محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة يعقوب الرسول: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18
هنا نرى صورة أخرى للإيمان المريض. من له إيمان حقيقي تكون عينيه نحو الله، يعرف عظمته فيخجل قدامه من ضعفه وجهله، فالكاروبيم الذين يرون الله نجدهم يغطون وجوههم أمام الله. مثل هذا الإنسان لا يميل للكلام كثيرا فهو مشغول بالله، وفي خجل من خطيته، وهذا ما جعل بولس الرسول يقول "الخطاة الذين أولهم أنا". أما الرسول هنا يتكلم عن إنسان له الإيمان النظري، هذا لا يرى سوى نفسه ويسعده أن يرسم لنفسه صورة الإنسان الذي يَعلَم، فيُعَلِّم كثيرًا، ويجادل كثيرًا. وتجد أن مثل هذا الإنسان له لسان غير منضبط، يعظ كثيرا ، ويندفع ويعثر ويثير كثير من المشاكل. والمشكلة الأكبر حين يخطئ هذا المعلم فيصبح عثرة .
أما المؤمن الحقيقي ذو الإيمان الحي فنجده قليل الكلام، قادر على التحكم في لسانه. واثق في إلهه. يعرف متى يتكلم ويشهد لله إذا رأى خطأ ما في حق الله، ومتى يصمت. كما يقول الحكيم "لا تجاوب الجاهل حسب حماقته لئلا تعدله انت. جاوب الجاهل حسب حماقته لئلا يكون حكيما في عيني نفسه" (أم26: 4 ، 5) والمعنى أن الله يعطي حكمة متى تتكلم ومتى تصمت.
في هذا الإصحاح يحدثنا الرسول عن خطورة اللسان وأخطاء الكلام ومن بعض أخطاء اللسان.
1. حب التعليم.
2. انفلات اللسان (لسان انفعالي لا يهدأ ويشعل الدنيا نارًا).
3. لعن الناس.
4. تدنيس الجسم (بكلام خاطئ يثير الشهوات).
أية 1:- لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!
لا تكونوا معلمين كثيرين = كانت شهوة اليهودي أن يصبح معلمًا وسط إخوته لينال كرامة (رو 2: 17-24). وهذه الشهوة ربما تسللت للمسيحيين. فمع ضرورة التعليم للمؤمنين حتى لا يهلك الشعب من عدم المعرفة، فهناك خطر حب التعليم، فهذا يحمل في طياته حبًا للذات وكبرياء، مع سوء تقدير لواقع النفس التي كثيرًا ما تتعثر وتخطئ. والرسول يتكلم هنا عن المعجبين بأنفسهم، الذين يريدون إثبات ذواتهم في التعليم وليس عمن أعطاهم الله موهبة التعليم ودعاهم لذلك. عمومًا في كثير من الأحيان علينا أن نصمت، ولكن في بعض الأحيان علينا أن نتكلم لنشهد لله، والله يعطي حكمة متى وكيف أتكلم ومتى أصمت، حتى يصبح كلامي أو صمتي يصنع بر الله.
ولنلاحظ أن الإيمان الميت يدفع بالإنسان إلى تغليف نفسه بمظهر التعليم، فهو يكثر من الكلام والتوبيخ والانتهار بدون انسحاق داخلي. ولاحظ في صلوات القداس الإلهي أن الكاهن يصلي عن خطاياه وعن جهالات الشعب، والجهالات هي درجة أقل من الخطية. لذلك على المعلم أن يتضع ويمارس هو أيضًا سر الاعتراف. والرسول قطعًا لا يقصد الأب والأم والكاهن والمعلم الذين من واجبهم أن يُعَلِّموا، وهؤلاء قال عنهم بولس الرسول "إكرز بالكلمة. أعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب. وبخ، إنتهر، عظ بكل أناة وتعليم" (2تى4: 2).
بل يقصد يعقوب الرسول هنا من يريد أن يتفاخر ويتباهى بمعلوماته.
أننا نأخذ دينونة أعظم
= من تواضع الرسول أن يضع نفسه معنا، أي من ضمن الذين يخطئون. والدينونة ستكون لأن كلماتنا ستكون شاهدة علينا يوم الدين إذا لم ننفذ ما نقوله. بل إن من نعلمهم حينما يرون عثرتنا سيدينوننا وقد تكون عثرتنا كمعلمين سببا في عثرتهم وسقوطهم.
أية 2:- لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي الْكَلاَمِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ، قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ الْجَسَدِ أَيْضًا.
