2
حول العقوبة:
هؤلاء الذين يحاربون عدل الله، إنما ينكرون صفة جوهرية فيه كديان عادل. ويركزون فقط على رحمته ومحبته.
وإن حاربوا عدل الله باسم الرحمة، فليعرفوا أن صفات الله لا تنفصل عن بعضها البعض، فعدل الله عدل رحيم، ورحمة الله رحمة عادلة.
وهم في التركيز على محبة الله، إنما يتجاهلون الآيات العديدة التي تتحدث عن عدله، أو يحاولون تفسيرها لتتمشى حسب لون تفكيرهم الخاص! وإن أوردوا بعض أقوال الآباء أحيانًا، إنما يقتبسون بطريقة مقتضبة، كأن ينتزعوا عبارة دون إشارة إلى الجو الذي قيلت فيه. وهكذا يفعلون أيضًا بالنسبة إلى اقتباساتهم من القداس الإلهي.
فمثلا اقتباسهم عبارة "حوَّلت لي العقوبة خلاصًا؟!"
يركزون على كلمة (خلاصًا) ويتجاهلون أنه خلاص من عقوبة! ومع ذلك فبكل جرأة يقولون إن الله لا يعاقب أحدًا..!
وحينما يستخدمون عبارة "أزلت لعنة الناموس عنى".
يركزون على عمل السيد المسيح الفدائي في إزالته لعنة الناموس عنا. وينسون أن الله هو الذي وضع تلك اللعنات على كل من يخالف وصاياه (تث 27، 28).
وعندما يقتبسون عبارة "أرسلت لي الناموس عونًا":
إنما يركزون على عبارة (عونًا). وينسون أن الناموس كان عونًا من جهة الإرشاد، ولكنه كان أيضًا ميزانًا للعدل والدينونة. حتى أن الناس يدانون حسبما ورد في كلمات ذلك الناموس.
ويعوزني الوقت إن أوردت كل أمثلة اقتباساتهم. ولكني أقول إنهم:
في سبيل التركيز على محبة الله، ينكرون كل كلمات العقوبة. فينكرون عقوبة الموت، وعقوبة اللعنة، وكل ما يتعلق بالعذاب الأبدي!
ويعتبرون أن الله ليس له شأن ولا تدبير في كل ذلك!
ويقولون إن الإنسان هو الذي سبب لنفسه كل ذلك بحرية إرادته... ونحن لا ننكر أن الإنسان هو الذي كان السبب في تعرضه للعقوبة. ولكن في نفس الوقت هو الذي عرض نفسه لحكم الله. وما كان الموت ولا الهلاك إلا عقوبة أصدرها الله نفسه. وما كانت اللعنة ولا العذاب الأبدي إلا عقوبة أصدرها الله نفسه. فكيف يقال إنها ليست من تدبير الله؟
أول مرة وردت فيها كلمة الموت، كانت من فم الله، وبحكم الله.
فهو الذي قال للإنسان الأول عن الشجرة المحرمة "يوم تأكل منها موتًا تموت" (تك 2: 17). فكيف يتجرأ شخص ويقول "وحتى عندما نقول إن الموت هو حكم الله على الخاطئ، فهذا لا يعنى أن الموت من تدبير وصنع الله أبدًا" بل كلمة حكم Judgement تعني تقييم أو تشخيص"!!
وكيف يقول أيضًا "إن الله خلقنا للحياة، ولم يخلق أو يدبر عقوبة الموت أبدًا"!! حقًا إنه خلقنا للحياة. ولكنه حكم بالموت على المخالفة. وهوذا الله يقول في أواخر سفر التثنية:
"قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير، والموت والشر" (تث 30: 15).
إذن الله هو الذي جعل الحياة (الحياة الأبدية) مكافأة لعمل الخير. كما جعل الموت جزاء على عمل الشر. ويكرر نفس الكلام في نفس الإصحاح فيقول "قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا" (تث 30: 19). فكيف يقال إن هذا ليس من تدبير الله؟!
