(3) المعترف القديس أغريغوريوس الأرمني
وُجِدَت بعض التقاليد المسيحية في أرمنيا أيام العصر الرسولي، ولكنها ليست سليمة تمامًا. لذلك يلزمنا أن نعتبر بداية المسيحية في أرمنيا في أيام القديس اغريغوريوس، وهو أول من بشر بالإنجيل في أرمنيا بعد برثلماوس الرسول.
ولد القديس اغريغوريوس الأرمني حوالي سنة 257 في "فالارشاباد" Valarshabad عاصمة إقليم أرارات وكان أبوه يدعى "أناش" Anach وهو من عائلة ملكية هي عائلة بارثيان، Parthian Aracids. وقد اغتال كسرى (ملك أرمنيا 312- 358) Chosroes أو Khusraw، في سنة 328 بتحريض من مغتصب الغرش "اردشيس ساسان" Ardaches Sassnn أو الملك شابور الأول Shapur.
وهرب "أناش" إلى مدينة قيصرية في كبادوكية وحمل معه طفله اغريغوريوس، وهناك عمده ورباه في الديانة المسيحية.
ولما حان الوقت تزوج اغريغوريوس بسيدة من عائلة شريفة تدعى مريم، وكانت تقية جدًا. وولدت له ولدين هما "فرتانس" Vertannes، و"ارستاجس" Aristages. وبعد ثلاث سنوات أتفق اغريغوريوس وزوجته مريم على أن يفترقا لكي يعيشا حياة النسك الشديد(1).
وكان "تيريدات" Tiridate الثالث ابن كسرى القتيل مُختبأ في قيصرية الكبادوك. وإذ علم اغريغوريوس بالجريمة التي ارتكبها أبوه، سلم نفسه إلى تيريدات وصار خادمًا خاصًا له.
وفي سنة 284 حصل "تيريدات" على تاج أرمنيا الملكي بمساعدة الامبراطور الروماني دقلديانوس، وذهب إلى أرمنيا واصطحب معه اغريغوريوس، وكان ينزله من نفسه منزلة كبرى.
وشارك الملك تيريدات في آراء دقلديانوس الوثنية، وأراد أن يرغم القديس اغريغوريوس على عبادة الأوثان والتبخير "لأناهيد" Anahid كبيرة آلهة الأرمن. فرفض القديس واعترف جهرًا بأنه مسيحي. فتضايق الملك لذلك جدًا، وأمر بتعذيبه بأنواع كثيرة من العذابات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وألقاه في زنزانة ضيقة جدًا، ثم عصب عينيه، وعلقه بحبل مشدود على صدره بعنف. وظل القديس الشهيد على هذه الحالة لمدة سبعة أيام. ومرة أخرى علقه من قدمه منكس الرأس، وفرش الأرض بسباخ حتى يتنفس القديس رائحته الكريهة، بينما كانوا يضربونه بعصيّ مبللة.
وأثناء هذا التعذيب كان القديس اغريغوريوس يصلي إلى الله. من أجل خلاص كل الشعوب، وبالأخص من أجل خلاص الأرمن وكان الملك يتعجب من شجاعته ويضاعف قسوته في تعذيبه. فأحضر ألواحًا وحبالًا معقودة، وأمر بضغط أقدام القديس حتى سال الدم من أطرافه ولطموه كثيرًا بعنف، ووضعوا رأسه في منجلة وضغطوا عليه، ثم لأوا أنفه بالخل والملح. وتحمل القديس كل هذه العذابات حتى دهش الملك كيف كان يظل حيًّا. وأمر تيرايدات بإلقاء القديس في بئر مليئة بالزواحف وتركه فيها عدة سنوات، وكانت امرأة مسيحية تدعى حنة Anna تحضر له الطعام طوال مدة بقائه في البئر.