نعثر جميعنا = ها هو يضع نفسه ثانية في صف الخطاة، لذلك يقول ذهبي الفم أنه حتى رئيس الأساقفة له ضعفاته حتى يترفق بالضعفاء أولاده. ومن أكثر هذه العثرات وقوعًا هي عثرات اللسان التي يقع فيها كل منا. ومن لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل = وعلى ذلك فالمعلم (بل أيضًا أي إنسان) حتى يكون كاملًا عليه أن يضبط لسانه، حتى لا يتعرض للدينونة. ومن يفعل هذا يكون قادر أن يلجم الجسد أيضًا = ويقصد بالجسد الإنسان كله بكل ما فيه من سلوك وأهواء وشهوات وميول. وقد ذكر كلمة الجسد هنا بالذات لأن الجسد بواسطة حواسه وأعضائه يتعرض أكثر لإغراء الخطية، وبواسطة الجسد تمارس وتنفذ خطايا النفس الداخلية والشهوات الكامنة. رجل كامل = فيه نضج روحي ومملوء نمو أخلاقي وصانع سلام يشبه المسيح. والجسد عموما يشير للإنسان العتيق الذي هو في صراع دائم مع الروح (غل5: 16 - 21).
الآيات 3-5:- هُوَذَا الْخَيْلُ، نَضَعُ اللُّجُمَ فِي أَفْوَاهِهَا لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا كُلَّهُ. هُوَذَا السُّفُنُ أَيْضًا، وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ، تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدًّا إِلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ. هَكَذَا اللِّسَانُ أَيْضًا، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا. هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟
هنا أمثلة على أشياء صغيرة (اللجم والدفة) تدير أشياء كبيرة جدًا (الفرس والسفينة). فاللجام لا يدير الرأس فقط بل الجسم كله. والدفة توجه كل السفينة. وهكذا اللسان العضو الصغير يدير الجسم أي الحياة كلها أي القلب الذي هو المشاعر والإرادة والقرار أي كل الداخل بل يدير أيضًا السلوك الخارجي (مز 39: 1). ومن يحفظ لسانه لا يركض جسده كالخيل مندفعًا، فيطوح بالنفس البشرية على الأرض محطمة. ومتى أساء الربان استخدام الدفة الصغيرة تهلك السفينة كلها. فمع اشتداد الموج والرياح هناك وضع سليم توضع فيه الدفة لتوجه السفينة في الاتجاه السليم وإلا لو وضعت الدفة في اتجاه خاطئ لانقلبت السفينة. والدفة هي اللسان والسفينة التي تسوقها رياح عاصفة هي حياتي. والرياح العاصفة هي إشارة لعنف الانفعالات التي تسيطر على الإنسان. والرجل الكامل يوجه الدفة أي لا يخرج من لسانه سوى كلمات تهدئ الموقف، والعكس فمن يخرج أقوالًا خاطئة منفعلة يشعل الدنيا نارًا، ولا يحيا هو نفسه في سلام، بل تعتل صحته وتصيبه كثير من الأمراض، بل يمكن أن تضيع حياته كلها إذا وصل الأمر لشجار بالأيدي.
ولقد أساء نبوخذ نصر استخدام لسانه (الدفة) فذاق المر سنينًا (دا 4: 23). وهكذا هيرودس (أع 12: 23). فقد تعظم كليهما بألسنتهما. نبوخذ نصر استخدم لسانه خطأ وهيرودس لم يستخدم لسانه ليعطي المجد لله، وكبرياء قلبيهما كانت الرياح العاصفة التي قلبت السفينة. والدفة لم تستخدم بطريقة صحيحة أي اللسان لم يستخدم ليعطي المجد لله.
