محتويات |
الثمر في حياة الفضيلة والبر:
الحياة الروحية لا بُد أن يكون لها ثمر في حياتنا،بل وفي حياة الآخرين أيضًا.
وقد اهتم الرب بهذا الثمر فقال "أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام. كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه. وكل ما يأتي بثمر، ينقيه ليأتي بثمر أكثر... أنا الكرمة وأنتم الأغصان.
ووصية الإثمار موجودة من بدء الخليقة. إذ قال الرب:
"أثمروا وأكثروا، واملأوا الأرض" (تك28:1).
وإن كانت هذه الآية تتعلق بالإثمار الجسدي، أي التوالد، إلا أنها من الناحية الرمزية يمكن أن نتناولها بمعنى روحي... كأنها دعوة إلى المؤمنين أن يثمروا روحيًا، ويكثر عملهم الروحي حتى يملأ الأرض...
وفي قصة الخليقة يقول سفر التكوين أيضًا أن تنبت الأرض "شجرًا ذا ثمر يعمل ثمرًا كجنسه"، "شجرًا يعمل ثمرًا بذره فيه كجنسه" (تك1: 11، 12).
إذن ينبغي أن يكون كل منا شجرة مثمرة في جنة الرب، شجرة ذات ثمر تصنع ثمرًا بذره فيه كجنة...
وما دمنا أشخاصًا روحيين، إذن لا بُد أن يكون ثمرنا روحيًا. وليس جسديًا. فالكتاب يقول "مَن يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غل8:6).
وهكذا يحدثنا الكتاب عن ثمر الروح.
فيقول "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف" (غل23:22).
ويشدد الكتاب على أهمية الثمر، وعقوبة من ل يثمر، فيقول:
"كل شجرة لا تصنع، تقطع وتلقي في النار".
هذا قاله السيد المسيح في العظة على الجبل (مت 19:7). ونفس الكلام قاله أيضًا يوحنا المعمدان: والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجرة. فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقي في النار" (مت10:3).
ولقد لعن الرب شجرة التين التي ليس فيها ثمر (مت19:21).
شَدَّد الرب على أهمية الثمر الجيد" أجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيدًا"، "لأن من الثمر تعرف الشجرة" (مت33:12). وقال:
"مِن ثمارهم تعرفونهم" (مت20:7).
كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة. وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثمارًا رديئة. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا رديئة ولا شجرة رديئة أن تصنع أثمارًا جيدة" (مت7: 17، 18). لأنهم لا يجتنون من الشوك تينًا، ولا يقطفون من العليق عنبًا" (لو6: 43، 44).
إذن يا أخي، انظر ما هو نوع ثمرك؟ وما مقدراه؟
قال الرب عن الأرض الجيدة إنها "أعطيت ثمراُ: بعض مئة، وآخر ستين، وآخر ثلاثين" (مت8:13). من تواضع الرب أنه ذكر الثمر الذي أعطى ثلاثين...! طوبه لأنه ثمر، ولو انه قليل. إذن لا بُد أن تعطي ثمرًا ولو قليلًا... وماذا الرب إن وجدك تعطي ثمرًا ولو كان قليلًا؟! يقول إنه:
"ينقيه ليأتي بثمر أكثر" (يو2:15).
إذن لا بُد أن تكون أرضك جيدة، وتعطي ثمرًا. وماذا؟ يقول الرب "أنا اخترتكم وأقمتكم، لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم" (يو16:15). ومع داود هذا الثمر، ينقيه الرب ليأتي بثمر ليأتي بثمر أكثر...
إذن ينبغي أن يكون لك ثمر دائم، غير منقطع.
وما اشبع الصورة التي رسمها القديس يهوذا غير الإسخريوطي إذ قال "أشجار خريفية بلا ثمر ميتة" (يه12). فاعتبر أن الشجرة التي بلا ثمر هي شجرة ميتة... ولقبها بشجرة خريفية، أي من النوع الذي يتساقط ورقة في الخريف.
ولذلك حسنًا قيل عن الشجرة الجيدة في المزمور الأول:
"تعطي ثمرها في حينه، وورقها لا ينتثر" (مز3:1).
"في حينه" أي لا يتأخر في إعطاء الثمر، أو في حينه بمعنى أن يعطي الثمر في وقته المناسب... ولماذا وصف الشجرة بهذا الوصف الجميل؟ يقول: لأنها "مغروسة على مجاري المياه"... وهنا نتحدث عن عوامل الإثمار:
وهذا ما قاله الرب في مثل الزارع، فقال عن البذار، فقال عن البذار "وسقط البعض على أرض جيدة فأعطى ثمرًا..." (مت8:13). فلا تكون الأرض محجرة، على الطريق، ولا مملوءة بالأشواك، ولا ضحلة بغير عمق، كما ورد في المثل.
