البعض يثير هذا الموضوع فيقول أن جسد الإنسان هو الذي يولد من الوالدين، ثم يخلق الله روحا تحل في هذا الجسد، فيصبح إنسانًا كاملًا... وهكذا تكون الروح مخلوقة، بينما الجسد هو المولود!!
فمن أين أتى هذا الفكر؟؟ وكيف نادى به بعض اللاهوتيين؟!
الفيلسوف اليوناني أفلاطون قال: "إن الأرواح كانت في عالم المثل، وهي تهبط لتحل في الأجساد... وأوريجانوس تأثر بالفلسفة الأفلاطونية... وعن أوريجانوس اخذ كثير من محبيبه غير ناظرين إلى أخطائه التي أدت إلى حرمانه من الكنيسة...
ونحن نريد الآن أن نرد على موضوع خلق الروح...
إنه موضوع قديم. وقد حسمه القديس أوغسطينوس في حواره مع القديس جيروم فقال: "لا يمكن أن تكون الروح مخلوقة، وإلا فلماذا نعمد الأطفال"؟!
1- لو كانت الروح مخلوقة، لا تكون قد ورثت الخطية الجدية الأصلية.
وان كانت لم ترث الخطية الأصلية، إذن فما لزوم عمادها؟ في العماد يتبرر الطفل من الخطية الجدية، ويموت الإنسان العتيق الذي ورث الخطية، ليبطل جسد الخطية (رو 6: 6). ويقوم إنسان جديد قد لبس بر المسيح (غل 3: 27). فأن كانت الروح الإنسانية هي روح جديدة لا علاقة لها بالإنسان القديم، فما علاقتها بالمعمودية، التي ندفن فيها للموت مع المسيح. (رو 6: 4). ونقول: "مدفونين معه بالمعمودية" (كو 2: 12).
2- كذلك أن كانت الروح مخلوقة، تكون روحا غير آدمية أي ليست من نسل ادم. وبهذا تكون لنا طبيعتان: طبيعة آدمية، وطبيعة أخرى غير آدمية.
ولا نستطيع أن نقول أننا من بنى ادم!
وكيف إذن ينطبق علينا قول الكتاب: "بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت. وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ اخطأ الجميع" (رو 5: 12.).
فكيف يُقال قد أخطأ الجميع، بينما هنا أرواح جديدة قد خلقت ولم تخطئ؟!
وحينئذ نقع في خطأ آخر من جهة طبيعة المسيح!
أننا نقول أن طبيعة المسيح هي اتحاد طبيعتين: الطبيعة اللاهوتية مع الطبيعة البشرية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. على أنه لو صح رأى هؤلاء، يكون السيد المسيح من ثلاث طبائع. لأنه بالإضافة إلى الطبيعة البشرية الآدمية، تضاف طبيعة أخرى غير آدمية هي الروح!
إذن كيف يمكن أن ندعو المسيح ابن الإنسان؟!
أي ابن الإنسان الذي أخطأ وحُكم عليه بالموت...
وكيف يمكن أن ندعوه آدم الثاني حسب تعليم الكتاب (1 كو 15: 45). وكيف يكون ابن الإنسان الذي يحمل خطية ذلك الإنسان وهو لم يأخذ نفس طبيعته..؟
3- المعروف أننا ولدنا بنفس الطبيعة الخاطئة الفاسدة.
وليس بروح جديدة طاهرة لم تخطئ. ولهذا يقول داود في المزمور الخمسين: "لأني هأنذا بالإثم حُبِلَ بي، وبالخطية اشتهتني أمي".. أين هو هذا الإثم وهذه الخطية، إن كنا نولد بروح جديدة مخلوقة، نزلت من عند الله، لم تعرف خطية بعد؟! إنما يقول: "بالإثم حُبِلَ بي حينما يكون قد حُبِلَ به بروح خاطئة هي من نسل آدم!!
فإن قلنا إنه يتكلَّم عن خطيئة الجسد، نقع في إشكال آخر وهو:
4- ما ذنب روح بريئة طاهرة، في أن تتحد بجسد نجس خاطئ؟!
وهكذا تتنجس بنجاسته!! ولا تكون نجاسة طبيعية فيها، إنما تكون نجاسة من طبيعة آدم الذي أخطأ ونحن في صُلبه...
وكأن فينا طبيعتين إحداهما خاطئة تحت حكم الموت، والأخرى طاهرة ليست تحت حكم الموت. فما ذنب الروح الطاهرة في أن تتحد على الرغم منها بعنصر الجسد... كأنه بعروس جميلة طاهرة يزوجونها برجل أبرص، فتتحد به وتأخذ من برصه!! وليس في هذا عدل.
5- والذين ينادون بخلق الروح، يختلفون في وقت خِلقها، وفي وقت اتحادها بالجنين.
البعض يقول بعد شهر من الحبل، والبعض يقول بعد 40 يومًا، والبعض يقول بعد 4 شهور، أو بعد كمال تكوينه الجسدي...
وهكذا يدخلون في موضوعات فوق مستوى إدراكهم البشرى، ولا يمكنهم أن يدخلوها في نطاق العلم ولا في نطاق الدين، ولا يمكنهم إثباتها بنصوص كتابية. وإنما هي مجرد تكهنات يقدمها بعض رجال الدين كعقيدة، وبعض علماء الأرواح كعلم...