هوذا نار قليلة أي وقود تحرق
= اللسان وكلماته الخارجة منه هي النار. ولا بُد من السيطرة على اللسان وإلا فلن يمكن السيطرة على النتائج، كما لا يمكن السيطرة على غابة محترقة. فاللسان هو نار، والوقود قد يكون حياتنا أو السلام مع الناس وبين الناس. كلمة خاطئة صغيرة قد تشعل الدنيا نارًا. (راجع قصة جدعون مع الأفرايميين، وكيف كان لسانه الحلو سببا في سلام، بينما كان لسان الأفرايميين سببا في دماء كثيرة) في سفر القضاة.هنا نرى في كلام يعقوب أن اللسان يقود القلب والحياة كلها. ولكن السيد المسيح يقول "من فضلة القلب يتكلم الفم (مت12: 34). أي أن القلب هو مصدر ما يتكلم به اللسان. فمن يا ترى يقود من؟ الإجابة كليهما يقود... كيف؟ القلب يمكن تشبيهه بخزان (حصالة)، وهذا له ثقوب نضع فيها ما نريده والثقوب التي يتم عن طريقها التحويش في هذا الخزان (الحصالة) هي الحواس (العين والأذن) واللسان (كل ما نتكلم به) والفكر. وحينما يمتلئ القلب يتكلم اللسان بما هو في داخل القلب. ولنأخذ أمثلة:-
إنسان أصابته تجربة ما فظل يتذمر ويشكو بلسانه طوال الوقت، فهذا يملأ القلب مرارة، والمرارة حينما تملأ القلب تدفع الإنسان لمزيد من الشكوى والكلام القاسي عن الله، وهذا يزيد القلب مرارة بالأكثر. وهكذا ندور في دائرة رهيبة وتتجه الحياة بالأكثر إلى المرارة والشعور بتخلي الله عن الإنسان بل والخصام مع الله بما يستتبعه هذا من شعور بالوحدة والكآبة والحزن. هنا نجد اللسان من كثرة الشكوى يملأ القلب مرارة. ومن فضلة القلب يتكلم الفم، وتجد هذا الإنسان لا يكف عن الشكوى والتذمر على أحكام الله. وهذا سنجده في الأمثلة الآتية.
مثال آخر لإنسان لا يستخدم لسانه إلا في الشكر وفي تسبيح الله وتمجيده، هذا يمتلئ قلبه فرحًا. ومن فضلة الفرح يسبح بلسانه وهكذا تسير الحياة من فرح لفرح.
مثال ثالث لإنسان يتكلم كثيرًا في الخطية ويردد نكاتًا جنسية خارجة، هذا الإنسان يشعل شهوته ويمتلئ قلبه نجاسة، ومن فضلة قلبه النجسة لا تجد في كلماته سوى كلمات خارجة . وهكذا
تضعف حياة هذا الإنسان ويتعرض للسقوط. وهكذا الإنسان فاقد السلام الداخلي تخرج من فمه كلمات تشعل الدنيا نارًا. والإنسان الذي يطبق وصية بولس الرسول "صلوا بلا انقطاع" (1 تس 5: 17). حينما ينام سيفكر ويحلم بكلمات الله "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش5: 2).وكيف يصلح الداخل؟ هذا يكون بعمل النعمة التي تخلق الإنسان خلقة جديدة والنعمة تحتاج لجهاد. والجهاد المطلوب هو السيطرة على اللسان، بترديد كلمات التسبيح والشكر والصلاة الدائمة وأن نبارك ولا نلعن، ونصنع سلامًا مع الناس. والتغصب على ذلك، فملكوت السموات يغصب (مت11: 12). والجهاد هو التغصب على عمل ما هو مرضي لله. وعلينا أيضًا أن نلاحظ بماذا نشحن قلوبنا، أي لنراقب ماذا نقول وماذا نرى وفيماذا نفكر، وهكذا (أي ماذا نُدْخِل في الحصالة).
أية 6:- فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ. هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ.
اللسان هو نار
= أي يفعل فعل النار، وله أثره في حياتنا كما للنار أثر في الوقود.نار
= فتيلة مشتعلة، وهناك طريقتان لإضرام هذه الفتيلة بالنار. ومتى إشتعلت تشعل ما حولها . فما مصدر إشعال هذه الفتيلة:-أ) يضرم من جهنم = جهنم كناية عن إبليس، كما نقول السماء كناية عن الله. وجهنم معناها أرض ابن هنوم (أرض باليونانية = جى γη) و كانوا يشعلون النار في القمامة والحيوانات الميتة في أرض ابن هنوم، لأنها كانت مكان قمامة وقاذورات أورشليم، وكانت النيران لا تنطفئ فيها ليلًا ولا نهارًا. ومن هنا قيل أن جهنم هي موضع اللهيب وموضع العذاب الأبدي. وإذا أُضرِم اللسان من جهنم يكون اللسان عالم الإثم = الذي يحوي طاقة كبرى من كافة أنواع الشرور وهو يدنس الجسم بأربع طرق:-
1- اقتراح الخطية على أنفسنا ولمن حولنا.
2- بارتكاب الخطية كاللعن والتجديف... إلخ.
3- بالدفاع عن الخطية والتماس الأعذار لها.
