St-Takla.org  >   books  >   youssef-habib  >   gregories
 
St-Takla.org  >   books  >   youssef-habib  >   gregories

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الأساقفة القديسون الأربعة باسم إغريغوريوس - مليكة حبيب يوسف، يوسف حبيب

4- القديس أغريغوريوس أسقف نيصا *

 

ولد هذا المعلم البارز بين معلمي الكنيسة حوالي سنة 331 في سبسطه(1) Sebaste في كبادوكية في عائلة قديسين. فأخته القديسة ماكرينا Macrine، وأخوه القديس باسيليوس الكبير، وهما يكبرانه، وقد ساهما في تربيته مثل ما فعل أبواه. وحالما سمح سنه، درس العلوم البشرية. ويقول المؤرخ تيودوريه Theodoret أنه قضى بعض الوقت في الحياة الرهبانية، ولكنه لم يترهب. بل ارتبط أيضًا بالعالم بزواجه. وقد ندم على ذلك فيما بعد في كتابه عن البتولية، كان يئن لأنه لم ينتفع هو نفسه بما يقوله في هذه الفضيلة، ويبكي عدم انتهاز الفضل الذي عرف قدره بعد فوات الأوان. ومع ذلك فقد كانت زوجته امرأة فاضلة شاركته فضيلته. وإذ كانا يعيشان بأسلوب يتفق مع الإنجيل، كانا قريبين من الكمال الذي حازه أفراد عائلتهما الذين كانوا يخدمون الله في البتولية. وبعد بعض الوقت لا يحدده التاريخ، دخل أغريغوريوس في الحياة الكنسية ورسم قارئًا. ولكن إغراء الطموح، أو أنه أخذ بجمال الآداب العالمية، مما جعله يتوقف عن قراءة الكتب المقدسة للمؤمنين، لكي يعلم البلاغة للشباب. وكانت هذه عثرة بين المسيحيين، فكانوا يرون في هذا السلوك ضربًا من الانصراف عن الحياة الكنسية وخطرًا كبيرًا لمن يشرع فيه. وأرسل له صديقه القديس أغريغوريوس النزينزي خطابًا في هذا الموضوع يؤنبه فيه بشدة وبمحبة كثيرة في نفس الوقت. ويبدو أن هذا التأنيب قد أثر في قديسنا. ومن المؤكد على أي حال انه لم يظل مدرسا لمدة طويلة، وبعد أن اندمج في سلك الحياة الكنسية، رفع إلى درجة الكهنوت. وبعد بضعة سنوات فقد زوجته، وقد رثاها القديس أغريغوريوس النزينزى رثاءً رائعًا، قال:

"لقد كانت زينة الكنيسة، ودعاها شخصًا مقدسًا، وزوجة جدير لأحد الكهنة على مستوى زوجها في الشرف وفي الكرامة، وجديرة بأسرار عظيمة. وقد جعلت هذه الكلمات الكثيرين يعتقدون انها انفصلت بإرادتها عن زوجها عندما رسم كاهنا، وتشرفت بوظيفة الشماسية(2).

وبعد أن تولى القديس باسيليوس الكبير غرش قيصرية عاصمة كبادوكية في سنة 370، فكر في استخدام مواهب القديس أغريغوريوس العظيمة في الخدمة العامة في الكنيسة. وإذ خلى عرش "نيصا"(3)، إحدى مدن كبادوكية على مسافة ثلاثين ميلًا من قيصرية(4) من ناحية "جلاتيه" Galatie شغله بأخيه بعد ستة أو سبعة شهور، وعندما أخبر أوسابيوس الساموساطى بهذا الاختيار قال:

"كنت أتمنى لو أن أخي أغريغوريوس يحكم كنيسة تناسب استحقاقه وكفاءته، أي كل الكنيسة التي تحت الشمس. ولكن بما أن ذلك ليس ممكنًا. لزم أن نكتفي بأن يشرف اغريغوريوس المكان الذي يكون فيه أسقفًا. أن العظمة الحقيقية ليست أن يستطيع الإنسان أن يعمل أعمالا عزيمة فحسب، بل أن يستطيع أن يظهر الأعمال الصغيرة كأنها أعمال كبيرة".