فالكلام الذي قال الرب للشاب الغني، لم يقع على أرض جيدة، وإنما على نفسية محبة للمال، لذلك سمع الشاب الكلام "ومضى حزينًا" (مت22:19). بينما نفس العبارة سمعها في الكنيسة شاب آخر غني، ولكن أرضه جيدة، فمضى وباع أملاكه ووزع على الفقراء. وصار له ثمر كثير... عشرات الآلاف من الرهبان، ومن النساك تبعوا طريقة، وسلكوا مثله، لأن بذره كان يصنع ثمرًا كجنسه (تك11:1).
الأرض الطيبة تعني أن الإنسان يميل إلى الخير بطبيعته، يقبل كلمة الرب بفرح وباستعداد للعمل، ويعطي ثمرًا. أما الأرض المحجرة فتمثل القلب القاسي الذي لا يتأثر بسرعة، وربما لا يتأثر إطلاقًا، مهما سمع من عظات، ومهما قرأ من كلام روحي لذلك يقول الرسول عن نداء الله في القلب "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7، 8).
الأرض الطبية تكون من الداخل غير محجرة. ومن الخارج لا تحيط بها الأشواك وتخنق زرعها.
سليمان الحكيم كان أرضًا طيبة. ومع ذلك أحاطت به الأشواك. أعني زوجاته الأجنبيات غير المؤمنات اللائن "أملن قلبه وراء آلهة أخرى"، فلم يعد قبله كاملًا أمام الرب. وأخطأ كثيرًا، وأقام مرتفعات لآلهة الأمم" (1مل11: 4-8).
وشمشون في أول حياته "ابتدأ روح الرب يحركه" (قض25:13). وحل عليه روح الرب (قض6:14). ثم أحاطت الأشواك بهذه الأرض الجيدة أعني صاحبته دليلة، حتى فقد نذره، وقص شعره، وقلعوا عينيه وصار يطحن في بيت السجن (قض21:16). وقبل وقتذاك "إن الرب قد فارقه" (قض20:18).
ومن أمثلة هذا الغذاء، ما قيل عن الشجرة التي لم تصنع ثمرًا ثلاث سنوات "أتركها هذه السنة أيضًا، حتى أنقب حولها وأضع زبلًا، فإن صنعت ثمرًا، وإلا ففيما بعد تقطعها" (لو13: 8، 9). والزبل هو من أجود أنواع السماد البلدي... أن كل إنسان يحتاج إلى غذاء روحي لكي يثمر...
والأغذية الروحية اللازمة للإثمار كثيرة ومنها:
قراءة الكتاب المقدس والكتب الروحية، كلمة اله التي يحيا بها الإنسان (مت4:4). كذلك التأملات الروحية والتداريب الروحية، والصلاة والتناول من سر الافخارستيا المقدس... لقد قيل عن الشجرة التي لا تعطي ثمرها في حينه. "إنها مغروسة على مجاري المياه... والماء يمثل عمل الروح القدس في القلب (يو38:7). إنه الماء الحي الذي يروي النفس.
إذن لكي تثمر لا بُد من عمل الله فيك.
لا بُد من ثباتك في الله، كما يثبت الغصن في الكرمة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولهذا قال السيد الرب "كما إن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته، إن لم يثبت في الكرمة، كذلك انتم أيضًا إن لم نثبتوا في"، "الذي يثبت فيَّ وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير، إن كان أحد لا يثبت في، يطرح خارجًا كالغصن، فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق (يو15: 4-6).
تثبت في الله معناها أن تثبت في محبته (لو9:15). ومعناها أيضًا أن تشترك مع روحه في العمل، فتدخل في شركة الروح القدس (2كو14:13).
فهل حياتك الروحية مغروسة على مجاري المياه؟
وهل باستمرار تمتص من الله الماء الحي (ار2)؟
هل تأخذ من الماء الحي الذي وعد به المرأة السامرية؟ (يو4: 11، 10) هذا الماء الذي "ينبع إلى حياة أبدية"... وهل أنت مستمر على غذائك الروحي، لا ينقطع عنك بل تنمو به نفسك... وماذا أيضًا:
سواء الآفات البشرية أو الأعشاب المتطفلة المؤذية، أو الأمراض الزراعية. وهكذا تنتقي الأرض ويتبقَّى الشجر، فيثمر ولا يتلف ثمره...
افحص نفسك، ما هي الآفات التي تعطل ثمرك الروحي؟ وهل أنت تلاحظ نفسك وتحرص أن تنتقي باستمرار من هذه الآفات: سواء كانت أخطاء روحية أو نفسية أو فكرية، أو عادات مسيطرة عليك، أو صداقات تجرك إلى أسفل... وتذكر قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يومًا إذا كنت تبنه وغيرك يهدم
ما فائدة أن تعطي أرضك الطيبة غذاءها الروحي، ثم يأتي الطير فيلتقط ثمرها، أو تحل عليه لطع تفسد الثمر، أو تدخل الديدان فتأكله أو تتعرض لقول الكتاب: "إن المعاشرات الرديئة تفسد الجيدة" (1كو33:15).
