3
مبدأ الدينونة والعقوبة (ج)
مبدأ العقوبة والمجازاة، واضح في الكتاب المقدس، وفي طقوس الكنيسة.
فالكتاب يقول "لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا" (2 كو 5: 10)
وشرح الرب نفسه ما يحدث من دينونة حينما يقفون أمامه في مجيئه الثاني، فيميزهم بعضهم عن بعض ويحاكمهم. ويقول للبعض "تعالوا إلى يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34). ويقول للبعض الآخر "اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت 25: 41).
كذلك قال "إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت 16: 27). وقال نفس الكلام في (رؤ 22: 11). وقال القديس يوحنا الرائي "رأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله. وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة. ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم... دينوا كل واحد بحسب أعماله... وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة، طُرح في بحيرة النار" (رؤ 20: 12-15).
ونحن نؤمن بهذه الدينونة في قانون الإيمان.
حيث نقول عن الرب يسوع "يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات".
ونقول في قطع صلاة النوم.
"هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب ومرتعب من كثرة ذنوبي. لأن العمر المنقضي في الملاهي يستوجب الدينونة".
ونقول في القداس الباسيلي:
ورسم يومًا للمجازاة، الذي يأتي فيه ليدين المسكونة بالعدل، ويعطى كل واحد واحد . كنحو أعماله
كل هذه نصوص واضحة عن الدينونة، وغيرها كثير... فكيف يقول ذلك المؤلف إن الله لا يدين أحدًا ولا يقاصص أحدًا؟!
ثم يقول عن دينونة إبليس وكل جنوده الشياطين؟
حيث يقول الكتاب (في سفر الرؤيا) "وإبليس الذي كان يضلهم، طرح في بحيرة النار والكبريت، حيث الوحش والنبي الكذاب، وسيعذبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين" (رؤ 20: 10).
ويقول الكتاب أيضًا "إن كان الله لم يشفق على لملائكة قد أخطأوا، بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم، وسلمهم محروسين إلى القضاء" (2 بط 2: 4).
والرب نفسه يقول للشيطان في سفر حزقيال النبي "فأطرحك من جبل الله، وأبيدك أيها الكاروب المظلل من بين حجارة النار. قد ارتفع قلبك لبهجتك. أفسدت حكمتك لأجل بهائك... سأطرحك إلى الأرض... وأصيرك رمادًا على الأرض أمام عيني كل من يراك" (حز 28: 16-18).
ويقول له في سفر إشعياء النبي "وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السموات، أرفع كرسي فوق كواكب الله... أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العّلى. لكنك انحدرت إلى الهاوية، إلى أسافل الجب" (أش 14: 13-15).
أليست في كل هذه الأمثلة دينونة؟ بل إن الشيطان -مما سبق- كانت له دينونتان:
الدينونة الأولى أو العقوبة الأولى، كانت طرحه إلى الأرض. والثانية التي تنتظره هي طرحه في بحيرة النار والكبريت.
ننتقل إلى نقطة أخرى، وهي عقوبات للبشر:
* تحدثنا من قبل عن عقوبة الله التي أصدرها على الخاطئ بالموت بقوله "النفس التي تخطئ، هي تموت" (حز 18: 4).
على أن هناك عقوبات كثيرة سجلها الكتاب المقدس -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- بعضها صدرت من الرب نفسه، وبعضها من أفواه رسله القديسين، نذكر منها:
* عقوبة الرب للمدن التي رفضته، ولم تؤمن على الرغم مما رأته من معجزاته . الكثيرةوذلك في قوله "ويل لك يا كورزين، ويل لك يا بيت صيدا. لأنه لو صنعت في صور وصيدا القوات المصنوعة فيكما، لتابتا قديمًا في المسوح والرماد. ولكن أقول إن صور وصيدا تكون لهما حالة أكثر احتمالًا يوم الدين مما لكما. وأنت يا كفر ناحوم المرتفعة إلى السماء، ستهبطين إلى الهاوية... ولكن أقول أن أرض سادوم تكون لها حالة أكثر احتمالًا يوم الدين مما لكِ" (مت 11: 20-24). ونلاحظ أن تكرار عبارة "حالة أكثر أحتما لًا، إنما تدل على تفاوت درجات العقوبة في يوم الدين.
* كذلك عقوبة الرب لأورشليم وحكمه بخراب الهيكل.
وذلك في قوله "يا أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم مرة أردت أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (مت 23: 27، 28).
* كذلك عقوبته التي فرضها على الخطاة الذين ليس لهم ثمر روحي:
مثل قوله "أنا الكرمة الحقيقية وأبى الكرام. كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه... إن كان أحد لا يثبت في، يطرح خارجًا كالغصن فيجف، ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق" (يو 15: 2، 6).
ومثل قوله في العظة على الجبل "كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تقطع وُتلقى في النار" (مت 7: 19). وفي نفس هذا المعنى قال القديس يوحنا المعمدان "والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تُقطع وَتُلقى في النار" (مت 3: 10).