4- بإثارة الشائعات حول الناس وإثارة الناس ودفعهم للاقتتال.
فاللسان يدنس الجسم بما يشترك فيه من أحاديث هدامة.
ب) يضرم بالروح القدس = فتكون كلماتنا نارية قادرة أن تشعل التوبة والإيمان في قلوب السامعين كما حدث يوم الخمسين. فبطرس بلسانه الناري جعل 3000 شخص يؤمنون. لقد أُضرِم لسانه من الروح القدس. حينئذ نقول أن لسانه كان نار، ولكنه نار عالم الكرازة وعالم التسبيح وصنع السلام. وهكذا كان لسان بولس الرسول أمام فيلكس الوالي حين كلَّمهُ عن البر والتعفف والدينونة العتيدة فارتعب فيلكس (أع24: 25).
والإنسان هو الذي يختار أن يكون لسانه نار عالم الإثم أو نار عالم التسبيح والشهادة لله. والحكيم يقول "لا تدع فمك يجعل جسدك يخطئ" (جا 5: 6) ويقول القديس أنطونيوس العظيم "لا تدين أخاك لئلا تُسَلَّم إلى خطاياك القديمة".
وبالرجوع لمثل النيران، فكما تُسَوِّد النيران ما حولها بالدخان هكذا اللسان يضرم دائرة
الكون = أي كل دائرة الإنسان والعواطف (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هو تعبير يصور حياة الإنسان منذ ميلاده إلى نهايته، ودائرة المقصود بها عجلة تدور. وتترجم عجلة الطبيعة والعجلة تبدأ الدوران بالميلاد وتتوقف بالموت. واللسان منذ بداية الحياة إلى ختامها يحدد شكل هذه الحياة. فلو كان شريرًا منفلتًا لألهب الكيان بل كل دائرة الحياة البشرية حوله، مسببًا شقاقات ونزاعات وكراهية أو أحقاد، مما يجعل الإنسان يفقد سلامه الداخلي والخارجي طوال حياته. ولو كان اللسان لا يتكلم إلا بكلمات شهوة دنسة يشعل الشهوة في الإنسان. وهكذا كل من يردد الشتائم. كل هذه الألسنة مضرمة من جهنم حيث النار مشتعلة، ويسر الشياطين أن يأخذوا من هذه النار التي في جهنم المملوء بكل أنواع الشرور. ويشعلوا حياة البشر وتكون أداتهم في ذلك ألسنة البشر.عالم الإثم = اللسان صورة للإنسان، يعبر عن حال الإنسان الداخلي، فإن كان الإنسان يحيا في عالم الإثم، فاللسان يكون تعبيرًا عن العالم الذي يحيا فيه.
الآيات 7، 8:- لأَنَّ كُلَّ طَبْعٍ لِلْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالّزَحَّافَاتِ وَالْبَحْرِيَّاتِ يُذَلَّلُ، وَقَدْ تَذَلَّلَ لِلطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ. وَأَمَّا اللِّسَانُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُّوٌ سُمًّا مُمِيتًا.
الإنسان استطاع ترويض الحيوانات المفترسة، لكنه لا يستطيع أن يلجم لسانه. لذلك علينا أن نلجأ لله ليروض ألسنتنا، ومتى حدث فلننسب الفضل لله فنحن غير قادرين على هذا دون الحصول على معونة. والله في بعض الأحيان يستخدم تأديبات لنا وتجارب كما يستخدم مروض الوحوش السوط. هو شر لا يضبط. هذا إن لم يروضه الله (رو3: 13، 14) ويكون له تأثير سام قاتل للنفس وللآخرين.
الآيات 9-12:- بِهِ نُبَارِكُ اللَّهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللَّهِ. مِنَ الْفَمِ الْوَاحِدِ تَخْرُجُ بَرَكَةٌ وَلَعْنَةٌ! لاَ يَصْلُحُ يَا إِخْوَتِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ هَكَذَا! أَلَعَلَّ يَنْبُوعًا يُنْبِعُ مِنْ نَفْسِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ الْعَذْبَ وَالْمُرَّ؟ هَلْ تَقْدِرُ يَا إِخْوَتِي تِينَةٌ أَنْ تَصْنَعَ زَيْتُونًا، أَوْ كَرْمَةٌ تِينًا؟ وَلاَ كَذَلِكَ يَنْبُوعٌ يَصْنَعُ مَاءً مَالِحًا وَعَذْبًا!
