تشرح لنا نبوات كل من النبيين عاموس وهوشع كيفية انحطاط المملكة الشمالية، المعروفة بمملكة إسرائيل، وذلك بسبب انحراف الشعب وراء عبادة الأوثان. وقد قام ملك أشور بالاستيلاء على العاصمة السامرة سنة 722 ق.م. وبينما سبى رجالها وشتتهم في مختلف البلاد الخاضعة له، فقد أتى من نفس البلاد بالكثير من الوثنيين ليسكنهم في السامرة (ملوك ثان 17: 24) قارن مع (يوحنا 4: 18). وبعد ذلك بقليل وبالتحديد في سنة 701 ق.م. هاجم سنحارب مملكة يهوذا في الجنوب واستولى على مدنها الحصينة في حين فشل في الاستيلاء على أورشليم نفسها (ملوك ثان 17: 3 وص 18 و19) غير أن الشرور الناتجة عن فساد حكم منسى الملك جلبت الدمار على المدينة وأن كان هذا الدمار تأجل قليلًا إكرامًا ليوشيا الملك صاحب الإصلاحات الكثيرة وهو الذي قُتل لاحقًا في معركة مجدو حين وقف إلى جوار ملك أشور ضد ملك مصر، والذي سعى للاستيلاء على جنوب سورية - منتهزًا في ذلك الصراع القائم بين مملكتي أشور وبابل - وكان ذلك في سنة 608 ق.م.
وعاد البابليون فهزموا القوات المصرية في معركة كركميش واستولوا على مملكة يهوذا وسورية، وعلى أثر ذلك قام نبو خذنصر بنقل كنوز بيت الرب والقصر الملكي وآنية خدمة الهيكل الذهبية إلى خزائنه في بابل (ملوك ثان 24: 13) وسبى معه أيضًا يهوياكيم الملك مع أشراف مملكة يهوذا، ولما تمرد صديقا الذي عينه على يهوذا، عاد الملك فأحرق أورشليم وهدم أسوارها، وأخذ صديقًا مقيدًا مع الآلاف من أشراف البلاد إلى مملكته، وذلك في سنة 585 ق.م. ومن ثم فرّ الكثير من اليهود إلى مصر ومن بينهم إرميا النبي (والذي أجبره اليهود الفارين على المُضِيّ معهم إلى هناك) وبذلك تمَ سبى يهوذا.
فلما اجتاح كورش مملكة بابل ودمرها سنة 538ق.م. تحسنت أحوال اليهود هناك، حيث كان هو ملكًا عادلًا، فقد سمح لهم بالعودة إلى أورشليم وبناء الهيكل وترميم أسوار مدينتهم، وذلك سنة 520 ق.م. حيث عادت الخدمة إلى الهيكل بفضل جهود زربابل وبالتحديد في 10/ 3/ 519 ق.م. ومن ثم أصبح الهيكل مركزْ للعبادة ونقطة تلاقى الله مع الشعب. وقد كان لكل من النبيين حجي وزكريا دورًا فعالًا في ذلك، حيث عاش الشعب مع جيرانه في سلام مهتمًا بإعادة التعمير والبناء، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال سفريّ حجي وزكريا. فلما تحسنت الأحوال المدنية والدينية، شجع ذلك الكثير من اليهود على العودة إلى وطنهم لا سيما وأن ملوك الفرس منحوهم المزيد من الحريات.
في هذا العصر عاش ملاخي النبي والذي يُحسب آخر الأنبياء بحسب القانون العبري في الأسفار. ثم جاء كل من عزرا ونحميا وأقاما إصلاحات دينية وقومية هائلة، وذلك بعد مئة عام، حيث اهتم نحميا سنة 444 ق.م. ببناء الأسوار وتحقيق الأنساب وتثبيت الطقس، بينما اهتم عزرا في سنة 457 ق.م. بتعليم الشعب وشرح الشريعة. في ذلك الوقت قطع الشعب عهدًا على أنفسهم بأن يجعلوا الشريعة دستورًا لحياتهم، وذلك في مشهد مؤثر للغاية عندما قرت الشريعة فبكى الشعب متعهدين بذلك (نحميا 8: 1-10).
