هم لا يؤمنون بالعذاب الأبدي (مت 25: 46). ويقولون إن عبارة "بحيرة النار والكبريت" (رؤ 20: 10) إنما تشير إلى الفناء. وكذلك كلمة جهنم (مت 10: 28) إنما تشير أيضًا إلى الفناء.
وهذا ما يكررونه في كتبهم. ونذكر منها كمثال:
ففي كتابهم [ليكن الله صادقًا](1) يقولون:
"هل لآدم حظ بين المفديين؟ ويجيبون على هذا السؤال "كلا، لأنه تعمد الأخطاء، وحكم عليه بالجزاء حكمًا مبرمًا. فمات وصار في حكم الفناء.
وهكذا لن يعود آدم إلى الحياة، ولن ترى عيناه النور، ولن يحصل على حسّ ولا شعور. ومن كان مثله ليس له فدية ولا عوض".
وهذا طبعًا ضد عقيدتنا في خلاص أبينا آدم، كما نقول في قطع صلاة باكر: خلّصت أبانا آدم akcw; `nAdam peniwt...
وفى نفس الكتاب [ليكن الله صادقًا](2) يقولون:
وأما مصير الشيطان فهو الفناء التام. وهذا ما أكّده لنا المسيح في آية الحكم التي تلفظ بها على مسمع المنقادين بروح الشيطان والواقعين في شباكه: "اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعّدة لإبليس وملائكته" (مت 25: 41).
وهم يدعون أن النار الأبدية هي الفناء...
يُضاف إلى ذلك عقيدتهم في عدم خلود النفس، وأن الإنسان -حينما يموت- يكون كالحيوان يموت نفسًا وجسدًا. فالإنسان في اعتقادهم ليس له خلود، وإنما يُمنح الخلود مكافأة له على طاعته.
ونريد هنا أن نرد عليهم من جهة المنطق، ومن جهة تعليم الكتاب المقدس:
1- من غير المعقول أن يقيم الله الناس الأشرار من الموت، لكي يعيدهم مرة أخرى إلى موت أبدى إلى الفناء.
ومعروف أن قيامة أجساد الموتى ليست بالعملية الهينة، بل هي معجزة جبارة: أن يجمع الله الذين غرقوا في البحار، والذين حُرقوا بالنار، والذين امتصتهم الأرض، والذين أكلتهم الوحوش، والذين تحولوا إلى تراب... كل أولئك يقيمهم الله، وبعد ذلك يدفعهم إلى الفناء!! هل هذا معقول؟! ما الحكمة إذن من قيامتهم؟!
أما إن كان الأشرار لا يقومون، فهذا ضد تعليم الكتاب.
إذ يقول "فإنه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو5: 28، 29). إذن سيقوم الكل: الصالحون والأشرار.
إثبات آخر ورد في (مت 25: 31-46) عن الدينونة العامة في مجيء السيد المسيح، إذ "يجتمع أمامه جميع الشعوب. فيميز بعضهم عن بعض، كما يميز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره". ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا إلىّ يا مباركي أبى رثوا الملك المعدّ لكم منذ تأسيس العالم... " ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدّة لإبليس وملائكته... "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى، والأبرار إلى حياة أبدية".
إذن هناك قيامة للكل، ثم دينونة ومحاكمة، بعدها عذاب للأشرار، ونعيم للأبرار.
فما الحكمة في أن يُقام الأشرار، لكي يتلقوا حكمًا بالفناء؟!
أما أن يقاموا لكي يأخذوا جزاءهم عقوبة على خطاياهم، فهذا هو المنطق السليم.
2- النقطة الثانية هي أن الرب في القيامة سيجازى كل واحد حسب أعماله. وهذا ضد الحكم بالفناء الذي يتساوى فيه الجميع.
يقول الكتاب "لأنه لا بد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد منا ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2كو 5: 10).
ونفس الوضع ما ورد في (مت 16: 27): "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته. وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله".
ويقول الرب في سفر الرؤيا "ها أنا آتى سريعًا وأجرتي معي، لأجازى كل واحد كما يكون عمله" (رؤ 22: 12).
ومن جهة مجازاة الأشرار: تختلف أعمالهم في نوعيتها، وفي درجة بشاعتها، وفي طول أو قصر مدتها. فكيف يتساوى الكل في عقوبة واحدة هي الفناء على اختلاف درجة خطاياهم؟!
كيف يتساوى الطماع والشتّام والسكير، مع قاتل النفس، مع السفاح الذي قتل كثيرين، مع إبليس وضد المسيح والوحش والنبي الكذاب...؟! كلهم في عقوبة واحدة هي الفناء، لا يشعرون فيها بأي ألم؟! وهل في هذا عدل إلهي؟!
3- لقد علّمنا السيد المسيح أن هناك تفاوتًا في العقوبات فليست متساوية:
فيقول في توبيخ المدن التي صُنعت فيها أكثر قواته ولم تتب: ويل لك يا كورزين. ويل لك يا بيت صيدا. لأنه لو صُنعت في صور وصيدا القوات المصنوعة فيكما، لتابتا قديمًا في المسوح والرماد. ولكن أقول لكم إن صور وصيدا تكون لهما حالة أكثر احتمالًا يوم الدين مما لكما" (مت 11: 20-22).
وعبارة "حالة أكثر احتمالًا تعنى تفاوتًا في العقوبة. وهذا ضد القول بالفناء وهو عقوبة واحدة للكل. كما أن عبارة أكثر احتمالًا تدل على عذاب متفاوت.
ولقد كرر الرب نفس العبارة في حديثه عن ويل كفر ناحوم بقوله: أقول لكم إن أرض سادوم تكون لها حالة أكثر احتمالًا يوم الدين مما لك" (مت 11: 24).
