ما داموا يعتقدون أن الابن مخلوق، وأن الروح القدس ليس أقنومًا، وإنما هو مجرد قوة (كما أشرنا إلى ذلك في مقال سابق)، إذن هم ينكرون عقيدة الثالوث القدوس. ويقولون في كتابهم [الغنى](1):
عقيدة الثالوث أُخِذَت عن الديانات القديمة التي هي ديانات إبليسيَّة.
ويهاجمون عقيدة الثالوث أيضًا في كتابهم (ليكن الله صادقًا)(2) حيث يقولون "وما برح الإكليريكيون (أي رجال الإكليروس) على اختلاف المذاهب والمشارب يتمسكون ويتشبثون بهذه العقيدة المتشابكة التي ابتدعها إبليس زارع الزوان المعروف. وفي نفس الكتاب يقولون(3) "إنهم تسلموا هذه العقيدة من الوثنيين "ويقولون "ما خطرت عقيدة التثليث على بال يسوع على الإطلاق. ولم تخطر على بال أحد من مسيحيي القرون الأولى".
وشهود يهوه لهم كراسة بعنوان "هل يجب أن تؤمنوا بالثالوث؟"
Should you believe in the Trinity?
ويقولون في هذه الكراسة أن الإمبراطور قسطنطين تدخل في إنشاء هذه العقيدة، كما يهاجمون قانون الإيمان الذي أصدره مجمع نيقية المقدس.
1. الرد الأول الذي لا يقبلونه هو الذي ورد في (1يو5: 7) "الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد". فيقولون في كتابهم (ليكن الله صادقًا)(4) "إن هذه الآية التي يتذرع بها الثالوثيون هي من أنصع الأمثلة على ما أضافه إبليس على كلام الله من الأقوال الباطلة التي يشجبها الله.
ومع عدم موافقتنا على إنكارهم وجود هذه الآية نذكر الآتي:
2- ورود عقيدة الثالوث في قول السيد المسيح عن المعمودية "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19) ونلاحظ أنه قال عن الأقانيم الثلاثة "باسم" وليس "بأسماء" مما يدل على أن الثلاثة واحد.
3- البركة التي نختم بها كل اجتماعاتنا، المأخوذة من (2كو 13، 14)، يقول فيها الرسول "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس تكون مع جميعكم". ووارد هنا أسماء الأقانيم الثلاثة.
4- ما أكثر الآيات التي وردت فيها أسماء الآب، والابن، والروح القدس، كل منهم على حده. ولكن ما نود شرحه هنا هو: إثبات أن هذه الأقانيم الثلاثة هي كيان واحد.
سنحاول في هذا المجال أن نثبت أن الآب والابن والروح القدس عبارة عن لاهوت واحد. وأن الآب والابن هما واحد. وأن الروح القدس واحد مع الآب، وواحد مع الابن أيضًا.
* الله واحد بعقله وروحه.
* فالابن هو اللوجوس أي عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل. وطبيعي أن الله لا ينفصل عن عقله، وأن الله وعقله كيان واحد.
وقد ورد في (1كو1: 24)"... المسيح قوة الله، وحكمة الله"، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ولا يمكننا أن نفصل الله عن قوته وحكمته. فبلا شك هو وحكمته كيان واحد ولا نستطيع أن نقول إنه خلق لنفسه حكمة لم تكن له من قبل، أو خلق لنفسه قوة لم تكن له من قبل.
كذلك قال الابن "أنا والآب واحد" (يو 10: 30). وهذا نص صريح لم يحتمل اليهود سماعه، فأمسكوا حجارة ليرجموه. ومما يؤكد وحدانية الآب والابن، قول الابن "أنا في الآب والآب فيَّ" (يو14: 10، 11) "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9).
ما دام الآب والابن واحد، فماذا عن الروح القدس.
فهو روح الرب (أش 11: 2) (أش 61: 1). وطبيعي أن الرب وروحه كيان واحد. ولا يمكن أن نفصل الله عن روحه، أو أن نقول إنه مر وقت كان فيه بدون روح! أو أنه خلق لنفسه روحًا! والسيد المسيح يقول عنه "الله روح..." (يو 4: 24). ويقول عنه للتلاميذ "روح أبيكم" (مت 10: 20). ويقول عنه داود النبي في المزمور "روحك القدوس لا تنزعه منى" (مز 51: 11). كما يقول أيضًا "أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السماء فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت" (مز 139: 7، 8) وما دام الله إذن واحدًا مع عقله وحكمته، وواحدًا مع روحه. إذن هؤلاء الثلاثة هم واحد. ولا داعي للهروب من (1 يو 5: 7).
وما يؤكد هذه الوحدانية أيضًا أن الروح القدس كما أنه روح الآب، هو أيضًا روح المسيح، كما قال الرسول (1 بط 1: 11).
ولذلك كل واحد من الأقانيم الثلاثة هو الله.
