يذهب الأب الكاهن إلى بيت المؤمن المتوفى في اليوم الثالث لوفاته، ليصلى في البيت صلاة طقسية معروفة، ويرش الماء في البيت، ويأكل طعاما في البيت، ويعزى أهل الميت.
والمشكلة أن البعض يسمي هذه الصلاة "صلاة صَرْف الروح".
ويبدأ الجدل حول هذه التسمية والمقصود منها: هل هو صرف روح الحزن، أو صرف روح الميت، كما يدعى المشتغلون بعلم الأرواح... والواقع أنه يريحنا كثيرًا أن نسميها "صلاة اليوم الثالث" ونكتفي بهذا... ومع ذلك فلا مانع من أن تتعرض للآراء ونناقشها...
قرأنا في ذلك الموضوع العبارات الآتية:
1- إن الروح -بعد خروجها من الجسد- تجول في الأماكن التي كانت تعيش فيها أو التي كانت تحبها... إذ قد تكون متعلقة بالمكان الذي كانت تقيم فيه.
2- إنها يمكن أن تتجسد في أشباح وتزعج أهل البيت.
3- وان هذا التجسد يحدث في الظلام، لان النور يشتت الروح ويمنعها من التجسد...
لذلك توضع لمبة في الحجرة التي مات فيها المتوفى، أو على الأقل توضع شمعة، لكي تصعب عليها التجسد.4- وربما تكون الروح روح إنسان قد قتل، ومشاعره مشاعر إنسان مظلوم ويريد أن ينتقم... فقد تظهر روحه في نفس المكان، مع تصرفات من الحقد والرغبة في الانتقام.
5- وقد تتردد الروح على المقابر أو البيوت أو أماكن ذكرياتها.
6- وان الأب الكاهن يأتي في اليوم الثالث، لكي يطرد الروح من البيت بالقوة، قوة الصلاة، كما تطرد الأرواح النجسة.
يقولون أن فكرة الأشباح موجودة في الإنجيل.
ويستدلون بذلك أن السيد المسيح -لما كان ماشيًا على الماء- ظنوه روحًا أو شبحًا (مت 14: 26).. وأنه عندما دخل على التلاميذ والأبواب مغلقة، ظنوه روحًا أو شبحًا (لو 24: 37)..
وفي الواقع أن مخاوف التلاميذ لا تُشَكِّل عقيدة، بدليل أن السيد المسيح صحَّح لهم ما يظنونه في خوفهم وجزعهم وقال لهم "ما بالكم مضطربين؟ ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم" (لو 24: 38).
وان كانت هناك أفكار منتشرة في المجتمع اليهودي أيام التلاميذ، وتحتاج من الرب أن يصححها لهم... فهذه الأفكار لن ترقى إلى مستوى العقيدة... وبخاصة لان التلاميذ ما كانوا قد اخذوا الروح القدس بعد، وهو الذي يعلمهم كل الحق (يو 16: 13).
وعلى كل ما خاف منه التلاميذ، لا علاقة له بموضوعنا... إنما هو خوف من يرى فجأة مالا يتوقعه...
1- يقول الكتاب عن موت الإنسان "يرجع التراب إلى التراب كما كان... وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها" (جا 12: 7).
فهل الروح حرة في أن ترجع إلى الله أو لا ترجع؟!
هل هي حرة في أن تتجول حول أماكن ذكرياتها؟ وان تبقى في البيت الذي كانت
فيه، أو تذهب إلى المقابر... وفي كل ذلك لا تعود إلى مستقرها الأبدي، وتبقى متلكئة أو معاندة كما يسمونها، دون ضابِط!!ما سلطان الله على مثل هذه الروح إذن؟
الله الذي قيل عنه أنه "إله أرواح جميع البشر" (عدد 27: 16)، وأنه " وازِن الأرواح" (أم 16: 2).. الله الذي وضع أرواح القدماء في السجن (1 بط 3: 19).. وفي الهاوية.