إذن هناك حالة يمكن أن تُحتمل، أكثر من حالة أخرى يصعب احتمالها. وهذا ضد عقوبة الفناء التي هي واحدة للكل، ولا يوجد فيها احتمال أقل من احتمال آخر.
4- هنا ونقول عن الشيطان: كيف تكون عقوبته كعقوبة أي خاطئ عادي؟!
الشيطان الذي أغوى العالم كله، ودفع العالم إلى الوثنية وإلى الفساد، والذي يساعد على الارتداد العام بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين، يزوّد بها "المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا" حتى يوقع الناس في الارتداد (2تس 3-10) هذا الشيطان أتكون عقوبته -حسب تعليم شهود يهوه- هي الفناء، يتساوى فيه مع أي خاطئ، ولا يحس في فنائه أي ألم أو عذاب!!
حقًا، ابهتي أيتها السماوات من هذا، واقشعري وتحيري جدًا يقول الرب" (أر 2: 12)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. الشيطان الذي قاوم ملكوت الله بكل عنف، ولا يزال يقاومه. والذي عندما يُحلّ من سجنه "يخرج ليضل الأمم" (رؤ 20: 8). الشيطان هذا ستكون عقوبته مثل سارق أو زان، ويفنى بدون عقوبة، أو عقوبته أن يفنى!!
إذن أين قول الكتاب "وإبليس الذي كان يضلّهم، طّرح في بحيرة النار والكبريت، حيث الوحش والنبي الكذاب. وسيعذبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين" (رؤ 20: 10).
وواضح أن العذاب عكس الفناء. لأن الذي يفنى، لا يحس في فنائه بأي عذاب. لأنه لا حسّ ولا شعور في الفناء.
وعبارة "سيعذبون نهارًا وليلًا". "تعنى استمرارية العذاب. أما في الفناء، فلا يحس من يفنى بنهار يمر عليه أو ليل، في عذاب.
5- وقد تكررت عبارة (عذاب) في مواضع كثيرة من الكتاب كعقوبة للأشرار.
· كما ورد في (مت 5: 46): "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى، والأبرار إلى حياة أبدية". وكما قيل عن كل من يسجد للوحش وصورته إنه "يعذّب بنار وكبريت أمام الملائكة والقديسين وأمام الحمل. ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين. ولا تكون راحة نهارًا وليلًا" (رؤ 14: 10، 11)
وعبارة "لا تكون راحة" لا تتفق مع الفناء.
فهل الذي فنى، وانعدم وجوده تمامًا، يحس بعدم راحة.
كذلك قيلت عبارة أخرى مشابهة في عقوبة الأشرار: "ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازى كل واحد حسب أعماله... شدة وضيق على كل نفس يفعل الشر.." (رو 2: 5-9).
وعبارة "شدة وضيق على كل نفس" لا تتفق مع الفناء.
ففي الفناء لا يشعر أحد بشدة ولا ضيق. لقد انتهى وجوده وشعوره.
6- قيل أيضًا في مجيء الرب للدينونة "يرسل ابن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" (مت 13: 41، 42).
فالبكاء وصرير الأسنان لا يتفقان مع الفناء. فالذي يفنى لا يبكى، ولا يصرّ بأسنانه ندمًا أو رعبًا. إنه قد انعدم وجوده.
كذلك قيل في قصة غني لعازر إنه "رفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب... ونادى وقال: يا أبى إبراهيم، ارحمني. وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبّرد لساني، لأني مُعذب في هذا اللهيب" (لو 16: 23، 24).
فهل الذي فنى، يحتاج إلى قطرة ماء يبرد بها لسانه وهو معذب؟!
مما أوردناه من آيات الكتاب المقدس، تتضح أمور تتعارض مع الفناء.
العذاب، وعدم الراحة نهارًا وليلًا، والشدة والضيق على كل نفس، والبكاء وصرير الأسنان، وحالة أكثر احتمالًا من حالة أخرى... والنار الأبدية... فهل يحدث هذا كله لمن فنى وانتهى وجوده؟! كلام غير منطقي بلا شك.
أما قول شهود يهوه بأن بحيرة النار والكبريت إنما تشير إلى الفناء، وكذلك كلمة جهنم، فهو رأى شخصي ضد أقوال وتعليم الكتاب.
7- عقوبة الفناء هذه تؤدى إلى الاستهتار.
فمادامت لا توجد عقوبة عذاب للأشرار، وما دام الذي يفنى لا يحسّ ألمًا ولا تعبًا، إذن يجرى الناس وراء التمتع بشهواتهم. كما كان الأبيقوريون يقولون "لنأكل ونشرب، لأننا غدًا نموت" (1كو 15: 32).
8- ولا ننسى أن الفناء مبدأ إلحادي.
نادى به الملحدون الذين لا يؤمنون بخلود النفس ولا بالحياة الأخرى.
وكذلك لا يؤمن شهود يهوه بخلود النفس، على الرغم من إيمانهم بالله. غير أنهم يرون أن الخلود هي منحة تعطى للصالحين. وبالتالي فالأشرار لا خلود لهم.
9- وفكرة الفناء أيضًا تشجع المنتحرين.
فإننا نمنعهم من الانتحار، على أساس أن الانتحار هو جريمة قتل للنفس يحاسبون عليها بعد الموت. وأنهم بانتحارهم لا يتخلصون من العذاب الذي يشعرون به في الدنيا، إذ ينتظرهم عذاب أشد بعد الموت، في الأبدية. فإن كانت العقوبة هي الفناء، فإنهم سيقنعون أنفسهم بأنهم بالانتحار يستريحون من التعب في الدنيا والآخرة!!
_____
(1) ص 127.
(2) ص 71.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/watchtower/evil.html
تقصير الرابط:
tak.la/r4hwz2f