St-Takla.org Image: St. Macrina the Elder and sister of St. Basil and St. Gregory of Nyssa and St. Peter of Sebastea by Isaac Fanous صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة القديسة ماكرينا الأخت الكبرى لكل من القديس باسيليوس و القديس إغريغوريوس أسقف نيصص، والقديس بطرس أسقف سبسطية

St-Takla.org Image: St. Macrina the Elder and sister of St. Basil the Great and St. Gregory of Nyssa and St. Peter of Sebastea by Isaac Fanous

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة القديسة ماكرينا الأخت الكبرى لكل من القديس باسيليوس الكبير والقديس إغريغوريوس أسقف نيصص، والقديس بطرس أسقف سبسطية

لم يكن قديسنا يشارك هذه المشاعر حول استحقاقاته، وكان يظن نفسه أقل بكثير من كرامة الأسقفية ومن مسئوليتها، ولزم أن يتشدد أساقفة المقاطعة لكي يرغموه على قبول رسامته. وسرعان ما أثبت سلوك هذا الأسقف القديس حسن اختيارهم. كان يمارس الفقر بنفسه لكي يغني الفقراء، ولقد خصص لهم ميراثه. كان غيورًا محبًا حريصًا، لم يمنعه علمه العميق أن يضع نفسه فيلبي طلب كل أحد. وكان يسهر على حفظ القوانين بشدة أكثر من أخيه أيضًا. لم يحارب الضلال بهمة أقل من تلك التي حارب بها الرذيلة، وما كان يوقف حماسه كأسقف أي اعتبار بشري. كان معلمًا يخدم الكنيسة الجامعة بقلمه، وأسقفًا يعمل بكل قواه بالقدرة وبالوعظ من أجل خير كنيسة "نيصا".

وأثار ذلك حفيظة الأريوسيين. فوشا به هؤلاء الهراطقة لدى "ديموستين" Demosthine حاكم "البنط" Pont عدو المؤمنين كدأب معلمه الإمبراطور. فأرسل ديموستين جنودًا للقبض عليه وسلم القديس نفسه أولًا دون مقاومة ليقبضوا عليه. ولكنه عندما رأى أنهم لا يريدون منحه أي تخفيف بالرغم من سوء حالته الصحية وقسوة البرد، حينئذ هرب من أيدي الجنود. وعبثًا حاول القديس باسيليوس في خطاب بلهجة الاحترام، أن يحمل ديموستين على اللطف، شارحا له بالنيابة عن كل أساقفة كبادوكية، براءة أخيه.

كان المجمع المكلف بالحكم عليه في "نيصا" يتكون من الأريوسيين فقط، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وليس الاضطهاد الذي عاناه هو الذي آلم قديسنا، بل إن تقدم الهراطقة، والمصير الحزين المتوقع لرعيته، التي يحكمها دخيل عديم الإيمان، لا أخلاق له وغير كفء، لأشد ايلاما. وكتب بذلك إلى القديس أغريغوريوس النزينزى، فرد عليه بأن يضع ثقته في الله، مؤملا ألا ينتصر الضلال على الحق طويلًا. وقد تحققت هذه النبوة في سنة 378 عند وفاة الإمبراطور فالنس Valins. فقد أرجع "جراسيان" Gratien خليفته، الأساقفة المنفيين وأعاد إليهم كنائسهم. ولم يكن منفى القديس أغريغوريوس ضياعًا بالنسبة للكنيسة، بل كان أجمل وقت في حياته، لأن الكنائس التي كانت في الأماكن التي عرف أنه سوف يمر بها، دعته لتنظيمها وليرفرف السلام عليها. وقال القديس اغريغوريوس النزنيزى أن هذا التغيير المستمر في المكان جعله كالشمس، تجلب الدفء والنور والخصب في كل مكان دون أن تتوقف إطلاقًا في مكانها.