واستلزم الأمر تعيين فرقة من اليهود تسمى الكتبة تكون مهمتها ليس فقط تفسير الأسفار فقط وإنما حفظها أيضًا وإيصالها للأجيال المتعاقبة، والكاتب في المفهوم اليهودي هو "اللاهوتي" وكان للكتبة سلطان على ضمائر الشعب، حيث أفتوا حتى في دقائق الحياة، ولم يكن أحدا ليجرؤ على مناقشتهم في سلطاتهم فيما يختص بتفاصيل الشريعة الطقسية الدقيقة (كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يخرج من كنزه جددًا وعتقاء (متى13: 52) وبعد خراب الهيكل سنة 70 م. أصبح الكتبة هم المسئولون عن تعليم الشعب، وذلك بعد انتهاء دور الكهنوت بانتهاء الهيكل وتوقف الذبائح.
وقد استمر النظام الذي أسَسه كل من عزرا ونحميا والربيين والكتبة اليهود هو المتبع والمعمول به، وكان عدد السكان قليلًا إذ تمسك الكثير من اليهود بموطنهم الجديد في بابل ولم يعودوا بموجب أمر كورش إلى أورشليم، كما كانت مساحة البلاد اليهودية صغيرة، حيث سكن سبطا يهوذا وبنيامين في بضعة أميال على امتداد أورشليم محافظين على روحهما القديمة الدينية والقومية وكذلك طقوسهما.
ويلاحظ أنه خلال الفترة ما بين العودة من السبي والفتح المقدوني (538-333) لم يطالب الشعب بإقامة ملك لهم حيث اتضح لهم أن الملوك السابقين على السبي كان لهم الضلع الكبير في ضلال الأمة وجلب العار والدمار عليها، وفي هذا عودة إلى حالة الوحي لا التخطيط مثلما حدث عندما رفض الشعب نظام القضاة في أيام صموئيل النبي وطالبوا بملك يحارب عنهم ويخرج ويدخل قدامهم، وعندئذ أقام الله لهم شاول.
ونعمت البلاد بالهدوء خلال هذه الفترة فتعمَقت معرفة الشعب في الشريعة والفضيلة، غير أن سلطة رئيس الكهنة في المقابل تزايدت في ذلك الوقت، وذلك في ظل تساهل ولطف وعطف الحكام الفرس، فقد كان رئيس الكهنة هو الزعيم السياسي للأمة مثلما هو زعيمها الديني. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وأصبح هو مركز الوحدة القومية والمرجع الأعلى فيما يتعلق بالأمور الدينية والعادية، وكما يقول "الكانن سل" أن اجتماع الأنفة اليهودية والسياسة الفارسية المتسامحة زاد في أهمية هذه الوظيفة، وحتى عهد البطالمة كان رئيس الكهنة يتمتع بمزيد من السلطة المحليةْ ما دامت الضرائب توفى في موعدها، ومن ناحيتهم ظل رؤساء الكهنة ولمدة طويلة يؤدون واجباتهم بشرف وأمانة، إلى أن تسرّبت إلى نفوسهم مبادئ الطمع، والذي استغلّه المستعمرون بدورهم في بيع هذه الوظيفة لمن يدفع أكثر!! ومن يكتسب رضى الحزب السياسي اليوناني في اليهودية.
وقد رافق هذه الفترة انتشار عدد كبير من اليهود في الشتات حيث أثروا وتأثروا بسكان تلك البلاد، وقد ساهم هذا بدوره في اتساع الأفق الروحي واللاهوتي لليهود من ناحية، وتمهيد وإعداد الذهن البشرى في الشتات لمجيء المسيح الفادي من جهة أخرى.
اليهود خارج فلسطين وفي
مستعمرة ألفنتين |
مدخل إلى سفريّ المكابيين
قسم
تفاسير العهد القديم |
مقدمة كتاب المدخل إلى سفريّ المكابيين |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/hd3px79