وبهذا يقع هؤلاء وأولئك في مشكلة أخرى وهي:
6- بهذا المُعتقد يمكنهم أن يقولوا بجواز الإجهاض في فترات الحمل الأولى!
حينما لا يكون إنسان قد تكوَّن بحسب عقيدتهم، قبل حلول الروح فيه! أي يكون مُجرّد دماء في بطن الأم بلا روح، يمكن إسقاطها دون أن نقول إن إنسانًا قد تم قتله بالإجهاض..!
وفي هذه الحالة يتوقَّف تصريحهم بالإجهاض على اعتقادهم في موعد حلول الروح في الجسد (حسب فكرهم) بعد شهر... أو بعد أربعة أشهر... والمعروف أن الإجهاض مؤتم من وجهة نظر الدين، ومن وجهة نظر القانون المدني، لأنه يحمل معنى ارتكاب جريمة قتل...
7- إن كان الله يخلق الروح لكل إنسان على حدة، فهل يخلقها على صورته ومثاله كما في البدء (تك 1)؟
طبيعي أن الله لا يخلق شيئًا شريرًا. فأن خلق للمولود الجديد روحا على صورة الله، فما الحكمة أن يدعها تتحد بجسد خاطئ! ثم بعد الولادة من الأم، تتعمد لكي تكون خليقة جديدة مرة أخرى. لأنه قيل "إن كان احد في المسيح، فهو خليقة جديدة" (2 كو 5: 17)..
فهل يحمل هذا لونا من الازدواج في الخلق، أو تكرارًا في الخلق، بالنسبة إلى كل إنسان منا. ما معنى أن الله يخلق للإنسان روحا، يعود فيخلقها روحيا من جديد بعد بضعة أشهر؟؟!
8- وهل غير المؤمنين أيضًا سيخلق لهم أرواحًا جديدة على صورته كشبهه؟!
بينما يُولَد البعض منهم ملحدًا إن كان من أسرة مُلحدة، أو يُولَد عابدًا للأصنام، أو يُولَد غير مؤمن إن كان من أسرة غير مؤمنة، وهو منذ بضعة أشهر كان له روح على صورة الله كشبهه ومثاله؟
9- إننا ننادي بأن الإنسان يلد إنسانًا من نوعه. وتحبل المرأة بابن من نفس نوعها.
وهكذا كل الكائنات الحية تنتج نسلًا، أو تنتج ثمرًا، من نفس النوع، من نفس الجنس... وهكذا الإنسان بلا شك. نسله فيه من نفس الطبيعة... مادام الإنسان له روح، يكون نسله له روح، من نفس وقت الحبل به.
ولكن الذين يقولون بعقيدة خَلْق الروح، لهم آراء لا مانع من أن نناقشها معهم.
* نقطة بسيطة يمكن تجاهلها وهي اعتمادهم على (عاموس 4: 13) في قوله عن الله "فأنه هو الذي صنع الجبال وخلق الروح".
إن كلمة "أبنفما" πνεύμα في اليونانية Spiritus في اللاتينية تعنى الروح وأيضًا الريح... وقد تُرْجِمَت هذه الآية في King James وNIV بالريح هكذا: And created the wind.
يستعملون أيضًا (عب 12: 9): "أفلا نخضع بالأولى جدا لأبي الأرواح فنحيا".
فنقول أن الله هو أب للإنسان كله، جسدًا وروحًا. وهكذا دعى في الكتاب أبا لنا، وليس لأرواحنا فقط. وإنما ذكرت عبارة "أبو الأرواح" هنا لتمييز الله عن آبائنا حسب الجسد. فأن كنا نخضع لهؤلاء الآباء فبالأولى لله... علما بأن آبائنا حسب الجسد قد ولدونا أيضًا جسدا وروحا، وهكذا الله يولد له كل منا في المعمودية إنسانًا جديدًا، جسدًا وروحًا...
* يحتج هؤلاء بالآيات التي وردت فيها "جابِل الروح" (زك 12: 1).. وما أشبه من عبارات الخَلْق.
فنقول أن الإنسان كله يعتبر مخلوقًا، باعتباره مولودًا من مخلوق. وليس المقصود خلقا مباشرًا له... والأمثلة عديدة.
لتلاميذه "اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" بينما كلهم مولودون، ولكنهم من نسل مخلوق. ويُقال في سفر الرؤيا "لأنك أنت يا رب خلقت كل الأشياء وهي بإرادتك كائنة وخُلِقَت" (رؤ 4: 11)..
يقول الكتاب "اذكر خالقك في أيام شبابك" (جا 12: 1) بينما هو يكلم إنسانًا مولودًا، ولكنه من نسل مخلوق فيعتبر مخلوقًا. ويقول الرب
كل البشر يعتبرون مخلوقين، لأنهم من أصل مخلوق.
مع أنهم مولودون من آباء وأمهات، ولم يخلقوا مباشرة...
فيقول الكتاب "فليعرف كل الناس خالقهم" (أي 37: 7).. ويقول "ليفرح إسرائيل بخالقه" (مز 149: 2). وأيضًا "نجثو أمام الرب خالقنًا" (مز 95: 6).. نعم "لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (أف 2: 10).
الكل مخلوقون كبشر، ليس كأرواح فقط.
الإنسان كله يعتبر مخلوقًا، مع أنه مولود من امرأة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/spirits-and-religion/is-soul-created-or-born.html
تقصير الرابط:
tak.la/h99ygy5