اللسان الذي به نبارك الله وقت الصلاة، متى استخدمناه في الإساءة للناس الذين هم على شبه الله، نوجه الإهانة إلى خالقهم ونستهين بحبه الذي أحب به العالم كله. والله خلق اللسان ليبارك الله، كما خلق التينة لتخرج تينًا. أما اللسان الشرير فلا يبارك بل يلعن. ومتى أخرج كلمات لعنة يكون مثل تينة أخرجت زيتونًا أي ثمرة مخالفة لما خلقت لتعطيه. المقصود أيضًا أن التينة التي تعودت أن تعطي تينًا لا يمكن أن تأتي يومًا وتعطي زيتونًا، هكذا من تعود لسانه أن يلعن، لا يمكنه أن يبارك الله ولا الناس، بل لن يتمكن من الصلاة أصلًا.
الينبوع الشرير = اللسان يتكلم من فضلة القلب، لذلك فالخطر الحقيقي كامن في الينبوع الداخلي الذي إن طهرته النعمة، صار الكلام مملحًا، ولكي تطهره النعمة يجب أن يبدأ الإنسان باتخاذ قراره ويضبط فمه، وهذا ما يسمى الجهاد، أي أن يغصب الإنسان نفسه على ذلك فيجد النعمة تساعده. الجهاد ليس فقط في ضبط اللسان بل أن نعتبر أنفسنا كأموات أمام الخطية (رو6: 11 + كو3: 1 – 5 + 2كو4: 10 ، 11).
وهذا كما يقول القديس مرقس الرسول "وإن أعثرتك عينك فإقلعها (يقف كميت أمام ملذات الخطية فكأنه يقدم نفسه ذبيحة). خير لك أن تدخل ملكوت الله أعور من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنم النار. حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ. لأن كل واحد (كل مؤمن) يملح بنار (الروح القدس هو روح الإحراق (إش4: 4) والروح يعطي نعمة تعين المؤمن الذي يجاهد ويقدم نفسه ذبيحة) وكل ذبيحة (المؤمن الذي يقطع يده أو يقلع عينه هو يقدم نفسه ذبيحة = هذا هو الجهاد) تملح بملح (أمام جهاد المؤمن يعينه الروح بالنعمة التي هي الملح الذي يصونه من الفساد والعفونة فيكون خليقة جديدة). الملح جيد (المؤمن الممتلئ نعمة يُمَلِّح من حوله فيقبل الله الجميع). ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة فبماذا تصلحونه؟ ليكن لكم في أنفسكم ملح (المسيح هنا يطلب الجهاد لنمتلئ) وسالموا بعضكم بعضا"(مر9: 47 - 50). فالملح هو نعمة الروح القدس التي تعين. أما جهاد الإنسان هو في أن يقدم نفسه ذبيحة. ومن يفعل يكون حكيمًا (آية 13).
أية 13:- مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَةِ.
المعنى أن أعمالك وتصرفاتك تظهرك فإن كنت تتصرف بوداعة فأنت حكيم أما غير الوديع فهو غير حكيم. فالحكمة الحقيقية تتسم بروح الوداعة وضبط العواطف، والتصرف الحسن الوديع هو إعلان عن الحكمة الإلهية. فالحكمة ليست في المعارف الكثيرة بل نراها في الكلمات الهادئة الوديعة المتزنة والتصرفات الحسنة. والحكيم يتحكم في لسانه ولا ينفعل، ولكن المنفعل غير واثق في نفسه ولا يعرف كيف يوصل المعلومات التي لديه. ولاحظ أن في كلمات الرسول إشارة لليهود الذين كانوا يريدون أن يكونوا معلمين (ربيين) والمعلمين يصنفون مع الحكماء. وهنا يطلب ممن يريد أن يعلم غيره أن يتسم بالوداعة عوضًا عن أن يعنف الناس.. راجع (سيراخ 41 : 17).
الآيات 14-16: وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَّزُبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ. لَيْسَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ. لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَّزُبُ هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ.
