل النعمة وجهادنا في تنفيذ الوصايا، وتنفيذها يبدأ بتغصب، ولكن مع التنفيذ سنختبر عمل النعمة التي تعين. ومع زيادة الإختبار ينمو الإيمان .
ولكن من
يفتخر هنا فهذه هي الكبرياء، هذا هو شمال الانسان. بهذا يُعَرِّف الانسان يساره (عمل البر الذاتي) ما فعلته يمينه (عمل البر). وهذا ما قصده بولس الرسول بقوله......" لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من اعمال حتى لا يفتخر احد" (أف 2: 8، 9).الثاني:- أن يقول هذا الإنسان أنا أصدقك لكن أنا غير قادر، فبداخله رغبة لطريق الخطية. وهذا ما يسمى الإيمان الميت.
← تفاسير أصحاحات يعقوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يعقوب 3 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يعقوب 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/krh7zcj