هنا ويسأل البعض سؤالًا طالما يتكرر:
هل كل فكر خاطئ يأتينا، يعتبر خطية؟
والجواب على ذلك هو: من الجائز أن يكون الفكر محاربة من الشيطان، أو هو قادم إليك من الخارج، من مصدر خارج عنك، أو من الناس الأشرار...
أما إن كان صادرًا من قلبك، من رغباتك الداخلية، ومن شهواتك، فهو حينئذ يكون خطية 100%.
فإن كان الفكر الخاطئ صادرًا من الخارج، فإن الحكم عليه يتوقف عليك: هل تقبله أو لا تقبله.
إنه لا يعتبر خطية، إن كنت لم تقبله، تضايقت منه وطردته، حتى لو ألح عليك وأنت رافض له بكل قلبك. بل قد تصلي أثناءه وتقول:"يا رب نجني من هذا الفكر"... حتى هذه المرحلة يعتبر الفكر محاربة خارجية... إذن متى يعتبر الفكر الخاطئ خطية؟
إن الخطية تبدأ من بدء استسلامك للفكر.
وتزيد أن انفعلت بها، وقبلتها، وخضعت الإرادة لها. حينئذ يكون العقل قد فتح لها بابه، بإرادته، واستمر معها، وبدأ يتعامل معها، ويأخذ ويعطي. بل ربما يكون قد تجاوب معها وخلطها بمشاعره، وأسكنها داخله...
لذلك حسنًا قيل في سفر النشيد"... أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش11:4). أي مغلقة ومقفلة أمام كل أفكار الشيطان وحيله. وعن نفس الأمر قيل في المزمور "سبحي الرب يا أورشليم... لأنه قَوَّى مغاليق أبوابك" (مز147).
واعلم يا أخي إن فكر المحاربة حينما يأتيك يكون في أوله ضعيفًا، وفي الطبقة السطحية من عقلك.
ذلك لأنه من الخارج، ومن السهل عليك أن تطرده. فإن قبلته، يدخل إلى العمق شيئًا فشيئًا. فإن انفعلت به، يزداد تعمقه، ويرتبط بإرادتك، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فإن وصل إلى القلب، يختلط بمشاعرك. وحينئذ تصبح المحاربة من الداخل وليس من الخارج. ومن هنا تبدأ سطوة الفكر وصعوبة طرده.
حقًا، ما أسهل أن تدخل الأفكار، وما أصعب أن تخرجها.
ما أسهل أن تقبل الفكر، وما أصعب أن تطرده.
فكر الشك مثلًا، من الجائز أن يدخل إلى العقل بسهولة. ولكن من الصعب أن يخرج. وهكذا فكر الشهوة، وفكر الانتقام، وفكر العظمة والمجد الباطل. احترس إذن من دخول الأفكار إليك.
ليس كل فكر يقرع على بابك، تقول له: مرحبًا بك. تفضل وادخل.
بل الفكر الشرير تقول له "اذهب يا شيطان" (مت10:4). وترشم نفسك بعلامة ، وتطرد الفكر. لأنك إن فتحت له أبواب فكرك، تكون خائنًا لله. وإن فتحت له أبواب قلبك، تكون أكثر خيانة. وتكون كمن يطرد الصليب الروح القدس الساكن فيك (1كو16:3). وأعلم أنه حينما يحاربك الفكر من الخارج، تكون إرادتك أقوى وتقدر أن تطرده. وكلما زحف الفكر إلى داخلك، تضعف إرادتك، ويقوى الشيطان في محاربته لك. ويقول هوذا قد فتح باب التفاوض معنا. نستطيع الآن أن نتفاهم معه،ونضمه إلينا بالتمام!! يكون كمن يعرض رشوة على شخص ما، فإن
وجده لينا معه، يستمر في التفاوض، وتتم العملية. أما إن كان حازمًا ويصده من البدء، فإنه لا يجرؤ... عليك إذن أن تصد الفكر من البدء. ولا تخدع نفسك وتقول: أريد أن أختبر الفكر ورأى إلى أين ينتهي!! فأنت تعلم تمامًا إلى أين ينتهي...
إذن اطرد الفكر بسرعة قبل أن يتوغل فيك. أطرده وهو في مرحلة طفولته، قبل أن ينضج ويكبر ويقوى عليك.
وهنا نذكر قول المزمور "يا بنت بابل الشقية... طوبى لمن يمسك أطفالك ويدفنهم عند الصخرة" (مز9:137). فالفكر -وهو طفل- تستطيع أن تدفنه عند الصخرة "والصخرة كانت المسيح" (1كو4:10). أما إن تركته إلى أن يكبر، فقد لا تقوى عليه. وحسنًا قال الآباء "أدبوا الأحداث قبل أن يؤدبوكم". فإن أدبت الطفل، لا يجرؤ عليك عندما يكبر. كذلك إن أدبت فكر الخطية وهو طفل، تستطيع أن تطرده قبل أن يكبر...
إن سيطرة الأفكار قد يكون سببها أيضًا شهوة خاطئة في القلب، وليس مجرد محاربة من الخارج.
وفى هذه الحالة تصدر الأفكار من القلب، وتشعلها الشهوات، وتلح على الفكر إلحاحًا لا يستطيع منه فكاكًا، تريد أن تحول الفكر إلى فعل...
فالخطية قد ملكت القلب وكل مشاعره، وبالتالي ملكت الفكر. وأصبح, من كنز قلبه الشرير يخرج الشرور، (لو45:6).
والأمر يحتاج بلا شك إلى توبة، تنقذ القلب من شهواته، فلا يعود مصدرًا لأفكار شريرة... ويحتاج الأمر إلى تجديد الذهن، كما قال الرسول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12).
وتجديد الذهن يحتاج إلى عمل إيجابي، فلا يقتصر الأمر على مجرد الجهاد السلبي في مقاومة الأفكار.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/man/fight.html
تقصير الرابط:
tak.la/9b5vmsf