الغيرة المرة
= هذه غير الغيرة المقدسة المسيحية الناشئة عن لهيب المحبة لله في القلب، ومن له هذه الغيرة المقدسة يلتهب إذا أهان أحد الله أو عقيدته أو كنيسته، ولكن مع هذه الغيرة تجده أيضًا يتصرف بوداعة وحكمة ناشئة من الثقة في الله وفي إيمانه وفي عقيدة كنيسته. أما الغيرة المرة ففيها تحزب للآراء وفيها انشقاق وتحزب، هي تعصب أعمى، كما حدث في كورنثوس إذ إنقسم الناس بين من هو من حزب بولس ومن هو من حزب ابلوس. هذا التعصب في حقيقته هو ذات متضخمة تعبر عن كبرياء، هو الأنا. وهذا التعصب يضع مرار داخل النفس ويصنع شقاقات. وبينما المعلمون ذوي الغيرة المرة يقدمون تعاليمهم، إذ بهم يفعلون عكس ما علموا به بسلوكهم وتصرفاتهم، وبينما هم يزعمون أنهم يتحزبون للحقيقة المسيحية ويغارون عليها، نجدهم يسيئون إليها بتصرفاتهم التي لا تتمشى مع تعاليمهم.لا تفتخروا وتكذبوا على الحق = هذه عن من يفتخر بمعارفه وعلومه في كبرياء محتقرًا معارف غيره، مدعيًا أن الحق عنده وليس عند غيره. مثل هذا عنده غيرة مرة أي تعصب لنفسه وهذا يتعارض مع الحق. والافتخار والكبرياء والذات المتضخمة ضد الحق. جيد للإنسان أن تكون له غيرة (2 كو 11: 2) لكن تكون لحساب مجد الله، وليس تعصبًا أعمى وتهور بلا حكمة وبحث عن الذات. هذه الغيرة مثل غيرة بطرس حين قطع أذن عبد رئيس الكهنة. هذه الغيرة المرة تفقد الإنسان والذين حوله الحق وتؤدي إلى تحزبات وتشويش = كما كان اليهود يفعلون للدفاع عن ناموس موسى في ثورات عنيفة في كل مكان، ووصل الأمر لسفك الدماء وتعكير سلام المجتمع = وكل أمر رديء = كالكراهية والصراع بين الناس. وهذه الحكمة التي تفتخرون بها والتي تؤدي للتحزب والتشويش والغيرة المرة قطعًا هي ليست حكمة إلهية أي نازلة من السماء، بل هي من وحي إبليس ومواصفاتها أنها:-
1. أرضية = مصدرها الحكمة العالمية والخبرات العالمية السيئة:- وهذه هدفها النفعية الأنانية ومحبة العالم. هي خبرات بشر لها ثوب الحكمة لكنها حكمة خبيثة. من يمتلكها لا يرتفع للسماويات، غيرته مبعثها حب المادة أي تحقيق مكاسب مادية أو شهوانية أو كرامة أو محبة مديح. مثل هذه الحكمة تفكر كيف تخرج بأكبر مكسب من الأرض حتى لو فيها ضرر لآخرين. ومن أمثلة هذه الحكمة الأرضية (إن جالك الطوفان حط أولادك تحت رجليك = أي أهم شيء هو نفسك لدرجة أن تضحي بأولادك). وأيضا (إن رحت بلد بتعبد العجل حش وإديله = أي إشترك مع القوم الذين تحيا وسطهم وجاريهم في عباداتهم ومعتقداتهم لتحيا سعيدا وتنال أكبر مكسب حتى لو أنكرت مبادئك وعقيدتك). هذه أمثلة وحكمة أرضية حقيرة هدفها المكسب الأرضي فقط. هذه الحكمة ليست سماوية من عند أبى الأنوار. أما السماوية فهي لها هدف واضح.. كيف يحيا الإنسان في السماويات وكيف يشهد لله ويمجده. وهذه الحياة قال عنها الرب يسوع "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يو10: 10). يظن الناس لجهلهم أن الحكمة الأرضية النفعية ستعطيهم حياة أفضل. ولكن رب المجد يقول .. لا بل معي أنا السلام القلبي والفرح الحقيقي، ولهذا جئت لأعطيكم الحياة الأفضل. ليس فقط سلام وفرح على الأرض بل هناك في الأبدية. الحكمة الأرضية نظرتها محدودة بمكاسبنا الأرضية التي تستمر لسنوات قليلة وستنتهي. ولكن مثل هذا الإنسان لم يسأل نفسه وماذا عن الأبدية التي بلا نهاية. وراجع مثل الغني الغبي (لو12: 13 - 21). ويقول رب المجد "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" (مت16: 26). الحكمة الحقيقية هي الحكمة التي لها نظرة مستقبلية، تفهم أن الحياة على الأرض مؤقتة ولكن الحياة الحقيقية هي في السماء. بل أنه بحياتنا هنا على الأرض مع المسيح فيها الفرح الحقيقي والسلام الحقيقي.