فهل تتعرَّض إلى عثرات تفسد كل تأثيراتك الروحية؟
* لا بُد أن تموت نفسك عن كل أمور العالم. وكمل يقول الكتاب عن حبة الحنطة أنها "إن ماتت تلتي بثمر كثير" (يو24:12).
هناك أنواع كثيرة من الثمر في حياة الإنسان: بعضها نافع له والبعض غير نافع...
هناك ثمر عقلاني، مجرد فكر يعمل، وله إنتاج فكري، ولا علاقة له بالروح، وليس له ثمر في حياة الإنسان الروحية.
وهناك ثمر اجتماعي: إنسان دائب العمل داخل المجتمع ومشاكله. وقد يكون لهذا النشاط الاجتماعي ثمر في حياته وقد لا يكون.
وهناك ثمر روحي، وهو بروجك، أو بعلاقتك بالله، أو بعلاقتك بالناس:
فالخاص بعلاقتك بالله هو المحبة والإيمان.
والثمر الخاص بك هو الفرح والسلام والصلاح.
والثمر الخاص بعلاقتك بالناس هو الوداعة والتعفف واللطف، وكل الأناة، والمحبة أيضًا. كل هذه ثمار روحية (غل5: 22، 33). إذا ظهرت في حياتك يعرفك الناس بها...
وهذه الثمار يسمونها أحيانًا ثمر البر.
وعن هذه يقول الرسول "لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى ويوم المسيح، مملئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله" (في1: 10، 11). ويقول الكتاب "وثمر الروح يزرع في السلام" (يع18:3).
ومن ثمر البر، ثمار التوبة، كما قال المعمدان:
"اصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة (مت8:3).
وثمر التوبة يظهر في انسحاق القلب وفي الدموع، كما قيل في المزمور الخمسين. "القلب المنسحق والمتواضع لا يرذله الله". وكما قيل أيضًا "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج" (مز125). ومن ثمار التوبة الحرارة الروحية، والعمل على إصلاح الأخطاء الماضية والشفقة على المخطئين وعدم إدانتهم (عب3:13). وبهذه الثمار وأمثالها، لا يعود التائب يرجع إلى الوراء.
ومن الثمار الروحية أيضًا ما قال عنه القديس بولس الرسول إن الرب: لم يترك نفسه بلا شاهد. وهو يفعل خيرًا. يعطينا من السماء أمطارًا، وأزمنة مثمرة، ويملًا قلوبنا طعامًا وسرورًا" (أع17:14). إذن الأزمنة القاحلة هي الخالية من كل خير. أما المثمرة فهي المملوءة بالعمل الصالح... البعيدة عن أعمال الظلمة غير المثمرة (أف11:5).
ومن الثمار الروحية ثمر الخدمة في كسب النفوس إلى الرب.
أتراك يا أخي لك ثمر في خدمتك، وثمر كثير يفرح به الرب، كما يقول الرسول "من رد خاطئًا عن طريق ضلاله، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا" (يع20:5). أعلم إذن أن كل نفس تخلصها، تكون ثمرة في شجرة حياتك تقدمها حلوة إلى الله...
وهي ثمرة لمجد الله، كمل قال الرب "بهذا يتمجد أبي أن تأتوا بثمر كثير، فتكونون تلاميذي" (يو8:15). بل حتى حياتنا الروحية وأعمالنا الصالحة، يكون ثمرها تمجيد الله أيضًا، كما قال الرب أيضًا: لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت16:5).
إن الكلمة الطيبة، كلمة المنفعة أو كلمة التسبيح، يسميها الكتاب ثمر الشفاه.
فيقول "فلتقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح، أي ثمر شفاه معترفة باسمه" (عب15:13). فما هي الثمار التي تقدمها شفتاك للرب. كما يقول الكتاب "الصديق ينبوع حياة" (أم:11:10). "فم الصديق ينبت الحكمة" (أم 31:10).
ومن أمثلة الثمار في الخدمة، أرسل القديس بولس الرسول إلى أهل رومية يقول لهم قصدت مرارًا كثيرة أن آتي إليكم... ليكون لي ثمر فيكم أيضًا كما في سائر الأمم" (رو13:1).
أخيرًا يا أخوتي، أن الثمر بركة من الرب.
كما قال الرب لمن يطيع وصاياه "مباركة تكون ثمرة أرضك، وثمرة بطنك، وثمرة بهائمك: نتاج بقرك وإناث غنمك" (تث4:28). ويقول في المزمور "امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك" (مز3:128).
حقًا إنها بركة من الرب، ولكنها بسبب رضاه. ورضا الله بسبب حياة الإنسان الصالحة المقبولة أمامه. فلنسك إذن حسنًا قدامه، لكيما يعطينا ثمرًا في حياتنا الروحية، وثمرًا في خدمتنا... يعطينا ثمر الروح القدس العامل في أرواحنا البشرية هذا الذي شرحه القديس بولس الرسول في (غل 5: 22، 23).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/righteousness/fruit.html
تقصير الرابط:
tak.la/w86hc3r