إن الأرواح في قبضة الله. ولا نستطيع أن نؤمن بغير هذا...
هل كان بإمكان غني لعازر أن تذهب روحه إلى بيت أبيه لكي ينذر أخوته لكي يتوبوا؟! (لو 16: 27، 28).. لم يكن ذلك ممكنا كما يذكر الإنجيل...
2- ما مصلحة الروح أن تتجسد في أشباح(!!) وتزعج أهل بيتها؟! وهم أهلها وأحباؤها الذين حزنوا لفراقها!
إن غني لعازر -مع أنه كان شريرًا واستحق العذاب- إلا أنه كان شفوقًا على أهل بيته وطلب من أبينا إبراهيم أن يرسل إليهم لعازر لينذرهم... فما معنى أن الميت يظهر لأقربائه في هيئة شبح ليزعجهم؟!
3- أما ظهور الأشباح في الظلام، فهذا يشبه ما يحكيه العامة عن (العفاريت).. وليس كلاما لاهوتيا يقدم للناس كعقيدة ويقال أن لها وجودا في الإنجيل!!
4- ما معنى أن النور يشتت الروح، ويصعب عليها أن تتجسد؟!
إن كثيرًا من الملائكة يظهرون في النور، ولا يستطيع النور أن يشتتهم: كملائكة البشارة وملائكة القيامة والملائكة الذين ضربوا أهل سدوم بالعمى (تك 19).
وكذلك النور لم يشتت روح موسى النبي على جبل التجلي.
كذلك النور لم يستطع أن يشتت أرواح القديسين الذي ظهروا لكي يساعدوا البشر في ضيقاتهم أو لينقلوا إليهم رسالات من الله... أو لكي ينذروا بعض الخطاة. وقصص التاريخ في هذا المجال لا تدخل تحت حصر.
يقولون أن أرواح الأبرار تَقوَى على النور، ولكن أرواح الأشرار أو الضعفاء يشتتها النور!!
فهل توجد أرواح أكثر شرًّا من الشيطان، وهو يظهر في النور ويحارب القديسين بمناظر مضللة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بل قيل أن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور (2 كو 11: 14).. فهل هذا النور يشتته؟! إذن نضمن أن الشياطين لا تظهر إطلاقًا في النهار، لأن نور النهار يشتتها باعتبارها أرواحًا نجسة، والنور -حسب عقيدتهم- يشتت الأرواح!!
كَمْ إذن يكون ضعف الروح التي يشتتها نور شمعه!!
5- يقولون أن الروح تجول في المكان الذي ماتت فيه، أو في مواضِع ذكرياتها.
ماذا إذن عن الروح التي ماتت في حادث طائرة قد تحطمت واحترقت... أين تجول هذه الروح... إن كانت الطائرة قد وقعت في محيط... فهل تظل الروح تعوم فيه... أم ترجع إلى بلادها حيث كانت أو حيث أرادت أن تذهب وكيف تستطيع؟!
وان وصل الكاهن إلى المكان الذي حدث الموت فيه ليخرجها بصلاة اليوم الثالث، فماذا يحدث إن كانت الروح عند المقبرة وقتذاك، أو كانت في المستشفى التي قضت فيها فترة مرضها، أو كانت في مكان عملها الذي قضت فيه حوالي نصف حياتها، أو كانت الروح في منازل بعض أحبائها. فماذا تكون فائدة صلاة الكاهن، إن كان يريد بها طرد روح من مكان هي ليست فيه؟!