2. نفسانية = مصدرها الذكاء البشري حين ينحرف:- والذكاء البشري حين يكون بحسب إرادة الله نسميه حكمة. أما إذا إنحرف فقد يتجه للخبث أو تدبير المؤامرات للانتقام أو لإرضاء الشهوات ومنها تمجيد الذات. وكل هذا الانحراف في إستخدام الذكاء البشري نقول عنه أنه راجع للإنسان العتيق. حتى لو قام هذا الإنسان بخدمة في المجال الروحي تجد خدمة هذا الإنسان متمركزة حول الأنا، فلا يريد أن يختفي ليظهر الرب، بل يخفي الرب ليظهر هو رغم كرازته بالرب. ومثل هذا تجد خدمته ليست من الروح القدس، وليست روحية. أما لو تقدس هذا الذكاء وصار حكمة، هنا نجده يمجد الله فالذكاء وزنة سنحاسب على طريقة إستخدامها.
3. شيطانية = باعثها الخفي هو الشيطان:- فإذ سقط الشيطان في الكبرياء لا يكف عن أن يبث أفكار الكبرياء وكل أفكار الشر في البشر، تحت ستار الحكمة والغيرة والتعليم الذي لا يريد مجد الله. ومن المؤكد أن هذه الحكمة نجسة وغير طاهرة فهي من إبليس. والشيطان لا يهدأ إلا بالدمار والقتل والخطية لتدمير الأجساد والنفوس لتهلك، لذلك ستكون نتائج أفكاره التي يبثها مدمرة وتتسبب في هرطقات ونزاعات وحروب لا حدود لها.
أية 17:- وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلًا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ.
الحكمة السماوية مصدرها من فوق:- نازلة من عرش الله القدوس لمن يطلبها كما طلب سليمان الحكمة ففرح به الله وأعطاها له (1مل3: 5 – 13). إذًا فالله يفرح بمن يطلب الحكمة، ويتمسك بذلك ويمنحها له، هي عطية من الله (يع1: 5). وهي وزنة سنحاسب على طريقة إستخدامها. وهذه الحكمة مميزاتها:-
طاهرة = أي نقية من كل ما هو حسي أو شهواني، بلا غرض ملتوٍ، تهب صاحبها قلبًا طاهرًا وحياة عفيفة، فكما أن الله طاهر يهب لمن يقتني حكمته أن يكون كارهًا للنجاسة.
مسالمة = أي مملوءة سلامًا، صاحبها وديع يمتلئ سلامًا، ويفيض سلامًا على من يسمعه ويصنع سلامًا مع الآخرين. ولا يطيق شجارًا أو صوتًا عاليًا (رو 14: 19).
مترفقة = صاحبها يترفق بالكل مهما كانت الأخطاء والضعفات ليربح الجميع. هذا الترفق ليس مظهرًا خارجيًا بل حياة داخلية. مثل هذا الإنسان لو رأى إنسان يخطئ لا يحتقره بل يقول.. كان ممكنًا أن أكون مثله لولا رحمة الله.
مذعنة = مطيعة لوصايا الله، فعمل الروح القدس أنه يعطينا خضوعًا لله ولكلمته ولوصاياه بل وللناس أيضًا ولكن ليس في الشر "من سخرك ميلا فسر معه إثنين". وهذا ما علَّم به بولس الرسول ، فلكي نمتلئ بالروح علينا الخضوع لبعضنا البعض (أف5) . وبالأولى للكنيسة وآبائها وعقائدها، بلا تمرد على أباء الكنيسة وتعاليمها في إعجاب بالذات، يجعلنا ننتفخ ظانين أننا الذين نمتلك الحق دونا عن كل الأباء.
مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة = الحكمة الشيطانية تدفع لأعمال رديئة (آية 16) أما حكمة الله حيث الطاعة سيكون لها ثمار صالحة. المملوء حكمة يكون له ثمار صالحة.
عديمة الريب = لا تشك في أحد بل توزع المحبة على الجميع، ثابتة غير متزعزعة ولا منقسمة تقسم قلب الإنسان بين محبة الله والعالم، أو الاتكال على الله وعلى الذات.
عديمة الرياء = لا تحمل في خارجها خلاف ما في باطنها، بلا نفاق ولا تملق.
أية 18: - وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ.
هذه الآية هي خُلاصة الإصحاح، وتعني: هل تريد أن يظهر لك ثمار بر. إذًا كن حكيمًا ولا تفعل شيئًا يفقدك سلام قلبك، واصنع سلام مع كل أحد، وتكلم بما يقود للسلام، فالمسيح ملك السلام. وطوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدْعَوْن.
