← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19
أراد داود صاحب القلب الكبير أن يصنع معروفًا مع حانون ملك عمون من أجل ما فعله أبوه ناحاش معه، لكن المشيرين أساءوا الفهم وأثاروا الملك ضده مدعين أن داود أرسل جواسيس -ولا معزين- ليقتحم المدينة، فتحالف حانون مع الملوك المحيطين به لمحاربة داود... لكن داود انتصر عليهم.
كانت هذه الحروب وأمثالها فرصة ليسجل لنا داود بعض مزاميره (مز 2، 20، 21، 60، 110) التي تنبأت عن ثورة الأمم، وتآمر الرؤساء على السيد المسيح حتى يُصلب، ويبقى الأشرار يتحالفون ضد كنيسته فيتمجد السيد المسيح في الكنيسة المضطهدة.
[1 -5]. |
|||
[6 -14]. |
|||
[15 -19]. |
1 وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ مَاتَ، وَمَلَكَ حَانُونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. 2 فَقَالَ دَاوُدُ: «أَصْنَعُ مَعْرُوفًا مَعَ حَانُونَ بْنِ نَاحَاشَ كَمَا صَنَعَ أَبُوهُ مَعِي مَعْرُوفًا». فَأَرْسَلَ دَاوُدُ بِيَدِ عَبِيدِهِ يُعَزِّيهِ عَنْ أَبِيهِ. فَجَاءَ عَبِيدُ دَاوُدَ إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ. 3 فَقَالَ رُؤَسَاءُ بَنِي عَمُّونَ لِحَانُونَ سَيِّدِهِمْ: «هَلْ يُكْرِمُ دَاوُدُ أَبَاكَ فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْكَ مُعَزِّينَ؟ أَلَيْسَ لأَجْلِ فَحْصِ الْمَدِينَةِ وَتَجَسُّسِهَا وَقَلْبِهَا، أَرْسَلَ دَاوُدُ عَبِيدَهُ إِلَيْكَ؟» 4 فَأَخَذَ حَانُونُ عَبِيدَ دَاوُدَ وَحَلَقَ أَنْصَافَ لِحَاهُمْ، وَقَصَّ ثِيَابَهُمْ مِنَ الْوَسَطِ إِلَى أَسْتَاهِهِمْ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. 5 وَلَمَّا أَخْبَرُوا دَاوُدَ أَرْسَلَ لِلِقَائِهِمْ، لأَنَّ الرِّجَالَ كَانُوا خَجِلِينَ جِدًّا. وَقَالَ الْمَلِكُ: «أَقِيمُوا فِي أَرِيحَا حَتَّى تَنْبُتَ لِحَاكُمْ ثُمَّ ارْجِعُوا».
أساء مشيرو حانون ملك بني عمون الظن بداود إذ حسبوا أن رسله للتعزية جواسيس لاقتحام المدينة، وبمشورتهم الشريرة أثاروا حربًا عظيمة أدت إلى هلاك الكثيرين. ما أخطر إساءة الظن على حياتنا!
جاء رُسل داود إلى مدينة ربّة أو ربّة عمون. كلمة "ربة" معناها "عظيم" أو "عاصمة"(52)، وهي غير ربّة التي على جبال يهوذا (يش 15: 60) القريبة من أورشليم، إنما هي ربة بني عمون القائمة عند منبع نهر يبوق، تبعد حوالي 23 ميلًا شرقي الأردن. جمّلها بطليموس فلادلفوس (سنة 285-246 ق.م.) ودعيت فيلادلفيا تكريمًا له، اسمها الحديث عمّان، عاصمة شرق الأردن. يمر بها الطريق التجاري بين دمشق وشبه الجزيرة العربية.
استمع حانون لمشيريه الأشرار فحلق نصف لحي الرسل وشق ثيابهم... يعتبر هذا العمل عند العبرانيين إهانه عظيمة. سمع داود الملك فذهب إليهم وطلب منهم ألا يرجعوا إلى أورشليم حتى لا يخجلوا من لقائهم مع رجال البلاط. هكذا حمل داود مشاعر رقيقة، إذ يهتم بمشاعر كل إنسان ويخشى إن تُجرح!