وماذا عن أرواح غير المسيحيين حيث لا يوجد كاهن يخرجها من بيتها ومن أماكن ذكرياتها؟
وأهلها -إن كانوا من البروتستانت- لا يؤمنون بصلاة اليوم الثالث ولا بالكهنوت... هل تظل أرواح هؤلاء هائمة من مكان إلى مكان أو تظل في البيت تتجسد في أشباح وما مصيرها بدون صلاة اليوم الثالث؟
6- وما نفع صلوات الكاهن لطرد الروح في اليوم الثالث، بينما هي صعدت إلى خالقها منذ لحظة انفصالها عن الجسد كما حدث للص اليمين؟؟
الفردوس" (لو 33: 43). بينما مات هذا اللص في غروب نفس اليوم في الساعة الحادية عشرة من النهار.
لقد قال الرب لهذا اللص المصلوب معه: "اليوم تكون معي فيإذن لم يبق بعد موته لا يوما ولا جزءًا من يوم في هذا العالم. فكيف يتفق هذا من بقاء الروح ثلاثة أيام في بيتها أو جولاتها في أماكن ذكراها؟!
كذلك فإنَّ روح لعازر المسكين، لمَّا مات "حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم" (لو 16: 22). ولم يقضِ في الأرض ثلاثة أيام بعد موته، حسب منطقهم. وبنفس الوضع يقول مُعلّمنا بولس الرسول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح" (في1: 23). فهو سيكون مع المسيح بعد موته مباشرة، كما حدث للص اليمين.
يقولون أن روح اللص روح بارة صعدت إلى خالقها في نفس اليوم حسب وعد الرب لها... وكذلك كل أرواح القديسين والأبرار... أما أرواح الأشرار فليست كذلك...
إذن معنى هذا أن الأب الكاهن إنما يقصد بصلاة اليوم الثالث أن يطرد بالقوة روحا شريرة، أو روحا متمردة أو متلكئة ترفض الذهاب إلى مستقرها الأبدي، أو هي خائفة من ذلك، وتحتاج كما يقولون إلى "صلاة طارِدة"..
إذن مجيء الأب الكاهن إلى بيت المتوفى، ليس هو مجيئا للعزاء وإنما ليشعر أهل الميت أن قريبهم المتوفى إنسان متمرد، ترفض روحه الذهاب إلى الله وهي تحتاج إلى "صلاة طاردة"!! ليس عند أهل الميت في هذا المجال إلا أن يقولوا للآب الكاهن: "نشكر سعيك"، إن ميتنا صعد إلى السماء منذ اليوم الأول مثل اللص اليمين، وحسب الصلاة التي صليتموها عنه في الجناز...
كذلك لا يوجد مطلقًا في صلاة اليوم الثالث عبارة "اخرج أيها الروح الشرير" كما يوجد في طقوس أخرى تنتهر الأرواح.
نصليها لعزاء أهل الميت. وكما نقول قوانين الآباء الرسل: "واذكروا الميت في اليوم السيد المسيح قام من الأموات في اليوم الثالث".. فكأننا نذهب إلى بيت أهل الميت الحزانى على وفاته ونقول لهم (في اليوم الثالث) " لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. إن ميتكم سيقوم كما قام المسيح".
الثالث، لأنوالدليل على هذا أن فصل الإنجيل الذي نقرأه هو فصل قيامة من الأموات، وان كانوا في شك من خلاصه وأبديته، فباقي القراءات في اليوم الثالث تحوى رجاء في مغفرة الخطايا...
فأن كان أهل الميت قد امتنعوا عن الأكل حزنًا، فأن الأب الكاهن يجلس ويأكل معهم طعاما، ليفك حزنهم. وان كانوا قد امتنعوا عن الذهاب إلى الكنيسة، فأن الكنيسة تأتى إليهم في شخص الأب الكاهن، فيذهبون هم أيضًا إلى الكنيسة...
ولا شيء عن طرد الروح، أو صرف الروح.
ولا شيء عن الأشباح وما تحدث من فزع في الظلام.
فكل ذلك لا أصل له في الإنجيل ولا في تعليم الآباء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/spirits-and-religion/third-day-prayer.html
تقصير الرابط:
tak.la/sv4sbb5