وكيف في تأمله عما ورد في القداس الإلهي عن الموت "كنا ممسكين به، مبيعين من قبل خطايانا، يقول "مَبيعين (بإرادتنا) من قِبَل خطايانا. وليس إمساك الموت بنا من إرادة الله كعقوبة!
حقًا كما نقول في القداس الإلهي "أنا اجتذبت لي قضية الموت". ولكننا اجتذبنا قضية الموت التي حكم بها الله علينا إن أخطأنا.
فإرادتنا الخاطئة عرضتنا للحكم الصادر من الله، عقوبة للخطية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
وليس هذا في العهد القديم فقط، إنما في العهد الجديد أيضًا. فهوذا بولس الرسول يقول في رسالته إلى العبرانيين "فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف، وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين.." إلى " أن يقولمخيف هو الوقوع في يدى الله الحى" (عب 10: 26-31).
فهل ننكر إذن الدينونة -وأولها الموت- في حديثنا عن محبة الله؟!
أما عبارة "الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس".
فليس معناها أن إبليس هو الذي أصدر حكم الموت، إنما هو الذي أغوى الإنسان لكي يخالف وصية الله، فيقع في حكم الموت الذي أصدره الله. وهكذا نقول لله في القداس الإلهي عن الإنسان "ولما سقط بغواية العدو، ومخالفة وصيتك المقدسة..".
سقوطنا إذن كان بإرادتنا، وبتدخل إبليس الذي حسدنا وأغوانا لنخالف وصية الله المقدسة. فوقعنا في حكم الله بالموت.
الله هو الذي يصدر حكم الموت، وهو الذي يرفعه بتوبتنا.
لذلك عندما تاب داود وندم على خطيئته، سمع الحكم الإلهي على فم ناثان النبي "الرب أيضًا قد نقل عنك خطيتك. لا تموت" (2 صم 12: 13).
وفي نفس الإصحاح فرض الله الديان العادل عقوبات على داود، وحكم بالموت على ابنه المولود من الخطية قائلًا "من أجل أنك قد جعلت بهذا الأمر أعداء الله يشمتون. فالابن المولود لك يموت" (2 صم 12: 14)
ومع ذلك فإن محارب عدل الله يقول "الله لم يخلق الموت"!
إن الله حينما ينزع نعمة الحياة من إنسان، يكون قد حكم عليه بالموت. وهو كما قال عن نفسه في سفر الرؤيا "ولي مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ 1: 18). وهو الذي يميت ويحيى. وهو الذي أصدر حكمه قائلًا "النفس التي تخطئ هي تموت" (حز 18: 4).. وهو الذي قال عن توبة الخاطئ "فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها، وحفظ كل فرائضي، وفعل حقًا وعدلًا. فحياة يحيا. لا يموت" (حز 18: 21).
ألست ترى إذن أن الحياة والموت هما في يدي الله.
هذا لا يمنع أن الإنسان إذا سار في طريق البر، يستحق الحياة الأبدية التي يمنحها الله.
وإن سار في طريق الخطية يستحق الموت بحكم من الله.
وما أكثر الأحكام التي أصدرها الله بالموت:
* منها حكم الطوفان الذي قال فيه الرب "أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته... نهاية كل بشر قد أتت أمامي... فها أنا آتٍ بطوفان الماء على الأرض، لأهلك كل . جسد فيه روح حياة من تحت السماءكل ما في الأرض يموت" (تك 6: 7، 13، 17).
نعم، هذا الطوفان الذي يتهكم عليه ذلك المؤلف، الذي من أجل دفاعه عن محبة الله، لا يحترم الكتب المقدسة!
* هناك أيضًا الحكم الذي أصدره الله على قورح وداثان وأبيرام.
حيث "فتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم... فنزلوا وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية، وانطبقت عليهم الأرض. فبادوا من بين الجماعة" (عد 16: 31-33).. أليس هذا حكمًا إلهيًا بالموت، أختطفه لنفسه قورح وزملاؤه. ولكنه حكم من الله تم تنفيذه بطريقة إلهية معجزية.