فقد رجع القديس لكرسيه، ولم يكد يتذوق الفرحة برؤيته شعبه من جديد، حتى دُعِيَ إلى القيصرية بسبب وفاة أخيه القديس باسيليوس الذي كان ينظر إليه دائمًا كنبراس. وكانت الخواطر الدينية وحدها هي الكفيلة بأن تعطيه القوة التي بها يستطيع أن يتحمل فقد شخص عزيز بهذا المقدار في الوقت الذي كان فيه السلام الذي أعيد إلى الكنيسة يسمح بأن يراسله ويراه بأكثر حرية (سنة 379).

واضطر في نفس السنة أن يذهب إلى أنطاكية حيث كان البطريرك القديس ميليس يعقد مجمعًا. وفي هذا المجمع أخذ القديس اغريغوريوس (من نيصا) على عاتقه مهمة زيارة بلاد العرب وفلسطين لكي يصلح الكنائس فيها. ولكنه لم يقم بهذه الزيارات إلا في السنة التالية أي في سنة 380. وعند خروجه من المجمع رجع إلى نيصا وذهب لزيارة شقيقته القديسة "ماكرين" Ste Macrine التي لم يكن قد رآها منذ ثماني سنوات. وكان في حاجة إلى تبادل العزاء في وفاة باسيليوس أخيهما، ولكنه وجد داعيًا للألم من جديد، فعندما اقترب من الدير الذي كانت ترأسه القديسة "ماكرين"، علم أنها مريضة. واستقبله الرهبان الذين كانوا يعيشون في نفس المكان تحت رعاية القديس بطرس أخيه، كعادتهم، أما العذارى فانتظرنه في الكنيسة. وبعد الصلاة احنين رؤوسهن لكي يأخذن بركته ثم انسحبن في وداعة دون أن تبقى منهم واحدة، حيث كن محجبات، وإذ عرف أن شقيقته لم تكن ضمنهن ذهب لرؤيتها في غرفتها، فوجدها ترقد على الأرض فوق لوح من الخشب، وكانت متجهة نحو الشرق حتى تستطيع أن تصلي. ودار بينهما حديث حول القديس باسيليوس وحول المتاعب التي لاقاها القديس اغريغوريوس في عهد الإمبراطور فالنس.

وهنا يروي المؤلف تفاصيل هذا اللقاء ثم يبين كيف أسلمت القديس "ماكرين" الروح، ويصف تفاصيل تجنيزها ودفنها ثم يقول:

وبعد أن قام القديس اغريغوريوس بما يلزم نحو شقيقته، عاد إلى نيصا في نهاية سنة 379. ومكث هناك إلى أن تحسن الجو ليتمكن من زيارة بلاد العرب وفلسطين. وخول له الإمبراطور حق استعمال العربات الرسمية في الرحلة. ووضعوا عربة تحت تصرفه، كان يستخدمها مع رفقائه كما تستخدم الكنيسة أو الدير، يرتلون فيها المزامير أثناء الطريق وهم مُلازِمون الأصوام؟

وزار بلاد العرب ثم بيت لحم والجلجثة وجبل الزيتون والقبر المقدس، حتى يشبع يوله للتقوى. ولكنه وجد هناك فوضى وفسادًا كثيرًا بين أهالي هذا البلد، لدرجة أنه أعتبر أن هذه الزيارة خطيرة، ولاسيما بالنسبة للنساء ولرجال الدين الذين تتعرض فيها فضيلتهم للخطر. وقد شرح ذلك في مقال في أسلوب رسالة، ولم يكن يعيب الزيارات إطلاقًا، فقد قام بالزيارة هو نفسه، ولكنه أشار إلى أخطارها. ولم تكن أحوال الكنيسة في حالة أفضل مما كان عليه الأهالي، وبالرغم من غيرة القديس كيرلس أسقف اورشليم. ولم يكن القديس اغريغوريوس أكثر نجاحًا في إصلاح هذه الكنيسة، واضطر إلى الرجوع منها، دون أن يكون قد فعل شيئًا سوى زيادة جداريته بصلاح نيته النبيلة ومجهوداته الشجاعة.