* أيضًا حكم الرب بالهلاك على غير التائبين.
مثل قوله "أتظنون أن هؤلاء الجليليين كانوا خطاة أكثر من كل الجليليين لأنهم كابدوا مثل هذا؟ كلا أقول لكم: بل إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون. أو أولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم: أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الناس الساكنين في أورشليم؟! كلا أقول لكم. إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون" (لو 13: 2-5). وهكذا كرر الرب مرتين عبارة:
إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون" (لو 13: 3، 5).
ومع ذلك العقوبة التي وّقعها في سفر الرؤيا على إيزابل التي تقول إنها نبية حتى تعلم . وتغوي الناسفقال "أعطيتها زمانًا لكي تتوب ولم تتب". ففرض عليها عقوبة، وعلى الذين يخطئون بسببها "إن كانوا لا يتوبون عن أعمالهم؟ (رؤ 2: 20-22). وختم الرب ذلك بقوله "وسأعطى كل واحد منكم بحسب أعماله" (رؤ 2: 23).
مثال آخر هو الويلات التي صبها على الكتبة والفريسيين.
كما ورد في (مت 23) حيث كشف لهم أخطاءهم ورياءهم. وقال لهم في نهاية الويلات "أيها الحيات أولاد الأفاعي، كيف تهربون من دينونة جهنم" (مت 23: 33). وقال لهم أيضًا "لكي يأتي عليكم كل دم زكى سفك على الأرض، من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن براخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح" (مت 23: 35).
ألا يظهر في هذا كله عدل الله كما تظهر عقوباته...
ومن أمثلة ذلك عقوبات أخرى كثيرة:
منها ما قاله الرب في العظة على الجبل "كل من يغضب على أخيه باطلًا، يكون مستوجب الحكم. ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (مت 5: 22). ومع أن هذه عقوبات على خطايا اللسان، فإن الرب يضيف أيضًا "بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (مت 12: 37). إذن هناك دينونة وعقوبة، ليس فقط على خطايا الفعل، بل أيضًا على خطايا اللسان. وحتى على نظرة الشهوة (مت 5: 28، 29).
* أيضًا ذكر الرب عقوبات في الأمثال التي ذكرها.
فقال في مثل الحنطة والزوان "فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار، هكذا يكون في انقضاء العالم: يرسل ابن الإنسان ملائكته، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان... من له أذنان للسمع فليسمع" (مت 13: 40-43).
وكرر الرب نفس العقوبة في مثل السمك الجيد والرديء (مت 13: 49).
وفي مثل العشر عذارى، عوقبت الجاهلات، بأن أُغلق الباب في وجوههن، وقال الرب لهن "إني لا أعرفكن" (مت 25: 10-12).
وفي مثل صاحب الوزنة الواحدة التي أخفاها في الأرض، ولم يتاجر بها ويربح، أُخذت منه الوزنة، وقال الرب عنه "والعبد البطال، أخرجوه إلى الظلمة الخارجية، هناك " يكون البكاء وصرير الأسنان (مت 25: 30).
وكرر نفس العقوبة للذي حضر العرس وليس عليه لباس العرس (مت 22: 11-13). ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن العقوبة في أمثال وأقوال أخرى.
عقوبات صدرت من رسل الرب بسلطان منه.
منها "كل ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطًا في السماء" (مت 18: 18). وقوله "من أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو 20: 23).. وكل هذه عقوبات...
ومن العقوبات الشديدة أن القديس بطرس الرسول حكم على كلٍ من حنانيا وسفيرا بالموت، فماتا. لأنهما كذبَا على الروح القدس (أع 5: 1- 10).
ومنها العقوبة الشديدة التي فرضها القديس بولس الرسول على خاطئ كورنثوس (1 كو 5: 5) وقوله لمؤمني كورنثوس "أعزلوا الخبيث من وسطكم" (1 كو 5: 13).
كانت عقوبة ولو أنها كانت للخير، وتسببت في توبة ذلك الخاطئ فطلب الرسول أن يمكنوا له المحبة حتى لا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط" (2 كو 2: 6، 7). ولكنها عقوبة، وقد تكون العقوبة علاجًا. نقول هذا لمنكر العقوبات.
ومن العقوبات المشهورة أن القديس بولس الرسول حكم على باريشوع (عليم الساحر). بالعمى فجعل يدور ملتمسًا من يقوده بيده (أع 13: 6-11).
نلاحظ أن الرب أصدر عقوبات أرضية غير العقاب الأبدي.
مثال ذلك معاقبة موسى النبي بعدم دخول أرض الموعد (تث 32: 52). وكما عاقب داود النبي بعقوبات أرضية أيضًا (1 صم 12). وعاقب بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر بالموت في برية سيناء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/new-heresies/judgment.html
تقصير الرابط:
tak.la/whtssy8