وعلم تيرايدات أن اغريغوريوس هو ابن "اناش" قاتل كسرى الملك. فاستشاط غضبًا وأمر بنقل القديس إلى "ارتكسات" Artaxat، وهي إحدى القلاع الموجودة في مقاطعة أرارات، مقيد اليدين والرجلين وفي عنقه حبل، وهناك ألقاه في فتحة ضخمة مصممًا أن يتركه حتى يموت فيها. ولكن الله نجاه من الهلاك كما نجاه من كل العذابات الأخرى.
وكان في ذلك الزمان قديسة تدعى ربسيما Repsima وكانت رئيسة لإحدى الجاليات الدينية في روما. وكان الإمبراطور دقلديانوس يحبها ويحاول إغراءها، فهربت مع أفراد جاليتها وكانوا كلهم ثمانية وسبعين شخصًا، منهم ستة رجال واثنتان وسبعون امرأة منهن ثمانية وثلاثون عذراء، ولجأوا جميعًا إلى أرمنيا حيث أسسوا ديرًا بالقرب من فالارشاباد، وكانوا يعيشون من عملهم في صناعة الزجاج.
وبذل الإمبراطور الروماني كل جهده في سبيل اكتشاف المكان الذي لجأت إليه "ربسيما"، وأخيرًا علم أين تختبئ، فأرسل إلى ملك أرمينيا يطلب منه أن يرسلها إليه. أما تيريدات ملك أرمنيا فكان يشتاق أن يرى المرأة التي يحبها الإمبراطور دقلديانوس، فعندما رآها وقع هو نفسه في حبها، وحاول أن يغتصبها، فدفعته عنها بقوة شديدة فسقط على الأرض مغشيًا عليه، وظن جند الحرس أنها قتلته. فقتلوها في الحال هي ومن معها. وتعيد الكنيسة بشهادة القديسة "ربسيما" ورفقائها في 29 توت. وبعد قليل اعترى الملك روح نجس فبدا كأنه دب متوحش. ولم يستطع أحد أن يقترب منه في أمان. ولكن أخت تيريدات صلَّت من أجله، فأعلمت أن السبيل الوحيد إلى شفاء أخيها هو إطلاق سراح القديس اغريغوريوس الأرمني. فأتوا بالقديس فصلىَّ على الملك فشفاه الله وفتح عينيه إلى نور الإيمان. فآمن بالسيد المسيح واعتمد على أيدي القديس اغريغوريوس. وجال القديس يبشر بالإنجيل في أرمنيا حتى ربح الشعب كله تقريبًا وأسس كنائس كثيرة في أنحاء البلاد.
ورسمه "ليونس القيصري" Leonce le Cesarea أسقفًا. ورأس الكنيسة الأرمنية لمدة ثلاثين سنة، كان فيها يمارس أعمال وظيفته الرسولية بحماس. وحمل شعلة الإيمان إلى أمم وثنية كثيرة أيضًا، بالقرب من بحر قزوين، وتوغل حتى جبال القوقاز.
ويخبرنا أحد المؤرخين الأرمن، وهو "موسيس خورينسيس" Moses Chorenesis، أن القديس اعتزل بعد ذلك في قلاية في "مانيا" Mania في إقليم "داراماليا" Daramalia في أرمنيا العليا، وهناك قضى بقية أيامه، وتنيح أثناء الفترة التي كان فيها الملك قسطنطين الكبير يسود على الشرق في 15 كيهك سنة 322. وتعيد له الكنيسة القبطية في 15 كيهك و19 توت و3 بابه.
وأخذ بعض المسيحيين الهاربين من أرمنيا جسده معهم إلى إيطاليا، ووضع رأسه مع القيود التي كان قد ربط بها في مدينة نابولي. ويوجد أحد ذراعيه في كاتدرائية "ناردو" Nardo بإقليم "اوترانت" Otrante.
_____
* مصادر الكتاب:
(1) The Saints of Egypt. by O’ Leary.
(2) Les Petits Bollandistes Vies des Saints.
(1) يروي ذلك أوليري O’ Leary دون غيره.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/youssef-habib/gregories/armanny.html
تقصير الرابط:
tak.la/p7r6x3y