وفي السنة التالية، سنة 381، حضر مجمع القسطنطينية الذي كان يتكون من أساقفة شرفيين فقط، ولكنه صار مجمعًا مسكونيًّا لأن كل الكنيسة اتبعت قراراته. وفي سنة 382 حضر مجمعًا آخر في القسطنطينية حيث ألقَى خطابًا رائعًا حول ألوهية الابن والروح القدس. وبعد ثلاث سنوات، سنة 385، اضطر إلى العودة إلى المدينة الإمبراطورية ليمكث بها وقتا طويلًا. وهناك ألقَى خطابين أحدهما في رثاء الأميرة الشابة "بولشيرى" Pulecherie ابنة الإمبراطور تيودوسيوس، والآخر في رثاء الإمبراطورة، زوجة تيودوسيوس الأولى ووالدة "بولشيرى".

وعندما رجع قديسنا إلى نيصا، لم يجد راحة بسبب "هيلاد" Hellade أسقف قيصرية الذي خلف القديس باسيليوس شقيقه، وكان ذلك الرجل قلقًا مثيرًا للقلاقل، لا هم له إلا اضطهاد أهل سلفه القديس وأصدقائه وجلب التعب لهم. وبالرغم من صبر القديس اغريغوريوس وتواضعه، اضطر إلى أن يعهد إلى القديس "فلافيان" Flavien بطريرك أنطاكية بأمر العناية بحمايته من مهاجمة "هيلاد" له ظلمًا وعدوانًا.

وفي سنة 394 حضر القديس اغريغوريوس مجمعًا آخرًا في القسطنطينية من أجل تدشين كنيسة "روفان"، وجلس بين المطارنة، وقد منح هذا الامتياز الكبير نظرا لشخصيته واستحقاقه وكان كرسيه الأسقفي صغيرًا. ولم يعرف بالضبط تاريخ نياحته، إلا أنه كان فيما بين سنة 394 وسنة 404.

وله مؤلفات كثيرة جدًا تُرْجِمَت إلى اللغات الأوربية.

_____

الحواشي والمراجع:

* مترجم من الجزء الثالث من مجموعة: Les Petits Bollandistes Vies des Saints.

(1) وهي "سيفاس" Sivase الحالية مدينة في تركيا على نهر "كزل ارمك" Kizil Irmak.

(2) كانت من قوانين الكنيسة في ذلك الزمان أن الشمامسة، والكهنة والأساقفة الذين لم يتزوجوا قبل رسامتهم، يلزمهم أن يظلوا بتولين. ومن كانوا متزوجين يلزم أن ينفصلوا عن زوجتهم باتفاق متبادل، حتى يدخلوا في الكهنوت، وحسب القديس أغريغوريوس النزينزى، كانت ضرورة البتولية قد اصبحت عقيدة منتشرو لدرجة أنه ما كان أحد يقبل الأسرار المقدسة من يد كاهن متزوج. وقد رفض "سنيسبوس" Synesius أسقفية "بطوبمايس" Ptolemais أولًا، لأنه لم يكن يستطيع أن يقبل الأسقفية مع الامتناع كلية عن كل علاقة مع زوجته.

(3) Nyssa أو Nysse: مدينة صغيرة قديمة من مدن كبادوكية (أو آسيا الصغرى وهي تركيا حاليا) على نهر "الهاليس" Hayls.

(4) وتدعى أيضًا "مازاكا" Mazaka وهي أهم مدن كبادوكية.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/youssef-habib/gregories/nisa.html

تقصير الرابط:
tak.la/4ap7ztf