ثمر البر
= هو الثمر الروحي، أي ثمار عمل الروح القدس في الإنسان. ولكن الروح القدس لا يقدر أن يعمل في قلب مشتعل بالغضب والكراهية والخصام. ولكنه يعمل في القلوب الهادئة المملوءة سلامًا، فصوت الله الذي سمعه إيليا كان منخفض خفيف (1مل19: 12). وعمل الروح القدس أن يثبتنا في المسيح، فتكون لنا حياة المسيح، وتصبح أعضاءنا آلات بر (رو6). وهذا معنى قول بولس الرسول "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه" (2كو5: 21). فحين نثبت في المسيح وتكون لنا حياته سيكون لنا ثمار بر وقداسة . فالثمار تظهر فيمن يدرب نفسه أن يحفظ قلبه في سلام. وهذا يبدأ بالتغصب وتدريب النفس، ومع الجهاد يبدأ الامتلاء بالروح، ومع الامتلاء يصبح السلام ثمرة من ثمار الروح القدس (غل5: 22). حينئذ يكون القلب في سلام وفرح بدون تغصب.ولكن يجب أن نمتلئ بالروح القدس ليعمل فينا؟ فمن يمتلئ من الروح يكون كمن يُحمل من مياه وتدفعه تيارات الماء في اتجاهها (راجع تفسير حز 47: 1 – 9).
مثل هذا أي المملوء بالروح يمتلئ قلبه سلامًا عجيبًا.
فيمتلئ من ثمر البر.
وكيف نمتلئ من الروح؟ راجع (أف5: 18 – 21) . وهنا نرى أن من طرق الامتلاء ان نخضع بعضنا لبعض. ومرة أخرى هذا ليس بدافع الخنوع، ولكن حتى لا نفقد سلامنا الداخلي من كثرة النزاعات.
ومع السلام الداخلي..... نعطي الروح القدس فرصة لزراعة ثمار البر فينا. ومن يمتلئ بالروح يحصل على الحكمة، فالروح القدس هو روح الحكمة (إش11: 2). والحكمة هي الموضوع الذي يتكلم عنه القديس يعقوب في هذا الإصحاح. فمن يريد أن يمتلئ من هذه الحكمة الإلهية عليه بالجهاد ليمتلئ بالروح. ولكي يبدأ الروح القدس عمله فينا علينا أن نبدأ بحفظ سلام القلب.
من له الحكمة الإلهية يحيا في سلام ويصنع سلام مع الآخرين، مثل هذا تكون خدمته أي زرع كلام كرازته وتعاليمه في جو من السلام، مثل هذا سيحصل على ثمار بره وقداسته، ويفرح بثمار خدمته. ولنعلم أن ثمر البر لا يزرع في خصام وتشويش وتحزب بل في السلام.
هذه دعوة لأن نحيا في سلام على قدر ما نستطيع حتى لو تركنا بعض حقوقنا. فالمسيحي الذي تمتع بالحياة في المسيح يجب أن تكون له ثمار، فكل نبات حي له ثمار. ورأي معلمنا يعقوب الرسول أن "ثمر البر يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام" (يع 3: 18). ولنفس السبب دعانا المسيح لأن ندير خدنا لو ضربنا وأن نسير الميل الثاني. ولكن نفهم الآن الحكمة في وصية المسيح، فهو لا يدعونا أن نكون خانعين بل أن نحاول قدر إمكاننا أن نحيا في سلام لكي يكون لنا ثمارا للبر الذي صنعه المسيح وننمو روحيًا.
ما معنى وصية المسيح في (مت5: 39-41) في ضوء هذه الآية؟
1:– مَنْ لطمك على خدك.. فحوِّل له..:- على قدر إمكانك تنازل عن كرامتك.
2:- مَنْ أراد أن يخاصمك.. اترك الرداء..:- على قدر إمكانك تنازل عن حقوقك.
3:- مَنْ سخرك ميلا..:- على قدر إمكانك تنازل واعمل عملًا زائدًا عن واجبك.
ولماذا كل هذا التنازل؟ حتى لا ندخل في صراعات ينتج عنها فقدان سلامنا الداخلي، والنتيجة فقدان ثمار الروح القدس فينا.
← تفاسير أصحاحات يعقوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يعقوب 4 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يعقوب 2 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/c8kdwz9