الآب هو الله، عقيدة لا يختلف فيها أحد.
الابن هو الله، فبالإضافة إلى ما قلناه نورد ما جاء في (كو2: 8، 9) "المسيح الذي يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديًا". فما دام في تجسده كان يحل فيه كل ملء اللاهوت، إذن هو "الله الظاهر في الجسد" (1تى3: 16).
الروح القدس هو الله، كما يظهر في قصة حنانيا وسفيرا. قال بطرس الرسول "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس... أنت لم تكذب على الناس بل على الله (أع 5: 3، 4). إذن الروح القدس هو الله...
· بمقارنة ما ورد في (1كو3: 16)، (1كو6: 19).
فقد ورد في (1كو3: 16) "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" بينما ورد في الآية الأخرى (1كو6: 19) "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم...".
إذن فيما نحن هيكل الروح القدس، نحن أيضًا هيكل الله.
وبهذا يثبت أن الروح القدس هو الله.
من جهة المواهب. هي مواهب الله، وهي مواهب الروح القدس.
ما ورد في (1كو12) يثبت ذلك إذ يقول "أنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد. أنواع أعمال موجودة، ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل. ولكن لكل واحد يُعطى إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحد يُعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد. ولآخر إيمان بالروح الواحد... ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسِمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كو12: 4-11).
إذن هي مواهب الروح القدس، قاسمًا لكل واحد كما يشاء.
ومع ذلك ففي (يع 1: 17) يقول الرسول "كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار". فهل المواهب إذن هي من الله الآب أم من الروح القدس؟ أم من الآب والروح القدس، لأنهما واحد.
* ننتقل إلى نقطة أخرى وهى الوحي: من الله أم الروح القدس؟
يقول القديس بولس الرسول "كل الكتاب هو مُوحى به من الله، ونافع للتعليم.." (2تى 3: 16). ويقول القديس بطرس الرسول "لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 21). لذلك نقول عن الروح القدس "الناطق في الأنبياء". كما قال السيد المسيح لرسله القديسين "لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت 10: 20).
الوحي إذن من الله الآب، أم من الروح القدس، أم من كليهما؟ لأنهما هما واحد في اللاهوت.
أم نتطرق إلى العلاقة بين الروح القدس، والابن الذي قال لرسله عن الروح القدس "يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 15، 14)
واضح أن مصدر المغفرة هو الله وحده، كما يقول الكتاب بوضوح "من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده" (مر2: 7).
ومع ذلك فإن الرب يسوع قد قال للخاطئة التي بللت قدميه بدموعها "مغفورة لك خطاياك" (لو7: 4). وقال للمفلوج "مغفورة لك خطاياك" (مر2: 5). وقال بعدها "لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا" (مر2: 10).
والسيد المسيح منح لتلاميذه الروح القدس الذي به يغفرون الخطايا. فنفخ في وجوههم بعد القيامة وقال لهم "اقبلوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم غُفرت لهم.." (يو 20: 22، 23).
مَن يغفر الخطايا إذن: الآب أم الابن أم الروح القدس؟
أم الثلاثة معًا لأن هؤلاء الثلاثة هم واحد.
واضح أن الله الآب هو الخالق. كما ورد في أول سفر التكوين "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك 1: 1).
والابن أيضًا هو الخالق، كما قيل عنه في إنجيل يوحنا "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان"(يو 1: 3).
وقيل عنه في الرسالة إلى كولوسي "فإنه فيه خُلق الكل: ما في السموات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى. سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خُلق" (كو1: 16).
ومن جهة الروح القدس، قيل في سفر أيوب الصديق "روح الله صنعني، ونسمة القدير أحيتني" (أى 33: 4).
وفي مزمور 104 يقول المرتل لله عن المخلوقات "تنزع أرواحها فتموت، وإلى ترابها تعود. ترسل روحك فتُحلق" (مز 104: 29، 30)
فَمَن الخالق: الآب أم الابن أم الروح القدس؟
أم نقول إن الثلاثة هم واحد.
واضح أن الله الآب كلي المعرفة، يعرف كل شيء، الخفيات والظاهرات، ويفحص القلوب والكلى ويقرأ الأفكار.
ومن جهة الابن هو أقنوم المعرفة، وكان أيضًا يعرف أفكار الغير ويرد عليها دون أن يتكلموا. وقيل عنه أيضًا "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم"(كو2: 3).
وقيل عن الروح القدس "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (1كو2: 10). والله يعلن لنا بروحه (1كو2: 10). والروح هو الذي يعلمنا كل شيء (يو 14: 26).
ما موقف هذه الأقانيم الثلاثة من العلم والتعليم؟ أم نقول ببساطة أن الثلاثة واحد.
_____
(1) ص 193.
(2) ص 105، 106.
(3) ص 117.
(4) ص 108.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/watchtower/trinity.html
تقصير الرابط:
tak.la/7gt44dg