* كذلك الحكم الذي أصدره بطرس الرسول على حنانيا وسفيرا.
وبطرس أصدره بحكم السلطان المعطى له من الله، لأنه لا يستطيع ذلك بمجرد قوته البشرية. وحقًا أنهما استحقا ذلك لأنهما قد كذبا على الروح القدس (أع 5: 3، 4). ولكنه حكم إلهي بالموت.
وبالمثل حكم الرب على القاتل، بقتله.
وفي هذا قال الرب بعد رسو فلك نوح ".. وأطلب أنا دمكم لأنفسكم... من يد الإنسان أطلب نفس الإنسان. سافك دم الإنسان، بالإنسان يسفك دمه. لأن الله على صورته عمل الإنسان" (تك 9: 5، 6).
وهكذا طالب الله بدم هابيل من يد قايين أخيه. وقال له "أين هابيل أخوك؟.. صوت دم أخيك صارخ إلى من الأرض.." (تك 4: 9، 10).
ولكن مُهاجم العدل الإلهي، يدافع عن الجاني وليس عن المجني عليه. ويقول "تدمير الجاني مثل المجني عليه، لإشباع غليل المجني عليه، الغليل والعطش إلى إراقه الدماء!!
أليس من العدل حماية الضعيف من بطش القوى، بمعاقبة ذلك الجاني؟!
وإلا فسوف يسود قانون الغابة، والذي يستطيع أن يأكل غيره، لا رادع له من أكله!!
إن الله كضابط للكل "يحكم للمظلومين" (مز 146: 7) وهو الذي قال في سفر حزقيال النبي "أنا أرعى غنمي وأربضها... وأجبر الكسير، وأعصب الجريح، وأبيد السمين والقوى، وأرعاها بعدل" (حز 34: 16).
الرب أيضًا عاقب داود على قتل أوريا الحثي.
وقال له في معاقبته "قد قتلت أوريا الحثي بالسيف، وأخذت امرأته لك امرأة، وإياه قتلت بسيف بنى عمون. والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد. لأنك احتقرتني.." (2 صم 12: 9، 10).
وقد قال الرب على لسان بولس الرسول: "لا تنتقموا لأنفسكم... لأنه مكتوب: لي النقمة أنا أجازي، يقول الرب" (رو 12: 19).
وقد منع الرب داود النبي والملك من بناء الهيكل عقوبة له على سفك الدماء.
وقال داود عن ذلك لسليمان ابنه "قد كان في قلبي أن أبنى بيتًا لاسم الرب إلهي. فكان إلى كلام الرب قائلًا: قد سفكت دمًا كثيرًا، وعملت حروبًا عظيمة. فلا تبنِ بيتًا لاسمي، لأنك سفكت دماء كثيرة على الأرض أمامي" (1 أي 22: 7، 8).
إن عدم العقوبة يقود إلى الاستهتار. وهناك من يخلصون بالمخافة.
كما قال الرسول "خلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار" (يه 23). وكما قيل أيضًا "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1 بط 1: 17). وأيضًا "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (في 2: 12). وليس الجميع تقودهم المحبة. هناك من تصلح لهم المخافة...
وعلى الأقل في معاقبة الجاني، نخلص العالم منه، ويرتدع الباقون.
كما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف "الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع، لكي يكون عند الباقين خوف" (1 تي 5: 20).
وبعد فإن محاربي العدل الإلهي، ينفون عن الله كل عقوبة صدرت منه. ويقولون إنه لم يلعن أحدًا من خليقته. وأنه لم يلعن الأرض، كما يظن مَن يقرأ الكلمات "ملعونة الأرض بسببك" (تك 3: 17). وإنه لا يجازى ولا يدين...
والعجيب أنهم يقفون أمام آيات واضحة، ويغيرون تفسيرها. لذلك فسوف نكمل هذا الرد في الأعداد المقبلة، إن أحبت نعمة الرب وعشنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/new-heresies/punishment.html
تقصير الرابط:
tak.la/r3yt24w