6 وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَنْتَنُوا عِنْدَ دَاوُدَ، أَرْسَلَ بَنُو عَمُّونَ وَاسْتَأْجَرُوا أَرَامَ بَيْتِ رَحُوبَ وَأَرَامَ صُوبَا، عِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِل، وَمِنْ مَلِكِ مَعْكَةَ أَلْفَ رَجُل، وَرِجَالَ طُوبَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُل. 7 فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ أَرْسَلَ يُوآبَ وَكُلَّ جَيْشِ الْجَبَابِرَةِ. 8 وَخَرَجَ بَنُو عَمُّونَ وَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ، وَكَانَ أَرَامُ صُوبَا وَرَحُوبُ وَرِجَالُ طُوبَ وَمَعْكَةَ وَحْدَهُمْ فِي الْحَقْلِ. 9 فَلَمَّا رَأَى يُوآبُ أَنَّ مُقَدَّمَةَ الْحَرْبِ كَانَتْ نَحْوَهُ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ، اخْتَارَ مِنْ جَمِيعِ مُنْتَخَبِي إِسْرَائِيلَ وَصَفَّهُمْ لِلِقَاءِ أَرَامَ 10 وَسَلَّمَ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ لِيَدِ أَخِيهِ أَبِيشَايَ، فَصَفَّهُمْ لِلِقَاءِ بَنِي عَمُّونَ. 11 وَقَالَ: «إِنْ قَوِيَ أَرَامُ عَلَيَّ تَكُونُ لِي مُنْجِدًا، وَإِنْ قَوِيَ عَلَيْكَ بَنُو عَمُّونَ أَذْهَبُ لِنَجْدَتِكَ. 12 تَجَلَّدْ وَلْنَتَشَدَّدْ مِنْ أَجْلِ شَعْبِنَا وَمِنْ أَجْلِ مُدُنِ إِلهِنَا، وَالرَّبُّ يَفْعَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ». 13 فَتَقَدَّمَ يُوآبُ وَالشَّعْبُ الَّذِينَ مَعَهُ لِمُحَارَبَةِ أَرَامَ فَهَرَبُوا مِنْ أَمَامِهِ. 14 وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُ قَدْ هَرَبَ أَرَامُ، هَرَبُوا مِنْ أَمَامِ أَبِيشَايَ وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ. فَرَجَعَ يُوآبُ عَنْ بَنِي عَمُّونَ وَأَتَى إِلَى أُورُشَلِيمَ.
شعر بنو عمون أن إهانة سفراء داود موجهة إلى الدولة كلها، ملكًا وشعبًا، وأنه لا بُد أن ينتقم داود منهم، فاستأجروا آراميين من ممالك آرام وتحالفوا معهم على محاربة داود. استأجروا آراميين من بيت رحوب وصوبة ومعكة وطوب. هكذا دفعت إساءة الظن إلى حرب طاحنة بين دول وممالك كثيرة!
"بيت رحوب": اسم عبري معناه "بيت موضع رحب أو مفتوح أو بلازا"(53). مدينة في شمال فلسطين، في وادي الأردن الأعلى (عد 13: 2)، تدعى "رحوب". سكنها الآراميون (السريان)، موقعها بقرب "دان" أو "تل القاضي"، كانت في موقع "بنياس" الحالية.
"صوبة" راجع تفسير الأصحاح الثامن.
"معكة" إحدى ممالك آرام دعيت "آرام معكة" أو "سوريا معكة" (1 أي 19: 6-7)، على تخوم فلسطين الشمالي الشرقي بين أرجوب غربًا والبرية شرقًا، سكانها من سلالة ناحور (تك 22: 24). (اسم "معكة" معناه "غبي"(54)).
"طوب": معناها "صالح" أو "حسن" أو "طيب" (55). منطقة تقع شرق الأردن، هرب إليها يفتاح لما حرمه إخوته من الميراث (قض 11: 3، 5)، ربما هي أرض تبياس (1 مك 5: 13؛ 2 مك 12: 17)، لعلها هي "الطيبة" التي تبعد 10 أميال جنوبي جدارا Gadara (حاليًا أم قيس أو مقيس).
إذ سمع داود بتحالف هذه الممالك معًا ضده لم يخف وإنما بالأكثر تمسك بوعود الله له، فاستعد للحرب متكئًا على قوة الرب نفسه، قائلًا:
"لماذا ارتجت الأمم وتفكرت الشعوب في الباطل.
قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه...
الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم...
إني أخبر من جهة قضاء الرب.
قال لي: أنت ابني. أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك وأقاصي الأرض ملكًا لك...
فالآن أيها الملوك تعقلوا... (مز 2).
لم يكن ممكنا لداود برجاله المشاة أن يقاوم هذه الممالك المجتمعة التي تحاربه من الجنوب (بني عمون) ومن الشمال (الآراميين) والتي خرجت بمركبات وخيل... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). إنما اتكل على قوة الله، قائلًا:
"يَا رَبُّ، بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ الْمَلِكُ، وَبِخَلاَصِكَ كَيْفَ لاَ يَبْتَهِجُ جِدًّا؟!" (مز 21: 1).
"هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر" (مز 21: 1).
رأى داود خلال هذه المعركة التي طرفاها الله نفسه وقوات الظلمة أي إبليس، معركة الصليب حيث تجمعت قوات الظلمة ضد الابن الوحيد الجنس، لذا أنشد قائلًا:
"قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك" (مز 110: 1).
خرج بنو عمون واصطفوا للحرب عند مدخل المدينة، غالبًا "ربّة"، بينما كان الآراميون (السوريون) في السهل (الحقل) مقابل ميديا (1 أي 19: 7) حتى يسهل تحرك مركباتهم.
لو أن يوآب جمع كل رجاله ليحارب بني عمون متجهًا نحو الجنوب لضربه الآراميون من خلف في الشمال، خاصة وأن الآراميين أكثر قوة من بني عمون. بحكمة قسّم يوآب رجاله قسمين، أخذ الجبابرة معه متجهًا نحو الآراميين بينما أخوه أبيشاي متجهًا نحو بني عمون، واتفقا معًا أنه إن ضعف طرف يسنده الآخر.
إذ كان الآراميون مستأجرين لم يستطيعوا الوقوف أمام يوآب ورجاله الأبطال، وبالتالي خاف بنو عمون وهربوا من أمام أبيشاي ودخلوا مدينة ربة قبل أن يبدأ أبيشاي بمحاربتهم. خافوا لأنهم أضعف من الآراميين. لم يلحقهم أبيشاي ولا يوآب بل عاد الاثنان مستحسنين تأجيل الحرب لمدة سنة كاملة (2 صم 11: 1).
اتفاق يوآب مع أخيه أبيشاي أن يكون كل منهما مستعدًا لنجدة الآخر يكشف عن أحد ملامح الجهاد الروحي الحيّ، وهي مساندة العضو لأخيه. لذا أوصى السيد المسيح تلميذه بطرس: "ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبت إخوتك" (لو 22: 32). فإن كان الله هو سر نصرتنا وقوتنا يلزمنا بدورنا أن نسند الضعفاء. يقول الرسول بولس: "أسندوا الضعفاء" (1 تس 5: 14).
15 وَلَمَّا رَأَى أَرَامُ أَنَّهُمْ قَدِ انْكَسَرُوا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، اجْتَمَعُوا مَعًا. 16 وَأَرْسَلَ هَدَرُ عَزَرَ فَأَبْرَزَ أَرَامَ الَّذِي فِي عَبْرِ النَّهْرِ، فَأَتَوْا إِلَى حِيلاَمَ وَأَمَامَهُمْ شُوبَكُ رَئِيسُ جَيْشِ هَدَرِ عَزَرَ. 17 وَلَمَّا أُخْبِرَ دَاوُدُ، جَمَعَ كُلَّ إِسْرَائِيلَ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ وَجَاءَ إِلَى حِيلاَمَ، فَاصْطَفَّ أَرَامُ لِلِقَاءِ دَاوُدَ وَحَارَبُوهُ. 18 وَهَرَبَ أَرَامُ مِنْ أَمَامِ إِسْرَائِيلَ، وَقَتَلَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ سَبْعَ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَضَرَبَ شُوبَكَ رَئِيسَ جَيْشِهِ فَمَاتَ هُنَاكَ. 19 وَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ الْمُلُوكِ، عَبِيدُ هَدَرِ عَزَرَ أَنَّهُمُ انْكَسَرُوا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، صَالَحُوا إِسْرَائِيلَ وَاسْتُعْبِدُوا لَهُمْ، وَخَافَ أَرَامُ أَنْ يُنْجِدُوا بَنِي عَمُّونَ بَعْدُ.
حاول الآراميون أن يردوا اعتبارهم وسمعتهم فتجمعوا من جديد لمحاربة رجال داود؛ وقد بعث إليهم هدر عزر ملك آرام صوبا (2 صم 8: 3) شوبك رئيس جيشه، لكن داود غلبه وقُتل شوبك في الحرب، فخاف الملوك الخاضعون لهدر عزر وتصالحوا مع داود واستعبدوا له ولم يعودوا يساندون بني عمون بعد.
_____
(52) The Westminster Dict. of the Bible, p. 788.
(53) Ibid p. 111.
(54) Ibid p. 574.
(55) Ibid p. 954.
← تفاسير أصحاحات صموئيل الثاني: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير صموئيل ثاني 11 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير صموئيل ثاني 9 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9vqa5v9